بين يدي دراسة موسّعة وموثقة بالوقائع والأرقام حول "الربيع العربي"، للباحثين بثينة الداغستاني ونائل التهتموني. وبسبب تشعّب هذه الدراسة والحقول التي تناولتها، اخترت ما يخصّ مخرجات هذا "الربيع" والخسائر الفادحة التي نجمت عنه، مستذكراً في الوقت نفسه الفرق الكبير بين هذه النتائج المرعبة وما ترتَّب على الثورات السابقة لقوى التحرر والانقلابات العسكرية التي رافقتها؛ فمقابل أقلّ من ألف قتيل وخسائر مادية لا تُذكر في الثورات والانقلابات السابقة، مثل ثورة يوليو الناصرية (قتيل واحد)، فإنّ "الربيع العربي" أو "ربيع الإسلام الأميركي" كان مرعباً من حيث الخسائر في الأرواح والبنى التحتية. وقد تجاوز الأوبئة والجائحات الكبرى، مثل الطاعون.
وبحسب الدّراسة، تكالبت في هذا "الربيع" قوى شتّى، من جماعات الإسلام الأميركي والعثمانية الجديدة والإرهاب الأصوليّ المعدّ بأقلام الاستخبارات الأميركية والبريطانية، إلى الجماعات التي جرى تسويقها كجماعات ليبرالية ممولة من مراكز مشبوهة يدير اليهود معظمها، أمثال جورج سوروس وبرنارد ليفي ونوح فيلدمان وبيتر أكرمان، بهدف تفكيك الشرق العربي إلى كانتونات طائفية متناحرة، وفق تصوّرات المؤرّخ اليهودي برنارد لويس ومستشار الأمن القومي الأميركيّ الأسبق بريجنسكي.
يُشار في هذا السّياق إلى دور الإعلام النفطي، وخصوصاً الفضائية الأشهر عربياً، في التحريض الطّائفي وثورات الاستوديو (سقوط بغداد وباب العزيزية في ليبيا كمثال على ذلك) ومحاولة تكرارها في سوريا، عبر بناء استوديوهات لهياكل الشوارع والمناطق المستهدفة للتشويش والتمهيد لإسقاطها.
أولاً: على الصّعيد العربيّ
إضافةً إلى تدمير النسيج الاجتماعيّ الوطنيّ والهُويات الجامعة لمصلحة خطاب طائفي تمزيقي:
1- بحسب المنتدى الاستراتيجي العربي، خلَّف "الربيع العربي" دماراً للبنى التحتية بمقدار 900 مليار دولار. أما في سوريا والعراق وليبيا واليمن، فالدّمار شبه كلّي في هذه البنى.
2- بحسب تقارير الأمم المتّحدة، وفي تقديرات أوّلية لما يحتاجه إعادة الإعمار في الدول المذكورة، تحتاج سوريا إلى 350 مليار دولار، ومثلها ليبيا والعراق، كما تحتاج اليمن إلى 200 مليار.
3- خسائر سنوية في الناتج المحلي الإجمالي العربي بقيمة 640 مليار دولار.
4- ارتفاع إجمالي المديونيّة العربيّة من 328 مليار دولار في العام 2007 إلى 673 مليار دولار في العام 2017.
5- ارتفاع حجم البطالة في الوطن العربي (30 مليون عاطل من العمل)، واتساع دوائر الفقر (70 مليون شخص)، وانخفاض الدعم الحكومي للسّلع والخدمات الأساسية تحت ضغط البنك وصندوق النقد الدوليين.
6- ارتفاع معدلات الجريمة (القتل العمد، السرقة، الخطف والابتزاز، الاغتصاب، المخدرات، الإتجار بالبشر، الاعتداء على الممتلكات العامّة والخاصّة). ومن ذلك، على سبيل المثال، وصول أعداد الجريمة في مصر بعد السنوات الأولى إلى 40 ألف جريمة سنوياً (تراجعت في السنوات الأخيرة)، كما ارتفعت نسبة الجريمة في تونس أكثر بـ6 مرات من نسبة نموّ السكّان.
7- في ما يخصّ التعليم، وبعد أن شارفت معظم البلدان العربية على الانتهاء من الأمّية، فإنَّ 14 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدارس، و75 مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة، إضافةً إلى ظاهرة التسرب من المدارس، إما لإعالة الأهل وإما لانخفاض المستوى التعليميّ الحكوميّ.
8- بات العرب بعد "الربيع العربي" يحتلّون الأرقام الأولى عالمياً من حيث نسبة اللاجئين ومهاجري القوارب (90%)، ووفيات الحروب (80%)، وتجارة الأسلحة وعمولاتها.
9- تفاقم الأوضاع المعيشية والاجتماعية، وتضاؤل فرص العمل، وانحدار الخدمات الصحية والتعليمية، بالتزامن مع ازدياد الإنفاق العسكري، وخصوصاً من قبل الدول الرأسمالية الكبرى التي أجَّجت "الربيع" المذكور لإنقاذ صناعاتها العسكرية وصناعة الحروب الطائفية. وتحتلّ دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا قائمة هذه الدول، إذ تهيمن أميركا وحدها على 47% من الصادرات العسكرية إلى الشرق الأوسط.
