مشاركة الدكتور علي محمد فخرو خلال انعقاد المؤتمر الالكتروني الأول بعنوان: مؤتمر تداعيات التطبيع مع العدو الصهيوني.... وسبل المواجهة الذي عقد برعاية جامعة الأمة العربية بتاريخ 2-10-2020
بهدوء وموضوعية دعنا نستحضر الحقائق والوقائع التالية التي ترسم ملامح موضوع الصًّراع العربي الصهيونى الوجودي ، وذلك بمناسبة الهرولة المجنونة من قبل بعض الأقطار العربية نحو مايسمًى " بالتطبيع والإنتقال إلى السلام مع الكيان الصهيوني" المتواجد في فلسطين وهضبة الجولان السورية والجنوب اللبناني والأردن.
1- الإدعاء بأن فلسطين هي ارض بلا شعب لتأكيد أسطورة دينية متوهمة بأن اليهود، دون خلق الله جميعاً بما فيهم العرب، هم شعب الله المختار، وأن الله منحهم ارض إسرائيل الكبرى، من النيل إلى الفرات، وبالتالي أنُه آن أن تعود لأهلها الحقيقيين. هكذا يُلغى شعب عربي سكن فلسطين عبر أكثر من ألفي سنة باسم وجود يهودي في الماضي السحيق لم يتعد المائتي سنة على أكثر تقدير. هذا الإدعاء يُعلم ويرسخ في أذهان أطفال وشباب اليهود في مدارسهم ومؤسساتهم الدينية، أي إبقاءه حياً ومتواجداً في المستقبل.
2- في السبعين سنة الماضية لم تنفع عدة حروب ولا عدة انتفاضات شعبية في زحزحة القوى الصهيونية عن اي من أهدافها. ومنذ ثلاثين سنة قيل بأن الدعم الأميركي الهائل للكيان الصهيوني سيجعل من المستحيل تحرير فلسطين، ولذا فالأفضل الدخول في مفاوضات مع الكيان للوصول إلى حلول وسط. وأرغم الفلسطينيون على تعديل دستور منظمة التحرير، ليقود إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني والدخول في مفاوضات بشأن مصير الشعب الفلسطيني في فلسطين وفي الشتات.
وتحت مهزلة رعاية تلك المفاوضات من قبل لجنة رباعية تهيمن عليها أمريكا الصهيونية المنحازة كلياً للكيان، بما فيها هيئة أمم عاجزة مبتزة، قضمت أراضي جديدة، وشيدت عشرات المستعمرات في الضفة الغربية، وزج الآلاف في السجون الصهيونية، واقتلعت الأشجار وهدمت البيوت، ودمرت غزة عدة مرات، وبني جدار العزل العنصري الأبارثادي، واعتبر رجوع ملايين الفلسطينيين اللاجئين إلى وطنهم خطاً أحمر، وتلطخت أيادي القتلة الصهاينة بدماء آلاف الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ، وأعلن عن يهودية الكيان واعتبار الفلسطينيين ساكنين مؤقتين. وكانت التمثيلية واحدة: طلب تنازل اكثر من قبل الفلسطينيين الضحية وإعطاء هدايا وامتيازات أكبر للقاتل السفاح. وكانت النتيجة أن الاثنين والعشرين في المائة من أرض فلسطين التاريخية التي كانت للفلسطينيين في بدئ المفاوضات تقلصت إلى خمسة عشر في المائة، وبعد الضم القادم ستصبح 10%. وتوجت أمريكا الصهيونية كل ذلك بإعطاء القدس الشرقية وهضبة الجولان هدية مجانية للكيان.
3- لقد قالها الصهاينة مرات كثيرة، بأنهم لن يقبلوا قط بتطور علمي تكنولوجي أو تفوق عسكري عند اية دولة عربية إذا كان الكيان يشعر أو يتخيل أصغر أمكانية لتهديده في المستقبل البعيد. ولذلك فان هذا السيف المسلط على رقاب العرب، وبدعم أميركي كامل، سيبقي الحقلين، العلمي التكنولوجي والعسكري، تحت تحكم الكيان سواء بالنسبة للشراء والامتلاك، أو بالنسبة لبنائه ذاتياً. من هنا الرفض التام لامتلاك أية قدرات علمية أو تكنولوجية في حقل علوم الذرة من قبل اية دولة عربية ما لم يكن تحت إشراف دولي مذل ومعرقل يلعب الكيان فيه دوراً من وراء ستار أميركي.
أمام هكذا ثوابت استعمارية واضحة وعنيفة وعازمة على قضم ثلث الوطن العربي في نهاية المطاف ألا يحق لنا أن نسأل المنادين بالصلح عن كيفية تعاملهم مع هذا العدو إن هم ابرموا الصلح؟
فاذا كان هكذا عدو لم تجعله، لا حروب ولا انتفاضات ولا تنازلات فلسطينية مذلة، أن يتنازل عن ذرة من الأرض المسروقة أو جانب محدود من هلوساته الدينية وأطماعه التوسعية وفرض هيمنته على اقتصاد الشرق الأوسط برمته، فهل حقاً أن لديه الأخلاقية والضمير والكرامة ليتنازل عن أي شي بعد فتح الأسواق لبضاعته، والبلاد لاستثماراته، والشركات العربية لامتلاكها، والساحة الأمنية لاستخباراته، والإتيان بألوف الجواسيس تحت مسمى السياحة، وتضاعف السياحة في كيانه بمجيء ملايين العرب الطامعين في مغامرات اللذات؟
4- كفاني تصريحان منسوبان إلى رئيس سلطة الكيان الصهيوني نتنياهوعن الكتابة في بعض حقائق التطبيع. التصريح الأول يقول بالفم الملئان بأن سياسة سرقة مزيد من الأراضي الفلسطينية لن يغيرها أويوقفها أي تطبيع أو أعلان سلام. وهذا يعني في الأعماق أن تمدُد الكيان الصهيوني ليستولي على كل فلسطين لازال مطلباً استعمارياً استئصالياً قائماً، ويعني أيضاً أن بناء المزيد من المستعمرات الصهيونية على فتات الأرض التي يملكها الفلسطينيون مؤقتاً لن يتوقف.
