وعود جوفاء و مغازلة باسم الأخوة العربية الكردية التي لم و لن تكون أخوةً أبداً و لن تنطلي هذه العبارات الرنانة على مسامع العرب الذين يعانون هناك الإذلال و التهميش و الإقصاء و يمثلهم زيفاً بعض الشخصيات الانتهازية أمثال المدعو أبو خولة و غيره الذين يسلبون المكاسب باسم العشائر العربية و يحققون غاياتهم الشخصية على مناكب و أكتاف أبناء عشيرتهم. حرمان من الوظائف الحساسة و العمل المنظماتي و الأعمال المكتبية المرموقة ذات الرواتب العالية و توزيع فتات الوظائف على العرب بينما يعطى المقربون من المشروع الانفصالي الكردي امتيازات مالية و عسكرية لاستمالتهم و ضمان ولائهم. شمر و الجبور و طي و الشرابيين و العكيدات و البكيِّر و المشاهدة و الحديديين و العفادلة و البو بطوش و الجعابات و خفاجة و البوخميس من أشهر القبائل الممتدة من منبج إلى عين ديوار يعاني أهلها الظلم و التمييز العنصري الناعم من قسد و رجالاتها و أذنابها العربية لكن السؤال ما الذي يجبر الناس هناك على الصمت و الخنوع و عدم مجابهة الكرد؟!
عوامل متعددة لا حصر لها يمكن ذكرها و تفصيلها تثبت مدى تعقيد المعادلة هناك نوردها فيما يلي:
١.الوضع الإقتصادي المزري في مناطق الحكومة السورية و تدني الدخل و الرواتب و غياب مقومات الحياة من كهرباء و ماء و الذي يعد عاملاً نفسياً مهماً يضغط على السكان و يجعلهم يسلّون أنفسهم هموم التمييز القسدي اللاذع بينما يعيش الناس في مناطق سيطرة قسد و الكهرباء موجودة بانتظام و الوضع الاقتصادي جيد و الحركة الصناعية و التجارية أكثر حريّة و الرواتب تصل إلى خمسة أضعاف راتب الحكومة على الأقل.
٢. عدم حل مشكلة خدمة العلم الإلزامية و الخدمة الاحتياطية إذ قضى الآلاف من الشباب السوريين عشر سنوات من شبابهم في صفوف الجيش السوري بسبب ظروف الحرب و المعاناة التي يعيشها الجنود هناك و الذين لا تصل رواتبهم لتكفيهم ثمن حاجتهم من الخبز اليومي فقط و هذا ما جعل مناطق الكرد ملجأً لكل الشباب بمجرد انتهاء تأجيلهم من الخدمة أو تخرجهم من الجامعات.
٣.الفوضى و الترهل و البيروقراطية في عمل المؤسسة الأمنية و خوف المواطنين من الأجهزة الأمنية و وجود بعض المسيئين على الحواجز و مضايقات الشباب من أبناء تلك المناطق و مشاكل تشابه الأسماء لدى الفروع الأمنية و ما يُعرف بينالسوريين بالتقارير الكيدية و ما شابهها و غياب الطريقة الحضارية في التعامل مع الملفات الأمنية على الرغم من تأكيد الرئيس السوري على احترام كرامة المواطن و توجيه وزارة العدل بالضلوع بدورها لكن الموضوع معقد و يحتاج لتأهيل الفروع الأمنية و عناصرها و تدريبها و هذا غير ممكن في ظل الظروف الحالية التي تواجهها سورية.
٤.شعور السكان هناك بتخلي الدولة عنهم و تركهم لميليشيات الكرد الطائفية تتفنن باذلالهم و اخضاعهم دون تقديم دعم حقيقي لمحاولات المقاومة الفردية التي تظهر هنا و هناك بين الحين و الآخر و هذا بالنسبة لهم عقاب لهم من قبل الدولة لعدم مواجهتهم داعش و الفصائل المسلحة و دفاعهم عن مدنهم و قراهم و بلداتهم.
٥.وجود معارضين للدولة السورية في مناطق قسد يفضلون قسد كمشروع معارض وطني على الدولة السورية و هم قلة أكثرهم في الرقة و الطبقة و القامشلي و منبج.
هذا غيض من فيض من الأسباب التي يعرفها كل مهتم بشأن شرقي الفرات فماذا يجري هناك و ما هي الرؤى المستقبلية؟
ما يجري في الحسكة بدقة و حرفية هو تهجير ديموغرافي ممنهج يتم الترويج له و التخطيط له بخبثٍ أمريكي و قسدي واضح حيث تعاني الحسكة أسوأ أيامها منذ اندلاع الحرب و حتى اليوم حيث لا ماء و لا كهرباء و غلاء فاحش للسلع الأساسية و جمود اقتصادي و تجاري و انعدام لفرص العمل بشكل كامل و يأس مطبق يخيم على أذهان الشباب الذين لم يبقَ لهم خيار إلا الهجرة. في الحسكة ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام قسم يعمل كموظف حكومي و هو القسم الأكبر و الأشد مظلومية إذ لايمكنه العمل مع الكرد خوفاً من طرده من عمله من قبل الحكومة و المؤسسة التي يعمل فيها و عليه الاكتفاء براتبه الذي لا يتجاوز العشرين دولاراً فقط. و الجزء الثاني هم من يعمل مع مؤسسات قسد و الإدارة الذاتية و هم القسم الأفضل حالاً في الحسكة حيث يمكنهم سد رمقهم و تأمين حاجاتهم الأساسية أما القسم الثالث هم قسم التجار و أصحاب الأعمال الحرة و هؤلاء قلة يتحكمون بباقي سكان المدينة إذ أنهم يملكون المال و السوق و يتحكمون بالأسعار التي لا رقيب و لا حسيب عليها. ما سبق من توضيح يبرهن لنا وجود سياسة لتهجير الشباب من أبناء المدينة ممنهجة و بدقة و هذا ليس تحليلاً و لا تنظير و كل ما سلف مبنيّ على معلومات دقيقة و موثقة من أبناء المدينة.
