تنوعت تعريفات الذكاء intelligence إلى حد كبير، ويمكن إدراجها في فئات محددة على النحو الآتي:
الفئة الأولى: الذكاء هو القدرة على التكيف بنجاح مع ما يستجد في الحياة من مواقف وعلاقات (بنتر Pinter).
الفئة الثانية: الذكاء هو الاستجابة بنجاح للمشكلات الإدراكية والمعرفية واللفظية (سانفورد وراتيسمان Sanford & Wreghtisman).
الفئة الثالثة: هو القدرة على التعلم والاكتساب للخبرات والمعارف والاستفادة من التعلم السابق في التعلم اللاحق.
الفئة الرابعة: هو القدرة على التفكير المجرد (تيرمان Tearman).
الفئة الخامسة: هو نشاط عقلي يتميز بالصعوبة والتعقيد والتجريد والاقتصاد في الوقت والجهد والتكيف الهادف والقيمة الاجتماعية والابتكار وتركيز الطاقة ومقاومة الاندفاع العاطفي (ستودارد Stodard).
ويرى بياجيه Piaget الذكاء في الوصول إلى التوازن من خلال استراتيجيتي التكيف والتنظيم، ومن خلال عمليتي التمثل والمطابقة، وأن النمو السوي للذكاء من الولادة إلى الرشد يمر بأربع مراحل أو مستويات أساسية هي: حسية حركية، ما قبل المفاهيم، العيانية، المجردة.
دور الوراثة في الذكاء
أكد «جالتون» على الدور الحاسم للوراثة في الذكاء أو (العبقرية) إذ رأى أنه يوجد بين أقارب الشخصيات المتفوقة عقلياً التي درسها، عدد من الأشخاص المتفوقين عقلياً أكبر بكثير مما يمكن أن يعزى إلى المصادفة وحدها.
وأنكر مؤيدو الاتجاه الوراثي في الذكاء دور البيئة إنكاراً شبه تام، وأكدوا أن الوراثة، وليست البيئة، هي الصانع الرئيس للإنسان، وأن الفروق بين الناس بما في ذلك الفروق في الذكاء ترجع إلى الاختلافات بينهم في الخلايا الجينية التي يولدون وهم مزودون بها، فهي المحدد للسلوك عموماً ووظيفتها الأساسية تكمن في إنتاج الصفات المختلفة المرغوب فيها اجتماعياً عبر عملية الاصطفاء الطبيعي، وإن أي انحراف أو قصور في سلوك الأفراد يمكن رده إلى قصور وعجز في النظام التعليمي والاجتماعي الذي نشؤوا فيه، ولاشك أن الحدود القصوى للسعة العقلية تفرضها بنية العقل، وهي الدماغ والتي تحددها الجينات.
ومما يدعم فكرة موروثية الذكاء دراسة التوائم المتماثلة وغير المتماثلة ودراسات التبني ودراسات القرابة أو شجرة العائلة والدراسات الخاصة بالسلالات أو الأعراق. وقد أسفرت هذه الدراسات عن كمٍ كبيرٍ من النتائج غير المتسقة، ومن أهم هذه النتائج:
بلغ معامل الارتباط بين ذكاء التوائم المتماثلة التي رُبيت معاً بين (0.86) - (0.90)، في حين بلغ الارتباط بين التوائم المتماثلة التي رُبيت في بيئات مختلفة بين (0.60) - (0.72)، كما بلغ معامل الارتباط بين ذكاء الأخوة العاديين الذين ربوا معاً (0.47)، وبلغ في البيئات المتباينة (0.27). وفي ضوء ذلك يؤكد بعض العلماء أن (80%) من نسبة الذكاء تحددها الوراثة.
دور البيئة في الذكاء:
يرى أصحاب الاتجاه البيئي؛ أن العوامل البيئية بمكوناتها المختلفة تؤدي دوراً أساسياً في تحديد مستويات الذكاء لدى الأفراد، ويؤكد هؤلاء أن الفروق في الذكاء ترجع إلى اختلاف البيئات التي نشؤوا فيها، وأن الدراسات التي أجروها أظهرت أن ذكاء الفرد يتأثر إلى حد كبير بنوع التربية التي يتعرض لها في الأسرة والمجتمع، فالأفراد الذين ينشؤون في أسرٍ تقدم لهم الدعم والحب والرعاية وتوفر لهم الخبرات المختلفة هم أكثر ذكاءً من أقرانهم الذين لا يحظون بمثل هذه الخبرات.
وتتوافر اليوم بيانات كثيرة تؤكد أنه يمكن تحسين قدرات الذكاء لدى الأطفال من خلال برامج معينة يُطلق عليها اسم البرامج التعويضية، أو البرامج الإثرائية، أو برامج التعليم والتربية المبكرة وأن تأثيرها في الذكاء قد وصل إلى 30 نقطة.
