جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

  العلمانية.. مسألة للبحث | بقلم: يزيد جرجوس
  العلمانية.. مسألة للبحث



بقلم: يزيد جرجوس  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
29-10-2021 - 1842

    العَلمانية (بفتح العين) هي موضوع يشغل بال الكثيرين اليوم، وبصورة متزايدة، خاصة في المجتمعات المتعبة من أزمات الحروب والمصاعب الاقتصادية، وذلك منطقي ويرجع لعوامل مفهومة، وبمكننا المرور عليها سريعا. فأغلب الحروب على مدى التاريخ كان الدين الاجتماعي (النسخة المتداولة منه في مجتمع ما، وزمن ما) دائما عنصرا متداخلا فيها، وربما من مسبباتها، أو على أقل تقدير مستخدم فيها. وهذا بدوره أيضا مفهوم لسبب تشابك وتلازم مسألة الدين مع الحكم عبر التاريخ. فابن خلدون يقول أنه لا يمكن بناء دولة بدون عصبية، والعصبية الأقوى هي الدين. لذلك فهو لازم للاستخدام في كل التشكلات والتحولات السياسية عبر التاريخ، وهذا بالطبع يمكن أن يكون سلبيا أو إيجابيا، فليس كل استخدام للنظرية أو العقيدة التي تؤمن بها مجموعة من البشر، هو بالضرورة أمرسلبي.
  اليوم حديث العلمانية مطروح بصوره المتناقضة أحيانا بين من هو معه ومن هو ضده، وعلى كل المستويات ابتداء من المفكرين والمثقفين ورجال الدين، ومرورا بالشرائح الاجتماعية الأكثر ثقافة وتعلما، وصولا إلى تلك الأقل معرفة وخبرة. والكل لديه موقف راسخ، فهناك من يعتبرها الحل، وهؤلاء غالبا لديهم مشكلة مع دين معين أو طائفة، بمقابل من يعتبرها المشكلة، وهؤلاء بدورهم ممن لديهم انتماء محافظ لدين معين أو طائفة، والقليلون جدا ممن يعتبرونها أحد التشكلات الموضوعية للصيرورة والنهضة التاريخية للمجتمعات، ويعتقدون بأنها لا تتعارض مع الدين أساسا.
  البحث في العلمانية، يمكن أن يقسم على مستويات، و إلى أقسام. فالعلمانية قد تكون على مستوى الأفراد، و أيضا على مستوى المؤسسات و الدول، كما و أنها عند الفرد و المؤسسة، قد تكون في العقيدة، وقد تكون في السلوك. فماذا نقصد بكل ذلك، و هل تجيب العلمانية على كل الاسئلة و الإرهاصات الإجتماعية و السياسية، التي تدورحولها..!
  أولا لنفصل بين قسمي العلمانية، كسلوك و منهج، أو كعقيدة و مذهب. فإذا كانت العلمانية، تعني و بالمختصر "فصل الدين عن الدولة"، فهذا يعني أن لا تعامل الدولة أو المؤسسة أفرادها انطلاقا من خلفيتهم الدينية أو المذهبية، و ينسحب هذا في المجتمعات المتمدنة إلى العرق، و المنطقة، و غيرها.. هذا على جانب السلوك، أي أن الدولة تسلك سلوكا علمانيا، فلا تميز بين أفراد مجتمعها بناء على انتماءاتهم. وهذه الحيادية في سلوك الدولة والمؤسسات، ليست مطلقة ولكن نسبية مثلها مثل كل الأمور الإنسانية التجميعية، حيث تتواجد بنسب معينة كوصف للسلوك، وترتفع هذه النسب أو تنخفض. انطلاقا من هذا ولأن العنوان الدارج "فصل الدين عن الدولة" يبدو إقصائيا في صيغته أكثر مما يوحي بالقبول والتفهم، والعلمانية نفسها يجب أن تكون قبولا وتسامحا وإلا كانت عكسها، فإنه يمكننا إعادة صياغة التعريف هنا لكي يكون، بأن العلمانية هي سعي لتكريس مبدأ عدم التمييز بين المواطنين بناء على انتمائهم الديني، أو حتى اللاديني أيضا. والأمثلة من الواقع ربما ستكون أفضل مقاربة لشرح هذه التفاصيل ومعانيها التي لا تنطوي على أحكام بقد ما يجب أن تلقي الأضواء هنا وهناك في دائرة الفكر المهتم.
  إن دساتير بعض الدول الغربية، لا تحدد دين رئيس الدولة فيها، كعنوان عريض عن علمانية هذه الدول، و في معظم الدول الغربية الأخرى، و التي تعلن علمانيتها، فإن دساتيرها تحدد دين رئيسها أو ملكها، وفي هذا سلوك غير علماني، و لكنه لا ينسف بالضرورة علمانية تلك الدول. أما إذا دنونا نحو الشرق، فنجد سوريا مثلا، و دستورها يحدد دين رئيس الدولة، و عليه فهي تخفق هنا في تطبيق علمانيتها التي تعلنها بصورة مواربة، و هو أمر أيضا لا ينسف بقية سلوكياتها العلمانية. في إيران مثلا يخصص مقعد في البرلمان للملحدين، و هذا سلوك فيه من العلمانية شيئا، لجهة الإعتراف بحق الإلحاد، و إعطاء الملحدين موطئ قدمٍ في السلطة التشريعية، و لكن هذا السلوك لا ينفي دينية الدولة الإيرانية، و ربما مذهبيتها. قد يرى البعض أيضا، و عن حق، أن إعطاء "كوته" طائفية للوظائف، أو للمجالس، هو بطريقة أو بأخرى يحمل تمييزا بين أبناء المجتمع طائفيا، و هذا أمر غير علماني، مع أنه يبدو كضمان لحقوق الطوائف، أو "الأقليات"، و لماذا نقول "يبدو كضمان"؟ لأن هذا الضمان ينطلق أساسا من تقسيم المجتمع على أساس طائفي، و هو أمرٌ يتخلف كثيرا عن البيئة المدنية التي تسعى إليها الشعوب المتحضرة، و هو أيضا خطرٌ و لا يؤدي إلى انسجامٍ في الولاء الوطني عند شعب ما. فعندما تسود روح المواطنة العالية في المجتمع، و تتجذر العلمانية في سلوك المؤسسات، تصير هي ضمانة تحمي حقوق الاعتقاد الديني، و الطائفي، كما و حق ممارسة الشعائر الدينية بحرية لا تتجاوز على حرية الآخرين. أما عن الإدارة و السياسة و الحكم، يكون التمثيل بناء على الكفاءة و الاختصاص ليس إلا، فيُمَثَّلُ المواطن الصالح، بمواطنٍ صالحٍ مناسب.
