قد يكون قرار الرئيس الامريكي بالموافقة على تنفيذ الجريمة اكثر القرارات الترامبيّة دالّاً على التهوّر و الغباء السياسي . و قد يكون وصف رئيس وزراء ماليزيا ،السيد مهاتير محمد ، للجريمة و مقاربتها بجريمة قتل الصحفي خاشقجي ، وصفْ مطابق تماماً للحالة ، فالجريمة ، كما وصفها ،لا اخلاقية ومخالفة للقوانين و خارج الحدود .
تُشير المعلومات الى دور كبير لوزير الخارجية الأمريكية بومبيو ، و لوزير الدفاع و لنائب الرئيس الامريكي في دفع الرئيس ترامب الى الموافقة على تنفيذ الجريمة .
وتُشير المعلومات أيضاً الى دور اسرائيلي في تنفيذ الجريمة ، ولا وجود لادنى شك في ان يكون هناك دور لإسرائيل في ارتكاب الجريمة ؛ اسرائيل اكثر من امريكا مُلّمة في الأوكار و الأطراف المهتمة والمتخصصة في تخطيط و ارتكاب الجرائم تجاه رجال المقاومة ، اسرائيل هي العين الراصدة لأمريكا في المنطقة ، و ساعدها الأساسي في تنفيذ الإرهاب و الجرائم ، حتى أسلوب اغتيال الشهيد سليماني و الشهيد المهندس وُصِفَ بانه أسلوب أغتيالات طورّته اسرائيل و استخدمته في غزة ، خلال الانتفاضة الثالثة ، وفي سوريا ، و يسمى " أسلوب التصفيّة المركّزة " .
كُثرٌ هي أستنتاجات الجريمة ، و واضحة الدلالات :
وزير خارجية امريكا صرّحَ بعد استشهاد سليماني و المهندس "بأنَّ مقتلهما يحوّل المنطقة الى منطقة آمنة اكثر لمواطني امريكا ... " ! و لكن بعد ساعات من وقت هذا التصريح ، وجهّت وزارة الخارجية الأمريكية جميع الأمريكيين المتواجدين في العراق الى مغادرة العراق فوراً " .
الرئيس الامريكي ، وفي خطابه امام الأمم المتحدة في شهر أيلول المنصرم ، وخلال الاجتماع السنوي ، أكّدَ على أمن اسرائيل و دعم اسرائيل وعلى منع ايران من حيازة السلاح النووي " .
ولكن جريمة الاغتيال ستأتي بنتائج مغايرة تماماً لما تضمنّه خطاب ترامب : خرجت ايران من الاتفاق النووي في قرارها يوم ٢٠٢٠/١/٦ ، ولم تعُدْ أية جهة أُمميّة او دولية على اطلاع على مسار العمل النووي الإيراني ، أصبحت ايران الآن في حّلٍ من أية التزامات تجاه اي طرف أممي او دولي ،الامر يجعل اسرائيل اكثر قلقاً .
إنْ ردّتْ ايران على الاعتداء و تدحرجت الأمور بين امريكا و ايران نحو ما هو أسوأ ، ستكون اسرائيل اول المستهدفين و المتضررين ،ليس فقط من ايران وانماّ من حلفاء ايران أيضاً .
إنْ ردّتْ ايران على الاعتداء ومالت الأمور بين امريكا و أيران للتفاهم غير المباشر ، و رُفعتْ العقوبات او بعضها ،ستكون كذلك اسرائيل اول المتضررين ،لخروج ايران من عنق الزجاجة .
تصريح ترامب و تهديده بضرب مواقع ثقافية في ايران دفعَ الديمقراطيين بالتنديد بتصريح وتهديد ترامب ، واتهامه بالاستعداد و بالتحضير على ارتكاب جرائم حرب ، و بخرقه لمعاهدة جنيف .
ماذا عن العراق بعد جرائم امريكا بقتل قيادي من الحشد الشعبي وانتهاك صارخ وقبيح لسيادته اكثر من مرّة ؟
سياسة ترامب اللامعقولة و الاستفزازية و المخالفة لكل قواعد الدبلوماسية و القوانين منحت فرصة لرئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي أن يتبنى موقف ، وهو في مهلة تصريف الأعمال ، وطني و تاريخي و مسؤول ،بأنْ يطالب مجلس النواب بأصدار قرار لإخراج القوات الأجنبية من العراق ، و أن يقوم برفع شكوى لمجلس الامن ضّد العربدة الأمريكية .
مطالبة رئيس الوزراء لمجلس النواب بأصدار قرار لطرد القوات الأجنبية او إنهاء عملها و تواجدها حققّت ثلاثة أهداف :
الهدف الأول :هو جعل قرار اخراج القوات الأجنبية قرار الشعب وليس فقط قرار الحكومة . لماذا قرار الشعب وليس " كما يعتقد البعض " بانه قرار المكون الشيعي ؟ لسببيّن : الأول هو ان القرار حازَ على تصويت أغلبية نواب الشعب ، والسبب الثاني هو النائب في مجلس النواب يمثل ،دستورياً ، الشعب ولا يمثل مكون او حزب او طائفة . اي النائب من محافظة النجف هو لا يمثل محافظة النجف وانما دستوريا هو ممثل لكافة المواطنين ،هذا هو مفهوم و دور النائب في مجلس النواب ! القرار هو إذاً دستورياً صحيح و مُلزم التطبيق ويمثل إرادة الشعب العراقي الشيعي والسني والكردي ،الحاضر و الغائب منهم .
الهدف الثاني : هو ان هذه المطالبة عّرتْ الانتماء الحزبي او الطائفي او القومي للنواب الذين غابوا عن الحضور ،كان بأمكانهم الحضور و الامتناع عن التصويت او التصويت بالرفض . كان بأمكانهم الحضور و امتلاك الشجاعة بالتعبير عن موقفهم و رأيهم ، حضورهم و ابداء رأيهم و اعلان موقفهم الرافض ، هو واجب وطني و تعبير عن انتماء وطني .
غيابهم هو تقصير و تعبير قومي او مكوناتي او طائفي لموقفهم ، وفيه رسالة الى الغير ،الى الامريكيين و الى العالم ...!
الموقف دالٌ على اننا ليس في عراق الحضارات وانماّ في عراق المكونات ! الموقف دالٌ على أنَّ لدينا مجالس نواب وليس مجلس نواب !
الموقف دالٌ على وحدة الشعب وعلى فرقة سياسيه و اعضاء مجلس النواب . الاعتداء الامريكي او الاسرائيلي لم يكْ الاعتداء الأول ،سبقته اعتداءات وانتهاكات لسيادة العراق ، و شهداء الاعتداء ( الحشد الشعبي ) استشهدوا ودافعوا ،قبل استشهادهم ،عن العراق ، عن بغداد واربيل ،عن الموصل والأنبار ،عن ...
الهدف الثالث :هو أنَّ هذه المطالبة كشفت دور و نشاط بعض العملاء و المأجورين المستغلين للاحتجاجات . بُعيد طرح السيد رئيس الوزراء امام مجلس النواب مطالبته بسحب القوات الأجنبية ، و بساعات ، وصلت ،على ما يبدوا التوجيهات للعملاء والمأجورين بحرق مكتب الحشد الشعبي في الناصرية ، واشعال الاحتجاجات في الناصرية وفي البصرة والمطالبة برفض ربط مصير العراق بمصير ايران ! وكأنَّ الدفاع عن سيادة العراق والدفاع عن كرامة العراق و الدفاع عن الحشد الشعبي هو شأن إيراني !