أرى تيار في الدولة العميقة في واشنطن (وهم تيارات متصارعة ومختلفة) أنه: إذا كانت الولايات المتحدة تسعى حقًا إلى شرق أوسط أكثر استقرارًا ، فيجب عليها إزالة وزن ثقلها كدولة عظمى من الموازين التي تقيس القوى والسماح للمنطقة بإعادة المعايرة وفقًا لتوازن القوة الفعلي متعدد الأقطاب على أن يكون إقليميًا، وذلك يتم من خلال السماح لدول المنطقة بالتوازن مع بعضها البعض، بحيث يمكن أن يظهر نظام إقليمي أكثر استدامة، لا يعتمد على الوجود الأبدي لآلاف القوات الأمريكية.
والتوصيف يبنى على تحليل عسكري وسياسي (يدخل في تفاصيل قدرات الانتشار والصيانة والدعم اللوجستي …)يقول بأنه لا توجد قوة في المنطقة تستطيع أن تفرض هيمنتها العسكرية وبالتالي السياسية والاستراتيجية على دول المنطقة، وبالتالي لا داعي للقلق من أي دولة في المنطقة على المصالح الاستراتيجية الأمريكية. (ويدعم هذه الرؤية مركز كوينسكي).
ويرى هذا التيار أن من شأن هذا النهج أن يخدم المصالح الأمريكية بشكل أفضل، لأن التوازن متعدد الأقطاب سيمنع الهيمنة للتيارات والقوى المتعادية والعدوانية في المنطقة، وعند حدوث عدوان ستُعدل نفسها بنفسها من خلال صراعها مع بعضها وعلى نفقتها. و انه حين تتحدد المصالح الأمريكية عنده إذن يمكن لقوة صغيرة في المنطقة التابعة للولايات المتحدة الأمريكية أن تعيد الأمور إلى نصابها.
ويتابع هذا التيار أنه يجب على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك أن تشجع على تطوير بنية أمنية إقليمية جديدة، مع الحفاظ على وجود عسكري خارجي أمريكي يسمح بالتدخل إذا لزم الأمر لحماية المصالح الأمريكية.
و لكي يكون مثل هذا التوجه الأمني ناجحًا ودائمًا، فإنه يحتاج إلى دعم إقليمي: بحيث يجب على الدول الإقليمية أن تقود هذه العملية بدلاً من أن تقودها أمريكا بنفسها.
وبناء على ذلك يبني تيار من الواقعية السياسية فكرة ترك تفاصيل المنطقة لمن هم فيها.
وبناء على ماسبق يبني هذا التيار رأيه بخصوص الشرق الأوسط؛ بأن الوجود العسكري الأمريكي المستمر في الشرق الأوسط يعكس تفكيرًا عفا عليه الزمن؛ وذلك نظرًا لغياب التهديد الواقعي للهيمنة الإقليمية من أي دولة داخل الشرق الأوسط أو خارجه، لذلك يمكن للولايات المتحدة أن تخفف بأمان العبء العسكري غير الضروري المتمثل في تمركز عشرات الآلاف من القوات الأمريكية في المنطقة. فالوجود ليس رادعًا ، كما أن الردع ليس هو السبيل الوحيد لحماية المصالح الأمريكية. فمع عدم وجود تهديد واقعي، لا يوجد شيء لردع جهود الولايات المتحدة النشطة. وفي النهاية ، لا يتطلب التوزيع الحالي للقوة في الشرق الأوسط الكثير من الجهد من قبل الجيش الأمريكي، ولا يتطلب أي وجود عسكري أمريكي.
لكن هذا التيار ليس غالبا وليس وحيدا إذ يعاكسه تيار اخر بالرؤية، ويصرّ على اابقاء في المنطقة وجني الأثمان حتى يتم الانسحاب الأمريكي منها، ويبدو أن التيارين يعملان معاً وهذا ما يمنح السياسة الأمريكية في المنطقة سمة انعدام التعيين!!!