أحداث كازاخستان و وتيرة تسارعها تعيد إلى الأذهان بدء مأساة القرن التي تأبى أن تنتهي بعد مايزيد على عقدٍ من الزمن على حربّ ضروس سلبت السعادة و البسمة من شعبٍ مسالمٍ معطاءٍ ودود لم يقدم للعالم خلال تاريخه سوى المحبة و الإخاء. شعب سورية الذي نادى بالوحدة العربية و آمن بالعروبة و الأخوة العربية و تغنى بها على مدى عقود و علّم الأجيال المتعاقبة من شبابه على أن العرب أخوة و أنّ خلاص العرب بتوحدهم و تماسكهم و أن العربيَّ سند العربي إذا ما اشتدت الخطوب و جار الزمان. شعب سورية الذي استقبل بقلبه الوحدة مع مصر و مشاريع التعاون العربي المشترك مع ليبيا و السودان و وقف مع شعب لبنان بدمائه التي دافعت عن بيروت و دحرت الصهاينة الغاصبين، سورية التي أوفدت معلميها للجزائر و تونس و الإمارات و المملكة العربية السعودية و الكويت و البحرين لتسهم في دعم الأخوّةِ العربية. سورية و شعبها الذين وقفوا مع الشعب الكويتي الذي اعتدى عليه النظام العراقي السابق و دخل الكويت بكل عنجهية و عاث فيها فساداً. سورية التي لم تساوم يوماً على حقوق العرب و رفضت كل اتفاقيات العار من أوسلو إلى وادي عربة فصفقة القرن المشؤومة. سورية الدولة الوحيدة التي كانت تسمح لكل الأخوة العرب بدخولها بلا تأشيرة لأنها آمنت أن مآل هذه الحدود المصطنعة الزوال و كان شعارها أمةٌ عربية واحدة. سورية التي وقفت ضد أي احتلال لبلدٍ عربي حتى لو كان نظامه من ألدِّ أعدائها سورية التي لم تبنِ خيمةً و لا ملجأً لفلسطينيٍّ و لا لبنانيٍّ و لا عراقيّ و كانت دوماً أول الحاضرين في كل موقفٍ عربي موحد و كانت دوماً من المشجعين لأي تحركٍ عربيٍّ مشترك ثقافيٍّ أو سياسيٍّ أو اقتصاديّ. سورية التي كانت مصايفها تعجّ بضيوفها من الأخوة العرب أخوةً بين أهلهم و أشقائهم. لكن مع أول تحركٍ حصل و أول اختبار سقطت الأخوة خلال شهر و أغلقت السفارات العربية و طُرِد السفراء السوريون بكل صلافة بذريعةِ أن الدولة تقتل شعبها دون أي حديثٍ عما تتعرض له الدولة من إرهاب.
خلافاً لما رأيناه في كازاخستان من التدخل السريع و المباشر من قبل روسيا لإنقاذ البلاد من الوقوع بمستنقعٍ لا مخرج منه لم تتدخل قوات السلام العربية لحماية السوريين بل مدّت العملاء من المتأسلمين و أنصار الحركة الإخوانية الفاسدة و خلايا حزب التحرير و القلّة الراديكالية ممن يحملون الفكر الوهابي في مدنٍ مختلفة من البلاد بالمال و السلاح ليصل إلى الفاسدين المتطرفين و ليتشكل على أرض سورية أرض أوغاريت و أورنينا أسوأ نماذج الإرهاب الراديكالي في العصر الحديث كداعش و النصرة و حزب التركستان و جند الأقصى و حركة نور الدين الزنكي التي أدينت كلها بأعمال إرهابية يندى لها الجبين. لم يقبل (الأخوة) العرب الرواية الرسمية للدولة السورية و نعتوا الحكومة السوري بأقذر المصطلحات التي لم نسمع مثلها في مضمار السياسة و تبتعد كل البعد عن الأعراف الدبلوماسية و الرسمية و حتى الأخلاقية متهمين الحكومة السورية تارةً بالإبادة و تارةً بالديكتاتورية و تارةً بالإرهاب و التبعية. نعم ظلم ذوي القربى أشد و أمضى من ضرب السيوف زد على ذلك ما حصل للشعب من تهجير و تقتيل و إغلاقٍ للأبواب العربية في وجه الشعب المكلوم الذي لم يجد سوى تركية و البحار و المحيطات ملجأً يحتضنه بينما يتشدق العرب بدعم القضية السورية و العصابات السياسية و غلمان السفارات و المخابرات الدولية و الإقليمية التي هدفها و طموحها استلام سدة الحكم لاشيء سواها. بعد عشر سنواتٍ دامياتٍ عجافٍ ثقيلات يتباكى العرب على حال الشام و أهلها بينما جاهر ثلاث أرباعهم نهاراً جهاراً بعداء سورية و سكت البقية عن الحق و عما يجري في سورية الجريحة التي انبرت لحربها نصف الكرة الأرضية و كان لسورية أكثر من نصف نشرات الأخبار لأقنيةٍ عربيةٍ مرموقة لتحريض الموالاة على المعارضة و تأليب المعارضة لاجتثاث الموالاة لكي لا تقوم لهذا الشعب قائمة أبداً فأيّ عروبةٍ و أي حضنٍ يا عرب.