كما ظهرت على هذا الصعيد قوى جديدة، مثل تركيا والعدو الصهيوني، وتنسيقهما في تصدير تقنيات مشتركة جديدة لأسلحة حرب العصابات، بينها الطائرات المسيّرة التي استُخدمت في أرمينيا وسوريا وليبيا.
لا يقتصر تصدير الأسلحة من قبل المتروبولات الرأسمالية على أسلحتها نفسها، فقد شكَّلت أيضاً وسيطاً لشراء أسلحة من أوروبا الشرقية، وبتمويل دول نفطية معروفة، لتزويد الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا بها.
أما أكثر البلدان العربية استيراداً للأسلحة، فهي دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 54% من واردات الأسلحة إلى الشرق الأوسط، وعلى رأسها السعودية (87 ملياراً)، ثم قطر التي باتت في العام 2016 خامس مستورد للأسلحة في العالم.
وكما قلنا، إضافةً إلى دور مشتريات هذه الأسلحة في شراء ذمم النافذين والقادة في العواصم الرأسمالية وتزويد الإرهابيين بالأسلحة، فإنَّ قسماً كبيراً من هذه التجارة هو جزء من العمولات الشخصية في البلدان النفطية.
ثانياً: سوريا و"الربيع" المذكور
بدأت التّحضيرات ضدّ سوريا في سياق المشاريع الأميركيّة- الصّهيونيّة لتقسيم المنطقة وزجّها في حروب طائفية، من خطّة "الياسمينة الزرقاء" في العام 1994، إلى تهديدات كولن باول في العام 2003، وقوله الشّهير: "لم تعد الإمبريالية وراء البحار، بل حدود سوريا"، والطّلب من دمشق إنهاء دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وإغلاق مكاتبها، وإعادة هيكلة الجيش، والانضمام إلى اتفاقيات "السلام مع إسرائيل"، وصولاً إلى تهديدها بعد رفضها الانضمام إلى لعبة الغاز - الماء بين تركيا و"إسرائيل" وقطر (خط ماء من تركيا إلى "إسرائيل" والخليج، مقابل خط غاز قطري إلى أوروبا عبر سوريا وتركيا).
بسبب ذلك، تم استهداف سوريا على نحو خاص في "الربيع" المذكور، ما أدى إلى استنزافها وإغراقها بالإرهابيين من كلِّ أنحاء العالم، ما أدى إلى النتائج التالية:
1- بحسب الدراسة ومصادرها ومراجعها المتعددة، تمَّ تدمير وسرقة 113 ألف منشأة صناعية، وخصوصاً في حلب. وثمة وقائع تؤكّد أنَّ الكثير منها تم تفكيكه ونقله إلى تركيا، إضافةً إلى سرقة ونقل النفط والمعدات النفطية في الجزيرة السورية، كما تمَّ ضرب سوريا كدولة بلا ديون ومكتفية ذاتياً في الغالبية الساحقة من احتياجاتها، بل ومصدرها، بما في ذلك الأدوية والمعدات الطبية.
2- ارتفعت نسبة البطالة من 10% في العام 2011 إلى حوالى 60% في السنوات الأخيرة.
3- زادت أعداد المهجرين على 7 ملايين مهجّر، بينهم مليونان في تركيا، و1.25 مليون في كل من لبنان والأردن، وما تبقى حول العالم.
4- بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان 2018 (مقره لندن؛ إحدى العواصم المتورطة في الحريق والدم السوري)، بلغ عدد القتلى 353 ألفاً، ثلثهم من المدنيين (106 آلاف)، والباقي من الجيش والقوى الرديفة (63 ألفاً)، و1630 من مقاتلي "حزب الله"، مقابل حوالى 100 ألف من الإرهابيين التكفيريين، و93 ألفاً من بقية الجماعات المسلحة المتحالفة معهم.
وتذهب دراسات أخرى إلى أنَّ الإرهابيين قاربوا ربع مليون قتيل يتوزعون على 93 دولة، كما سنرى.
5- بحسب مركز "فيريل"، بلغ عدد المرتزقة في سوريا 390 ألف مرتزق يتوزّعون على 93 دولة، بينهم 21 ألف مرتزق من الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبقايا يوغوسلافيا.
وبحسب مراكز أخرى، قارب عدد القتلى من المرتزقة 200 ألف قتيل، منهم (أعداد تقريبية):
- 8400 سعودي قتيل من أصل 27 ألفاً.
- 7000 تركي من أصل 26 ألفاً.
- 6400 شيشاني من أصل 32 ألفاً.
- 5700 عراقي من أصل 13 ألفاً.
- 5400 فلسطيني من أصل 12 ألفاً.
- 5000 تونسي من أصل 12 ألفاً.
- 5000 تركماني من أصل 11 ألفاً.
- 4700 ليبي من أصل 11 ألفاً.
- 3900 لبناني من أصل 11 ألفاً.
- 2800 أردني من أصل 7 آلاف.
- 2300 كازاخستاني من أصل 5700 ألف.
- 2200 مصري من أصل 8 آلاف.
- 1850 أوزبكياً من أصل 5800 ألف.
- 1700 طاجيكي من أصل 5600 ألف.
- 1700 إيغوري صيني من أصل 4900 ألف.
- 1000 مغربي من أصل 3000 آلاف.
- 760 جزائرياً من أصل 2400 ألف.
- 650 كويتياً من أصل 2000.