جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية المجلس الاجتماعي

مفاهيم منوعة - التقدم والتقدمية | بقلم: توفيق داود
مفاهيم منوعة - التقدم والتقدمية



بقلم: توفيق داود  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
22-01-2022 - 592

يستحوذ مفهوم التقدم على اهتمامات المفكرين في العلوم الاجتماعية عامة، وفي علم الاجتماع خاصة، فهو يأخذ موقعاً مفصلياً في دراسات علماء الاجتماع، وخاصة المعنية منها بقضايا التغير الاجتماعي، ويتجلى ذلك في دراسات ماركس وتوكفيل وسبنسر ودُركهايم وفيبر وغيرهم.
ومع التباين الملحوظ في اتجاهات التحليل الاجتماعي لمفهوم التقدم بين الباحثين الاجتماعيين، يمكن تلمُّس قواسم مشتركة بين أعمالهم، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التمييز بين الخطوط العامة التي ينطوي عليها هذا المفهوم، وبين الخصوصيات المتعلقة بكل اتجاه من اتجاهات التحليل الاجتماعي التي أخذت بدراسته. فمن الناحية الأولى انتشر استخدام هذا المفهوم بقوة طيلة القرون الثلاثة الأخيرة (الثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين)، إذ كانت ملامح التطور الاقتصادي والاجتماعي واضحة في المجتمع الأوربي، بالموازنة مع مجتمعات بلدان العالم الثالث التي اتصفت بقدر كبير من التخلف وعدم القدرة على مواكبة عمليات التطوير الواسعة التي تشهدها الدول الصناعية الأوربية. في الوقت الذي كانت جهود الباحثين في العلوم الاجتماعية مبينة على مماثلة الظواهر الاجتماعية للظواهر الطبيعية، وبتحليل مجموعة الأعمال العلمية التي سادت في تلك الفترة، يلاحظ أن استخدام مفهوم التقدم اقترن باستخدام مفهومين أساسيين آخرين، هما مفهوم التطور الذي أخذ بالانتشار إثر المقارنة بين مستويات التطور الاجتماعي بين البلدان المختلفة، ومفهوم الحتمية الذي شاع استخدامه في العلوم الطبيعية أولاً ثم في العلوم الاجتماعية لاحقاً.
ومع الفروق القائمة بين مفهومي التطور والتقدم، فإن عدداً من الباحثين يأخذ بعدم التفريق بينهما، ذلك أن مفهوم التطور يشمل الكائنات الحية غير الإنسانية، ولا ينطوي بالضرورة على الإرادة في التحسين، فهو نتيجة تلقائية لعمليات طبيعية تتصف بالطابع القانوني، ومثال ذلك التطور في الكائنات الحية من كائنات بسيطة وأقل نضوجاً إلى كائنات أكثر تعقيداً ونضوجاً، كما تذهب إلى ذلك نظريات التطور. أما التقدم فينطوي على البعد الغائي، والإرادي، ومثاله التقدم الملحوظ في المجتمعات الإنسانية التي تهدف إلى غايات محددة، تعد بمنزلة الأساس الذي تقوم عليه الأفعال وأنماط السلوك التي يمارسها الإنسان.
ومع ذلك يرتبط مفهوم التقدم بمفهوم التطور الاجتماعي ارتباطاً وثيقاً، فهو يعني بالنسبة إلى معظم علماء الاجتماع انتقال المجتمع من مرحلة تتصف بالبساطة إلى مرحلة أكثر تعقيداً، إذ تنمو إمكانية تلبية الحاجات بشكل أفضل، وتتسع دائرة الخيارات المتاحة للفرد ضمن التنظيم الاجتماعي. وفي هذا المستوى التحليلي يلاحظ أن المفهومين ينطويان على الدلالة نفسها، غير أن الأمر سرعان ما يختلف مع تباين اتجاهات التحليل الاجتماعي بين الباحثين والمفكرين.
في تحليلات أوغست كونت وهربرت سبنسر ودُركهايم وغيرهم من علماء الاجتماع، يُستَخدم تعبير التطور على نحو أوضح من مفهوم التقدم، وفيه يلاحظ أن المجتمع الإنساني ينتقل من البساطة إلى التعقيد، ومن الارتباط الآلي إلى الارتباط العضوي، ومن إمكانية استقلال الأجزاء عن بعضها بعضاً إلى ضرورة ارتباطها بعضها ببعض. وغالباً ما يترتب على عملية التطور هذه نمو ملحوظ في الإمكانات التي يتمتع بها المجتمع، وتنوع كبير في الحاجات التي توفرها عملية التطور، إضافة إلى أن ظروف الحياة الاجتماعية تصبح أكثر غنى. إن المجتمع الإنساني ينتقل وفق هذا التصور من طور إلى طور من خلال عمليات النمو التي تحدث في مكونات التنظيم الاجتماعي عموماً.
