بقلم: الدكتور جميل م. شاهين.
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 21-07-2021 - 1263 هي عارٌ على لبنان وأسوأ محاكمة والأكثر مخالفة للقانون جرت بحق رجل نذر حياته للوطن، في القرن العشرين. إنها فضيحة وخيانة لن تُمحى من سجلات السياسيين اللبنانيين والسوريين التابعين لفرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل. عندما لجأ #أنطون سعادة مع عائلته إلى دمشق، بتاريخ 12 حزيران 1949، تظاهر الرئيس السوري آنذاك #حسنيالزعيم بالترحيب برجل يدعو لوحدة لبنان وسوريا بعد أن حذّر من خسارة فلسطين مراتٍ، وهو ما حصل قبل عام، وأهداهُ مسدساً عربون صداقة... مستشار الزعيم "محسن البرازي" قريب رياض الصلح كان جاسوساً ضد القوميين، فقرّب بين رئيسي سوريا ولبنان ليتصالحا بتاريخ 24 حزيران، ويكون الثمن رأس أنطون سعادة. كان الجميع يخشى أنطون، لأنه يكشفُ بمبادئه معادن السياسيين الذين لا يهمهم سوى الكرسي ورضى باريس وواشنطن ولندن عنهم... قال سياسيو لبنان لحسني الزعيم: "أنطون سعادة سيذبحك ويأخذ كرسيّك"! تصبب حسني هذا عرقاً وهو الذي استولى على كرسي السلطة بانقلاب عسكري، فقرر التخلّص من أنطون. في الأول من تموز 1949 أعلن سعادة العصيان المدني في لبنان، فجاءت الأوامر من واشنطن وتل أبيب لحسني الزعيم، فامتثل لها وغدر بكل نذالة بمَن استجارهُ. دعا أنطون سعادة إلى القصر الجمهوري وقام باعتقاله وتسليمه للسلطات اللبنانية مساء 6 تموز... طالباً من مبعوث الحكومة اللبنانية نور الدين الرفاعي، ومدير الأمن العام اللبناني فريد شهاب أن يقتلاه في الطريق إلى بيروت وقبل محاكمته، كي لا يفتضحَ أمر خيانة حسني الزعيم... ولم يقتلاه لأن الأوامر كانت بوصوله حياً. في المحكمة، سأل مدعي الحق العام يوسف شربل ساخراً: "يا أنطون، أنتَ تعرف مصيرك فقل لنا ماذا تشعر الآن؟". أجاب سعادة بكبريائه وثقته: "أعرف أنني سأموت، لكن حزبي باقٍ..." محكمة صورية هي الأسرع في التاريخ السياسي الحديث، وبدون وجود محامي دفاع، بعد انسحاب المحامي "أميل لحود" عم الرئيس اللبناني السابق، فالقاضي رفض تأجيل المحكمة 24 ساعة فقط، فقال أميل لحود: "لن أكون شاهد زور"... وانسحب. رفضت المحكمة اعتبار التهمة الموجهة لأنطون سعادة تهمة سياسية، حيث ستكون العقوبة بالسجن المؤبد وفق مواد قانون العقوبات الجزائية اللبناني 166 و167 و168، وحوّلتها إلى تهمة عصيان مسلح فاقتضى الأمر محاكمته في المحكمة العسكرية... كلّ شيء كان مُدبراً والمطلوب التخلّص وإلى الأبد من "كابوس" يقضّ مضاجع السياسيين اسمه أنطون سعادة، أو هكذا ظنّ الخونة الكبار. عاد المحامي أميل لحود للدفاع عن أنطون سعادة، طالباً تأجيل القضية أسبوعاً للرد على الاتهامات، طبعاً رفضت المحكمة العسكرية من جديد... أريد فقط ثلاثة أيام؟ أيضاً رفضت المحكمة. فخرج لحود لاعناً صارخاً: "الزعيم سعادة يستطيعُ أن يُدافعَ عن نفسهِ". تمّ إخراج الجميع باستثناء بعض الصحفيين والمصورين الذين التقطوا صوراً لسعادة وهو يبتسم ويرد على أسئلة رئيس المحكمة المقدم أنور كرم: "ماهو هدف حزبكم على الصعيد اللبناني؟". أجاب: "لبنان جزء من سوريا الطبيعية... المانع الرئيسي أمام اللبنانيين هو الطائفية، لهذا غاية الحزب هي تحرير المواطن اللبناني من الطائفية، عندها تصبح علاقة لبنان القومية بسوريا علاقة طبيعية خارج إطار الإستهجان أو الإتهام...". وتمّ الإعدام رمياً بالرصاص بنفس الليلة وعلى عجل. سأله رجل الدين المسيحي في زنزانته قبيل الإعدام: "هل تريد أن تقوم بواجباتك الدينية؟" أنطون: "لِمَ لا" طلبَ منه أن يؤدي سرّ الاعتراف. أنطون: "ليس لي من خطيئة أرجو المغفرة من أجلها، أنا لم أسرق، لم أدجل، لم أشهد بالزور، لم أقتل، لم أخدع، لم أسبب تعاسة لأحد". طلبَ أن يُشاهد زوجته وبناته قبل تنفيذ الحكم. رفضوا طلبه. راح يجول بناظريه بوجوه الضباط والجنود مبتسماً مودعاً. انفجر رجل الدين المسيحي بالبكاء... حتى الجنود المكلفون بإطلاق النار عليه بكوا. "لا يهمني كيف أموت، بل من أجل ماذا أموت. لا أعد السنين التي عشتها، بل الأعمال التي نفذتها. هذه الليلة سيعدمونني، أما أبناء عقيدتي فسينتصرون وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي. كلنا نموت، ولكن قليلين منّا يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة. يا خجل هذه الليلة من التاريخ، من أحفادنا، من مغتربينا، ومن الأجانب. يبدو أن الاستقلال الذي سقيناه بدمائنا يوم غرسناه، يستسقي عروقنا من جديد". ورحل أنطون سعادة. قتلوه فعاش إلى الأبد... الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 8 تموز 2019. مما قاله: "لعلكم ستسمعون من سيقول إنّ في إنقاذ فلسطين حَيفاً على لبنان واللبنانيين، وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إنّ إنقاذ #فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إنّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على #سوريا كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات". أنطون سعادة، خطاب العودة 2 آذار 1947.
لا يوجد صور مرفقة
|