تمر هذة الايام ذكري ثورة 30 يونيو 2013 وسوف يتوقف الكثيرون حول التساؤلات الكبري لهذة الثورة الشعبية المجيدة ضد حكم الاخوان وأجهزة المخابرات الغربية والاقليمية التي تحالفت معهم لاسقاط الدولة المصرية وتفكيكها بهدف إعادة تركيبها ثانية علي الهوي الاخواني الداعشي الارهابي الذي ساد المنظقة وقتها وجعل من مصر في زمن الاخوان (المظلة والعمود الفقري لتلك المخططات الاجرامية ) ستظهر تساؤلات و ستجدد ..ولكن يظل السؤال المهم والتاريخي هنا هو :لماذا فشل الاخوان في حكم مصر رغم المؤامرات والامكانات وأجهزة المخابرات المساندة لهم ورغم تلك (الانهار )التي كانت تجري من تحت أقدامهم ؟ ***** *يحدثنا التاريخ ..أن الأسباب الاجتماعية والسياسية لسقوط الاخوان ...تعددت إلا أن القاسم الرئيسي بينها كان هو " فشل الإخوان وقوى الإسلام السياسى فى إدارة الدولة والثورة " ؛ الأمر الذى أدى إلى تحركات شعبية واسعة من كافة ألوان الطيف الوطنى والسياسى على مدار الثلاث سنوات التالية للثورة ، وبخاصة خلال العام الذى حكم فيه د. محمد مرسى (2012-2013) ، لقد أدار الإخوان الدولة خلال فترتى " المجلس العسكرى " وحكم " محمد مرسى " ، باعتبارها "غنيمة" وليست " وطناً " ؛ وأهدروا عشرات الفرص لكى يدمجوا أنفسهم وتنظيمهم فى المجتمع ، والحياة السياسية والوطنية الواسعة ، وخطفوا وهم فى طريقهم إلى السلطة ؛ " الدين " ، واعتبروا أنفسهم الممثلين الوحيدين والشرعيين له ، ومن عداهم إما " كافر " أو مخالف ، أو خارج عن الملة ، فأشاعوا مناخاً من الكراهية والتعصب والاستقطاب، والغضب المكتوم ، ظلت تتراكم طبقاته إلى أن حانت لحظة الانفجار فأشتعل ، وأحرقهم ، ولم تنفع ذرائع " الشرعية " و" الديمقراطية " التى ما أن وصلوا من خلالها للحكم ، إلا وانقلبوا عليها تماماً ، وعن قصد ، ولم يقتصر خطر وخطل الإخوان وتيارات الإسلام السياسى الملتحقة بهم ، على الأمن القومى المصرى ، إذ تعداه إلى الأمن القومى العربى ، فلعبوا مع " واشنطن " لعبة المصالح ، وتفكيك الأوطان ، من أجل حكمهم لشرق أوسط جديد بقشرة إسلامية ، أسميناه –وقتذاك - تهكماً " شرق أوسط أمريكى .. بلحية " فكانت تحركاتهم وتورطهم المقصود فى ليبيا وسوريا (طيلة الأعوام 2011-2013) تحت وهم وصول فروع تنظيمهم الدولى إلى السلطة فى تلك البلاد ليس على حساب الثورات ووحدة البلاد والوطن فحسب بل علي حساب فلسطين وقضايا المقاومة فتفاهموا مع (بيريز) وصار فى الرسائل المتبادلة مع د.محمد مرسى " صديقى الوفى ! " مثالا تاريخيا حيا لذلك التحالف ولتلك الصداقة (الاخوانية – الاسرائيلة المتصاعدة) ونفس الأمر طبق مع جون ماكين وأوباما ، ولكن النتيجة كانت فى غير صالحهم ، لم يقرأ الإخوان والملتحقين بهم من قوى الإسلام السياسى ، المشهد جيداً ، لم يفهموا طبيعة المجتمع الذى حكموه فهماً صحيحاً ، لقد كانوا فى عجلة من أمرهم ، فأرادوا اختصار الوطن فى (جماعة) ولم يدمجوا (الجماعة) فى الوطن ، كانت الثورة ضدهم عارمة ومتنوعة الأدوات والتيارات ، ومهما سيقت الحجج بأن ما جرى " إنقلابا " إلا أن الواقع وما جرى فيه كان يؤكد غير ذلك تماماً .
