حددت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 المياه الإقليمية لأي دولة بمسافة 12 ميلاً بحرياً. لذلك يستطيع لبنان ممارسة السيادة على الجزء من البحر المتوسط المُقاس من خطوط الأساس المُقررة وفقاً للاتفاقية المذكورة لمسافة ١٢ ميلاً فقط لا غير. وتمتد هذه السيادة وفقاً للاتفاقية إيّاها إلى الحيّز الجوي فوق البحر الإقليمي وكذلك إلى قاعه وباطن أرضه. بحيث تستطيع الدولة استخدام الطائرات والغوّاصات وكل انواع المقذوفات للدفاع عنه ضد اي اعتداء تتعرض له المياه الإقليمية.
١- الحدود البحرية والدستور
لم يُؤتَ في الدستور اللبناني على ذكر اي تحديد لبحرنا الإقليمي كما هي الحال بالنسبة للحدود البرية. وقد كان من المفروض على المجلس النيابي اجراء تعديل للمادة الأولى من الدستور وتضمينها الحدود البحرية وحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، بعد انضمام لبنان إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
كما أنه جدير بالذكر ان لبنان لم يحدد لغاية الآن باي نص قانوني حدوده البحرية الإقليمية رغم تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بموجب المرسوم ٦٤٣٣ الصادر ىتاريخ ٢٠١١/١٠/١.
٢- مقتضيات السيادة البحرية
تمارس الدولة على بحرها الإقليمي سيادة كاملة، وتسمح لسفن جميع الدول ساحلية كانت أو غير ساحلية بالمرور دون الدخول في المياه الداخلية أو التوقف في مرسى خارج هذه المياه الا بإذن منها على أن يكون المرور سريعا ومتواصلا لا يضر بمصالح الإقليم البحري، ويسمح القانون “بالتوقف والرُسُو إذا كان من مقتضيات الملاحة العادية، أو لضرورة قاهرة وعاجلة كتقديم المساعدة لأشخاص أو سفن او طائرات في حالة الخطر”
٣- حزب الله والعقوبات
أعلن الأمين العام لحزب الله أن سفناً إيرانية سوف تبحر من إيران إلى لبنان وأنه يعتبرها أرض لبنانية بمجرد دخولها إلى البحر المتوسط محذراً أمريكا أو إسرائيل من اعتراضها متحدياً العقوبات الأميركية التي تنص في الأمر التنفيذي رقم 13846 الصادر بتاريخ 6 آب 2018 على “فرض عقوبات من السلطات الأميركية على كل من يُقدِم عن علم على الدخول بصفقات مع شركات النفط الإيرانية في سبيل شراء أو حيازة أو بيع أو نقل أو تسويق البترول أو المنتجات البترولية من السلطات الإيرانية” .
إذن فاستيراد النفط الإيراني الى لبنان يعرّض لبنان ومن يستوردُها إلى عقوبات. وقد جاء في تصريحات الأمين العام انه سيستقدم النفط الإيراني رغماً عن ارادة السلطات الرسمية، مما يعرضه هو شخصياً مع الشركات المستوردة اذا وجدت للعقوبات، ولا يعفي السلطات اللبنانية.
٤- حصانة “الولاية القضائية”
تنص المادة 95 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على ما يلي: “تتمتع السفن الحربية في أعالي البحار بحصانة كاملة من الولاية القضائية لأي دولة غير دولة العلَم”. وتنص المادة 96 على الحصانة المطلقة نفسها للسفن المملوكة للحكومة أو التي تديرها في أعالي البحار. وبمتد هذا الحق أيضاً الى المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، . ولا يوجد في الاتفاقية ما يبطل هذه الحصانة حتى في البحر الإقليمي، حيث تبقى الحصانة السيادية سارية، وتتمتع السفن فبها بحماية قوية، كما أيضاً في المياه الداخلية، حيث تحتاج السفينة الحربية إلى إذن الدولة الساحلية لدخول المياه الداخلية (اتفاقية قانون البحار) إذن فالسفن الإيرانية تتمتع بحماية القانون الدولي الذي يعلو القوانين المحلية للدول.
٥- خرق إيراني سابق
فكما خرقت السفن الإيرانية التي كانت تحمل إلى فنزويللا شحنات من النفط تنتهك العقوبات الأميركية، دون أن تستطيع أميركا منعها أو القيام بعمل حربي ضدها، كذلك لن تستطيع القيام باي عمل ضد السفن الإيرانية المتجهة إلى لبنان. طالما ان السفن الإيرانية لا تهدد باستخدام القوة، فأن الحصانة السيادية تحميها أينما كانت سواء في أعالي البحار أو المنطقة الاقتصادية الخالصة أو البحر الإقليمي أو المياه الداخلية لأن القانون الدولي يمنع ذلك من جهة، ولأن إيران وحزب الله سوف يجعلان تكاليف أي عمل عدواني أميركي أو اسرائيلي مباشر باهظة من جهة ثانية بواسطة عملية حربية قاسية على السفن الأميركية والاسرائيلية في البحر المتوسط واماكن انتشارها. بالإضافة إلى أن هذا العمل الأميركي ضد هذه السفن سيكون غير قانوني ومخالف لمبدأ الحصانة السيادية المنصوص عليه في المادة ٦٢ من قانون البحار.
٦- هل تستطيع أميركا نجاهل القانون الدولي
لقد اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات سفناً إيرانية مشتبه بنقلها للنفط الا ان السفن هذه المرة قد تعلمت الدرس من عملياتها السابقة وتحصنت بوثائف رسمية تثبت أنها سفن حكومية مما يجعلها تحت “الحصانة السيادية”. وهذه الوثائق الرسمية هي ما تكلم عنه الأمين العام في إعلانه عن إنجازها بتاريخ ٢٠ آب ٢٠٢١ في خطابه الاخير.
فهل ستتجاهل أميركا القانون الدولي، وتهاجم السفن الإيرانية الحكومية وتتحايل على القانون مدعية ان إيران لا تخرق فقط قانون العقوبات وإنما ايضاُ تتعامل مع “منظمة إرهابية”؟ هل ستتجاهل القانون وهي تعلم انها سوف تخسر اي دعوى تتقدم بها إيران أمام المحاكم الدولية؟
في كل الأحوال سوف تعلن إيران وحزب الله تحقيق انتصار محتم على أميركا التي ستمنى بهزيمة مذلة. .
٧- عملية محكمة لإيران والمقاومة
إيران والمقاومة قاما بدرس ملفهما دراسة وافية وها هما يُقدمان على تنفيذ العملية لأنهما يعلمان أنهما رابحَين في كل الأحوال وذلك ليس لأنهما الاقوى عسكرياً وليس لان لبنان يستطيع فرض سيادته على البحر المتوسط، وإنما لان اي عملية اميركية هي فاشلة عسكرياً وقانونياً. أما الفريق الثاني الأميركي فلا يبقى أمامه الا الطرق الملتوية الاخرى التي بدأت بالتصريح عنها السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا إذ أعلنت عن خطة لمساعدة لبنان في الحصول على المحروقات من مصر عبر الأردن وسوريا. وهذا ما يعتبر تراجعاً واعلاناً مسبقاً عن عدم قدرة أميركا على منع السفن الإيرانية بالقوة.
كل ذلك والحكومة اللبنانية في سباتٍ عميق. والشعب اللبناني يغرق في يحر من الفقر واليأس والخوف على المستقبل