السياسة علم وفن وحسابات معقدة جدا . وويل لمن يتعاطى السياسة بسذاجة وقلة علم وإستبداد . !!!
في معرض تعليقي على مقالة لأحد الأصدقاء قبل قليل ذكرت له بأنه وفي أثناء لقاء غورباتشوف بالرئيس الأمريكي ريغن في رايكيافيك عاصمة أيسلندا ، تقدم غورباتشوف بتنازلات مذهلة ، حتى أن أحد مستشاريه المرافقين أراد القفز عليه وخنقه . قبل غورباتشوف بحل حلف وارسو وإنسحاب الجيش الأحمر السوڤييتي من أوروبا الشرقية ، وذلك لقاء ( وعد شرف ) قدمه ريغن بإمتناع حلف الناتو من التقدم شرقا بإتجاه الحدود الروسية !!!
واليوم نعلم بأنه وعند إكتمال إحتلال الناتو لأوكرايينيا فسوف يصبح جندي الناتو في مقابل الجندي الروسي إعتبارا من المحيط المتجمد الشمالي وحتى البحر الأسود ووصولا إلى مضائق الدردنيل والبوسفور البحرية التركية ( والتي ماتزال ممرات بحرية دولية تعود إلى السيادة التركية بعد أقل من سنتين ) . بإختصار تصبح روسيا من ناحية الغرب محاصرة تماما من قبل الناتو ، ولا يبقى لها مطلا على البحار العالمية إلا من خلال طرطوس ( وهذا إذا إستمر الأتراك بالسماح للروس بعبور ممراتهم ) وڤلاديڤوستوك في أقصى الشرق . علما بأن القاعدة البحرية الروسية في غالينينغراد ( كونيكسبرغ أراضي ألمانية الأصل ضمتها روسيا من بعد الحرب العالمية الثانية ) على بحر البلطيق ، وبشهادة لافروف في العام الماضي فإن الناتو أطبق الحصار عليها أيضا . هذا من الناحية العسكرية ، وأما من الناحية الإقتصادية فعلة روسيا اليوم تماثل علة الإتحاد السوڤييتي التي أسقطته وهي قوة عسكرية جبارة تفترس قسما هائلا من الإقتصاد ، وإقتصاد ضعيف غير قادر على المنافسة ( أضعف من الإقتصاد الكندي ) وفوق ذلك يتحكم الأوليغارش بالإقتصاد ومصلحتهم مع الغرب . كما أن الدخل الرئيسي للروس من العملة الصعبة يأتي من بيعهم الغاز لأوروبا . وقصة العقوبات الإقتصادية الغربية على روسيا معروفة ، ويهدد الغرب اليوم روسيا بفرض المزيد من العقوبات الإقتصادية وخصوصا في مجال تصدير الغاز لأوروبا ( تذكروا لو أن الغاز القطري وصل أوروبا عن طريق سوريا ونافس الغاز الروسي ماذا كانت الحال اليوم ) . !؟
وبالعودة إلى عنوان المقالة نقول بأن الناتو ليس بوارد إشعال حرب مع روسيا في أوكرايينيا ، وليس في وارد قصف سيباستوبول عاصمة شبه جزيرة القرم التي إستعادتها روسيا من أوكرايينيا . وبدلا من ذلك جرى قصف اللاذقية على بعد كيلومترات من قاعدة الروس في حميميم ، الخاصرة الضعيفة للروس وذلك لإذلالهم وإحراجهم أشد الحرج ، وربما إجبارهم على الرحيل بأسرع مما يتمنون ويتوقعون والعودة بروسيا إلى خلف حدود البحر الأسود . أي إحكام الحصار العسكري والإقتصادي أيضا . ولذلك تدفع اللاذقية الثمن بدلا من سيباستوبول . فهل تستمر روسيا في محاولاتها اليائسة بإرضاء الغرب وأعوانه مثل تركيا وإسرائيل وبالطبع من حساب سوريا ، أم أنها سوف تتخذ سياسة أكثر تشددا . هذا غير واضح اليوم ، ولكن مسقبل روسيا وبالطبع سوريا في الميزان . وربما إراد الناتو إنهاء الحساب مع روسيا أولا من أجل التفرغ للمعركة الكبرى في جنوب شرق آسيا مع التنين الصيني !؟ فهل سنشهد المزيد من التصعيد والدمار ؟؟؟!!!
السياسة علم وفن وحسابات معقدة جدا ، وويل لمن يتعاطى السياسة بسذاجة وقلة علم وإستبداد . حمى الله سوريا .