إردوغان يناقض نفسه: اللاجئون باقون... راحلون
إردوغان يناقض نفسه: اللاجئون باقون... راحلون
إردوغان: «أبداً، لن نطرد اللاجئين من هذه البلاد. أبوابنا مفتوحة أمامهم وسنواصل ذلك» (أ ف ب)
تتفاعل أزمة اللاجئين السوريين في تركيا، على وقع التصريحات المتناقضة الصادرة عن الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي عاد ورحّب ببقاء هؤلاء بعدما تحدّث، أخيراً، عن إعادتهم إلى بلادهم. في مقابل ذلك، تبرز تصريحات المعارضة، التي وصل بعضها إلى حدّ التحذير من وصول الأمر إلى الانفجار بسبب التحريض والكراهية، ما سيفتح الباب على الفوضى الشاملة في تركيا
لا تزال السجالات على حالها، بعد الفيلم الوثائقي القصير، «الاحتلال الصامت»، الذي يعكس مخاطر وجود اللاجئين السوريين في تركيا على بنية البلد. وبعدما أدلى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بتصريح قال فيه إنّه سيعيد اللاجئين إلى بلادهم، عاد، أوّل من أمس، إلى الحديث عن بقائهم، حاملاً بشدّة على معارضيه. وقال إردوغان: «أبداً، لن نطرد اللاجئين من هذه البلاد. أبوابنا مفتوحة أمامهم». وأضاف: «(إننا) نحن الأنصار، ويجب أن نتآخى مع المهاجرين»، مشيراً إلى أن «هؤلاء هربوا من الظلم اللاحق بهم، ولن نطردهم أبداً، ولن نرميهم في أحضان القَتَلة». لكنّ النائب أوميت أوزداغ، رئيس حزب «النصر»، ومموّل فيلم «الاحتلال الصامت»، وجّه كلامه إلى الرئيس التركي، قائلاً إن «تركيا ليست مزرعة لأبيك يا سيد إردوغان. وطننا لن نتقاسمه مع أحد. ولن نسرق بلدنا». وأضاف أوزداغ إن «الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون استفتاءً. وسيكون السؤال الوحيد هو: هل تريدون أن يذهب إردوغان واللاجئين؟ حزب النصر سيرحّلك أنت واللاجئين». كذلك، اتّهم زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، إردوغان بأنّه يعمل على البقاء في السلطة، من خلال أصوات اللاجئين. وسأله: «لقد قطعت أملك من أبناء أمّتك، فهل تريد البقاء في السلطة بأصوات اللاجئين؟ عاجلاً أو آجلاً ستأتي الانتخابات وستحاسبك الأمة. وفي اليوم التالي للانتخابات، سنبدأ خطّة إعادة اللاجئين على مدى سنتين».
وذهب الكاتب المعارض، إردال أتابك، إلى وصف اللاجئين بالمستوطنين. وقال إن «القادمين من الخارج ليسوا لاجئين بل مستوطنين»، فيما أشار إلى أنهم لا يدفعون الضرائب ويفتحون مراكز عمل ويشترون بيوتاً، معتبراً أن «البلد يتعرّب»، بفعل السياسة التي يتبعها حزب «العدالة والتنمية». من جهة أخرى، لفت أتابك إلى أن «أجور اللاجئين من سوريا وأفغانستان وأفريقيا منخفضة ولا يتمتّعون بضمان أو حماية»، واصفاً إياهم بأنهم «عبيد هذا العصر». وأوضح أن عدد هؤلاء بات يقارب العشرة ملايين، ما يعني أنهم «يساهمون في تغيير البنية الديموغرافية للبلد»، مضيفاً «بهم تنشأ، ليس جمهورية تركيا، بل السلطنة العثمانية». وما لبث الكاتب، بولنت أوراق أوغلو، في صحيفة «يني شفق» المؤيّدة لإردوغان، أن وجّه أصابع اتهام ثقيلة إلى أوميت أوزداغ، متسائلاً عمَّن يقف وراءه في تمويله فيلم «الاحتلال الصامت»، وزرع الفتنة بين الأتراك واللاجئين. واتّهم أوراق أوغلو أوزداغ بأنّ له صلات مع جماعات الضغط اليهودية ومنظّمات الفكر اليهودي في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه زار إسرائيل أكثر من مرّة. لكن النائب نفى أيّ اجتماع له مع «الموساد»، وقال: «نعم، لقد ذهبت في عام 2020 إلى المسجد الأقصى وصلّيت ودَعَوت، ولكن لم أجتمع مع الموساد. ولم أذهب وحدي، كان معي قائد سلاح جو سابق، وقادة آخرون، وسكرتير سابق لمجلس الأمن القومي».
