إرادة.. سيادة... قرار...
عواصم منعت، وعواصم سمحت، بيقين عدم انتخابه من السوريين في الخارج، بل المأمول والمتوقع أن نهاية أسد الأمة ستكون في صناديق الاقتراع، والسبب أنهم جوّعوا الشعب وحاصروه بعد أن دمروا البلاد، وكان من الشعب إما المقاتل، وإما المهاجر، وإما الشهيد.
أنهكوا شعباً بأكمله حتى أصبح منهم من لم يعد يهتم بشيء.. إحباط وتعب وأسى.. ولكن..!!! في أغلب العواصم خارج الحدود أدلى السوريون بأصواتهم لصالح الأسد.
الأسد الذي ترشح بهدوء، بلا مقدمات، مستقلاً عن حزب البعث، الذي لطالما ترشح باسمه، ما لبثت ساحات، وميادين سورية من أقصاها إلى أدناها (إذا ما استثنينا بعض المناطق) حتى المواطنون في الحسكة هددهم المسيطرون عليها بسحب هوياتهم إذا ما ذهبوا إلى المربع الأمني التابع للدولة السورية، لكنهم دخلوا بشكل جماعي من عدة جهات بحيث لم تتمكن القوة المسيطرة المدعومة أمريكياً من منعهم وتنفيذ التهديدات.
حشود غفيرة، احتفالات، آمال معجونةٌ، بالدماء، وآلام الحصار والقهر المفروض على شعب سوريةَ العظيم، حملها السوريون معهم إلى مراكز الانتخاب وأودعوها صناديق الاقتراع.
دموع الأمهات والزوجات والآباء والحنين لسورية الأمن والأمان، سورية العز، سورية الكرامة، سورية المقاومة، سورية السيدة، كانت الحافز لشعبٍ صامد ليعيد تجديد ثقته لرجلٍ وقف مع سورية، حافظ على كرامتها، حمى سيادتها وقرارها، فوقفت معه ورد له شعبُها الطيب بالطيب، والوفاء بالوفاء، فكانت ملحمةً تاريخية مفاجئة وصدمةً مدوية لمن حاكوا المؤامرات، وأعدّوا الخطط لإسقاطه بالصناديق، وهو الذي لم تسقطه عشر سنواتٍ من حروب الميادين.
بشار الأسد الاسم الكبير الذي سيكون له حضوره في تاريخ سورية، الطبيب والسياسي البارع ، والمقاوم الصلب، الذي لربما لا يملك في جعبته حلولاً سحرية لوضعٍ شاق و مضنٍ من الفقر، و الحصار و نقصٍ في أساسيات الحياة المعيشية كما غالى بعض مؤيدوه ، لكنه لم يعطِ وعوداً وردية و كان عقلانياً بطرحه و شعاره فأعلن الأمل بالعمل عنواناً لحملته الانتخابية التي حرص كل الحرص على عدم الإسراف فيها ، ووجه كل مؤيديه للعمل بدل الشعاراتالرنانة ، الذي لم يفهمه بعض المؤيدين الذين اعتادوا أسلوباً معيناً في إظهار الولاء لربما لم يرق لأسد العرين لكن همّه هم البسطاء الذين اختاروه، و بايعوه و قدموا فلذات أكبادهم معه على طريق حفظ كرامة سورية و وحدتها.
الغرب بجبروته و طغيانه و قدراته العسكرية و الإعلامية و السياسية وقف عاجزاً بعد إصرار السوريين على خوض الانتخابات ليتفاجؤوا بنتائجها و التي تفرض عليهم التعامل مع الأسد لسبع سنواتٍ أخرى و هو الذي أصبح مصدر قلق لهم و كيف لا
وهو الوحيد الذي تمرد على الإرادة الغربية بدون أدنى مقومات الصمود سوى استقلالية القرار و إرادة الشعب. فماذا بعد الانتخابات و سورية إلى أين؟!
