البحث التربوي هو كل نشاط يتصل بعملية التربية ويهدف إلى شرح الظواهر التربوية والتحكم فيها والتنبؤ بها، واكتشاف قواعد العمل اللازمة لزيادة مردود التربية بمعناها الواسع. ويشمل البحث التربوي الدراسات التجريبية والنظرية والبحوث التطبيقية والاستقصاءات والملاحظات المتصلة بالظواهر التربوية.
خطوات البحث التربوي
ينطلق البحث التربوي من منهجية علمية ومتكاملة، وخطة لا تختلف خطواتها عن الخطة التي يتبعها أي بحث علمي آخر في أي ميدان من ميادين العلم. وباختصار يمكن القول إن الخطوات الأساسية للبحث التربوي تلتقي الخطوات الأساسية للبحث العلمي وفق ما يأتي:
ـ صوغ المشكلة صوغاً واضحاً، وقد تنبثق المشكلة من ملاحظة الحوادث، وقد تطرح من قبل الباحث عن سابق تصميم. ويجب أن تكون المشكلة محددة وواضحة. وفي وسع الباحث أن يتساءل على سبيل المثال فيما إذا كان إدخال الحاسوب يساعد في التعليم على إتقان الطلبة إدراك مفاهيم البيئة والبيولوجية. وحل مثل هذه المشكلة سيسهم في تحسين واضح للعمل التعليمي.
ـ جمع كافة العناصر اللازمة لحل المشكلة سواء كانت أدوات كالروائز أم أجهزة مخبرية وتطبيقها بشكل دقيق حتى لا تفقد قيمتها.
ـ اللجوء إلى الطرق الإحصائية والخطوط البيانية التي تعطي النتائج دلالة ومعنى، ويقوم الباحث بالعمليات الحسابية الشائعة في علم الإحصاء؛ والتي من شأنها تأكيد النتائج ووضوحها.
ـ تأويل النتائج وتفسيرها ومناقشتها وتقديم المقترحات بشأنها. وقد يصل الباحث إلى نتيجة واضحة، أو تفسيرات عدة، مما يستدعي متابعة التجريب للوصول إلى يقين لاشك فيه.
مستويات البحث التربوي
يأخذ البحث التربوي مستويات متعددة أهمها:
ـ الكشف: تتمثل هذه العملية في الكشف عن وجود الظاهرة الاجتماعية التربوية وذلك عن طريق الدراسة والملاحظة والتحليل، بحيث يمكن للباحث، على سبيل المثال، أن يقرر وجود انخفاض في مستوى أداء الطلاب في مرحلة معينة من مراحل دراستهم. وفي هذا المستوى يقف الباحث غالباً عند حدود اكتشاف الظاهرة التربوية المعنية ويترك تفسير طبيعة هذه الظاهرة إلى دراسات أخرى تسعى إلى تحديد الأسباب وطبيعة العلاقة بين المتغيرات المدروسة.
ـ التفسير: ويتم في هذا المستوى تفسير العلاقات القائمة في ضوء النظريات المتاحة والتي تمكّن من فهم الأسباب والمتغيرات الفاعلة في داخل هذه الظاهرة المدروسة وإدراكها وتحديد منشئها، وظروف تكونها وشروط نموها، عن طريق دراسة معمقة لطبيعة العلاقة بين هذه الشروط والمتغيرات التربوية المجتمعية المدروسة.
ـ الضبط والتحكم: ويشير مفهوم الضبط إلى إمكانية تدخل الباحث أو المجتمع بمؤسساته من أجل التحكم في الوضعية التربوية القائمة وتوجيهها في المنحى المطلوب، على سبيل المثال عندما تدرك أسباب ومتغيرات جنوح الأحداث أو تمرد الطلاب، وعندما يتم تحديد العلاقات الداخلية القائمة بين هذه المتغيرات وبين شروط الحياة الخارجية، يمكن للباحث أو للمجتمع أن يمارس تأثيره في شروط الظاهرة المدروسة، وإذا كان تمرد الطلاب يعود إلى غياب فرص العمل يمكن أن نزيد في فرص العمل المتاحة لهم، وقد يعود ذلك إلى نقص في تلبية احتياجاتهم فيعمل المجتمع على تلبية هذه الاحتياجات وتنميتها. ويجري عزل المتغيرات قدر الإمكان في البحوث التجريبية لتعرف أثرها في المتغيرات التابعة.