أما التصريح الثاني فهو التأكيد على أن بقاء التفوُّق العسكري الصهيوني على مجموع القدرات العسكرية العربية مجتمعة سيظل شعاراً صهيونياً لا يمكن التنازل عنه، وبالتالي فان الكيان لن يسمح قط للولايات المتحدة الأميركية بتزويد جيش أي بلد عربي ، حتى ولو وقّع على وثيقة سلام وتطبيع واعتراف، بسلاح متطور مماثل للذي تبيعه أو تعطيه أميركا لجيش الكيان الصهيوني. فالتطبيع لن يعني قط وجود منافس للهيمنة الأمنية والإقتصادية والسياسية الصهيونية على مجمل الإقليم العربي.
5-لو أن أيادي كل من في العالم صافحت سارقاً بحرارة ومودًّه فهل هذا يحعل منه شريفاً وغير سارق؟ وإذن فان السارق الصهيوني الذي سرق الأرض العربية الفلسطينية من أهلها وأخرجهم منها إلى المناقي ومعسكرات الملاجئ البائسة ، ولا يزال يمعن في سرقة المزيد، لن تزول عنه صفة السارق حتى لوسامحه كل الكون، وذلك إلى حين إرجاع الأرض التي سرقها إلى أهلها وعودة أهلها إليها.
ولو أن أيادي العالم كله حيّت الذين يهدمون بيوت العائلات اللسطينية أمام بكاء أطفالهم الهلعين ولطم رؤوس نسائها المفجوعات ، وصافحت يد من يقتلعون أشجار الزيتون التي زرعها آباء وأجداد أجداد الفلسطينيين ، وصافحت يد الذين وضعوا الألوف من أبناء فلسطين المناضلين في السجون بمحاكمات صورية ، وصافحت يد من يحاصر شعب غزة ويجوًّع أطفالها ويمنع الكهرباء عن مستشفياتها ويدكُّ بيوتها ومؤسساتها المتواضعة بجحيم آلته العسكرية.. لو تمت تلك المصافحات فهل يغيًّر ذلك او يخًّفف الطبيعة الاستعمارية الاستئصالية الاستيطانية للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة؟
لبًّ الموضوع هو هذه التفاصيل الإجرامية ، وذلك التاريخ البائس للمسيرة الصهيونية في فلسطين وسائر أرض العرب المحتلة أو المخترقة . أما الأحاديث المتداولة حول أهمية السلام بين البشر وتعايش الديانات وحسن النوايا بين الشعوب وتلاقح الثقافات ، وهي أقوال لايرفضها عاقل، فانها جميعها تدور حول أطراف الموضوع المركزي. وهي لن ترفع ذرة ظلم عن كاهل الشعب الفلسطيني الشقيق ، إلاً بعد مواجهة لبًّ الموضوع الذي ذكرنا بعضاً من تفاصيله. عند ذاك سيكون هناك مكان لكل تلك الشعارات الجميلة وستكون جزءاً من الحل الحقيقي. ولا يوجد إلاً حلً عادل إنساني واحد: دولة فلسطينية ديموقراطية واحدة يتعايش فيها بسلام حقيقي غير مزيًف وديموقراطية مساواة العرب المسلمون والمسيحيون واليهود.
6- هذا الحل الصًّعب ، ولكن العادل الدائم، سيحتاج إلى انعطافات جديدة كبرى وتضيحات نضالية مستمرة في ساحتين: تنظيم وتثوير وصمود الشعب العربي الفلسطيني بالتوازي مع إنخراط صلب على جميع المستويات وبأشكال نضالية كثيرة، مادية ومعنوية ، من قبل قوى ومؤسسات وجماهيرالمجتمعات العربية المدنية.
فلقد قالها الكثيرون بأنه مالم تؤسًّس قيادة فلسطينية واحدة، منتخبة ديموقراطياً من كل الفسطينيين في الداخل وفي الشًّتات ، وبالتالي الخروج من الخلافات والإنقسامات العبثية السابقة، فانهم لن ينجحوا في تجييش الشعوب العربية للوقوف ، قولاً وفعلاً ، ضدً موجة التطبيع. الكرة الآن هي في ملعبهم ، وعليهم إتقان اللعبة.
7 - ويبقى الدور الأساسي لمؤسسات المجتمعات المدنية العربية. هنا أيضاً قالها الكثيرون، وهي أنه دون قيام جبهة واحدة، مكونة من الأحزاب والجمعيات المهنية والأهلية والنقابات والأفراد المناضلين، لقيادة محاربة التطبيع بألف شكل وشكل، وعلى كل مستوى نضالي ، لإفشال كل محاولة صهيونية لإختراق عقول وقلوب الشعوب العربية ولاختراق مؤسساتهم وأسواقهم وأمنهم، إذا لم تقم كذا كتلة فاننا سنظل نراوح في مكاننا : نمارس الكلام ونقف عاجزين عن الفعل.