كأننا نشهد حرب عالمية ثالثة تندلع بين كوكب الأرض وكوكب كورونا، الذي اعدّ جنده وأمده بسلاح فتّاك بفيروس كوفيد-19 وأرسل جيشه ليقهر مخلوقات بني البشر العابثة بنظام الكون الالهي، حيث تحتدم حاليا المعارك الطاحنة بين الانسان وفيروس كوفيد-19، لتحصد عشرات الالاف الضحايا موتى وإصابات مخلفا ذعراً كبيراً للبشر لتفشي الوباء في ساحات صامتة لا تسمع فيها رصاص ومدافع ولا أسلحة ذكية وطائرات، هي حرب لا تبقي ولا تذر!! نذير شؤم للبشر!!
أنه فيروس كورونا جند من جنود الله لم تروها، { وما يعلم جنود ربّك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر} (المدثر،31)، يغزو الحياة البشرية ويعطّل حركتها وينذر بفنائها بسبب جبروت الانسان وطغيانه وإستعلائه، ولنشره وباء الظلم والفساد والحروب والقتل والتوحش على كوكب الارض، بعد صراع الانظمة الرسمالية والاشتراكية والمادية فيه على القيادة والتحكم بالعالم والسيطرة والهيمنة على الاقتصاد والمال على حساب سحق الشعوب المستضعفة وإبادتها، وبعد ان أحلّ الانسان إراقة دم أخيه الانسان وتغييبه قراطيس السماء وقيم الانسانية والعدل والسلام، وأجاز فعل خبث الشذوذ ودنس النفوس واللذات والمحرمات، ونجس الخمور والفجور والفسق والموبقات، ورجس الفحشاء والرذيلة والشهوات، واصبح الكوكب موبؤا بالكفر والمنكر والإلحاد.. والحياة على سطحه عذابا وجحيما لا تطاق.. فاستحق عقاب العاصون من ربّ الكون، فارسل اليهم جنوده لا تراهم العيون، وجيوشا تغزوهم في عقر دارهم والحصون، مما أوجب غلق كوكب الأرض للصيانة عسى يُعاد رشّه برذاذ التطهر والتعبد والخشوع والخضوع لله الجبار، ويحجر البشر في بيوتهم للعفاف والاحتشام والرزانة والتفكر للرجوع الى منطق العقلانية والانسانية والعبودية لله القهّار، وتقفل أسواق التجارة والبورصة والمرافق والمعابر والحدود لإعادة النظر في قواعد التعايش البشري والتعامل العقدي على اسس التطور الخُلقي والحداثة والأصالة والفضائل وتعزيز الاحترازات والوقاية والحصانة من قباحة قوى الاستكبار والاستبداد والاستعباد والاستملاك لغلات الارض ونهب ثروات البشر جشعا وطمعا والعبث بمجتمعاتهم واوطانهم فسادا وظلما وطغيانا، كل ذلك إنذارا للرجوع والإنابة للتسليم لله الواحد الأحد مالك السموات والأرض وليّ النعم.. ولنعتبر من قول الشاعر: (إِذا كنتَ في نعمةٍ فارعَها... فإِن المعاصي تزيلُ النعمْ)، ولنتعظ من قول الله تعالى: {..فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واقٍ} (غافر،21).
نعم، لقد غفل الانسان عن أنعم الله، ولم يستدرك نعمة الصحة والعافية في الطاعة والعبادة، فاضاعها في غيّه وضلالته، ولم يستغل نعمة القوة والقدرة ليعيش برغد وأمان فاستعلى في طغيانه وعصيانه، ولم يستثمر كامل قدرات العقل والمنطق والرشد والرشاد فاستعملها في لهوه وشهوته وحبّ دنياه، فاستحضر على نفسه الحساب وعلى كوكبه العقاب، وبعد الأخذ بالاسباب، تسلّط عليه فيروس الاحتراب، وهذه سنّة ربّ الكون والارباب حيث يقول:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ..} (الشورى، 30)، لتكون عبرة وأنذارا لأولي الألباب..
لنرى من سينتصر بهذه الحرب الدائرة كوكب الارض الإنتهازي ام كوكب كورونا الغازي؟ وما هو مستقبل سكان الارض بعد نتيجة هذا الامتحان الموازي؟