ثمود إحدى القبائل العربية البائدة، والأخباريون العرب يرجعون نسبها إلى إرم بن سام بن نوح، وكانت مواطن هذه القبيلة في المنطقة الشمالية الغربية من جزيرة العرب، وقد عُرف من منازلها الحِجْر، بوادي القُرى، بين المدينة وبلاد الشام، ومرّ بها الجغرافي المشهور إبراهيم بن محمد الإصطخري[ر] (ت 346هـ) صاحب كتاب «المسالك والممالك»، ووصفها كما رآها في زمنه بقوله: «الحِجر قرية صغيرة قليلة السُكّان، وهي من وادي القرى على يوم، بين جبال، وبها كانت منازل ثمود» قال الله تعالى: تنحتون من الجبال بيوتاً فارهين، ثمَّ قال الإصطخري في وصفها: «رأيتها بيوتاً مثل بيوتنا في أضعاف جبال، وتُسمّى تلك الجبال الأثالث، وهي جبال إذا رآها الرائي من بُعد ظنها متصلة، فإذا توسّطها رأى كل قطعة منها منفردة بنفسها، ويطوف بكل قطعة منها الطائف، وحواليها الرمل، ولا تكاد ترتقى، كل قطعة منها قائمة بنفسها لا يصعدها أحد إلاّ بمشقة شديدة، وبها بئر ثمود التي قال الله تعالى فيها وفي الناقة: لها شِربٌ ولكم شرْبُ يومٍ مَعْلومٍ . وبئر ثمود التي ذكرها الإصطخري كانت موجودة في زمن الرسول ، ونزل بها في غزوة تبوك.
فقوم ثمود كانوا إذاً ينحتون بيوتهم في جبال يصعب ارتقاؤها، وكان من منازلهم كذلك «دُومة الجندل»[ر]، وهي على مقربة من الحجر، وكان بها حصن مبني بالجندل، أي الحجارة الضخمة. وتمتد منازل ثمود غرباً حتى تقارب ساحل بحر القلزم (الأحمر) غربي واحة تيماء.
واسم ثمود يقترن في القرآن الكريم وفي مرويات الأخباريين باسم قبيلة عاد التي كانت منازلها تجاور منازل ثمود، ولم يرد لهاتين القبيلتين ذكر في التوراة، ولكنهما ذكرتا في القرآن زهاء عشرين مرّة كما ذكر في مرويات الأخباريين العرب وفي المصادر القديمة، وقد عُثر في بلاد العرب على نقوش وكتابات ثمودية كثيرة، وهي مكتوبة بخط عرف بالخط الثمودي، ويُرجح أنه مشتق من الخط المسند الذي عُرف في بلاد اليمن، ولكن الباحثين لم يهتدوا إلى قراءتها على نحو دقيق يعين على معرفة أخبارها، فقد وجد اسم ثمود في النصوص الآشورية وفي نص من نصوص سرجون الثاني مع أسماء شعوب أخرى وقعت بينها وبين الآشوريين حرب انتصر فيها الآشوريون، وورد اسم ثمود في المصادر الكلاسيكية القديمة في صور شتى منها thamyditae. وحددت تلك النصوص مساكن ثمود مثلما حددها المؤرخون العرب في الشمال الغربي من بلاد العرب.
إن أخبار ثمود وهلاكها إنما أُخذت من القرآن ومن مرويات الأخباريين، وقد ورد ذكر ثمود في القرآن على سبيل العبرة والموعظة لأنها هلكت لعصيانها نبيّها صالحاً، وهو أحد أنبياء العرب، وذكر القرآن موطنهم حجراً وبيوتهم في قوله تعالى ولقد كذّب أصحابُ الحِجْر المرسَلين. وآتَينَاهُم آيَاتِنَا فَكانوا عنها مُعْرضِين. وكانوا يَنحتون منَ الجبال بيوتاً آمنين. فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة مُصبِحين. فما أغنى عنهم ما كانوا يَكسِبُون [الحجر80 وما بعدها]. وفَصَّل القرآن خبرهم في سورة الشعراء من الآية 141 حتى الآية 158. وأطلق القرآن على عاد وثمود وقوم لوط لفظ «الأحزاب» قال تعالى وثمود وقومُ لُوطٍ وأصحاب الأَيكة أولئك الأحزاب [سورة ص آية 13].