ـ التنبؤ: يعد التنبؤ أحد أهم أهداف اقتصاديات التربية التي يسعى إليها البحث التربوي. ففي مستوى التنبؤ لا يقف البحث التربوي عند حدود التفسير بل يسعى إلى وضع صورة مستقبلية لنمو الظاهرة وتطورها وتأثيرها المستقبلي. فعندما تدرس ظاهرة التسرب المدرسي يمكن للباحث بعد تحديد المشكلة والكشف عن أسبابها ومتغيراتها أن يقدم صورة مستقبلية لوضعية التسرب ضمن الشروط المتاحة، وهكذا يمكن تقدير وبصورة إجمالية عدد المتسربين خلال عقد قادم من الزمن، ويمكن تقديم صورة مستقبلية عن تأثير ذلك في بعض جوانب الحياة الاجتماعية ويمكن تقدير الاحتياجات المستقبلية للمدارس والمؤسسات التعليمية وفقاً لاتجاهات التزايد السكاني ومعدلاته.
لمحة تاريخية عن نشوء البحث التربوي وتطوره
مع صعوبة التحديد الدقيق لبدايات الأنشطة العلمية في ميدان التربية يمكن أن يشار إلى أعمال وأبحاث فريدريك لوبلي (1806-1872) بوصفها من أهم المحاولات المنهجية في دراسة الظواهر الاجتماعية وقد ظهر كتابه الأول: عمال أوربيون 1855 وهو دراسة عن الحالة المالية والاقتصادية والتربوية للعمال الأوربيين في هذه المرحلة، ثم نشر كتابه الإصلاح الاجتماعي في فرنسة عام 1864، كما أجرى أكثر من مئة تحقيق مونوغرافي (وصفي) في أغلب البلدان الأوربية.
ومع ذلك يمكن القول إن حركة البحث العلمي في التربية وعلم النفس قد بدأت في ثمانينات القرن التاسع عشر، ففي عام 1879 قام ولهلم فونت بتأسيس أول معمل لعلم النفس في ليبزغ في ألمانية.
وفي هذه المرحلة كان كل من فرانسيس غالتون (1822-1911) ، وكارل بيرسون (1857-1936) ، يقومان بأنشطة علمية كبيرة في بريطانية وذلك من أجل بناء تصورات منهجية وإحصائية لتوظيفها في الأبحاث التربوية، وقد قاما بتطبيق الطرق الإحصائية في دراسة قضايا العرق والوراثة والبيئة، وفي دراسة صفات الناس الطبيعية في محاولة منهم لإثبات أهمية الوراثة في الذكاء والعبقرية.
وجاءت أنشطة بينيه[ر] (1857-1911) في مجال القياس العقلي ومسائله من أجل تطوير إمكانيات التلاميذ المتخلفين عقلياً في فرنسة. وفسر غابرييل تارد (1843-1904) بنية الحياة الاجتماعية بصورة تأخذ طابع المنهج العلمي التربوي بحيث ترك مجموعة من الأبحاث والدراسات التربوية الاجتماعية تضمنتها كتبه مثل: «قوانين الاقتداء» (1890) و«القوانين الاجتماعية» (1898) ثم «الرأي العام وعلم النفس الاجتماعي» (1901).
ورسم إميل دوركهايم (1858- 1917) الحدود المنهجية للعلوم الاجتماعية بعامة والتربوية بخاصة، وذلك في نهاية القرن التاسع عشر، وتتجلى جهوده العلمية الكبيرة في كتابه المنهجي (قواعد المنهج في علم الاجتماع) عام 1890، وقد تجلت منهجية كتابه هذا في دراسته الميدانية المشهورة حول الانتحار (1897) ثم في كتابه «التربية والمجتمع» الذي صدر عام 1922.
وقد تتالت الأبحاث والدراسات المنهجية التربوية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين فظهرت أبحاث إدوارد ل. ثورندايك[ر] (1874- 1949) في مجال سيكولوجية التعلم ولاسيما نظريته المشهورة المعروفة باسم: التعلم الارتباطي وقانون الأثر.
ولا بد من الإشارة إلى أبحاث إيفان بتروفتش بافلوف[ر] (1849-1936) المنهجية حول الارتكاس الشرطي وأهميته في التعلم.