***
* بالإجمال يمكن القول أن حكم الإخوان ومن التحق بهم من تيارات الإسلام السياسى قد خلق فى مصر حالة حادة من الاستقطاب السياسى والاجتماعى لم تكن لتهدأ أو تتفكك إلا برحيل الإخوان عن الحكم... حالة كان من أبرز مكوناتها وفقاً لما انتهت إليه أوراق ندوة مستقبل الإسلام السياسى فى الوطن العربى (مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – 30/11/2013 والتي كان كاتب هذا المقال مشاركا فيها ) ما يلى :
1 – إتباع سياسات المغالبة والمواجهة فبعد أسبوع من توليه الحكم أصدر الرئيس مرسى مرسوماً بدعوة مجلس الشعب للانعقاد ، وهو المجلس الذى قضت المحكمة الدستورية العليا بحله لعدم دستورية القانون الذى تم انتخابه وفقاً له مما دفع المحكمة إلى اتخاذ قرار بعدم دستورية قرار الرئيس واعتباره منعدماً وكأنه لم يكن ، وكان هذا المرسوم بداية لإجراءات سعت إلى السيطرة والاستحواذ على مفاصل القوة فى الدولة والمجتمع مما دفع إلى مواجهات بين الحكم ومؤسسات القضاء ، والإعلام ، والأزهر ، والأحزاب والقوى المدنية ، وإلى نمو مخاوف الجيش والشرطة تجاه مخططات الإخوان .
2 – كان الوجه الآخر للاستحواذ هو " إقصاء " المخالفين فى الرأى عن مواقع التأثير وهى السياسة التى أصابت أقرب حلفاء الإخوان وهو (حزب النور) الذى أعرب عن اعتراضه على سياسات الحكم الاستحواذية .
3 – اللجوء إلى العنف على مستواه اللفظى والمادى ، اتضح العنف اللفظى فى أحاديث وبرامج القنوات الدينية وتصريحات قيادات أحزاب الإسلام السياسى فى تناولها لموضوعات المسيحيين ، والشيعة ، والخصوم السياسيين ، أما العنف المادى فقد ظهر فى فض اعتصام الاتحادية بواسطة مجموعات من الإخوان ، وإطلاق الرصاص على المتظاهرين أمام المركز الرئيسى لجماعة الإخوان فى المقطم . ******
* بالقطع لا يمكن فهم هذه الأنماط وفقاً لاعتبارات السياسة العملية وحسب ، لأن لها أسسها العقيدية فى فكر الإخوان المسلمين وجوهره أن ما يعتقدون فيه هو الإسلام ، وما عداه ليس كذلك والدمج بين النشاط السياسى والعمل الدعوى وذلك باعتبار أن موضوع " الحكم " من أمور الإيمان والعقيدة وفقاً لتراث حسن البنا وسيد قطب وأدبيات الإسلام السياسى التى لم تراجع حتى اليوم وأدت إلى فشلهم الذريع عندما تولوا الحكم ، وكادت أن تؤدى بالبلاد إلى حرب أهلية وصراع سياسى طويل المدى وأدت بقطاعات واسعة من الشعب إلى مظاهرات مليونية فى 30/6/2013 الأمر الذى دفع الجيش للتحرك وإعلان خارطة الطريق يوم الأربعاء 3/7/2013 عبر بيان ألقاه المشير عبد الفتاح السيسى .
***
كانت أبرز نقاط بيان القوات المسلحة فى 3/7/2013 :
1 - إن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب، التي استدعت دورها الوطني وليس دورها السياسي، على أن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن ولا تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي.
2 - ولقد استشعرت القوات المسلحة - انطلاقاً من رؤيتها الثاقبة - أن الشعب الذى يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم، وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته، وتلك هي الرسالة التي تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها، وقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها واقتربت من المشهد السياسي آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسئولية والأمانة.
3 - لقد بذلت القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية جهودًا مضنيه بصوره مباشره وغير مباشره لاحتواء الموقف الداخلي وإجراء مصالحة وطنية بين كافة القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة منذ شهر نوفمبر 2012، بدأت بالدعوة لحوار وطنى استجابت له كل القوى السياسية الوطنية وقوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة فى اللحظات الأخيرة ... ثم تتابعت وتوالت الدعوات والمبادرات من ذلك الوقت وحتى تاريخه.
4 - كما تقدمت القوات المسلحة أكثر من مره بعرض تقدير موقف استراتيجى على المستوى الداخلى والخارجى تضمن أهم التحديات والمخاطـر التى تواجه الوطن على المستوى [الأمنى / الاقتصادى / السياسى / الاجتماعى] ورؤية القوات المسلحة كمؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعى وإزالة أسباب الاحتقان، ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة.
5 - فى إطار متابعة الأزمة الحالية اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة بالسيد / رئيس الجمهورية فى قصر القبة يوم 22/6/2013 حيث عرضت رأى القيادة العامة ورفضها للإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، كما أكدت رفضها لترويع وتهديد جموع الشعب المصرى.