إن مسألة تحديد التأثيرات الوراثية والبيئية معقدة جداً في ضوء حقيقة أن العوامل الوراثية والبيئية لا تعمل في عزلة عن بعضها بعضاً، وإنما هما في حالة تفاعل مستمر، حين يقال إن خاصية أو سمة ما موروثة مثل الذكاء فإن ذلك لا يعني أنها ليست خاضعة للتعديل البيئي فالجينات المختلفة تتباين فيما بينها إلى حد كبير في استجابتها إلى الظروف البيئية.
نظريات الذكاء:
1- نظرية العاملين في الذكاء (وضعها سبيرمان) Tow Factors Theory وهما:
أ ـ العامل العام General-Factor: وهو العامل الذي يتدخل في جميع مظاهر النشاط العقلي المعرفي، ويدل على القدر المشترك بين جميع أوجه النشاط العقلي، وهو العامل الأساسي في تحديد مستوى الذكاء لدى الأفراد.
ب ـ العامل الخاص Special Factor: وهو العامل الذي يميز أي ناحية من نواحي النشاط العقلي المعرفي بالصفة التي ينفرد بها عن غيره من النواحي، أي أن هذا العامل يوجد في بعض الأنشطة العقلية ولا يوجد في غيرها.
2- نظرية القدرات العقلية الأولية Primary Mental Abilities: وضعها ثورستون Thurstone، وترى أن الذكاء يشمل قدرات أساسية عدة، وهي قدرات منفصلة عن بعضها بعضاً مثل القدرة الرياضية، القدرة اللغوية، القدرة المكانية، قدرة الذاكرة، القدرة على الاستدلال وغيرها. وأن تفوق الفرد في إحدى هذه القدرات لا يعني تفوقه في القدرات الأخرى.
3- نظرية العوامل المتعددة Multiple Factors Theory: وضعها ثورندايك Thorndike، ويرى ثورندايك أن الذكاء هو محصلة تفاعل بين عدد من العوامل أو القدرات المترابطة فيما بينها، وأن طبيعة هذه القدرات ونوعيتها يتحدد في ضوء عدد ونوعية الوصلات العصبية القائمة بين المثيرات والاستجابات، وأن للذكاء ثلاثة أنواع هي:
ـ الذكاء الميكانيكي: ويتمثل في القدرة على التعامل مع الأشياء المادية وأداء المهمات والمهارات الحركية.
ـ الذكاء الاجتماعي: ويتمثل في القدرة على الاتصال مع الآخرين وإقامة العلاقات الحميمة معهم.
ـ الذكاء المجرد: ويتمثل في القدرة على التعامل مع الرموز والمفاهيم والعلاقات.
4- نظرية فيرنون Vernon، وتتألف من مستويات عدة هي:
ـ العامل العام: يقع في قمة الهرم ويرتبط إيجابياً بالقدرات العقلية كافة.
ـ العوامل اللفظية: وتتعلق بالقدرات اللفظية المرتبطة باستخدام اللغة المنطوقة والمكتوبة.
ـ العوامل الثانوية: وتتعلق بقدرات معينة، كقدرات التفكير الابتكاري، والقدرات الرياضية والقدرة على حل المشكلات.
ـ العوامل المكانية والميكانيكية: وتتعلق بقدرات إدراك المكان والموقع والحجم والشكل، وأداء المهمات والمهارات الحركية.
5- نظرية بنية العقل أو الذكاء المتعدد Multipled Intelligence، وضعها غيلفورد Guilford، يرى غيلفورد أن الذكاء البشري تكوين معقد ويتألف من:
ـ المحتوى content: وهو تلك الموضوعات التي نفكر فيها، وتتمثل في المحتويات: البصري، السمعي، أو أي محتوى حسي آخر (لمسي، شمي مثلاً)، المحتوى الرمزي، السلوكي، المعنوي.
ـ العمليات operations: ويتمثل في نوعية العمليات العقلية التي يقوم بها الأفراد عند معالجتهم للمحتويات (المعلومات) وتشمل ست عمليات رئيسة هي: الإدراك، الذاكرة طويلة الأمد، الذاكرة قصيرة الأمد، التفكير التقاربي، التفكير التباعدي، التقويم وإصدار الأحكام واتخاذ القرارات.
ـ النواتج products: ويتمثل في النتائج التي يتم التوصل إليها جراء معالجة المعلومات بوساطة العمليات العقلية وتشمل النواتج الآتية: الوحدات، الفئات، العلاقات، النظم، التحويلات، التطبيقات.
وفي ضوء هذه النظرية يرى غيلفورد أن الذكاء يتكون من 180 قدرة كحاصل لتفاعل الأبعاد الثلاثة المذكورة أعلاه.
5 محتويات × 6 عمليات × 6 نواتج = 180 قدرة
6- نظرية الذكاء السائل والمتبلور Fluid and Crystalliged Intelligence، وضعها كاتل Cattelle، وهو يرى أن الذكاء نوعان:
ـ ذكاء سائل أو مرن ويتمثل في القدرات العقلية غير اللفظية، مثل القدرة على التصنيف وإدراك العلاقات المكانية والزمانية وقدرات الاستدلال وهي قدرات لا تتأثر بالعوامل الثقافية ولا ترتبط بالتعلم.
