كورونا وباء خبيث ومتواصل، يجتاح العالم برمته، لا أحد بمقدوره أن يجزم متى بدأ ومتى ينتهي. ثمة، بين أهل العلم والطبّ، مَن يخمّن أنه عائد بقوة إلى الصين في مطالع الخريف المقبل. فرنسا وبريطانيا لم تنتظرا هذه النبوءة غير الموثّقة، لتنضّما إلى الولايات المتحدة، في حملة سياسية لدمغ الصين بأنها صانعة الوباء ومصدّرته إلى العالم.
في هذه الأثناء، ينتشر كورونا ويفتك بلا هوادة. ما تفعله الدول والمنظمات الدولية والأهلية في مواجهته لافت، لكنه غير لاجم، فالوباء الخبيث الكاسح ينتج مفاعيل وتحوّلات كونية واسعة ومتواصلة في كل المجالات. لا غضاضة، والحالة هذه، في محاولة الإحاطة بظواهر هذه التحولات واستشراف مآلها.
في هذا السياق، ثمة سؤال يُطرح: لمن السلطة في غمرة هذه التحوّلات، ولاسيما في البلدان والمجتمعات التي يفتك بها الوباء الخبيث بلا رحمة؟
ظاهر الحال يشير إلى أن السلطة ما زالت في أيدي اصحابها الممسكين بها منذ ما قبل تفشي الوباء، وأنهم يمارسونها بأدواتها القديمة والجديدة. لكن نظرة متأنية إلى الواقع المأزوم، تشي بحقيقة لافتة هي، أن تواصل الوباء بوتيرة متسارعة، وتداعياته المتفاقمة في شتى المجالات، كشفا قصوراً وضموراً في فعالية بعض الآليات والأدوات، ما حمل أهل السلطة على الاستعانة بأقوى أدوات الضبط والربط: القوات المسلحة.
صحيح أن للقوات المسلحة في حالات الطوارئ والظروف الاستثنائية، مهامَّ وأدواراً تتجاوز وظائفها الأصلية، لتمتدّ إلى مهام ووظائف هي من صلب اختصاص السلطات والمؤسسات المدنية. ماذا يمكن أن يتأتى، إذن، عن هذه الأدوار المدنية الاستثنائية للقوات المسلحة في قابل الأيام؟ وما انعكاساتها المحتملة على مسألة السلطة وأهلها وممارستها؟ فلنعرض أمثلة من الواقع:
في لبنان اضطر أهل السلطة، إزاء تفاقم تداعيات كورونا في مختلف المجالات، إلى إعلان التعبئة العامة، وبالتالي تسليم القوات المسلحة مهام تسيير متطلبات الحياة العامة في مختلف وجوهها المدنية، باستثناء ممارسة السلطة السياسية. وإذ افتضح تقصير الإدارة المدنية في مسألة تنظيم جداول بأسماء الأسر الفقيرة، المؤهلة لاستحقاق المساعدات المالية، المقرر صرفها في شتى مناطق البلاد، تعالت أصوات شعبية تدعو إلى تسليم الجيش المهام التي لها صلة بالأمور المعيشية، نظراً لتمتعه بصفة وطنية جامعة، وسمعة ناصعة في النزاهة ومجافاة المحاباة والمحسوبية. نجاح الجيش في تسيير شؤون الحياة العامة، في هذه الفترة العصيبة، يُضعف نفوذ أهل السلطة، ويُسهم في تعريتهم وتقويضهم، خصوصاً أنهم عادوا إلى التصارع والتعارك، وكأن البلاد في أحسن حال. كل ذلك يعزز اتجاها شعبيا وسياسيا متناميا في البلاد، يدعو إلى تسليم السلطة لقادة الجيش. فهل يمكن تفادي هذا الاحتمال؟
في «إسرائيل»، ثمة أزمة سياسية متفاقمة، نَجَم عنها إجراء ثلاثة انتخابات خلال أقل من سنة، ولا يُستبعد إجراء انتخابات رابعة في غضون شهرين. هذه الحال المترعة بالخلافات والصراعات السياسية المتأججة، عززت مطلب بعض الأوساط بتسليم الجيش مقدرات الكيان في هذه الفترة العصيبة. لعل ما قاله المحلل السياسي تسفي برئيل في صحيفة «هآرتس» (8/4/2020) خير مؤشر في هذا المجال: هل حان الوقت للحكم العسكري في «إسرائيل»؟ وكم هو سهل الانجراف إلى الإحساس بالأمان، الذي يخلقه تدخل الجيش في إدارة الشؤون الداخلية للدولة؟ وكم هو عميق الشعور بالإحباط من إخفاق وزارة الصحة ووزارة العمل ورئيس الحكومة (نتنياهو)، بحيث يبدو الجيش الإسرائيلي في غمرة هذه المشاعر المَخرج المنطقي لكل أمراض الدولة؟ يستنتج برئيل أخيراً: «فعلاً، في الفترة التي يُطلق كورونا الحرية لتوجّهٍ أعوج، يبدو الحكم العسكري وكأنه هو الأمر المطلوب».
المصدر : القدس العربي