للعام الرابع عشر على التوالي احتضن «المعهد الإسرائيلي متعدد المجالات» مؤتمر هرتسليا الذي تنصب مداولاته هذا العام على بحث تداعيات «التقارب» الإيراني الغربي. ويأتي هذا المؤتمر في إطار سلسلة مؤتمرات سنوية انطلقت منذ سنة 2000 يتم خلالها قياس «ميزان المناعة القومية الإسرائيلية...» وتأثير التغييرات الإقليمية والعالمية على أمن الكيان الصهيوني، من خلال تقييم الخبراء السياسيين وأصحاب القرار، من الكيان والعالم، وأحيانا يسجل المؤتمر مشاركة عربية، يصاحبها جدل، بين رفض وقبول. وقد سجّل هذا العام مشاركة وزير الأسرى السابق لدى سلطة رام الله، أشرف العجرمي. ويعتبر
أهم القضايا التي ناقشها مؤتمر هرتسيليا الرابع عشر :على مدى ثلاثة أيام ( 8 – 11 حزيران 2014) ناقش مؤتمر هرتسليا «الإسرائيلي» الاستراتيجي، القضايا :
– مستقبل الشرق الأوسط والتحديات العالمية.
– إعادة صياغة الأمن القومي للكيان الصهيوني.
– الصراع الداخلي في إيران وميزان القوى الإقليميو انعكاسات مفاوضات إيران مع القوى الدولية.
– الإسلام الراديكالي والإرهاب و تأثير الاضطرابات في الشرق الأوسط على الساحات الإقليمية والدولية.
– التوجه نحو حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب.
– المقاطعة والعقوبات: تهديد استراتيجي أم أداة ضغط واستفزاز.
– مبادرة السلام العربية ومصير المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية»، إلى جانب ملفات أمنية واجتماعية واقتصادية.
«تحديات الأمن القومي الإسرائيلي» وقدّم رئيس أركان جيش العدو الصهيوني في كلمته، التي جاءت ضمن محور «تحديات الأمن القومي الإسرائيلي»، استعراضا واسعا عن الوضع بالشرق الأوسط، محلّلا الأخطار المحتملة من مصر وسيناء وسوريا وغزة والضفة الغربية، وقال: «لقد طرأت عدة تغييرات جذرية على هذا التهديد الذي تواجهه إسرائيل. من جهة، لم يختف التهديد العسكري، وإن هدأ نسبيا… ولكن ظهرت عدّة تهديدات أخرى»، وذكر على سبيل المثال التهديد من صواريخ أرض أرض، وصواريخ أخرى أكثر دقة. وأكد أنه “على الرغم من أن السوريين منشغلون حاليا في قضاياهم الداخلية الخاصة، فإن الخطر العسكري الذي يمثلونه على إسرائيل لا يزال قائما ولا يمكن تجاهله”، وانتهز غانتس أيضا الفرصة لمناقشة خطر تضخّم الحركة الجهادية التي لا يمكن تحديد عدد أعضائها، بحكم “لامركزية” قواتها المنتشرة في كل أنحاء العالم....وحول ما يجري في سوريا قال غيتس :«هناك ظاهرتان إشكاليتان جدا في سوريا، من ناحية يتعاظم المحور الراديكالي، حيث تستثمر سوريا في حزب الله وإيران تستثمر في سوريا، وهكذا يتعاظم المحور الراديكالي. في المقابل فإنّ الجهاد العالمي يتعاظم هناك. وهاتان الظاهرتان سيئتان لإسرائيل. لدينا ربما 4 – 5 دول تملك قوة نارية أكثر من حزب الله. هذه قوة نارية هائلة تغطي كل إسرائيل>>.