محاولاتٌ إعلامية عربية و إقليمية و غربية لزعزعة الداخل و ضرب سورية من الداخل و محاولاتٌ حثيثة لإيصال الشعب لمرحلة اليأس النهائي و من خلف هذه المكنات الإعلامية كل الثقل الدولي لترسيخ المأساة الاقتصادية لشعب سورية و السعي لإيجاد الثغرات و صواعق تفجير الداخل السوري، و دفعه لليأس و الاستسلام و الفوضى وسط نقصٍ في المأكل و المشرب و أساسيات الحياة و مقومات الصمود.
ماذا في جعبة الأسد؟ و كيف سيواجه السوريين؟
خطاب القسم المقبل الذي سيدلي به الأسد قريباً سيحمل رسائلاً للخارج لا تهمُ الشعب و لا يعبأ بها أبداً و ما نتوقعه هو خطاب دقيق للداخل و عناوين دقيقة مضمونه تحسين الاقتصاد و دفع عجلة الانتاج ، و مكافحة الفساد و تقليل الهدر، و حث الجهود و النخب الوطنية الاقتصادية، و السياسية للضلوع بواجباتها الوطنية. حكومةً مقبلة يمكنها التحرك و فعل الكثير، و لا سيما تشخيص العلل الاقتصادية و وضع برامج علاجية حقيقية عنوانها القليل من الكلام و الكثير من الأفعال. مصارحةٌ واثقة و أملٌ بغدٍ أفضل سيطلقها الأسد الذي أقل ما حققه لسورية هو بقاؤها موحدةً مستقلة وسيتحرر كل ما بقي من أرضها ليس تحت سيطرة الدولة ويعود المواطن فيها كما تعود هي الى حضن الوطن، فمن وقف خلال عشر سنوات بوجه كل المشاريع و التسويات المشبوهة التي تردد ذكرها على ألسن الإعلاميين المشاريع الرنانة معسولة المظهر مسمومة المضمون. الأسد الذي يعلم الكثير و يعرف ما يدور في أروقة و دهاليز السياسة العالمية لا يمكنه إيصالها للشعب البسيط الذي خنقته الحياة و آلمته بالعوز و الإرهاق.
العرب وسورية القلب العربي النابض، عشقٌ عذري و حبٌ مستور في جوف الرسائل:
اتصالات و دعوات و وعود بلا ثمار. انظمة عربية مسلوبة الإرادة و السيادة ، الذين ترتهن علاقاتهم السياسية و قضاياهم القومية بإشارة السيد الأمريكي ، و هذا ما ستثبته الأيام القادمة فلا الأردن ، و لا مصر، و لا السعودية قادرين على التقدم قيد أُنملة نحو دمشق ،التي تهواها قلوبهم و أفئدتهم و تصدهم عنها عصا الأمريكي الجائرة و سوطه الظالم. حيث شغلهم سيدهم الأمريكي بتفاصيل فيها صغائر الأمور فمصر المشغولة بتحييد الإخوان الذين أنهكوها ونخروا الجوف المصري و بتجفيف منابع الإرهاب في سيناء و إنعاش السياحة التي تعد مصدر دخلٍ قومي لها لمتابعة السير نحو الحلم بطفرة اقتصادية تتجه بأنظارها لأنقرة ، و تسعى بهدوء لإعادة العلاقات مع الأتراك و مقابلة الخطوة بالخطوة لتعزيز أمنها القومي لن تجازف بفتح علاقاتٍ مع سورية حتى على مستوىً خجول و هذا لاشك فيه و ستكتفي بالغزل العروبي و الاقتصار بالتصريحات الهادئة و التمجيد بشعب سورية ، و منح بعض التسهيلات الخجولة جداً للسوريين.، علماً أن السوريين بمصر قد انعشوا اقتصادها ونقلوا لها من جمال سورية ما نقلوا من حلو الحياة.
أما الأردن النائم على صفيح ساخن . القلق بداخله الملتهب بشارعه المهدد بالتفكك و المؤامرات، فلا اتفاقيات الطاقة و التجارة و المعابر يمكنها التطور لتثمر علاقاتٍ حقيقية مع الجارة الصادقة ، التي ما قصرت بحق الشعب الأردني الشقيق يوماً و كانت له العون عند الشدة و السند عند الصعاب ، و لا العلاقات الأمنية تحمل الكثير من الأمل.