6 - ولقد كان الأمل معقودًا على وفاق وطنى يضع خارطة مستقبل ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاءه، إلا أن خطاب السيد / الرئيس ليلة (2/7/2013) وقبل انتهاء مهلة الـ [48] ساعة جاء بما لا يلبى ويتوافق مع مطالب جموع الشعب ، الأمر الذى استوجب من القوات المسلحة، استنادًا على مسئوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد ... حيث اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يقصى أحدًا من أبنائه وتياراته وينهى حالة الصراع والانقسام ... وتشتمل هذه الخارطة على الآتـى :
● تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت .
● يؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليـا اليميـن أمام الجمعية العامة للمحكمة .
● إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيساً جديداً.
● لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية .
● تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية.
● تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذى تم تعطيله مؤقتاً .
● مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية.
● وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن .
● اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكاً فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة .
● تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات.
7 – وانتهى بيان القوات المسلحة إلى القول : تهيب القوات المسلحة بالشعب المصرى العظيم بكافة أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمى وتجنب العنف الذى يؤدى إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء ... وتحذر من أنها ستتصدى بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم ضد أي خروج عن السلمية طبقاً للقانون وذلك من منطلق مسئوليتها الوطنية والتاريخية .
***
إن المضمون النهائى لبيان القوات المسلحة الذى ألقاه " السيسى " ورسالته التى أراد أن يوصلها هو أن مصر كانت على شفا " الحرب الأهلية " ، فتحرك جيشها مسانداً للشعب إنقاذاً وليس إنقلاباً ، إنقاذاً لوطن من قوى هددت هويته ، وركائز وجوده ، ودوره الإقليمى ، وحرفت بوصلة أمنه ، وأضرت بوحدته ونسيجه ، فى سبيل الحكم ، وباسم الدين ، الذى كان براءً مما فعلوا ، فكانت ثورة 30 يونيو ومن بعدها 3 يوليو 2013 هى إنقاذ للوطن وللدين معاً ، إن جوهر ما جرى لايزال ماثلاً ولايزال قادراً على تقديم الجديد والتأثير فى الوضع الجيوستراتيجى العربى، ******
* هذا ويمكن إجمال أبرز التحديات التى واجهت مصر صباح يوم 30 يونيو 2013 والتي سميت ب(المرحلة الانتقالية )والتى انعكست تأثيراً وتأثراً بالوضع الاستراتيجى العربى فى :
1 – تحدى الإرهاب المنظم ، التي بدأت في الظهور والتي تتبع تنظيمات الاخوان المسلحة والسرية ودواعش سيناء و القاعدة ، ومن تحالف أو نسق معه من قوى الإسلام السياسى (والتي تواجد بعضها في غرب الحدود مع ليبيا) ، كان واحدا من أبرز التحديات أمام مصر فى مرحلتها الانتقالية ذات الخطوات الثلاث (الدستور – الرئاسة – البرلمان) ، وجميعنا يتذكر –الان- أنه يومها كلما اقتربت مصر من إنجاز خطوة من تلك الخطوات ، تصاعدت وتيرة العنف والإرهاب خاصة فى سيناء ، والحدود الغربية .
2 – تحدى إعادة بناء مؤسسات الدولة الحديثة والجديدة ، بعد أن تعرضت لما يمكن تسميته بـ عملية تجريف استراتيجى واسعة قام بها نظامى مبارك والإخوان ؛ فأفقدت الدولة هيبتها ووحدتها ،ولولا يقظة الشعب وتمرده وانحياز أول وأعرق مؤسسة عميقة فى الوطن له ، ونقصد بها مؤسسة الجيش لأمكن للإخوان أن يحققوا حلمهم الارهابي القديم .. ولكن على أنقاض (الدولة) التى أكملوا فيها ما بدأه أنظمة وأجهزة مخابراتية من تفكيك وتجريف سياسى واستراتيجى واسع . إن دولة بهذا الحال بعد 30 يونيو 2013 كان يعد إعادة إحياء دورها ومؤسساتها ، واحد من أبرز التحديات التى واجهتها مصر فى مرحلتها الانتقالية . وقد نجحت في المواجهة بالفعل ..واليوم (2023) وبعد عشر سنوات من العمل الشاق في كل المجالات ....علينا أن نعيد التأكيد علي هذة المعاني الاستراتيجية في الديمقراطية والعدل الاجتماعي ومقاومة الارهاب ..حتي تستمر (روح 30 يونيو ) حية و خالدة .