اتّهم كيليتشدار أوغلو إردوغان بأنّه يعمل على البقاء في السلطة من خلال أصوات اللاجئين
من جهته، كتب مستشار الرئيس التركي، ياسين آقتاي، في «يني شفق»، أن «الأمر لم يَعُد يتعلّق باللاجئين، بل بشيء آخر هو عملية منظّمة ضدّ تركيا». وأشاد آقتاي بسياسة تركيا تجاه اللاجئين التي ستبقى نموذجاً في التاريخ العالمي لكيفية التعامل مع الفارّين من الظلم. وفي صحيفة «ميللييات» المؤيّدة لـ«العدالة والتنمية»، رأى تونجا بنغون، أن مسألة اللاجئين تحوّلت إلى أكثر القضايا جدلاً على الصعيد السياسي، وخصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلد والمشكلات الاجتماعية وحسابات التصويت الانتخابية. وحذّر من أن «صور التحريض على الكراهية تجاه الأجانب تعطي إشارة إلى الانفجار»، معتبراً أن «هذا سيفتح شهيّة من يريد جرّ تركيا إلى الفوضى».
وقارب محمد علي غولر، في «جمهورييات»، الموضوع من زاوية أخرى، مشيراً إلى أن «تركيا تحوّلت تبعاً لرغبة جورج سوروس إلى مجتمع مفتوح بفضل اللاجئين السوريين، بينما ممنوع على أوروبا أن تكون مجتمعاً مفتوحاً». وأشار الكاتب إلى أن «وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، إنّما بفضل دعم السوروسيين وجورج دبليو بوش وهذا كان أوّل ثورة ملونة، قبل جورجيا وأوكرانيا». ورأى غولر أن «مشكلة اللاجئين كانت ستكون أكبر بسبب التدخّل الأميركي وسياسات أنقرة، لولا التدخّل الروسي في سوريا»، موضحاً أن «خطأين أدّيا إلى مشكلة اللاجئين: أوّلاً، السياسات الخاطئة لحزب العدالة والتنمية من أجل إسقاط النظام في سوريا؛ والثاني هو الاتفاقات الموقّعة مع أوروبا بحصْر اللاجئين في تركيا ومنع انتقالهم إلى أوروبا».
وفي السياق ذاته، رأى المفكّر المعروف، إيمري كونغار، في صحيفة «جمهورييات»، أن هناك خمسة عوامل محدّدة لفهم مسألة اللاجئين:
1- تدخّل الولايات المتحدة في حروب ساخنة لتغيير الأنظمة والحدود، في إطار دعم «الإسلام المعتدل» ضدّ «الإسلام الراديكالي».
2- إقحام حزب «العدالة والتنمية» سياسته الخارجية، وفقاً للمعايير الأميركية.
3- إظهار الولايات المتحدة للمهاجرين أن عنوان هجرتهم هو تركيا.
4- في هذا الإطار، يدفع الغرب المال لسلطة «العدالة والتنمية»، ويغضّ النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان.
5- استخدام «العدالة والتنمية» موجات الهجرة كورقة تجاه الغرب ووسيلة لتغيير نظام الحكم في تركيا.