كلما رأيت أو قرأت مسرحية تاجر البندقية للأديب الانكليزي ويليام شكسبير أحس ان المسرحية تريد أن تقول شيئا آخر كالسر الخفي والشيفرة التي تحتاج الى من يحللها ويفكها .. وتراني أقرأ وأعيد وأحس بذلك الاحساس الغريب بأن هناك سرا دفينا بين الكلمات وأن شكسبير ينظر اليّ وفي عينيه كلام كثير ولكنه يريدني ان أقرأ عقله وأسراره وكأنه يمتحنني ويريد ان يكتشف انه كتب قطعة كما تكتب الكتب المقدسة يتعرف الانسان الى روحها ويصل الى الايمان من خلالها دون ان يدري .. كمن يسير في طريق بلا زمان ولامكان ولكن قلبه يكون بوصلته التي توصله ..
في المسرحية ينتزع المحامي بدهاء اقرارا من شايلوك انه مسؤول عن تبعات اصراره على تنفيذ العدالة باقتطاع رطل اللحم بعيدا عن الرحمة .. وعندما يتأكد من حقد شايلوك وانه سيمضي الى آقصى مايستطيع من الاذى والتحدي والكراهية فانه يقرر ان ينزل به اقصى العقوبة بعد أن يدينه من فمه ويأخذ منه اقرارا انه سيتحمل نتائج قراره المشين الدموي ..
المسرحية ليست مجرد شرح للعقدة النفسية عند اليهودي وليست مجرد تبرير لحقد المسيحي على اليهودي الذي علمه الحقد .. بل هي تقول ان الجشع بمجرد ان أمسك بأقدار الناس فانه لايعرف الرحمة ولايقبل الا ان يقتل عدوه حتى ولو أعطي كل مايريده وكل المغريات ليعفو عنه ويعطيه الحياة .. انها نبوءة انكليزية تخرق حجب الزمان وكأن شكسبير يرى مايحدث اليوم وكيف سنتتهي هذه المسرحية المتوحشة المسماة اسرائيل .. التي هي اعادة انتاج لمسرحية شكسبير بدقة متناهية .. أو ان شكسبير كتب القصة قبل ان تقع كما يفعل أصحاب النبوءات أمثال نوستراداموس ..
اليهودي اليوم ليس أمام اللحم المسيحي والدم المسيحي كما في مسرحية تاجر البندقية بل اليهودي اليوم هو الاسرائيلي الذي يقف أمام العالم كله وهو لايقبل الا بما ورد في صك البيع الذي بينه وبين الله (من الفرات الى النيل) .. وهو اليوم أمام لحم فلسطين والشرق يعطيه العالم كل مايريده دون ان يغير قراره العنيد الغبي .. أعطاه العالم وطنا واعترافا ومالا وسلاحا ورعاية واعطاه القدس ولكنه لن يقبل بأقل من رطل لحم المسجد الأقصى لقتل غريمه الفلسطيني واقتطاع لحمه حتى الموت وقتل كل مايهدد حلمه رغم ان الفلسطيني في اوسلو أعطاه 80% من أرض فلسطين التاريخية .. وقد وصل الاسرائيلي الى اللحظة التي صار العرب العملاء يعطونه القرار باقتطاع لحم فلسطين كلها ومن أقرب مكان الى قلبها .. القدس .. بل وأعطوه القلب نفسه .. وهو يقرب سكينه كما شايلوك في تاجر البندقية لأن ثقته بالعقود والصكوك وصلت حد الصلف والغرور المطبق .. ونسي ان هناك منطقا آخر كالسر الذي لايدرك في الروح ..
في تلك اللحظة الحاسمة التي يقف العالم عاجزا امام القانون الذي كتب فيه صك ولادة اسرائيل من لحم سورية الكبرى ومن قلب فلسطين .. ستتوقف السكين .. سيوقفها شيء ما .. سيرغم هذا الجشع على التخلي عن كل مااكتسبه وحصل عليه وسمح له فيه .. وسيرغم على ان يتخلى عن كل شيء وان يجرد من كل حق .. وأن لاتساوي صكوكه التي حصل عليها من الله ومن الامم المتحدة ومن بلفور ومن ترامب أي قيمة .. وليس لصكوك البيع الخليجي لفلسطين في التطبيع النذل أي قيمة ..
الشرق الأوسط مليء بالشايلوكيين .. والذين يريدون اقتطاع اللحم من جسد الجغرافيا باي ثمن .. ولايتراجعون رغم كل العروض السخية لكي يظهروا انسانيتهم .. فهناك الشايلوك التركي اردوغان .. وهناك الشايلوك الأوروبي .. وهناك الشايلوك الامريكي .. وهناك الشايلوك الاخواني .. كلهم بدؤوا هذه الحرب على الشعب السوري الذي وقف في مكان أنطونيو الذي جرد العالم صدره لينزف .. ولكن الله حماه في آخر لحظة .. وسيكون لهذا الشعب القول الفصل في مصير كل شايلوك ..
لقد قتلوا أبناءنا ومدننا وسرقوا مياهنا وأرضنا .. وسرقوا قمحنا .. وأرادوا ان يحيلوا حياتنا الى جحيم بالحصار .. وهم يظنون انهم اقتربوا من أهدافهم .. وأن السكين اقتربت من صدر أنطونيو السوري .. ولكن في عام 2021 سيخبئ القدر مفاجأة لشايلوك الاسرائيلي .. وسيكتشف كل شايلوكات الشرق الاوسط .. ان اللعبة انتهت .. وان العدالة الحقيقية ستتحقق .. وسنكون كرماء ان أعطينا العدالة مع شيء من الرحمة .. لأن لنا أخلاقا لايملكها هذا العالم .. فهذه أرض أنجبت أخلاق السيد المسيح .. الذي كان بطل الانجيل أو بطل مسرح الله .. وكأنه أول من كتب مسرحية تاجر البندقية بحذافيرها بجسد السيد المسيح .. وفيها اقتطع شايلوك الاسرائيلي لحم السيد المسيح وظن انه انتصر .. وتحققت له عدالة البشر .. فدفع ثمن تلك اللحظة الى يوم القيامة .. وستبقى في ضمائر البشر مسرحية شكسبير كالوشم .. كما كان الانجيل مشهدا من مشاهد تاجر البندقية بنسختها الالهية المقدسة القاسية .. قبل ان يعدلها ويليام شكسبير ويعيد كتابتها كما يجب ان تكون .. وكما يجب ان نكتبها في الواقع الذي نعيشه مع شايلوك الاسرائيلي .. وشايلوك التركي .. وكل شايلوك يصادفنا ..
اذا كان شكسبير رأى يومنا هذا منذ قرون طويلة .. فكيف لانرى غدنا كما يجب ان يكون ونحن نقترب من تلك اللحظة الحاسمة التي اقتربت جدا؟؟
هذا مشهد بديع ومعبر يلخص رؤية شكسبير .. ويعيد كتابة الانجيل وفق رؤية شكسبيرية .. ويتنبأ بمصير كل جشع في التاريخ .. بل بشكل أدق ان شايلوك هو اسرائيل .. في السلوك .. وفي العناد .. وفي الجشع .. وفي الغباء .. وفي الكراهية .. وفي المصير .. ان شايلوك يتجسد في مخلوق للكراهية اسمه اسرائيل رآه شكسبير ..