اكاد افقد الرغبة في الكتابة والقراءة وأتمنى لو أنني كنت أمّيّا لاأقرأ ولاأكتب .. وليتني أفقد حاسة السمع فلا أسمع الهراء والخواء وبعض ماتقوله أفواه كثيرة لأنها أفواه ساذجة لعقول ساذجة .. وأكاد أجزم أنها تشخص لنا ان عملية التعليم في بلادنا العربية هي اكبر جناية ويجب ان تتوقف لأن الأمية أفضل من تعليم ينتج هذه العقول الانتحارية .. لأن ماتنتجه عملية التعليم هي عقول تقنية ولكنها مبرمجة لتدمير نفسها وللسيطرة عليها كما يسيطر مهندسو الالكترونيات على برامج أي آلة حاسبة ولعبة كومبيوتر .. ومن هنا تبدأ عملية السيطرة الاعلامية .. لأن التعليم التلقيني أنتج عقلا عربيا غريبا عجيبا لايناقش ولايحلل ولايسأل ولايمنطق الكلام بل هو مستسلم للواعظ وخطيب يوم الجمعة الذي حل محله أستاذ المدرسة الذي تابع التلقين والوعظ .. وتم تسليمه جاهزا لوسائل الاعلام كعقل غير محصن .. وصارت لدينا ظاهرة المشاهد العربي الذي تتلذذ وسائل اعلام العالم في اللعب به كما تلعب أيدي المراهقين بألعاب الكومبيوتر ..فالمدرسة العربية تحولت الى مزرعة للحيوانات ترغم فها العجول والصيصان على تناول غذائها من الرياضيات والفيزياء بالقوة لتسمن لتنتج أطباء ومهندسين وتقنيين .. وغابت عنها قوة المناقشة المنطقية وقوة تحدي الفكرة ولو كانت فكرة او معادلة رياضية ..
منذ تفجير بيروت وأنا أراقب بذهول كيف ان فشل التعليم تسبب في ان الأغبياء من الناس وماأكثرهم تم سوقهم الى نفس الفخ بسهولة مابعدها سهولة وانساقت القطعان خلف أي رواية .. وهي أنه كلما تفجر مكان في العالم نجد انه يكون بمثابة اعلان لعودة الاستعمار .. تفجرت ناطحات السحاب في نيويورك فسقطت بغداد وعاد الاحتلال الامريكي للعراق وبقي حتى هذه اللحظة .. وتفجر موكب الحريري فسقط لبنان في الوصاية الغربية ولايزال حتى هذه اللحظة .. ثم احترق البوعزيزي فسقطت في الحريق خمس عواصم عربية وصارت تحت الانتداب أو الاحتلال او الوصاية حتى هذه اللحظة ونجت فقط دمشق ولكنها تستعد لموجة استعمار جديد قادم من كل الاتجاهات .. واليوم يتفجر ميناء بيروت والاستعمار المباشر يسن أسنانه للعودة على متن العاصفة .. ويفرش له البعض المطارف والحشايا والسجاد الأحمر ..

هل يمكن ان تكون على وجه الارض مثل هذه الشعوب التي تجد في ان الاستعمار يفجرها فتصدق ان أبطالها وشرفاءها هم من يفجرها فتلجأ الى الاستعمار وتطلب ان تكافئه بأن تطالبه بالعودة لاحتلالها مرة أخرى؟؟ هل هناك من أمة في الأرض تتلذذ بطعم الاستعمار ونكهة التبعية والوصاية مثل أممنا؟؟ هل هناك من امة في الأرض فقدت ثقتها بنفسها وتجد ان أوراق حلولها موجودة بيد الاستعمار بنسبة 99% وأن مالديها هو 1% من القدرة على ايجاد الحلول؟؟ هل كان منظر ماكرون بالامس في بيروت يشبه الا منظر رئيس فرنسي يتفقد بلدية فرنسية من بلدياته الفاسدة ويهمي الناس ويلقون بأنفسهم على صدره ويقبلونه .. ويتوسلون منه أن يعود وأن يرسل لهم غورو جديدا ..

منظره لايختلف عن منظر عبدة أدوغان الذين يقاتلون تحت رايته كي يعود ويحتل بلادنا ليخلصنا من فساد العلمانية العربية .. ولايختلف عن العراقيين الذين قبلوا حذاء بوش ليدمر بلدهم ويخلصهم من فساد البعث كما كانوا يقولون .. ولايختلف عن منظر الليبيين الذين لعقوا حذاء الناتو ليخلصهم من فساد القذافي ..
في الدقائق الاولى لتفجير بيروت توقفت حائرا ولم أعرف ماذا حدث .. ولكنني بمجرد ان دخلت في الحيرة قررت فورا ان أعرف الحقيقة مما تقوله وسائل اعلام العرب ووسائل التواصل الاجتماعي ..لأن الحقيقة مدفونة هناك .. فعندما تسدد هذه الحملات الاعلامية على حزب الله وحلفائه فانني أدرك فورا ان التفجير لايختلف عن تفجير رفيق الحريري الذي سدد على سورية خلال دقائق .. ولايختلف عن تفجيرات نيويورك الذي سدد على العرب والمسلمين خلال دقائق .. ولايختلف عن احتراق البوعزيزي الذي سدد على الجمهوريات العربية فقط – وليس الممالك – خلال دقائق .. كلها حرائق توقدها أجهزة مخابرات كمقدمات لحملات استعمارية واسقاط العواصم .. الاعلام المعادي لمحور المقاومة صار يتفنن في عملية التحريض وصار يتصرف وكأن ماحدث قد حدث لأن حزب الله هو صاحب الكارثة .. وفي كل مرة يختلف السيناريو .. فمرة هي صواريخه المخزنة .. ومرة هي وقود الصواريخ المخزن .. ولايسأل احد كيف ان حزب الله يترك هذه الكمية الهائلة من المتفجرات سنوات وهو يعلم ان مخابرات وعملاء اسرائيل يجوبون بمجساتهم كل لبنان وان تركت أياما فستضربها اسرائيل .. بل الغريب انه ومع كل هذه الفرضيات لايسأل أحد عن دور اسرائيل على الاطلاق في هذه العملية المركبة .. وعلى الفور يتبرع المتبرعون بطلب التحقيق الدولي .. والذي من الواضح بأن السرعة في طلبه هي لاخفاء الحقيقة عن دور اسرائيل في هذه العملية وتمييعها كما حدث مع حادث رفيق الحريري الذي تم وفق طلب جماعة الحئيئة والاستئلال تشكيل اكبر لجان تحقيق في التاريخ البشري وملايين صفحات التحقيق والبحث .. وتم توجيه الاتهام الى كل الاطراف على وجه الارض حتى طرزان في افريقيا .. الا اسرائيل .. ولم نعرف الحقيقة حتى اليوم لأن اسرائيل هي الجاني الحقيقي .. في تفجير السان جورج .. وفي تفجير الميناء ..