ويمكن القول بأن صورة البحث العلمي التربوي قد تبلورت بصورة متطورة في أعمال جان بياجيه (1896-1983) الذي كان مديراً للدراسات في معمل جان جاك روسو (1955) ثم أسس المركز الدولي للدراسات الإبيستيمولوجية في جامعة جنيف. وترأس اجتماعات المؤتمرات التربوية العالمية في جنيف سنوات طويلة.
وبدأت الجامعات الأمريكية تعنى بالبحث التربوي، كما في جامعة هارفرد، وستانفرد وجامعة كلارك (1888) وجامعة شيكاغو (1890) التي رأسها ستانلي هول، وقد عمل في هذه الجامعات علماء تربية مثل كاتل وثورندايك وتيرمان وبن وود Ben Wood الذي كان مساعداً لثورندايك، وبعد ذلك انطلقت حركة بناء المراكز والمخابر العلمية النفسية والتربوية فبلغ عددها 22 معهداً للبحث التربوي في عام 1924 في الولايات المتحدة الأمريكية. وترافقت هذه الحركة مع ظهور الدوريات والمنظمات التي تهتم بالبحوث التربوية، فظهرت أول مجلة لعلم النفس والعقل في بريطانية 1876، وأنشأ ستانلي هول المجلة الأمريكية لعلم النفس عام 1887، وظهرت مجلة حوار تربوي سنة 1891، وأعمال بينيه عن الذكاء في حولية علم النفس في فرنسة في عام 1894. وتأسست مجلة سجل كلية المعلمين عام 1900 التي تضمنت أغلب دراسات ثورندايك. وفي سنة 1915 نشأت الرابطة الأمريكية للبحوث التربوية التي أحدثت تأثيراً كبيراً في حركة البحث العلمي للبحوث التربوية، ومنذ النصف الثاني للقرن العشرين نشأت فروع ومؤسسات ومراكز بحوث لا تحصر في مجال الدراسات والبحوث التربوية، فأُحدِثت في كل بلد مراكز بحوث قومية تعمل على تدعيم وتعزيز الأبحاث التربوية الجادة في ميادين مختلفة.
وتقوم في البلدان العربية مؤسسات وأجهزة للبحث التربوي مرتبطة بوزارات التربية كما في سورية ولبنان ومصر والجزائر، إضافة إلى الجامعات التي تُعنى بالبحث التربوي وتطوير طرائق التدريس والكتب المدرسية مثل مركز البحوث التربوية والنفسية في جامعة بغداد، ومعهد بورقيبة للغات الحية في تونس، والمراكز الإقليمية التي تُعنى أيضاً بقضايا البحث التربوي مثل المركز الإقليمي لتخطيط التربية وإدارتها للبلاد العربية في بيروت، ومركز تنمية المجتمع في الدول العربية في سرس الليان، وتصدر عنهما بعض البحوث التربوية. ويجدر بالذكر أنه يتوافر في البلاد العربية هيئات خاصة أيضاً تهتم بالبحث التربوي.
تصنيف البحوث التربوية
تصنيف البحوث التربوية على أساس الغرض: يميز الباحثون بين نوعين أساسيين من البحوث التربوية وذلك وفقاً لغرض هذه البحوث وهما: البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية.
ـ البحوث الأساسية: يتمثل البحث الأساسي في منظومة الجهود العلمية التي تسعى إلى تطوير النظرية العلمية وصقلها، ولا تولي هذه الجهود أهمية كبيرة للتطبيقات العلمية الآنية أو تسعى إلى حل المشكلات التربوية التي يواجهها المربي أو المجتمع. ولا يهتم البحث الأساسي فيما إذا كانت نتائجه ستوضع موضع التطبيق أم لا، ولا يلقى البحث الأساسي شعبية بين رجال التربية لأنه يتطلب درجة عالية من المهارة والوقت، وبالتالي فإن نتائجه لا توضع مباشرة موضع التطبيق. ويطلق على البحث الأساسي أسماء عديدة منها البحث النظري أو البحوث البحتة أو البحث الأولي، وهو يهدف إلى إدراك الحقائق والمبادئ الرئيسية والكشف عن النظريات والأحوال التي تحكم العملية التربوية وهو لا يعنى بتطبيق النتائج التي يتوصل إليها.