  أما كيف تكون العلمانية عقيدة عند الدولة، فذلك عندما تعلن هذه الدولة عدم اعترافها بالدين، و ترفض فكرة وجوده، و هنا و إن كان هذا حق مكفولٌ للأفراد، بأن يرفضوا الإيمان بالدين، و أول من كفل هذا الحق، هي الشرائع الدينية ذاتها. و لكن بالنسبة للمؤسسة، يصبح جنوحا باتجاهٍ معاكس للعلمانية، فالعلمانية قبول و اعتراف، بل و ضمانُ الحق بالوجود و الإعتقاد، و لا يمكن أن تكون رفضا و إقصاء. و المؤسسة إذ ترفض الاعتراف بالدين، تنحو نحو فكر المتطرفين الدينيين، و الذي يرفض الاعتراف بالآخر و يكفره. لذلك بالضبط نجد أن تجارب التاريخ أعطت مثالا واضحا كيف أن كلا من السلطتين المتشددتين العلمانية و الدينية، تنتج الأخرى بعد حين، فهما و إن ظهرتا متناقضتين في الظاهر، و لكنهما متشابهتان في الجوهر، و خير مثال على ما نقول، هو تطور و انقلاب نظامي الحكم في تركيا خلال القرن الماضي، من العلمانية المتشددة إلى التشدد الديني و بالعكس، و أكثر من مرة.
  أما على صعيد الأفراد، و كما ذكرنا سابقا، فإن الدين نفسه كفل لهم حق الكفر به، فالشرائع بصلبها لمن يحسن قراءتها وفهمها، علمانية تماما. عندما يقول القرآن ((فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر)) و ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي)) و عندما يقول المسيح ((من ليس ضدي فهو معي)) فنحن أمام فكرٍ يمتلئ قبولا بالآخر، و يعطيه حق الوجود و الاعتقاد. نحن و في نفس الإتجاه نعتقد أن الإنسان حرٌ في أن يؤمن بما يشاء، فهو يمكن أن يكون عِلماني العقيدة أيضا، يؤمن بالعلم، و لا يعترف بالدين، إذ أن هذا لا يترتب عليه بالضرورة، رفضٌ للآخر، فعلى صعيد السلوك و هو مستوىً مختلف، بإمكان الفرد و هذا ما نؤكد عليه، أن يتصرف بعَلمانية أيا كان اعتقاده، دينيا أو علميا، بحيث لا يميز في تعامله مع محيطه على أساس الاعتقاد و الدين و الطائفة.
  هنا لا بد من ملاحظة على صعيد الأفراد، و الذين يعتقدون بجدوى العلم ليس إلا، فإنه و لأن البحث العلمي لا يؤمن إلا بالتجربة و الدلائل، فإن الاعتقاد بعدم صحة الدين، و أحيانا بعدم وجود الله، حتى و إن وُجِدَت عليه الكثير من الدلائل و القرائن، و لكنه يفتقر إلى الأدلة القطعية. لذلك ومن باب العلمية في التفكير، وجب عدم التورط في رفض أو إنكار إحتمال وجود الماورائيات، ولأسباب علمية، و بالتالي يكون الإنسان العلمي هو الأكثر قبولا و اعترافا بالآخر فكرياً.
  وبالمقابل فإن المنزلق الأخطر الذي يقع فيه المحافظون دينيا وعقائديا، والذي يوديهم دائما إلى عكس مبادئ عقائدهم التي دائما تبنى على الحرية والإنسانية، هو قمع الآخر المخالف أو المختلف، ومحاولة ضمه قسريا إلى الجماعة التي ينطلق منها المحافظ، فيتحول هو بالضرورة إلى متطرف، لأن الشعرة التي تفصل الإيمان القوي عن التطرف، هي المسافة التي يقطعها المؤمن بين الالتزام بتعاليم العقيدة، وبين فرض هذا الالتزام على الآخرين.
  في النهاية، نحن نرى في علمانية السلوك، إن على مستوى الدولة و المؤسسات، أو على مستوى الأفراد المواطنين، الضمانة و الحضن، لحرية الفكر و الاعتقاد، بين أفراد المجتمع على صعيد الشرائع التوحيدية، ومذاهبها، وأيضا وانطلاقا من ذلك و بناءً عليه، إلى ما هو أوسع من قبول للعقائد الحزبية و الفكرية و السياسية، وصولا إلى كافة التنوعات في الإنتاج الإنساني، لأن القبول سمة كاملة لا تتجزأ.. هنا، و اعتمادا على كل ما سلف، نحن نرى أن تطبيق العلمانية، يستلزم صيرورة من علمنة المجتمع، و التي يجب، ولا يمكن أن تكون، إلا في إطار نهضة مجتمعية علمية، و ثقافية، وإنتاجية على التحديد، تضمن تحقق الشروط الموضوعية للعلمانية، ولكل التطبيقات المدنية المتقدمة، بما فيها الممارسات الديمقراطية.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