هذا حدث اسرائيلي بامتياز برأيي بدليل استخدامه الفوري في سيناريو اسرائيلي مهما تأخرت الحقيقة واحتاجت التحقيقات .. سواء نفذ من قبل اسرائيل او عملائها .. لأن أينشتاين كان يقول: (ان من الحماقة ان تعيد نفس التجربة بنفس المواد المتفاعلة وبنفس الطريقة وتتوقع منتجات مختلفة.. لأنك تعيد انتاج نفس المنتج باستعمالك نفس المواد ونفس الطريقة) .. وبذات المنطق يجب ان نقول .. ان من الحماقة ان يكون لدينا نفس المنتج في كل عملية ثم نظن ان مركبات مختلفة وبطرق مختلفة هي التي تنتج نفس المنتج .. اي ان انتاج كل التفجيرات والحرائق العنيفة من نيويورك الى بيروت يوصلنا الى منتج واحد فقط وهو تفوق اسرائيل وانتصارها وانتصار الفكر الاستعماري المتوحش .. لأن المواد الداخلة في التفاعل هي نفسها لم تتغير .. عملاء وأياد اسرائيلية وغربية ..

لذلك لايمكن ان يكون أي حدث بهذا النوع من الاتقان الا أن يكون اسرائيليا .. ولكنه مغطى بعناية ومحبوك بعناية وله جنوده الذين يرافقونه لمنع الحقيقة من لمسه .. وله وظيفة محددة وهي اعادة اشغال حزب الله والقاء المزيد من القيود عليه وتحويله الى رهينة للاتهام في أي عمل سيء .. فبدلا من انتزاع سلاحه وتجريده منه الذي بات مستحيلا يجب ربط السلاح بالسلاسل وحبسه بالاتهامات الكثيفة الشريرة وتحويله الى سلاح يجلب الشر والنحس .. أي ان اسرائيل لن تمانع أن يبقي حزب الله سلاحه معه ولكنه محيّد وفق طلب الحياد والنأي بالنفس .. فلايستطيع استخدامه وسيمنع من استخدامه بحجة انه سيجلب مزيدا من الكوارث الى لبنان المنهك بعد هذه الحادثة .. لأن اي مناوشة عسكرية مع اسرائيل سترد عليها اسرائيل بعنف لتفاقم الوضع الكارثي .. ولبنان لن يتحمل الحرب لأن المولولين والناحبين والناعقين يحذرون حزب الله من ان يفاقم الوضع ..
ربما ستكون هذه هي آخر درس لمحور المقاومة من أن السكوت والتريث ومجاملة المنافقين والعملاء وهي دوما سبب من اسباب نجاح الغرب واسرائيل في نصب الفخاخ .. فكيف يمكن لعميل مثل وليد جنبلاط وغيره من العملاء اللبنانيين ان يسمح لهم بعد كل هذه التقلبات والعمالة وخدمة فيلتمان أن يترك له الحبل على الغارب ليقول تفاهاته ويطالب بما يحلو له من وصاية واحتلال دون أن يخشى في ذلك لومة لائم .. فيتبعه الأغبياء والعملاء وكل من في داخله ميل لاسرائيل وميل للغرب .. وينتظر عقله المبرمج سلفا اي تفسير لادانة حزب الله ومحور المقاومة ..
لقد تغير الزمن ولم يعد الاستعمار يتقدم بالطريقة القديمة التي تعتمد على جيوشه بل صار الاستعمار فنا وعبقرية .. صار الاستعمار يسير وأمامه كاسحات الالغام .. وكاسحات الالغام هم العملاء والأغبياء .. وكما تغير الاستعمار فان مواجهة الاستعمار يجب ان تتغير أيضا .. فالسلاح الناري والنووي والفراغي الذي يحتفظ به الاستعمار ولايتخلى عن تطويره والذي يقصفنا به .. لديه وظيفة واضحة لكنه ليس فقط السلاح الفتاك والفعال لديه .. بل لديه سلاح آخر هو المواطن العربي نفسه الذي يتعلم كل التقنيات وكل العلوم الحديثة الا علما واحدا .. هو علم المنطق .. وهو يتحول تدريحيا الى فرد في قطيع .. لأن لديه (المخ الذي يقع في كل فخ) ..