فالبحث الأساسي يؤدي إلى تشكيل نظرية ولكنه لا يؤدي بالضرورة إلى تطبيق عملي، ولكن يعد عمل سكنر المخبري المبكر حول تعلم الحمام شاهداً على كيفية انتهاء البحث الأساسي إلى تطبيقات مفيدة.
ـ البحوث التطبيقية: وأبسط البحوث التطبيقية التربوية هي البحوث الإجرائية أو (بحث الفعل) التي يطبقها المعلم على مشكلات واقعية في الصف أو المدرسة أو خارجها، وهو نوع من البحوث التطبيقية التي تجري في التربية ويمكن أن يمارسها المعلمون العاديون، ليس للبرهنة على فرضية، بل لتحسين ممارساتهم التعليمية في الصفوف المدرسية، وخارج المدرسة، ولذلك يتناولون فيها مشكلات سلوكية وتعليمية، وطرائقية، ويحاولون تشخيص المشكلة، والعمل على حلها في أثناء العمل، أو أثناء الخدمة. ويكتب المعلم تقارير بحثية يعرضها على المشرفين على البحث أو المتخصصين الذين يناقشونه بالمراحل التي أنجزها في بحثه، وتفيد البحوث الإجرائية في تحسين أدوات البحث، ومنهجية العمل، والرجوع إلى قدر مناسب من المصادر قبل كتابة التقرير النهائي للبحث، وتقديم المشروع المتكامل لتحسين التعليم والتعلم أو حل المشكلة السلوكية عن طريق البحث الإجرائي التربوي.
وقد يُحسن البحث الإجرائي باستخدام اختبارات يعدها المعلم، أو اختبارات إحصائية للفرضيات، وصار بالإمكان استخدام البحوث الإجرائية في تحسين الممارسات المهنية في التعليم باستخدام أدوات بحث إضافية كاستخدام الحاسبة الإلكترونية والحاسوب المبرمج وفقاً لقوانين علمية، مما جعل إمكان البحث التربوي التطبيقي أكثر دقة وأسرع إنجازاً وأسلم نتاجاً.
أما أرقى البحوث التطبيقية فهي البحوث التجريبية التي تضبط فيها العوامل بدقة، ويجري التحكم بالمتغيرات والعوامل بدقة، وقد استخدم المدخل النظمي في تصميم بحوث تجريبية لعوامل متعددة ومتشابكة تُيسر البحث في العلوم السلوكية والتربوية.
تصنيف البحث التربوي على أساس الطريقة أو المنهج: يصنف الباحثون من جهة أخرى البحوث التربوية وفق الطريقة والمنهجية المعتمدة في الدراسة. ومما لا شك فيه أن الطرائق تتحدد بطبيعة الموضوعات المدروسة، وتتنوع بتنوع الظواهر التربوية. هذا ويمكن للباحث أن يعتمد طريقة أو أكثر في ميدان التحليل والدراسة وتلك هي الحالة الغالبة على أكثرية الدراسات التربوية الجارية اليوم. ويمكن تحديد الملامح الأساسية لمنهجية البحث في مجال التربية وعلم النفس وفق ما يأتي:
أ ـ منهج البحث الوصفي: ينطلق البحث الوصفي من دراسة الواقع أو الظاهرة كما توجد في الواقع، ويهتم بوصفها وصفاً دقيقاً ويعبر عنها تعبيراً كمياً أو كيفياً. ويكتسب هذا المنهج أهمية خاصة في الدراسات التربوية لأن أغلبية الدراسة التربوية تنتمي إلى هذا النوع من البحث. وتسعى الدراسات الوصفية للكشف عن طبيعة العلاقات القائمة في داخل الظواهر الاجتماعية التربوية، وتحاول أن تقدم إطاراً موضوعياً لحركة الظاهرة التربوية موضوع الدراسة، ويتم الاستعانة بأدوات بحثية مناسبة مثل الاستبانات والمقابلات.
ويمكن أن نميز ثلاثة أنواع للبحوث الوصفية وهي:
ـ الدراسات المسحية: تسعى الدراسات المسحية إلى جمع البيانات والمعلومات عن ظاهرة محدودة بقصد التعرف على هذه الظاهرة وتحديد مكامن القوة ومواطن الضعف فيها. وتبحث الدراسات المسحية في الحالة الراهنة وفي الظروف التطبيقية للظاهرة وتتصف بالشمول وتعتمد على أدوات بحثية مثل: الاستبيان والمقابلة والملاحظة والاختبار.
