صرح نتانياهو يوم21 يناير 2020 بأن قضية إسرائيل هى التغلب على التهديد الإيرانى كما تغلبت إسرائيل على القومية العربية وقال أن إسرائيل تعيش ازدهارا دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا وعملياتيا لا مثيل له .
تصريح نتانياهو يعنى أن رؤية إسرائيل للعالم العربى قد مرت بمرحلتين المرحلة الأولى حتى عام 1967 والمرحلة الثانية هي التي أعقبت هذا الحدث حتى الآن . فى المرحلة الأولى أدركت إسرائيل أن الزعماء الأعلى صوتا والأعلى طنينا بالشعارات عن القومية العربية وغيرها قد استقطبوا الرأى العام العربى ضد إسرائيل مما خلق حالة من الخوف لدى اليهود من سكان إسرائيل ولكن مرحلة القومية العربية كانت عند إسرائيل مرحلة شعارات ولذلك قررت إسرائيل أن تقضى على ما تؤدى إليه شعارات القومية العربية وهى مناهضة الصهيونية والتناقض بين الصهيونية والعروبة فانتهت عام 1967 مرحلة العروبة الوهمية وأن استمرت هذه المرحلة مع صدام حسين بشكل ما ومع سوريا حتى 2003 عندما تم بطي صفحات كل الزعماء الذين يرعون شعارات القومية العربية وهم عبدالناصر وصدام حسين وحافظ الأسد ثم القذافى الذى تم التخلص منه متأخرا عام 2011 وأدركت إسرائيل فى تلك المرحلة أن الدكتاتورية العربية هى أمضى سلاح للقضاء على العروبة وتجريف العقول العربية من مثل هذه الأوهام ودللت إسرائيل على صحة طرحها بأن هذه المرحلة جلبت الخراب للشعوب التى بح صوتها بنداءات مثل بالروح بالدم نفديك يازعيم وبالفعل تمكنت إسرائيل من هذه الدول كما ساعدها على ذلك انقسام العالم العربى إلى فريقين متناحرين أما الفريق القومى فكان حليفا لموسكو واحتفظت واشنطن بتحالفها وصداقتها مع الفريق الآخر الذى اطلق عليه الفريق الرجعى كما سعدت إسرائيل باستنزاف المواطن العربى فى معارك أدت فى النهاية إلى امتصاص موارده وتشويه شخصيته ونفسيته والتمكين للاستبداد الاشد كما لاحظت الدراسات الإسرائيلية لهذه الفترة أنه كلما ارتفع شعار القومية العربية كلما ارتفعت حرارة تعلق الشعوب بالزعيم وأدى ذلك إلى انتهاء هذه الحمى عندما خمدت أنفاس الزعيم والجماهير وبدأت المرحلة الثانية وهى الترويج لمزايا الصهيونية وقد صارح بيجن السادات فى كامب دايفيد بأن مصر قد أقامت ريادتها للمنطقة العربية على أساس شحن العواطف ضد إسرائيل وهى تدرك أن العرب ليس لهم سلاح واحد ولا قلب واحد ولاقيادة واحدة وربما أسهم المعسكر العربى الآخر مع إسرائيل فى ضرب الهوية العربية التى أزعجت أيضا القوميات الأخرى فى المنطقة وأهمها القومية الفارسية والقومية التركية ولذلك تحالفت إسرائيل مع هاتين الدولتين فارس وتركيا ضد العروبة بل أن إسرائيل نفسها تشجعت على أن تبلور قومية خاصة باليهود قوامها أن اليهود أمة وأن هذه الأمة لها قومية ولها حق تقرير المصير وليس صدور قانون الدولة اليهودية عام 2018 سوى استمرارا ونهاية لهذه المحاولات الإسرائيلية على أساس أن القومية العربية والعروبة قد جلبت خرابا ودمارا لاصحابها بينما الصهيونية أنتجت التقدم والازدهار فى جميع المجالات وخصوصا هزيمة العروبة ومن أطلق عليهم التيار القومى أو القوميين العرب.
فنحن نعيش وفقا لنتانياهو الذى أكمل هذا التصريح بنظريته المعروفه وهى الانتصار الكاسح على العرب حتى يفقدوا الأمل فى البقاء وحتى يسلموا لصاحب القوة بالهيمنة والانكسار .
المرحلة الحالية بدأت منذ عام 1967 عندما ضربت مصر وبدأ عرب الخليج يشفقون عليها بدلا من الخشية منها ثم بالغ عرب الخليج فى الاساءة إلى مصر فى المرحلة الصهيونية والاستخفاف بها والمصريون لايزالون يعتصمون بشعارات مصر فوق الجميع ومصر أولا وأخيرا وهذه حالة تحتاج من المخلصين إلى مراجعة أمينة مما حل بالمنطقة انطلاقا من مصر ذلك أن من خصائص المرحلة الصهيونية أو ما يسمى القرن الصهيونى استمرار شعارات التطبيع مع إسرائيل والتهكم والاستخفاف بالعروبة والقومية العربية وتحميلها كل سوءات النظم الاستبدادية التى اقترنت بها كما أن من خصائصها أيضا توحش المستبد العربى خصوصا إذا ما استشعر أن الشعوب تريد التغيير لأن الرهان فى المرحلة الصهيونية على هذه الشعوب التى استعصت حتى الآن علي التجاوب مع المرحلة الصهيونية وكان سفير إسرائيل فى القاهرة عام 2015 قد عبر بصراحة عن هذه الحالة فى مقابلة نشرت فى جريدة المصري اليوم على صفحة كاملة فقال أن مهمته هو تطويع الشعب المصرى لاقامة العلاقات الحميمة مع الشعب اليهودى( طبعا على جثة الفلسطينيين ) ومنذ ذلك الوقت كثفت واشنطن ضغوطها وانحيازها لإسرائيل لكى تمحو القضية الفلسطينية وتتوج المشروع الصهيونى لاسرائيل الكبرى التى يرجو ترامب أن تكون خاتمة أعماله وسجله فى البيت الأبيض.
فهل أخطأ نتانياهو فى تصريحه وتصوره ولماذا راهنت إسرائيل بثقة على الاستبداد العربى الذي ترعاه وعلى سحق الشخصية العربية حتى يمكن أن تقلب الموازين من العداء الكاسح لاسرائيل إلى الأمل فى استمالة الشعوب العربية وتعودهم على محو أسم فلسطين من الخريطة ؟
هذا هو التحدى المطروح والذى اقترحه نتانياهو بجسارة وثقة فى وجه كل العرب حكاما ومحكومين؟!