في بعض المآتم والاحزان جرت العادة ان يتم استئجار الندابات اللواتي يبكين ويبكون الجمهور من خلال كمية الردح التي يمارسونها بافتعال . ترتفع الاجور وتنخفض بحسب كمية الإثارة التي يحدثونها . كذلك الواقع السياسي فمجموعات الرداحين بأجر او بلا آجر وانما التحاقا بالسوق عسى ان يضفر بشيء ما بدأت تتكاثر هذه الأيام وتستثمر على مآسي البشر والشعوب .
هذا هو الوضع في سوريا الآن وربما في العديد من البلدان العربية . لكن هذه الظاهرة تتركز اكثر ما تتركز هذه الأيام في كل من لبنان وسوريا وربما في سوريا اكثر من سواها . الكل يتقدم ليتحول الى مصلح . والى وفي لشعبه ولدولته. فيدخل لعبة المزايدة والتضخيم للمأساة . رغم ان لا احد ينكرها . ولكن يبقى الفارق في الحجم والمستوى بين الواقع وبين ما يعبر عنه .
لا احد ينكر وجود فساد في سوريا كما في بقية بلدان العالم . فالفساد لعبة قذرة يتقنها فاسدون ومتنفذون وانتهازيون . وهي ظاهرة باتت سمة عامة تجتاح الأنظمة والدول. وتبقى تنتظر العلاج . الا ان في سوريا ثمة ظروف موضوعية قاسية جدا تلعب لعبتها لتميط اللثام عن ازمة عامة في المحروقات والكهرباء والمواد الغذائية والأولية التي ارتفعت اسعارها بما يفيض عن قدرات المواطن السوري. وما زالت فرص المعالجة معلقة على اقدام الدولة من جهة . وعلى توافقات دولية قد تؤدي الى انفراج نسبي من جهة اخرى . هذا لا يعني ان الدولة غير مقصرة في الرقابة وضبط الأسعار وانفلات الفساد الذي يحمل الشعب فوق طاقاته .
ثمة مقالات بدأنا نقرأها على صفحات التواصل الإجتماعي خارج اي رقابة ذاتية او رسمية او اخلاقية تشوه الواقع السياسي والإقتصادي العام . غير آخذة بالظروف الموضوعية التي تمر بها الدولة . مقالات غير موضوعية على الإطلاق تبني على بعض المعطيات الموجودة والناتجة عن تفاعل عاملين هما الإحتلال بتنوعاته والفساد الداخلي وتقصير الدولة في العلاج .
لا شك ان هناك اخطاء وخطايا ترتكب بحق المواطن السوري انما ليست بالمستوى الذي يجري الحديث عنه بمبالغات فلكية تتحدث عنها تلك المقالات وتفتقر للحد الادنى من الموضوعية. وهي مقالات تغلب عليها الأيديولوجيا والمواقف السياسية المعارضة لقوى تريد الإنتقام لا الإصلاح اكثر مما يغلب عليها السرد الموضوعي .
ثمة مغالاة كبرى في الكلام الذي يطلق على عواهنه لا يتسق مع ادعاء الحرص على الشعب السوري والدولة السورية . وعندما تبلغ المغالات هذا الحد والحقد يسقط اي احترام للكاتب ولما كتبه ويصبح العلاج اصعب واكثر بعدا .