ـ دراسة الحالة: وهي الدراسة الوصفية التي تؤكد تحليل جوانب الظاهرة بصورة مكثفة ودقيقة كأن يدرس الباحث حالة مدرسة أو أسرة أو جماعة أو مجتمع بحيث يجمع المعلومات عن هذه الحالة بصورة دقيقة لتفسير بعض المظاهر المختلفة، فدراسة الحالة تتميز بالعمق والشمول والدقة، وهي نوع من البحث المعمق عن العوامل المعقدة التي تسهم في خصوصية ظاهرة اجتماعية. ويعد منهج دراسة الحالة محاولة تحليلية للنفاذ إلى الأعماق عن طريق تفحص دائرة الحياة الكلية للوحدة المدروسة.
ـ الدراسات النمائية: هي نوع من البحث الوصفي ولكنها تؤكد على أهمية عنصر الزمن، ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى دراسات النمو التي تجري بطريقتين، طولانية أو عرضانية، ففي الدراسات العرضانية يمكن دراسة مجموعة أطفال في أعمار مختلفة لدراسة نموهم، أما في الدراسات الطولانية فتأخذ مجموعة أطفال من عمر واحد وتدرس معدلات نموهم وتطورهم عبر الزمن.
ب ـ منهج البحث التجريبي: يجري منهج البحث التجريبي في وسط شروط تجريبية مضبوطة بدرجة عالية حيث يتم عزل المتغيرات وتحديد مدى تأثيرها في شروط مختلفة قابلة للملاحظة الدقيقة، ويعتمد هذا المنهج على دراسة عينات ضابطة وتجريبية وعلى المقارنة بين النتائج الحاصلة في داخل المجموعات التجريبية والضابطة.
في البحث التجريبي وعلى خلاف المناهج الأخرى يتدخل الباحث شخصياً أو ينظم التدخل لمعرفة الآثار التي يتركها عامل دون الآخر، ومثال ذلك حين يعرّض الباحث الجماعة التجريبية لتأثير بعض الظروف المختلفة بينما تكون الجماعة الضابطة بعيدة عن تأثير العوامل المراد دراستها. ويتطلب المنهج التجريبي السيطرة على المتغيرات المدروسة كافة والتحكم فيها من أجل الوصول إلى نتائج دقيقة مضبوطة، ويعتمد على الاختبارات القبلية والبعدية، ولا يقف المنهج التجريبي عند حدود وصف الظاهرة أو تحديدها بل يسعى إلى ضبط عناصر الظاهرة وتحديد أسبابها الدقيقة.
حين يريد باحث، على سبيل المثال، أن يعرف أي الطريقتين تؤدي إلى إتقان أفضل في تعليم الأطفال للكسور هل هي طريقة التدريب أو طريقة الفهم؟ ينتقي مجموعة من التلاميذ متكافئة في معظم الصفات: السن، المدرسة، البيئة، ومن ثم يوزعهم عشوائياً في مجموعتين فيخضع إحداهما لطريقة التدريب ويخضع الأخرى لطريقة الفهم وبعد مدة يعمل على قياس الفروق في التحصيل أو في الفهم، وتصنف النتائج في جداول ورسوم. وتعالج إحصائياً، وتناقش وتفسر وفقاً للفرضيات والدراسات السابقة، ثم يقدم الباحث أو الباحثون المقترحات أو المشاريع المتكاملة للبحث المقترح.
وسائل وأدوات البحث التربوي
يوظف البحث التربوي مختلف الوسائل والأدوات المعروفة تقليدياً في مجال البحث الاجتماعي، ومن هذه الأدوات يمكن الإشارة إلى الاستبانات والمقابلة بأشكالها المقننة والمفتوحة. هذا ولا بد من الإشارة إلى الأهمية الخاصة للاختبارات التي تعمد إليها البحوث التربوية في قياس الذكاء والقدرات والاتجاهات. إضافة إلى كثير من الدراسات التي تعمل على مبدأ الملاحظة والملاحظة المنهجية في تقصي الظاهرة المدروسة. وقد تجمع بعض البحوث التربوية جملة من هذه الأدوات والمعايير والمقاييس في وقت واحد لاستجلاء الظاهرة المدروسة.