<<الخطر الإيراني>>...تصدّر الملف النووي الإيراني مناقشات المؤتمر وتوصياته التي أكّدت على ضرورة مراجعة قواعد اللعبة مع إيران، بعد التقارب الذي سجّل بين طهران والغرب. وقد تم على هامش المؤتمر تنظيم منتدى بحضور خبراء من «إسرائيل» وأوروبا وروسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية، تباحثوا خلاله مسألة المفاوضات الجارية بين إيران والدول الست الكبرى. وطرح المؤتمر، ونوّه الباحث «الإسرائيلي» تومي شتاينر، خلال مشاركته في المنتدى، بأن «طهران وواشنطن تتقدّمان نحو اتفاق وتسوية. وهذه التسوية، رغم أن ملامحها لم تتجلّ بوضوح بعد إلا أنها تفرض طرح سؤال جوهري هو: ماذا سنفعل غداة ذلك؟>>..وشدد عاموس جلعاد، مدير المكتب العسكري السياسي التابع لوزارة الدفاع على أن إيران هي التحدي الأكبر وقال «إنهم عازمون على إفناء إسرائيل وهم يعنون ما يقولون ويجب تصديقهم»، وأوضح في هذا الصدد أنه من غير مقبول السماح للنظام الإيراني بامتلاك السلاح النووي لأنه إذا أصبحت إيران نووية ستجهز الدول المؤثرة نفسها بهذا السلاح وبذلك ستصبح كامل المنطقة عبارة عن جحيم، وختم بالقول «إن علاقات إسرائيل الأمنية الجيدة مع الأصدقاء والحلفاء مكسب مهم جدا للأمن القومي الإسرائيلي ومستقبل إسرائيل وقوة الردع لديه والقدرة على المحاربة باستقلالية دون التعويل على جنود أجانب، لكن بدعم من الشركاء من كل العالم>>..
مستقبل علاقة الكيان بالولايات المتحدة :وحول مستقبل علاقة الكيان بأمريكا، المتحدثين الرئيسيين، وفي مقدمتهم المدير العام لوزارة الخارجية السابق، ألون لوئيل، والمستشار الاستراتيجي، ميخائيل هرتسوغ، والنائب في الكنيست، رونين هوفمان، أجمعوا على أنه في ظل الوضع القائم، واستناداً إلى كون الكيان جزءاً من المنظومة الأميركية والغرب بشكل عام، فإنه لا يمكن التفكير بالخروج من معسكر التحالف مع الولايات المتحدة لصالح خيارات أخرى، رغم تقاطع المصالح مثلاً في بعض الحالات والأماكن بين الكيان وروسيا، أو نسج أسس تعاون جديدة مع الصين وحتى الهند أو اليابان...كما أكد ماثيو سبانس، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي المكلف بسياسة الشرق الأوسط إن الولايات المتحدة تبقى ملتزمة، بل شديدة الالتزام بالمنطقة. وملتزمة شديد الالتزام بأمن الكيان الصهيوني، وقال إن الولايات المتحدة منحت الكيان هذه السنة فقط تمويلات عسكرية تقدر ب3.1 مليارات دولار، وهو أكبر مبلغ في تاريخ الولايات المتحدة، كما أعطت الكيان التكنولوجيات الأكثر تطورا فقط للمحافظة على القدرة العسكرية النوعية لديه. وأوضح أن تعهد أميركا بأمن الكيان لا يخدم فقط مصلحة الكيان بل مصلحة أميركا كذلك. وفي ما يتعلق بحضور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لاحظ أن واشنطن «لديها 35 ألف موظف عسكري في المنطقة، كما يوجد مقر قيادة الأسطول الخامس مع أكثر من خمسين سفينة حربية في البحرين، والطائرات المقاتلة أف22 وبعض أكثر التكنولوجيات العسكرية تطورا والدفاعات الصاروخية». وأضاف قائلا: «إن كمية المعدات العسكرية التي لدينا في المنطقة لا ترسي سياسة أو استراتيجيا، لكن مجرد الكمية عندما تجمعها مع بعضها تعطي فكرة معبرة عن حجم الردع والدفاع اللذين تعهدت أمريكا بهما تجاه الصراع والتهديدات في المنطقة>>..