ـ ذكاء متبلور ويتمثل في قدرات التعليل والمهارة اللفظية والعددية وبعض الأداءات الحركية.
7- نظرية غاردنر في الذكاء المتعدد Theory of Multiple Intelligence، وضعها غاردنر Gardner. يرى غاردنر أن الذكاء يتألف من عدد كبير من القدرات المترابطة نسبياً. وقد ميز بين هذه القدرات سبعة أنواع للذكاء وهي: الذكاء اللغوي، الذكاء المنطقي الرياضي، الذكاء الموسيقي، الذكاء المكاني أو الفراغي، الذكاء الحسي ـ الحركي، الذكاء الاجتماعي، الذكاء الشخصي.
8- نظرية ستيرنبرغ Sternberg في الذكاء: اعتمد ستيرنبرغ في دراسة الذكاء على أساليب معالجة المعلومات، وقد توصل إلى نظرية أطلق عليها «بنية الذكاء الثلاثية» وتتألف من:
1ـ المكونات: ويشير إلى العمليات العقلية التي تحدد السلوك الذكي عند الأفراد وتتألف من ثلاث عمليات عقلية رئيسة هي: العمليات الماورائية، والعمليات الأدائية، وعمليات اكتساب المعرفة.
2ـ السياقي: ويشير إلى السياق البيئي: الفيزيقي والاجتماعي الذي يحدث فيه السلوك الذكي، ويتجلى في ثلاثة أنواع للذكاء هي: الذكاء الأكاديمي، الذكاء العملي، الذكاء الابتكاري.
3ـ الخبرات: ويتمثل في القدرة على الربط بين الخبرات على اختلافها.
الذكاء الاصطناعي:
يعرف إيلين ريتش الذكاء الاصطناعي على أنه: «دراسة كيفية توجيه الحاسوب لأداء أشياء يؤديها الإنسان بطريقة أفضل». ويعرفه مارتن كويك بأنه: «قدرة الآلة على القيام بالمهام التي تحتاج للذكاء البشري عند أدائها مثل الاستنتاج المنطقي والتعليم والقدرة على التعليل».
ويهدف الذكاء الاصطناعي إلى التوصل إلى نمط جديد من الحاسوبات، بحيث تتمكن هذه الآلة الجديدة من معالجة المعلومات بشكل أقرب إلى الطريقة التي يعالج بها الإنسان المعلومات، ولاسيما ما يتعلق منها بدوره في النشاط العقلي الراقي مثل التفكير المجرد وحل المشكلات واتخاذ القرارات.
الذكاء والإبداع:
الإبداع سلوك إنساني معقد، وإن الشخص المبدع هو من يأتي بأفعال أو أقوال أو إنجازات عملية أو أنماط سلوكية مختلفة في معناها ومبناها عمن يأتي به غيره من الناس، والاختلاف يكون عادة في اتجاه التميز والتفوق وليس في اتجاه التدني والهبوط وعدم السواء.
وهناك اهتمام دائم بين الإبداع والذكاء، ولاسيما عندما يحتمل أن يكون الذكاء سبباً للإبداع، وقد بينت الدراسات أن هناك نوعاً من الترابط بين حاصل الذكاء، والعلامات التي تشير إلى مستوى الإبداع لدى الفرد، ويتوقف هذا الترابط عند الدرجة 120 من حاصل الذكاء، إذ قسمت اختبارات الذكاء البشر إلى: فئة ضعاف العقول بين 20-90 درجة، وفئة متوسطي الذكاء بين 90-120 درجة، وفئة المتفوقين عقلياً بين 120-160 أو 180 درجة، ومع ذلك هناك علاقة إيجابية بين الذكاء والإبداع إذ لا بد من مستوى معين من الذكاء يعد حداً أدنى للإبداع والذي قد يتفاوت بين ميدان وآخر، وفي بعض الحالات قد يكون منخفضاً إلى حدٍ مدهش، وعلى ذلك فالمرء الأكثر ذكاءً قد لا يكون الأكثر إبداعاً بالضرورة، فقد يكون الفرد متفوقاً عقلياً أي حاصل ذكائه يزيد على (120) درجة لكن هذا ليس شرطاً كافياً لأن يكون مبدعاً، ذلك لأن الإبداع يحتاج، إلى جانب الذكاء، إلى عوامل شخصية أخرى كثيرة.
لقد بينت الدراسات أن الحد الأدنى من الذكـاء للإبداع في العلوم يقع عند 115-125 درجة، وأن الحد الأدنى للذكـاء اللازم للإبـداع في الفنون يقـع بين 95 -115 درجة، وعلى ذلك يمكن القول إن الدرجات العالية على اختبارات الذكاء لا تقود بالضرورة إلى الإبداع، وعليه فإن الوحدة المتكاملة بين مجموعة العوامل الذاتية والموضوعية العقلية وغير العقلية هي التي تقود إلى تحقيق إنتاج جديد وأصيل وذي قيمة اجتماعية للفرد والجماعة.