أما في التحليلات الماركسية، فيلاحظ أن الأمر يختلف، فتعبير التقدم هو الأكثر استخداماً، ذلك أن مراحل التطور الاجتماعي (المشاعية البدائية، العبودية، الإقطاعية) ليست أطواراً ينتقل المجتمع من أبسطها إلى أكثرها تعقيداً، بل هي مراحل نوعية تختلف كل منها عن الأخرى بمستوى تطور قوى الإنتاج فيها وشكل علاقات الإنتاج السائد، وتأتي كل منها إثر تغيرات كمية واسعة تصيب المرحلة السابقة عليها. إن المجتمع الإنساني وفق هذا التصور يتقدم خطوة تلو الخطوة، ومرحلة تلو المرحلة، حتى يصل كمال تقدمه في المجتمع الشيوعي.
كما يختلف مفهوم التقدم أيضاً عن تعبير التغير الاجتماعي الذي يستخدم في الدراسات الاجتماعية، للدلالة على ظهور معالم التغير في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يعيشه السكان، كالتغير الملحوظ في طبيعة الروابط الاجتماعية من حيث شدتها، ودرجة انتشارها، والتغير في بنية الأسرة والروابط الاجتماعية ضمنها، والتغير في الضوابط الاجتماعية للسلوك الإنساني، والتغير الملحوظ في القيم الأخلاقية وغيرها. ويكمن الفرق بين مفهومي التغير والتقدم، في أن الأول لا ينطوي على أي بعد قيمي أو حكم أخلاقي، بينما يتضمن التعبير الثاني (التقدم) حكماً بأن المرحلة التالية هي أفضل من المرحلة السابقة، من حيث طبيعة الحاجات المتاحة أمام الفرد، ومن حيث قدرة الإنسان على التحكم بالظواهر الطبيعية.
إن مفهوم التغير ينطوي على بعد إيجابي أحياناً، وبعد سلبي أحياناً أخرى، تبعاً لزاوية الرؤية التي يأخذ بها الباحث، فانحلال منظومة روابط القربى في التنظيم العشائري مثلاً، وانتشار القيم المادية للحكم على أنماط السلوك، هو تغير اجتماعي، ويتفق كل علماء الاجتماع على ذلك، أما عدّه تقدماً أو تخلفاً فتلك مسألة أخرى. فالنظريات الاقتصادية ومنها الماركسية تجد في ذلك تقدماً، لأنه يأتي في سياق الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وفي سياق التطور الملحوظ في قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، والتي تترتب عليها تغيرات في منظومة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، وفي منظومات السلطة والسياسة والدين وغيرها.
ولكن الأمر يختلف بالنسبة إلى النظريات البنيوية على سبيل المثال، فالتغير هنا يمس أنماط التفاعل وأشكال العلاقات، كما يمس بالدرجة الأولى الرموز الثقافية التي يعتمدها الناس معايير للحكم على أنماط سلوكهم، وانحلالها يعني اضطراب أشكال السلوك وغياب اللغة الثقافية الواحدة، مما يجعل أهداف الأفراد متباينة ومتباعدة في كثير من الأحيان. فالتغير هنا يقود إلى التخلف لأنه يبعثر القوى، ويشتت الطاقات، ويجعل المجتمع أقل قدرة على إنتاج الخبرات.
ومع انتشار مفهوم التقدم، أخذ ينتشر إلى جانبه تعبير التقدمية، الذي يراد به الإشارة إلى الجهود والأعمال التي تحاول تفسير مظاهر التغير الاجتماعي الواسعة في ضوء الرؤية التقدمية، ووضع الظواهر المرافقة لهذا التغير في المراحل التاريخية التي تناسبها في سلم التطور الاجتماعي. وبرغم ذلك فإن النموذج الذي كان يعتمد في التقييم والحكم على سلامة الظواهر جاء مختلفاً بين الباحثين، فهو التجربة الشيوعية بالنسبة إلى معظم الماركسيين الذين أخذوا بدراستها، وهو المجتمع الغربي بالنسبة إلى العدد الكبير من علماء الاجتماع الغرب (آرون، وروستو وغيرهما). وبذلك صارت التقدمية مذهباً فكرياً، يحاول تقويم مظاهر التغير بأبعاده المختلفة وتحليلها في ضوء الرؤية التقدمية. وقد صارت الحركة التقدمية تضم أعداداً كبيرة من المفكرين والاجتماعيين والسياسيين في مختلف بقاع العالم، ولها ميادينها في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وفي مختلف مجالات النشاط الإنساني.

