جاء اعلان انسحاب القوات الامريكية وقوات حلف شمال الاطلسي من الاراضي الافغانية بعد 20 عاما من الاحتلال العسكري لافغانستان الذي جاء على اثر هجمات 11 سبتمبر عام 2001 على الولايات المتحدة الامريكية التي تبناها تنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن الذي كان يتخذ من افغانسان مقرا له ولقاعدته, وشارك في تلك الهجمات الارهابية 19 شخصا بينهم 15 شخصا يحملون الجنسية السعودية اضافة الى ان زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن سعودي الجنسية, وقرر على اثرها الرئيس الامريكي جورج بوش الابن غزو افغانستان بتاريخ 7 اكتوبر 2001, وقرر غزو العراق عام 2003 بعد ان مهد لهذا الغزو لاسباب تبينت انها كاذبة لاحقا.
كانت تكلفة الحرب على افغانستان باهظة الثمن ماديا وعسكريا, وبلغت تكاليف الحرب المادية اكثر من 978 مليار دولار لغاية عام 2020, اما على صعيد الخسائر البشرية بلغ عدد قتلى الجنود الامريكان اكثر من 2300 جنديا, كما اصيب نحو 20660 جنديا بجراح اثناء القتال, اما خسائر افغانستان المادية والبشرية بلغت ارقاما كارثية, اكثر من 64100 شهيد من القوات الامنية الافغانية, واكثر من 111000 شهيد من المدنيين, ارتكبت القوات الغازية خلال 20 عاما من الاحتلال مجازر بشعة بحق الشعب الافغاني لا مثيل لها في تاريخ الحروب وتم توثيق الكثير منها, والتي يمكن استخدامها لتقديم دعاوى قضائية ضد القوات الامريكية امام محكمة العدل الدولية, اذا كان هناك من عدل امام الغطرسة الامريكية.
قرار انسحاب القوات الامريكية من افغانستان اتخذ العام الماضي 2020 في الدوحة في زمن حكم دونالد ترامب بعد مفاوضات بين الادراة الامريكية وقوات طالبان تحت رعاية قطرية, وجاء الرئيس جو بايدن ليكمل مهمة تنفيذ الاتفاق وسحب القوات الامريكية من افغانستان. وهذا بحد ذاته يعتبر هزيمة عسكرية نكراء للولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من قوات حلف شمال الاطلسي.
هل الانسحاب جاء بسبب الخسائر المادية والعسكرية ام لاسباب اخرى؟
المراقب لاحداث المنطقة العربية والاسلامية وطريقة الانسحاب, يجد بأن الانسحاب الامريكي من افغانستان ليس بسبب الخسائر المادية والبشرية فقط, بل يحمل بين طياته الكثير من الاهداف والمؤامرات, هذا العدو الشرس المتوحش لا يترك فرصة الا ويستثمرها لالحاق الضرر والشر باعدائه في المنطقة, فمن اهدافه غير المعلنة تسليمه الاراضي الافغانية لحركة طالبان كقوة احتياطية ممكن استثمارها كورقة ضغط على الخاصرة الايرانية خلال المفاوضات بشأن الملف النووي الايراني, ومن تابع المشاهد التي بثتها وكالة " ان بي سي " و " السي ان ان الامريكية " عن استيلاء قوات طالبان لمخازن الاسلحة الامريكية الكبيرة, ونوعية الاسلحة المتطورة والحديثة وكمها الهائل يدرك انها اعدت لتسليمها لحركة طالبان لاستخدامها لاهداف تصب في المصلحة الامريكية, وكان بامكان القوات الامريكية تدمير تلك المخازن قبل الانسحاب وهم يدركون انها ستقع بيد قوات طالبان التي اعلنت اليوم انها احكمت السيطرة على 90 بالمئة من الاراضي الافغانية. والامر ليس غريبا عندما نسترجع تصريحات كبار المسؤولين الامريكيين ومنهم المرشحة السابقة لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية هيلاري كلينتون عندما قالت امام الكونغرس الامريكي " نحن من صنعنا القاعدة وطالبان " وهذه الاعترافات اصبحت من البديهيات ولكن للتذكير بمكر الشيطان الاكبر.
وهناك امر اخر يثير الريبة في طريقة الانسحاب وهو طلب الحكومة التركية لارسال قوات عسكرية تركية بديلة عن القوات الامريكية لحماية مطار كابول الدولي, هذا الامر رفضته حركة طالبان وحذرت تركيا من هذا الامر, وردت حكومة اوردغان على تحذير طالبان بانها تسعى فقط لحماية المطار وليس المواجهة مع حركة طالبان معتمدة على العلاقات القوية مع دولة قطر التي لها تأثير على طالبان, وقد يكون مستنقعا جديدا لتركيا للغرق فيه بعد المستنقعات التي غرق بها في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
ايران وطالبان.
الجمهورية الاسلامية الايرانية تراقب الانسحاب عن كسب, واستبقت الانسحاب باستضافة محادثات وحوار بين الحكومة الافغانية وحركة طالبان بالعاصمة الايرانية طهران, تراس الوفد وزير الخارجية الافغاني السابق يونس قانوني, وترأس وفد طالبان عباس استانكزي نائب رئيس مكتب الحركة بحضور وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الذي رحب بالانسحاب الامريكي واعتبره هزيمة امريكية في افغانستان, وحث الطرفان على الحوار لحل النزاعات بين الاطراف الافغانية وحقن دماء الشعب الافغاني. وحركة طالبان تدرك جيدا ان نشوة الانتصار على امريكا لا يمهد لها الطريق امام توسيع نفوذها خارج افغانستان, ولا التفكير في العدوان على دول الجوار ولا يعطيهم الحق في قمع وارهاب الاقليات الافغانية والمذاهب الاخرى, لان تجربة سوريا والعراق واليمن ماثلة امام الاعين.
حركة طالبان ستمر بفترة امتحان, اما ان تتعلم من الدروس الاليمة الماضية والصراعات الاقليمية, وتعمل على حقن دماء الشعب الافغاني ونبذ التطرف والارهاب, او تورط نفسها في حرب جديدة تكون خدمة للمشروع الامريكي الخبيث في المنطقة, واثناء انتظار فترة الامتحان يجب الحث على عدم التفاعل مع ما يبث عبر منصات التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديوهات مرعبة ارهابية تعود الى سنوات مريرة ماضية على انها تحدث اليوم لؤد الفتنة وعدم تغذيتها لتفويت الفرصة على العدو الامريكي الصهيوني الذي يتربص بنا, وعلينا اعتبار اي هزيمة للمشروع الامريكي هو انتصار لمحور المقاومة.
بعد الانسحاب الامريكي من افغانستان سوف تتوالى هزائم المشاريع الامريكية في المنطقة اذا احسن المعنيون استثمار هذا الانسحاب.
وهل تتعظ الشعوب العربية والاسلامية التي تسير في الركب الامريكي بطريقة ذليلة عمياء من هذا الانسحاب المذل لقوات امريكا " العظمى " وهي تتوسل ان تخرج بسلام¸وتترك عملائها يواجهون الثأر والانتقام بسبب تعاملهم مع العدو؟ اشك بذلك لانهم لم يتعظوا من " جيش لبنان الجنوبي " العميل حين تركهم العدو الصهيوني وانسحب مذلولا مدحورا من جنوب لبنان عام 2000 امام ضربات المقاومة الاسلامية, ووقعوا تحت رحمة المقاومة الاسلامية التي لم تنتقم منهم بل سلمتهم للحكومة اللبنانية التي اخلت سبيلهم بعد فقرة وجيزة.
" ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "