ما بين البحرين "الأسود و المتوسط" ، و ما بين "قزوين و الخليج" ، تكاد روسيا تحقق ما لم تستطيعه طوال قرون من الزمن ، أو ربما عبر تاريخها كله ..
وفق هذا المنظور يجب قراءة السياسة الروسية ، ومن جملتها قمة طهران الثلاثية التي زامنتها بذات التوقيت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ..
إن عملية الربط التي تتوق لها موسكو ، تستوجب التشبيك الجغرافي و الجيوسياسي ، مع كل من "ايران و تركيا و سوريا "..
ضمن هذا الإطار يمكن قراءة السياسات الروسية تجاه الدول الثلاث ، و السعي الدؤوب من قبل موسكو للحفاظ على هذه الصيغة وتحويلها إلى منتدى ( سياسي و اقتصادي و أمني ودبلوسي ) ، وتفكيك كافة الألغام التي وضعت في طريقها بالصبر والحكمة و الإحتواء والتشبيك والمصالح على كافة الصعد وفي كل المجالات ..
لطالما اصطدمت روسيا بعقبة تركيا ، وانتمائها لحلف الناتو ، و تورطها في الحرب على سورية و ما نتج عن ذلك ..
ولطالما استخدم الغرب الاطلسي "تركيا" لإفشال هذا المخطط الذي إن كتب له النجاح ، فإنه سيشكل الضربة القاصمة لسيطرته وتحكمه بالعالم أجمع ..
اليوم تبدو تركيا الأردوغانية التي فشلت في كل مشاريعها التي سعت إلى تحقيقها ( بدءا من الانضمام للاتحاد الاوروبي ، الى السيطرة على المنطقة العربية عبر الربيع العربي ، ووصولا إلى منظمة الأمم التركية ) تبدو مضطرة للتفكير باتخاذ القرار النهائي لاعتماد هذا الخيار المصيري لها وللمنطقة ..
وفقا لذلك يمكننا فهم و تفهم ، السياسات الروسية و الايرانية من تركيا ، بدءا من انقلاب 2016 ، ووصولا الى قمة طهران الأخيرة ..
لم يكن من الصدفة أن يخرج وزير دفاع اليونان ( الدولة العضو في الاتحاد الاوروبي و في حلف شمال الاطلسي ) ليدلي بتصريحات نارية تجاه تركيا ، الى الدرجة التي هدد فيها بتدمير جسر اسطنبول ، تزامنا مع قمة طهران ، ولم يكن من الصدفة الاعلان الفرنسي عن تزويد اليونان بسفن عسكرية متطورة ، ولم يكن من الصدفة ما جرى من تحالفات عسكرية بين اليونان واسرائيل منذ مدة غير بعيدة ، ولا قيام الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية وجوية كبيرة لها في جزيرة كريت اليونانية ، ولا اعلان اليونان عن رغبتها بالحصول على طائرات اف٣٥ المتطورة ، ولا التدريبات ...ذلك كله يأتي في إطار السعي الأطلسي لإفشال هذا المشروع الذي يتهدده ..
وإذا كانت قمة طهران اعتمدت صيغة دبلوماسية لحل الخلاف التركي السوري ، ولو على المدى الطويل نسبيا تمهيدا لإزالة العقبات أمام هذا المشروع ، الذي سبق وطرحه الرئيس الاسد منذ ما قبل الحرب على سورية ضمن صيغة ( ربط البحار الخمسة ) ، فإن المشاركين في قمة جدة التي كان الهدف منها تشكيل تحالف مناوئ لإفشاله والذي جرى افشاله عبر حلفاء ايران و روسيا من خلال التلويح بعناصر القوة والتهديد ، سيكونوا مضطرين للسعي لإفشاله ، وهذه المرة عبر اليونان لقطع الطريق ما بين المتوسط و الأسود .. تركيا اليوم هي الميدان الأخطر ، وأردوغان اليوم في الموقف الأصعب ..