لا يوجد صور مرفقة 

مفاهيم منوعة - البداوة
بقلم: أحمد الأصفر الشهير باللحام

مفاهيم منوّعة - الأيدولوجيا
بقلم: جاد الكريم الجباعي



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب توفيق داود |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2024
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       64 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       فلسطين- غزة:ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 41118//وزارة الصحة الفلسطينية: 13 شهيداً جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة في قطاع غزة منذ فجر اليوم//وسائل إعلام فلسطينية: شهيدان جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة//خمسة شهداء في قصف الاحتلال حي الزيتون ومخيم جباليا//       ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة، واصفاً الحادثة بالمروعة.// سابق يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات التالي العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على الجنوب اللبناني//       القوات الروسية تطهر 10 بلدات وقرى من قوات نظام كييف في كورسك//تنديد دولي باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة//       أحبار الأمة والعالم :المقاومة اللبنانية تستهدف مستوطنتي روش هانيكرا ومتسوفا بالصواريخ//كوبا تدعو المثقفين السوريين لدعم الرسالة المناهضة لإعادة إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب//       ستشهاد مواطنين اثنين جراء عدوان إسرائيلي بمسيرة على ريف القنيطرة//       المقداد لـ مانزي: نرحب بالعمل مع الوكالات الأممية وتسهيل عملها//تمديد فترة قبول طلبات المشاركة في منافسات الموسم الجديد من الأولمبياد العلمي السوري//الزراعة تناقش آليات دعم بذار القمح والأعلاف واستبدال بساتين الحمضيات الهرمة//       الاحتلال الإسرائيلي يسلم الصليب الأحمر جثامين 84 شهيداً قتلهم خلال عدوانه على قطاع غزة//المقاومة الفلسطينية توقع عدداً من جنود الاحتلال قتلى ومصابين جنوب قطاع غزة// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا)// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا) التالي وسائل إعلام لبنانية: استشهاد ٤ أشخاص جراء غارة لطيران العدو الإسرائيلي على بلدة مفيدون جنوبي لبنان//       نزوح قسري لآلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة//39653 شهيداً منذ بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة//وزارة التربية الفلسطينية: أكثر من 10 آلاف طالب استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//المكتب الإعلامي في غزة يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اختطاف الاحتلال لجثامين الشهداء وسرقة أعضائهم//       فلسطين:شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ 306 على قطاع غزة//حماس تعلن اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي//24 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       مذكرة تفاهم بين جامعتي البعث والبترول التكنولوجية الإيرانية // وضع مركزي تحويل كهربائيين جديدين بالخدمة في السويداء//صحة السويداء تستلم سيارات إسعاف لتلبية احتياجات المواطنين//