ورد ذكر ثمود في طائفة من أشعار الجاهليين، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة:
ولقد بلتْ إرمٌ وعادٌ كيـدَه
ولقد بَلَتْه بعد ذاك ثمودُ
خـلَّوا ثيابهم على عوراتهم
فهمُ بأفنيةِ البيوتِ هُمودُ
وحاك الأخباريون وأهل الكتاب قصة مطوَّلة تحكي خبر صالح وقومه ثمود، وهي تُنسب في بعض المصادر إلى كعب الأحبار الذي تُنسب إليه جُلّ المرويات حول الأنبياء والأمم القديمة، وكان كعب يهودياً من أهل اليمن ثم أسلم في زمن أبي بكر، وكان القوم يقصدون أهل الكتاب ليشرحوا لهم قصص الأنبياء الواردة في القرآن فيخترعون لهم أخباراً وقصصاً من نسج خيالهم، وقد أورد الشهاب النويري (ت 733هـ) خبر ثمود مطوَّلاً في كتابه «نهاية الأرب» مروياً عن الكسائي عن كعب الأحبار فقال: «لمّا أهلك الله عز وجل عاداً جاءت ثمود وعمرت الأرض، وكانوا بضع عشرة قبيلة، في كل قبيلة زيادة عن سبعين ألفاً، سوى النساء والذرّية، وكثروا حتى صاروا في عدد عادٍ وأكثر، وكانوا ذوي بطش وقوة وتجبّر وكُفر وفساد، وكانت منازلهم ما بين الحجاز إلى الشام، وهي ديار الحِجْر من وادي القرى، وكان ملكهم جُندَع بن عمرو بن ثمود بن غرم بن سام بن نوح. وكانت طائفة ممَن آمنت بهُود يذكرون له كيف أهلك الله قوم عاد بالريح العقيم وكيف كانت سيرة هود فيهم فيقول: «إنَّما هلكت عاد لأنها لم تكن تشيّد بنيانها ولا تنصح آلهتها، وكان بنيانهم على الأحقاف التي هي الرمال، ونحن أشدّ قوةً وبناءً وبلاداً، ونحن نتخذ الجبال بيوتاً فننحتها في الصخر لئلا يكون للريح عليها سبيل، ونحن نعبد آلهتَنا حقَّ العبادة». وتمضي القصة بعد ذلك فتذكر بنيانهم لمدينتهم بالحجارة وصفائح الحديد، واتخاذهم صنماً مرصعاً بالجوهر لعبادته، وجعلهم «كانوه» والد صالح سادناً له، وإرسال الله صالحاً لهداية قومه ودعوتهم إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأصنام، وجاء ذكر كلام صالح في القرآن، في قوله تعالى وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبُدوا اللهَ ما لكم من إلّه غيره هو أنشأكم من الأرضِ واستعمَرَكُم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إنّ ربّي قريبٌ مجيبٌ [هود 61] فآمن به بعضهم وكفر سائرهم، وأرادوا تعجيزه فطلبوا إليه أن يخرج لهم ناقة من صخرة، فأجابه الله إلى ما طلب، فاستكبروا وعقروا الناقة، واسم عاقر الناقة قدار، وهمّوا بقتل صالح، فحقّ عليهم عذاب الله، فزلزلت بيوتهم وقصورهم، وأخذتهم الصيحة فهلكوا إلا من آمن بصالح. فقد سار بهم إلى أرض فلسطين واستقرّ بها. والخبر مطوّل والافتعال بيّن فيه، وجُلّ ما عرف عن عقيدتهم أنهم كانوا وثنيين، وكان لهم أصنام يعبدونها، منها صنم اسمه سَلْم.