يضطر الأهالي لتوفير فرص سفر لأبنائهم إلى ليبيا أو أربيل أو تهريبهملتركية أو تسجيلهم في جامعات أوروبا لإخراجهم من البلد قبل تجنيدهم في صفوف القوات الحكومية أو ضمن صفوف ميليشيا قسد أو الفصائل المدعومة روسياً أو أمريكياً أو إيرانياً. هكذا خطوة تحتاج لآلاف الدولارات التي لا تقل عن ثلاثة آلاف دولار و هذا ما يفرض على الأهالي بيع عقارات لهم كأراضٍ زراعية أو منازلهم حتى أو سياراتهم إن وجدت لتأمين مصاريف السفر لابنائهم الذين أصبحوا عالةً و عبءً كبيراً على عائلاتهم هنا يأتي الدور الخبيث للكرد و هو تشكيل مافيات للعقارات مهمتها شراء أملاك العرب بأبخس الأثمان لصالح الكرد و هذا في سياسة ممنهجة على الطريقة الإسرائيلية بحيث و خلال عام واحد هاجر من مدينة الحسكة وفقاً لتقارير محلية من المجتمع المدني هناك أكثر من خمسة آلاف شاب منذ مطلع العام الجاري و عليه و في ظل تعقيد الأزمة السورية العدد مرشح للزيادة بدون أدنى شك و هذا يعني أن أكثر من ثلثي المدينة سيكون بيد الأكراد بعد ثلاث سنواتٍ فقط و سيكون المجتمع في الحسكة وهي كنز الغذاء السوري كهلاً مستهلكاً غير قادر على القيام بأعباء العمل الزراعي الشاق. بينما يفر من الشباب الغير قادر على الهجرة باتجاه مناطق قسد و يلتحق بصفوفها.
في ظل هذه المخاطر ماهو المشهد السياسي هناك؟ تتخبط العشائر في ولائها و انتماءاتها بين من يعمل مع الأمريكيين الطرف الأقوى هناك و الأكثر مالاً فالكثير من الشباب العربي التحق بمليشيات حماية حقول النفط هناك برواتب تصل إلى ثلاث مئة دولار أمريكي. بينما لم تفلح حتى الآن أمريكا بتشكيل جسم عسكري عربي جديد موازٍ لقسد مهمته تقوية العشائر و إشراكها في الموقف السياسي هناك علماً أن الأمريكيين بالتنسيق مع جهات إقليمية عربية تعد العشائر بحكم المنطقة و نفوذ مدعوم من أمريكا و ضغط على الكرد للرضوخ للمطالب الأمريكية لكن الاستجابة حتى اللحظة خجولة إذ يخشى أبناء العشائر من عودة الدولة السورية يوماً ما و هم يعرفون جيداً قدرة الأسد على احكام سيطرته إن رغب في ذلك و هم الذين خبروه جيداً و عرفوا نهجه الذي ورثه عن أبيه و الذي يتمثل بالصبر و طول النفس و ثبات الموقف و أن معاملة الأمريكي كفر بالعروبة و المواطنة و الدين و خيانة عظمى لا يسامح عليها السوريون و لا قيادتهم و عليه أؤكد جازماً أن مشروع هذه الفصائل سيذهب في مهب الريح.
أما الروس فمواقفهم الضبابية و تحركاتهم المشبوهة و اللعب على الحبال لا تتوافق مع تفكير العشائر فما حققته روسيا في درعا و الساحل يستحيل تحقيقه في مناطق الشرق لاختلاف الرؤيا و الإيديولوجيا هناك و عليه تحركات الروس و استمالتهم للعشائر لن تؤتي أكلاً و لا ثماراً سوى ضجيجٍ إعلامي و صور فارغة لبعض الوجهاء و شيوخ المنفعة الانتهازيين. أما الإيرانيون فليسوا أحسن حالاً من الروس فموضوع الخوف من فكرة التعامل مع إيران الشيعية يعد معوقاً كبيراً لبناء جسور الثقة بين الإيرانيين و العشائر السنة هناك. صحيحٌ أن العداء للعدو الأمريكي و حب فلسطين و القدس يقرب من الطرفين لكن لا تزال خلافات العقيدة و الإيديولوجية تعيق التقدم في تطور العلاقات لكن إيران هي الأوفر حظاً و الأقرب للعشائر التي تعتبر من عوام السنة الذين يعتقدون بعقيدة الأشاعرة و يتبعون المذهب الشافعي الذي يعد الأقرب للعقيدة الشيعية. أمريكا على عظمتها و جبروتها و سيطرتها لن تستطيع تقديم شيء للعرب و حتى إن انضم بعضهم لصفوف عملائها فسيسقطون أمام المجتمع و ينسحبون بضغط منه في أول مواجهة.