قدس أقداسنا
تجسٍد القدس حضارة الهلال الخصيب في كل ما تختزنه من تجارب مرت بها خلال آلاف السنين، وهي من أولى الحضارات التي نشأت في العالم ومن أرقاها كما تظهر اكتشافاتها الاثرية.
كيف لا، وهذه حضارة اتبعت طريق الاندماج بين عناصرها المختلفة منذ بداياتها، وتقبلت العناصر الوافدة واختلطت معها، ولم تسلك طريق الحضارة الغربية التي تميزت باستعلائها وغرورها الشديدين، وقناعتها بأنها الامثل، فتمايزت عن حضارتنا برفضها الاختلاط، وبنت هويتها على أساس تفوق العِرق الابيض، وحوًلت من ليس منها الى عبد وتابع.
تجاورَ المسجد والكنيسة والمعبد في القدس، وتشاركوا ارثهم الحضاري بكل تلاوينه. صانت القدس حضارة "سوراقيا" الروحية، والتقت على المحبة والقبول والتسامح، وحفظت في كتبها المقدسة اساطيرنا وقصصنا التي تدل على توق مجتمعنا للعمل نحو الافضل.
القدس هي قلب "سوراقيا"، وهي الملعب الذي تدور في رحاه معركة حضارية فاصلة بين رؤيتين: رؤية تعامِل البشر بمساواة تامة، ورؤية غربية صهيونية متقوقعة، رافضة للآخر وتريد إفناءه والغاءه من الوجود.
قدسنا ستنتصر لا محالة مهما طال الزمن، لأنها قدس "الاقداس".
لموقع جامعة الأمة العربية /الدكتورة صفية أنطون سعادة
--------------
القدس الشريف ... المدينة المفتوحة*
تتجاوز القدس إشكاليات الصراع العربي الصهيوني ، بل والشرق الأوسط، لتغدو مشكلة دولية كبرى، لا يمكن حل قضية الشرق الأوسط وأساسها الصراع العربي – الإسرائيلي دون حل عادل وسليم لمشكلتها.
وبهذا المعنى فالقدس إحدى إشكاليات العالم المعاصر والنزاع الدولي المستديم، إذ تشكل القضية الأكثر عاطفة والأرسخ رمزية والأعمق تجذراً في الوجدان الديني والقومي والإنساني. إنها بقول آخر مشكلة فريدة، لمدينة فريدة ، وتاريخ فريد. فقد ارتبطت بديانات مقدسة ثلاث. وكانت عبر تاريخها مسرحاً لحروب واحتلالات وحصار لأكثر من 38 قرناً من الزمان، حيث عانت 20 مرة من الحصار وتم التناوب على حكمها 25 مرة وتم تدميرها 17 مرة.
تشكل القدس جزءًا من الموروث الروحي للبشرية، ولها مكانة فريدة ومتميزة روحياً للديانات السماوية الثلاث، ولذلك فإن محاولة "تهويد"المدينة وفرض نمط واحد من الديانة عليها أو شكل من الإدارة بالإكراه ومصادرة حقوق السكان، إنما هي محاولة لإلغاء طابعها المتميز وإقصاء التعايش بين أديانها وتكويناتها المختلفة وإحلال الاحتكار بدلاً من التسامح الذي اتسم به تاريخها القديم والحديث.
ولهذا فإن محاولة الكيان الصهيوني الاستيلاء عليها وضمّها قسراً، بل واعتبارها "عاصمة أبدية موحدة" إنما هو استهتار بحقوق الشعب العربي الفلسطيني التاريخية واستخفاف بالقانون الدولي الذي يحرّم الاحتلال والضم والإلحاق بالقوة، فضلاً عن الاستيطان، ويعتبر ذلك في عداد الجرائم الدولية الخطيرة ضد الإنسانية.
ولعلّ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأييده لتلك الخطوة ونقل سفارة واشنطن إلى القدس المحتلة ، إنما هو تجاوز سافر وصارخ لقراري مجلس الأمن الدولي الأول رقم 476 الصادر في 30 حزيران (يونيو) 1980 والثاني رقم 478 الصادر في 20 آب (أغسطس) من العام نفسه، وبقية القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة التي تشجب محاولة "إسرائيل" تغيير معالم مدينة القدس وتركيبها الجغرافي بوصفها "قوة احتلال" لا يجوز لها ذلك مطلقاً، وثانياً بطلان "القانون الأساسي" بشأن ضم القدس الذي اتخذه الكنيسيت لما له من تداعيات على السلم والأمن من جهة، ومن جهة ثانية لمخالفته الصريحة لقواعد القانون الدولي واتفاقيات جنيف الصادرة في العام 1949، ولاسيّما الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين ، ويقرر مجلس الأمن اعتبار الاجراءات الإسرائيلية باطلة أصلاً ويجب إلغاؤها. وهو ما ينبغي التمسك به والعمل بموجبه على جميع الصعد، ولاسيّما في المحافل الدولية.
لموقع جامعة الأمة العربية /عبد الحسين شعبان