بقلم: تحسين الحلبي
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 17-04-2022 - 1644 حين كان جون بولتون مستشاراً للأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018، نشر ثلاثة كتاب سياسيين في صحيفة «الغارديان» البريطانية هم: أوين باوكوت وألوليفر هولمز وآيرين داركين في 10 آذار 2018 مقالاً مشتركاً ذكروا فيه أن بولتون وصف محكمة الجنايات الدولية بأنها «منظمة غير شرعية وسوف تدفعها واشنطن للموت وتنتهي من الوجود»، وكان السبب لهذا التصريح العلني والحملة عليها هو إصدارها قراراً بالتحقيق في جرائم حرب ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان بعد احتلالها لها في عام 2001. وأضاف بولتون «إن الولايات المتحدة سوف تستخدم كل الوسائل الضرورية لحماية نفسها وحماية حلفائها من هذه المحكمة غير الشرعية وسوف تفرض عليها وعلى الموظفين فيها عقوبات إذا بادرت إلى استدعاء أي أميركي وإسرائيلي أو أي من حلفاء الولايات المتحدة للتحقيق». وبهذه الطريقة الصارخة في الهجوم والعداء ونزع الشرعية عن محكمة الجنايات الدولية تعاملت الولايات المتحدة مع هذه المنظمة التي يطالبها الرئيس الأميركي جو بايدين وحلف الأطلسي الآن بمحاكمة روسيا! وفي الحقيقة لم تكن هذه هي السابقة الوحيدة للنفاق الأميركي الإمبريالي، ففي عام 2002 كان جون بولتون يتولى منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي كولن باول لشؤون الحد من الأسلحة والأمن الدولي، ونشر الكاتب السياسي مهدي حسن في المجلة الإلكترونية الصادرة بالإنكليزية «أنترسيبت» في 29 آذار 2018 تحقيقاً استند فيه إلى مقابلة صحفية مع رئيس «منظمة منع استخدام الأسلحة الكيميائية» التابعة للأمم المتحدة جوزيه بستاني وهو برازيلي من أصل لبناني، قال له بستاني فيها إن «جون بولتون جاء بشخصه إلى مقر المنظمة التي يرأسها في هيغ عام 2002 وقال له إن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني يطلب منك التخلي عن رئاسة المنظمة وأمامك 24 ساعة لمغادرتها نهائياً وإذا رفضت ذلك فلدينا طرق للانتقام منك»، وأضاف بولتون مهدداً: «نحن نعرف أين يقيم ابنان لك في نيويورك». ويكشف الكاتب السياسي مهدي حسن أن «موظفاً رفيع المستوى في هذه المنظمة هو غوردون فاشون، أكد أنه كان موجوداً في مكتب بستاني في هيغ وسمع تهديد بولتون كاملاً، وأشار بولتون بنفسه لهذه الواقعة في كتاب مذكرات شخصية له نشره عام 2008 بقوله: «كان بستاني يشكل بإدارته لتلك المنظمة كارثة وتعين إخراجه منها فعرضت عليه التخلي عنها بكرامة وبنفسه»، وكان سبب الرغبة الأميركية في إزاحة بستاني هو عدم تعاونه مع الاتهامات التي أعدتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش للعراق لتسويغ احتلاله وغزوه بالقوة العسكرية، فقد طلبت منه واشنطن التواطؤ مع الاتهامات الموجهة للعراق بوجود أسلحة كيميائية لدى الجيش العراقي أثناء حملات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل عام من احتلاله. وبرغم كل هذه الوثائق الدامغة التي تكشف طرق توظيف الولايات المتحدة للمنظمات الدولية لخدمة حروبها ولتوجيه الاتهامات للمناهضين لسياستها، يستغرب كل من يطلع على هذه الحقائق كيف تتفق دول أوروبية كثيرة مع هذه السياسة الأميركية وتصطف إلى جانب أي اتهام أميركي لا صحة له ضد هذه الدولة أو تلك. لكن أحداً لا يستغرب تصريح بولتون عام 2018 وهو في منصب مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب بأن الولايات المتحدة لا تسمح لمحكمة الجنايات الدولية باستدعاء إسرائيل للتحقيق في جرائم الحرب التي ترتكبها منذ أكثر من خمسين عاماً وهي جرائم من السهل وضعها في قائمة واحدة. وكانت اللجنة المكلفة من قبل الأمم المتحدة برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون وهو من أصل يهودي من جنوب إفريقيا قد أدانت في شهر نيسان 2011 بعد سنتين من تحقيقاتها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين وقدمت تقريرها المفصل والموثق للجمعية العامة للأمم المتحدة وتمكنت الولايات المتحدة حينذاك من إبعاد هذا التقرير عن الوصول إلى مجلس الأمن الدولي تأكيداً لما أعلنه بولتون ضد كل من يتهم الولايات المتحدة وحليفها الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب أو يطالب بالتحقيق معها ومع حلفائها فصار تقرير الإدانة في عداد الأموات. أصبح من الواضح تماماً أن هذه المنظمات واللجان التابعة للأمم المتحدة معدة فقط للاستخدام ضد كل من يواجه الولايات المتحدة والغرب وقد آن الأوان لإعادة تغيير هذا النظام العالمي الأميركي المهيمن على ما يسمى بالمنظمات الدولية التي تحولت إلى مؤسسات أميركية وليس أممية.
لا يوجد صور مرفقة
|