الكابوس الإسرائيلي في ظل المتغيرات الدولية، ومعادلات الردع الجديدة.
بقلم: الدكتورة ميادة رزوق

الإعتذار في غير مكانه إذلال ومهانة وتنازل عن الكرامة
بقلم: عدنان علامة



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب يزيد جرجوس |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2024
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       64 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       فلسطين- غزة:ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 41118//وزارة الصحة الفلسطينية: 13 شهيداً جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة في قطاع غزة منذ فجر اليوم//وسائل إعلام فلسطينية: شهيدان جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة//خمسة شهداء في قصف الاحتلال حي الزيتون ومخيم جباليا//       ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة، واصفاً الحادثة بالمروعة.// سابق يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات التالي العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على الجنوب اللبناني//       القوات الروسية تطهر 10 بلدات وقرى من قوات نظام كييف في كورسك//تنديد دولي باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة//       أحبار الأمة والعالم :المقاومة اللبنانية تستهدف مستوطنتي روش هانيكرا ومتسوفا بالصواريخ//كوبا تدعو المثقفين السوريين لدعم الرسالة المناهضة لإعادة إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب//       ستشهاد مواطنين اثنين جراء عدوان إسرائيلي بمسيرة على ريف القنيطرة//       المقداد لـ مانزي: نرحب بالعمل مع الوكالات الأممية وتسهيل عملها//تمديد فترة قبول طلبات المشاركة في منافسات الموسم الجديد من الأولمبياد العلمي السوري//الزراعة تناقش آليات دعم بذار القمح والأعلاف واستبدال بساتين الحمضيات الهرمة//       الاحتلال الإسرائيلي يسلم الصليب الأحمر جثامين 84 شهيداً قتلهم خلال عدوانه على قطاع غزة//المقاومة الفلسطينية توقع عدداً من جنود الاحتلال قتلى ومصابين جنوب قطاع غزة// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا)// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا) التالي وسائل إعلام لبنانية: استشهاد ٤ أشخاص جراء غارة لطيران العدو الإسرائيلي على بلدة مفيدون جنوبي لبنان//       نزوح قسري لآلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة//39653 شهيداً منذ بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة//وزارة التربية الفلسطينية: أكثر من 10 آلاف طالب استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//المكتب الإعلامي في غزة يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اختطاف الاحتلال لجثامين الشهداء وسرقة أعضائهم//       فلسطين:شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ 306 على قطاع غزة//حماس تعلن اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي//24 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       مذكرة تفاهم بين جامعتي البعث والبترول التكنولوجية الإيرانية // وضع مركزي تحويل كهربائيين جديدين بالخدمة في السويداء//صحة السويداء تستلم سيارات إسعاف لتلبية احتياجات المواطنين//