و أما السعودية، التي تدعي أنها حامية لراية العروبة، والعروبة من ذلك براء لأنها تضرب بالهوية العربية فتمزقها بالتبعية ، و عدم الاستقرار فلا حاكم استقر له الحكم ولا حاكمها الموعود قادرٌ على هكذا خطوة لاسيما و أنه في أمس الحاجة لرضى بايدن ليستقر له سلطانه ، و ليتم تحييد خصومه الكثر في أروقة القصور و أكناف عائلة عبد العزيز ، فما الرؤى الاقتصادية ، و لا مساعي الانفتاح إلا رقصٌ من الخوف و استقطاب للشارع الذي لا حول و لا قوة له فيما إذا اختارت الولايات المتحدة بديلاً لابن سلمان .
و ما مناورات الوفد السعودي قبل الانتخابات إلا جسٌّ للنبض الأمريكي تجاه سورية و الذي جاء الجواب عليه بلا مبتورةٍ قصيرة صادمة لا يجرؤ أحد من العرب على تجاوزها.
لذلك لا سفارات، و لا علاقات عربية مع سورية ماعدا دولٍ صغيرة لا تشكل رقماً و لا أساساً في المعادلة. بينما سيظل الأسد منادٍ بقداسة العروبة و وحدة الآمال و الآلام العربية، و لن يتراجع عن التزامه بمبادئه العروبية الصادقة ملتزماً بحب الشعب العربي الذي أعجبه صمود وانتصارات أمة على يد أسدها فسورية لا تتنازل عن هويتها، والأسد حافظ على الهوية العربية في وجه استهداف هوية أمة وحافظ على دورها المحوري لشعب عربي برمته اصبح من مريديه في الأمة العربية المجيدة.
أما الغرب الغلام الصهيوأمريكي المطيّع:
ربما يغنينا عنوان هذه الفقرة عن الخوض في تفاصيلها لكن ما تؤكده الوقائع على خلاف ما تدعيه وسائل الإعلام هناك براعم لاتفاقيات و علاقات أمنية ستنتهي ببعض المكاسب للسوريين لكن لن تصل لما يرتجيه السوريون و هنا صمود الأسد و ربطه للتنسيق الأمني بشرط احترام السيادة و الندية في التعامل و تفعيل الأقنية الدبلوماسية الحقيقية و إظهارها للعلن.
أما العلاقات مع محور المقاومة، و على رأسها إيران فالأسد وسورية أهل وفاء ولن ينسوا وقفتهم وثبات مبادئهم، وسيكون الوفاء عنوان التعامل الندي مع الجمهورية الإسلامية الإيراني فاعتبروهم أشقاء وأخوة الدم .
وستظل المقاومة نهج الأسد و سورية الذي لا يساومون عليه و هم من بذلوا في سبيلها الغالي و النفيس ، و ستبقى علاقاتها مع دول المحور تسير بوتيرة وثيقة سريعة و لاسيما مع إيران التي تربطها بسورية وشعبها علاقات استراتيجية تاريخية ، و ستتكلل العلاقات السياسية المتينة بطفرة في العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية و التي يتم الآن إرساء قواعدها على أسس المحبة و الصداقة و الإحترام المتبادل.
فخيار سورية وقرارها ، هو الصمود و الصبر فلم يبقَ في جعبةِ المتآمرين سوى إطالة عمر الحرب و المزيد من الضغوط الاقتصادية إذ أن مشاريع الغرب تترنح في الجزيرة السورية ، و مشروع الشمال يصبح عبءً ثقيلاً على تركيا التي طال انتظارها ، و بدأ صبرها ينفد و أما إدلب فلا مشروع فيها سوى الإرهاب الذي كرهه سكانها المغلوب على أمرهم و لاحول لهم و لا قوة،
وستعود البلاد بهمة جيشها المقدام إلى عرين العروبة ، وقلب المقاومة الحي. وسيبقى الأمل لأهل الأرض، و أصحاب الحق بقرار شعبها ورفضهم أن ينتظرهم مصير العراق و لا متاهة أفغانستان و بأملهم سيعيدون لسورية ألقها و لو طال المدى.
وإنا لناظره قريب