بقلم: عفيف بهنسي
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 06-10-2021 - 4091 الترصيع incrustation فـي القاموس المحيط، التركيب والتقدير، وتاجٌ أو سيفٌ مرصّع، أي محلّى. والترصيع بحسب معناه المتداول، هو إضافة مادة ثمينة إلى مادة أخرى لتحليتها وزخرفتها، ويتم ذلك عن طريق نقش المعدن الأساسي وتنزيل المعدن المطعَّم. ويختلف الترصيع عن التكفيت inlaying إذ يتم به التطعيم بتثبيت صفائح رقيقة بالمسامير على سطح المعدن الأساسي. وتبدأ عملية الترصيع بتحضير المعدن الأساسي، ويكون عادة من النحاس أو البرونز، وذلك بعملية «القص» أي تقطيع المعدن إلى دوائر أو مستطيلات، ثم يتم تشكيله عن طريق «الدق» بحسب المطلوب، إبريقاً أو صحناً أو مزهرية... ويمارس عملية الدق النحّاس الذي يحيل القطعة إلى رئيس الورشة أو رئيس الكار، فيقوم أولاً بعملية الرسم عـلـى الـمـعدن، بعد اختيار موضوع الزخرفة سواء أكان تمثيلياً رمزياً أم رقشياً مجرداً، ويتم الرسم بالقصب والحبر، ثم يأتـي دور الـنـقـاش. ويتحدث القاسمي في «قاموس الصناعات الشامية» عن طريقة «النقش» التي تتم بعد تثبيت القطعة على قاعدة من الإسفلت كي لا تثقب، وتنثني تحت تأثير ضربات الإزميل والمطرقة، ولتكون ثابتة لا تتحرك بين يدي الصانع النقاش أثناء العمل، ويتم النقش بأزاميل مسننة من الحديد، ينقش بها أشكال الطيور أو الورود أو الحيوانات، طبقاً لما رسمه رئيس الورشة، ويتم النقش بخطوط مسننة. بعد إنجاز هذه المراحل، تبدأ عملية «التطعيم» بترصيع المعدن الأساسي بمعدن ثمين من الذهب أو الفضة، ويحضَّر هذا المعدن الثمين على شكل أسلاك تنزَّل في مسارات النقش المسننة، وتطرق بمطرقة خاصة فيشتبك السلك مع أسنان خطوط النقش، ثم يقوم الصانع، وغالباً ما يكون امرأة، بعملية «القشط» أي تسوية الأسلاك المنزَّلة والمشبكة وصقلها، وبذلك تتم عملية الترصيع. تميز صانع الترصيع عن باقي صناع فن المعدن، لاستعماله المعدن الثمين في عملية الترصيع، ولعلاقته بطبقة الخواص من الحكام والأغنياء زبائن هذا الفن. وغالباً ما كان صناع الترصيع على مستوى جيد من الثقافة والموقع الاجتماعي، يشهد على ذلك ذكر اسمهم على أعمالهم كعلامة امتياز. وكان الصناع أفراد أسرة واحدة لكل فرد منهم اختصاص، حتى النساء. وكان الزبائن يلجؤون إلى الصانع الأكثر شهرة، ومع ذلك فكثيراً ما كان الزبون يقدم المعدن الثمين، ويتأكد من استعماله ضماناً من التزييف، بل إن عملية التنزيل كانت غالباً بإشراف الزبون أو في بيته، كما ذكر المقريزي. وكان للزبون دور في اختيار التصميم وانتقاء الكلمات المرصعة. اهتم السلاطين، وخاصة في العصر الفاطمي، باقتناء المصنوعات المعدنية المرصعة التي استفادت من مناجم الذهب في إفريقية ومن التجارة مع الهند، ولقد تحدث المؤرخون عن رخاء العصر الفاطمي في القاهرة. وعندما زال الحكم الفاطمي كان من إرثهم كمية كبيرة من الأعمال المرصعة، من بينها ستة آلاف قارورة عطر من الفضة المطعمة بالذهب. وتحدث ناصر خسرو، عند زيارته القاهرة، عن كنوز السلطان الفاطمي وتوقف في حديثه على وصف الشمعدان الفضي المرصع، وكان ضخماً حتى اضطروا لهدم باب المسجد ليتمكنوا من إدخاله. وكانت دمشق في العصر الفاطمي موحدة مع مصر، وقد أمد صناعها العاصمة، القاهرة، بروائع الأواني المرصعة. ازدهرت طريقة ترصيع المعادن فـي العصر السـلـجوقي، ومن أبرز النماذج القديمة إبريق نحاسي مرصّع بالفضة يعود إلى النصف الأول من القرن الرابع عشر، لعله صنع في دمشق. وثمة مقلمة محفوظة في متحف ميتروبوليتان في نيويورك صُنعت أيضاً في دمشق مع قطع أخرى، يتحدث عنها العالم المختص لين بول Lane Paul، فيرى أنها تمثل أروع منجزات الترصيع، وهي مؤلفة من مقلمة ومبخرتين وصحن، وكلها مرصعة بالفضة والذهب معاً، ويدل أسلوب الزخرفة فيها على الطابع الدمشقي الصرف. فالمقلمة تحوي رسوماً متشابكة تملأ الفراغ من الداخل والخارج، وتتألف هذه الرسوم من جاماتٍ ومعينات وأشكالٍ على صورة مفتاح أو عناصر نباتية أو زخارف مضفرة، وغير ذلك من العناصر الزخرفية الشامية. عـلـى أن مصطلح الترصيع اخـتلط أحياناً مع مصطـلـح التكفيت. ويـذكر المقريزي (ت845هـ/1441م)، فيقول: «وقد قلَّ استعمال الناس في زماننا للنحاس المكفَّت وعزّ وجوده، فإن قوماً لهم عدة سنين قد تصدوا لشراء ما يباع منه ... وبقي بهذا السوق إلى يومنا هذا بقية من صناع الكَفْتِ قليلة». وهذا يفسر ما أصاب هــذه الصـناعـة وغيرها من زوال أو ضعف، بعد أن رحّل تيمورلنك، منذ عام (824هـ/1400م) أبرز الصناع المهرة إلى سمرقند حيث انتقلت صناعة الترصيع، التي انتقلت أيضاً في القرن الخامس عشر والسادس عشر إلى البندقية في إيطالية، وكانت قد انتقلت إلى الأندلس في عصر الخلافة الأموية، ومن آثارها صندوق الحكم الثاني (351هـ/961م)، واستمرت حتى نهاية الحكم العربي في الأندلـس، ومثالها الثـريـا الموجودة في قصر الحـمراء والتي تعود إلى عـام (704هـ/1305م). استردت مؤخراً صناعة الترصيع انتشارها في البلاد العربية في الشام ومصر وتونس والمغرب، كما انتشرت في جميع أنحاء العالم نوعاً من الصناعات المدمشقة Damaskining.
لا يوجد صور مرفقة
|