19-09-2020 -
1368
منذ توقيع اتفاقية كامب دايفيد عام 1978، بدأ تراجع الدور العربي وانحداره، ليأتي بعد ذلك اتفاق أوسلو عام 1993، واتفاق وادي عربة عام 1994. إنّ اتفاق أوسلو جاء بكلّ تأكيد، ليطوّب هذا التراجع، ويؤكد على الانحدار الذي تمّ في ليلة ظلماء، على يد أصحاب القضية المركزية الفلسطينية، والذي أفسح المجال دون أدنى شكّ، للوصول الى حالة التراجع والتفكك والضعف، التي يعيشها الفلسطينيون والعرب منذ ثلاثة عقود وحتى اليوم. وبما أنّ صاحب القضية الأول، وللأسف الشديد، قد فتح بابه على مصراعيه أمام العدو وكيانه الصهيوني، دون ضوابط أو حذر أو عواقب وخيمة، واعترف بكيانه وبوجوده، فإنّ الموقف الفلسطيني والعربي، والقيّمين على المقدسات الإسلامية والمسيحية، أصبح موقفاً هزيلاً، ضعيفاً، منقسماً على نفسه. إذ كيف يمكن للقيادة الفلسطينية التي اعترفت بالعدو، أن يكون دورها وموقفها قوياً، مؤثراً، جامعاً، حازماً، حاسماً، عندما تطالب الآخرين في العالم العربي وخارجه بعدم التطبيع! لأنّ من يجب عليه أن يحافظ على القضية الفلسطينية بالدرجة الأولى، ورفض الاعتراف بالعدو الصهيوني، هم الفلسطينيون أنفسهم، قبل غيرهم. لأنّ الآخر لن يكون ملكياً أكثر من الملك، ولن يكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، بحكم الواقع والمنطق والمصالح والتحالفات. إنّ انقسام الفلسطينيين على بعضهم البعض لسنوات طويلة، وتضييع العديد منهم بوصلة النضال، باعتمادهم الحوار والمفاوضات السلمية والوسائل الدبلوماسية، والتعويل على القوى الخارجية التي وقفت دائماً ضدّ مصالح الأمة وحقوق شعوبها، وعلى الرهان على أنظمة، ما كانت إلا في خدمة هذه القوى، ما بدّد آمالهم في تحقيق أهدافهم، لإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة. تعويل ورهان، جعل العدو وحلفاءه في العالم والمنطقة، ان يستغلوا الفرص، وينتهزوا النوايا “الطيبة” لرئيس السلطة الفلسطينية وقادتها، وكلّ من سار في فلكها، مستغلين ضعفها، وخلافاتها، وتنافسها، وتفككها. سلطة فلسطينية ارتكبت بحق فلسطين وشعبها خطيئة كبيرة فظيعة لا تغتفر، عندما لزمت وأناطت حلّ قضية فلسطين للعراب الأميركي ووثقت به، ليفعل ما فعله باتجاه التطبيع، دون أن تتعلم من دروس التاريخ ووقائعه شيئاً، وتأخذ العبرة من سياسات وأفعال المتآمرين على حقوق شعوب أمتنا، ناكثي العهود، من مارك سايكس الى فرنسوا جورج بيكو، مروراً بالانتداب البريطاني، وصولاً الى أشنع مؤامرة قذرة، قامت بريطانيا بحياكتها وتنفيذها بحق فلسطين وشعبها، قبيل وأثناء إعلان الكيان الصهيوني عام 1948. إنّ التنديد، والإدانة والاستهجان، والرفض، لا ينفع. ما ينفع أولاً وأخيراً، هو توحّد الفلسطينيين حول هدف واحد، ونضال ومقاومة واحدة، ومن ثم العمل الجدي على استنهاض صحوة شعبية عارمة على مستوى الشعب الفلسطيني والأمة كلها، وتحريك الأطياف والحركات، والفعاليات الشعبية والرسمية للقوى المناضلة القومية، وذلك باستخدام السبل كافة لتصحيح المسار، وبث روح المقاومة