⭕قمة الجزائر و حظوظ سورية:
انفتاح أردني أعقب زيارة عاهل المملكة و وليّ عهده إلى بايدن و ورقة الخطوة بخطوة التي تسرب فحواها إلى مسامع الساسة و التي تهدف لإنقاذ سورية من العمق الإيراني و تقليص الدور التركي ما أمكن. تنسيق إماراتي أردني و انفتاح أكثر من جيد مع الأردن و علاقاتٌ ممتازة مع الإمارات تكللت بزيارةٍ تاريخية لوزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق و السلام التاريخي مع الرئيس بشار الأسد الذي قرأ فيه السوريون الكثير و رسموا على أساسه أحلاماً ورديةً بإنهاء عقدٍ من الألم و المعاناة. الأردن و لبنان و العراق و الجزائر و عُمان و البحرين و الإمارات و تونس و موريتانيا و ربما مصر و الكويت تؤيد إشراك سورية في القمة المقبلة بينما ترفض حتى الآن كل من المملكة العربية السعودية و قطر و المغرب حضور سورية فيها. الموقف العربي المنقسم يأتي من القلق المطبق على الفكر العربي في ظل غياب المعارضة الجريئة الموضوعية المستقلة المتمرسة بالعمل السياسي و ارتباط أكثر من ثلثيها بأجندات تركية أو روسية و تغيب الفعالية السياسية لهذه التكتلات في دهاليز الاستخبارات و مصانع القرار الإقليمية. و ستكشف الأيام القليلة ثمار زيارة الوزير الإماراتي إذا ما أريد لها أن تثمر لكن لايزال الخوف من الأمريكي يتصدر الموقف السياسي العربي. تفاهمات و لقاءات مكوكية علنية و سرية بين الإماراتيين و الإسرائيليين و لقاء أردني بين الملك و وزير الدفاع الإسرائيلي ينم عن اتصالات لترتيب الوضع مع سورية لاسيما بعد الضربة الأخيرة على ميناء اللاذقية و تحول الطرق التجارية إلى مرسين طرابلس كما يبدو فلابد من رسائل شفهية لسورية في ظل الجلسات الثنائية الأردنية الإسرائيلية. و ربما تكون حركة القمة العربية مشروعاً لانتزاع تنازلات غير سيادية من الأسد المتمترس في دمشق لكسب ودّ العرب إبّان القمة العربية المقبلة.
⭕سورية، السلام، الإعمار، أعمال الدستورية و مكان العرب من المعادلة؟
تحتاج سورية التي تغنّى حافظ الأسد بعروبتها المطلقة إلى الدعم العربي لتجاوز محنتها الخانقة مثلها مثل ليبيا و مصر و تونس لكن وضعها أشد قسوةً و أكثر تعقيداً من مثيلاتها التي ذكرناها لاسيما بعد بحر الدماء الذي سال في كل حي و شارع و الجراح التي تكاد تسكن كل بيت. إنهاء الحرب يحتاج قراراً عربياً ظاهرياً مبنياً على إرادة الكبار لإنهاء اللعبة و وضع حد لمعاناة ٢٨ مليون مواطن سوري بين مهجر و نازح و مقيم. و لابد من ضمان حقوق المعارضة في الحياة السياسية و الإجتماعية بما لايتناقض مع الإرادة الحكومية و هنا يمكن بعد عشر سنوات من الحرب الإنطلاق من القواسم المشتركة و إقرارها ليتم التوصل إلى نقاط ايجابية و أجواء ايجابية تسهم في تذليل العقبات و تقليص الفوارق في القضايا الخلافية المحورية بين طرفي الحوار.
كذلك يجب ألا ننسى أنه لاغنى لسورية عن المال العربي لإعادة الإعمار و لن يتخلى العرب عن سورية خشية من وقوعها في الحضن الإيراني الذي تغرق في أتونه يوماً بعد يوم على حد زعمهم.
لكن السؤال هل ينسى الأسد دور العرب في ماجرى في بلده و التخلي و الانسحاب السريع وو إغلاق الحدود و طرد السفراء و إغلاق السماء و الماء بوجه سورية و قطع العلاقات الغير متوقع من العرب في بداية أزمته و تاريخهم مع من سبقه كصدام حسين و القذافي و هل يمكنه الوثوق بهم بعد ما تخلت عنه كل الدول العربية و صبوا الزيت على النار و لم تكن لهم محاولةٌ حقيقيةٌ واحدة لحلّ النزاع و التحكيم بين طرفي النزاع و كانت محاولاتهم في بداية الحرب إعلاميةً كاذبة و كانوا خلف الستار و تحت الطاولات يجهزون أقذر البرامج و الخطط لكسر العنفوان السوريّ الذي وصفوه بالعجرفة و الغرور، العنفوان الذي أبى الذل و امتهان الخضوع و اختار المقاومة لاسترداد الحقوق دون الأعتداء على الغير. سورية التي اختارت عنوان المقاومة حتى استرداد الحقوق فلا سلام بلا حق و كل سلام لا يسترد الحقوق هو إذعانٌ و استسلام. لاشك أن الأسد المنتصر يدرك جيداً أن حواره و مشكلته مع السيد الأمريكي و كل الأنظمة المحيطة مرتهنة للإرادة الصهيوأمريكية. الأسد الذي تربى في مدرسة المقاومة و أتقن دروسها و عاش انتصاراتها و يعيش أصعب أيامها دون أن يستسلم فهل يعود العرب؟ و ما هي شروط الأسد؟
ونختم ان:
هذا الشعب الذي يملك حضاره عمرها يتجاوز الاف السنوات
وتعاقب على بلادي سوريه حضارات مختلفه
وتحطمت على اسوار بلادي كل الغزوات لن ولم يعجز هذا الشعب من النهوض من جديد ونفض كل اثار العدوان وبناء دولته المركزيه العقائديه بكل مافي الكلمه من معنى
فالخلود لكل شهداء الوطن الذين نبتت من دمائهم كل انواع شقائق النعمان والياسمين