وحول الدور الأمريكي في العالم قال الخبير الأمريكي أنتوني كوردسمان إن إدارة أوباما لم تقم بالانسحاب من مواقعها ومكانتها العالمية، بل عززت من وجودها حيث يجب، بالرغم من أن التراجع الذي ظهر للعيان كان مردّه نكوص الشركاء في حلف شمال الأطلسي، وتراجعهم عن قسم كبير من دعمهم المالي للحلف، فيما وجدت واشنطن نفسها تتحمل قسطاً أكبر من مصاريفه...وخلافاً للانطباع العام، وبالرغم من أنه يبدو أن روسيا تدخل بقوة وزخم كل مكان تتركه الولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة لم تتخلَّ عن منطقة الشرق الأوسط ولا عن دورها فيها، كما عززت من انتشارها العسكري في منطقة الخليج، حيث أبرمت صفقات أسلحة بنحو 70 مليار دولار تبعاً لدرجة التهديد الإيراني لدول الخليج العربي...واعتبر كوردسمان أن التحدّي الأكبر للولايات المتحدة على المستوى الاستراتيجي هو الصين، فهي دولة عسكرية عظمى وجادة، وإيران مرتبطة بها، وهناك فروق في الموازين والموازنة بين الشرق الأوسط وبين الشرق الأقصى كمّاً ونوعاً. ولخّص تقديره لإدارة أوباما بأنها تتمثّل بكثرة الخيارات وقلّة القرارات...الخبير الأمريكي إدوارد لتووك، اعتبر أن التحديات التي تشكلها الصين، كانت وراء سلسلة تحالفات متناقضة وواسعة في دول شرق آسيا وجنوبها، تبدأ بتحالف اليابان مع الهند، مروراً بضم ماليزيا واندونيسيا. لكنه أشار إلى أن الفارق بين التحدّيين الصيني والروسي، يكمن في كون الصين تفتقر إلى البعد الاستراتيجي في عملها، خلافاً لروسيا. مع ذلك أقر بأنه لا يمكن العمل على إفقار الصين، لأننا «سنصبح نحن أكثر فقراً منها كتحصيل حاصل لذلك>>..
وثيقة <<إسرائيلية>> :
أوصت وثيقة «إسرائيلية» نوقشت في مؤتمر هرتسيليا الرابع عشر بتدشين تحالفات مع دول عربية، مشددة على أن مثل هذه التحالفات يجب أن تمثل «مركباً مهماً» في العقيدة الأمنية الإسرائيلية في المستقبل وعلى ضرورة تدشين تحالفات رسمية وغير رسمية مع دول المنطقة، مشددة على ضرورة أن تحرص «إسرائيل» على التعاون الإقليمي مع «السعودية» ودول الخليج. وأكدت الوثيقة أنه يتوجب على «إسرائيل» الحرص على تدشين تحالفات مع دول شرق أفريقيا، سيما أثيوبيا وجنوب السودان وكينيا وأوغندا، حيث تتسم علاقات هذه الدول بالتوتر مع الدول العربية، سيما مصر، كما تدعو الوثيقة إلى تعزيز التحالفات مع دول البلقان، سيما اليونان رداً على تدهور العلاقات مع تركيا.وحثت الوثيقة على ضرورة استعداد «إسرائيل» للتحولات التي تعصف بالمنطقة، والتحوط للسمات الجديدة للواقع الأمني في المنطقة، وضمن ذلك التحولات على صعيد الثورة التكنولوجية والحرب الإلكترونية والفضاء.
أبرز توصيات هرتسليا 2014:
* تأكيد التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية.
* رفع درجات التأهّب لمنع وإحباط التهديدات العسكرية المحتملة.
* التكيف مع المتغيرات المتلاحقة في المنطقة.
* فتح قنوات تواصل مع الخليج العربي، خاصة وأن دول الخليج تواجه بدورها تهديدا إيرانيا. وفي هذا السياق يرى الخبراء أنه يمكن مراجعة الموقف «الإسرائيلي» من المبادرة العربية التي طرحها العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2002 وتهدف إلى إقامة علاقات طبيعية مع الكيان في حال انسحابها إلى حدود الرابع من حزيران 1967 من جميع الأراضي العربية وقد رفضها الكيان في ذلك الوقت، وفي ظل المتغيرات الإستراتيجية يرى الخبراء في الكيان أنه يمكن اعتبار هذه المبادرة ركيزة أساسية في توجه الكيان نحو الدول العربية لتشكيل مجال استراتيجي مشترك.