والانتفاضة من جديد في جسد الأمة، وانتشالها من المستنقع الذي وضعها فيه العدو، ومعه قوى الهيمنة والمتواطئون على قضايانا الوطنية والقومية على السواء. أحوج ما تكون إليه شعوبنا اليوم، ليس البكاء على الأطلال، والتحسّر على هضاب فلسطين، ورفض التطبيع مع العدو، ونظم أشعار التنديد والهجاء، وإبداء مشاعر الحنين، وعدم الرضوخ للأمر الواقع، إنما التحرك السريع لوقف الانهيار والتدهور والانقسام الحاصل داخل الصف الفلسطيني والعربي، جراء التخبّط الرهيب، وتباين الأفكار والرؤى والانتماء والولاء، الذي قلب العمل والنضال الفلسطيني المقاوم رأساً على عقب. إنّ خطورة المرحلة الحالية تحتم على الفلسطينيين، كلّ الفلسطينيين، سلطة وحركات مقاومة، وفعاليات وتنظيمات شعبية، العمل فوراً على إعادة تجميع قواها الوطنية والقومية من جديد. إذ أنّ خلافات أهل البيت الواحد شجعت العدو وحلفاءه، على التمادي في قراراتهم، والانتقال من الدفاع الى الهجوم، حيث نتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية، بسبب أخطائنا، وتهوّرنا، وتشتتنا، وتبعثرنا، وخلافاتنا، وانشقاقاتنا، وعداواتنا، وأنانياتنا، وتذبذبنا في مواقفنا مع طرف ضدّ آخر، ورهاننا على المكان الخطأ ثم العودة عنه. كلّ ذلك أدّى إلى هذا التدهور والانحراف، وتضييع البوصلة، وصولاً إلى التصدّع، والانهيار، والتفكّك، والانفصام في الموقف العربي الواحد. لا بدّ من محاسبة الذات قبل محاسبة الآخرين، وهذا ما يستدعي مراجعة كاملة للحسابات، والرهانات، والتحالفات، وتقييم المواقف والأداء من جديد، وتحديد من هم أصدقاء القضية الفلسطينية الحقيقيون ومن هم أعداؤها، وتحديد من هم العابثون بحقوق الشعب الفلسطيني بشكل قاطع وحاسم، أكانوا فلسطينيين أم عرباً أم أجانب، دون أيّ تردّد، أو مواربة، أو خوف، أو مراوغة، أو مجاملة، وفرز أصحاب القضية، المقاومين الحقيقيين، المناضلين في الداخل الفلسطيني، عن الانتهازيين المزيّفين، بائعي القضية وتجارها، اللاهثين وراء السلطة، والمال، والمناصب، والمكاسب، وما أكثرهم، وهم الذين آثروا دائماً على بيعها في بازار المصالح الشخصية والسياسات الدولية! وحدهم الفلسطينيون الشرفاء، أصحاب القضية دون منازع، الذين يستطيعون حماية قضيتهم من الضياع، والحفاظ عليها، وانتشالها من المستنقع، ومنع طي صفحتها ودفنها، وجرّها الى عالم النسيان. اننا أمام نكبة ثانية جديدة متمثلة بالتطبيع، وهي أخطر من النكبة الأولى. لأنّ النكبة الأولى ولدت صحوة ووعياً قومياً عربياً، وجيلاً جديداً مقاوماً رافضاً للكيان، متمسكاً بأرضه وحقوقه. أما التطبيع فيأتي ليشرع ويؤكد على وجود الكيان الغاصب، ويعمل على إخماد الصحوة والرفض، ومن ثم القضاء على المقاومة، وإلغاء فلسطين من الخارطة التاريخية، والجغرافية، والقومية، والوجودية، شعباً وأرضاً ودولة. لا مجال للانتظار، لأنّ الأمة كلها، وجودها ومستقبلها وأمنها القومي على المحكّ، وأمام الاختبار. فإما المواجهة والمقاومة، وإما الاستسلام والسقوط والانهيار.
لا يوجد صور مرفقة
|