في زمن تعصف فيه بأوطاننا ريح سموم سببتها الحرائق التي اضرمت بعنوان مزور يخفي الحقيقة فوسم بانه "ربيع عربي" خلافا لطبيعته المؤكدة بانه “حريق جهنمي " افتعل تنفيذا لمشروع خارجي يتقاطع مع طموحات إقليمية شيطانية للعبث بمصير المنطقة، وتهديد الإنسان فيها وجودا وهوية وطنية في هذه الظروف يكون من الأهمية بمكان التوقف عند المخاطر الخارجية التي تحدق بالهوية الوطنية، وتقديم نموذج عنها يتمثل بالمشروع الخليجي الذي اتخذ متكأ للمشاريع الخارجية وما تمثله من اخطار تتهدد المنطقة.
لذا سنتناول الموضوع في عناوين أربعة نحدد في الأول منها المقصود بالهوية الوطنية ونعرض في الثاني لعناصر للهوية الوطنية وفي الثالث نعمد الى تحديد الاثر السلبي للعوامل الخارجية في الهوية الوطنية والمشاريع ونعرض في الختام للمشروع الخليجي الذي يضرب في المنطقة ومخاطره عليها.
أولا: نشأة الهوية الوطنية:
الهوية الوطنية مفهوم ذو ابعاد سياسية وقانونية واجتماعية ترمي الى تعيين "ذات" ما ثم تحديد انتماءها الى وطن وجدت نفسها فيه او اختارته بإرادتها وعاشت فيه فكوّنت في هذا التفاعل ذاتا تتميز عن سواها قائمة بذاتها. أي ان الهوية الوطنية تكون نتاج التقاء وتفاعل عنصرين أساسيين هما: ال "الذات" أي المكون الذي سينسب وينتمي الى عنصر اخر هو الوطن. ويتطلب تحديد الهوية الوطنية الوقوف على عناصر في الذات تدفعها للبحث عن وطن ترتبط به ويشكل جمع هذه العناصر منظومة الشروط او العناصر الأساسية او المؤثرة في بلورة الهوية الوطنية.
وبالتالي تكون الهوية الوطنية نتاج منظومة من الخصائص والسمات يوسم بها كيان معين وحصيلة التصاق او اتصال ذات ما بوطن تتبلور فيه سلطة تكون امينة على حماية تلك الهوية فاذا كان المتصل هو شخص طبيعي انتمى الى وطن فان الهوية الوطنية التي تتشكل ستميز هذا الشخص عن سواه من البشر وتقوم على عناصر أساسية ترفدها وتساعدها عناصر أخرى مؤثرة فيها.
ثانيا: عناصر الهوية الوطنية.
عناصر الهوية الوطنية فئتان أساسية ومؤثرة
أ. العناصر الضرورية المؤسسة للهوية وطنية:
1) الجغرافيا وهي العنصر الثابت والمبتدأ الذي هو المحل الذي يقوم فيه وطن الذات
2) التاريخ ويلحظ وجود الذات وتطورها في تشكل الجماعة في الماضي والحاضر والمستقبل.
3) المصالح المادية والاقتصادية المشتركة للذات ربطا بالمكان وما يوفره من ثروات وقدرات.
4) إرادة العيش المشترك لدى الذات طلبا لتوفير الحاجة والتزاما بأداء الواجب حيال الجماعة.
5) الخطر المشترك المحدق ب الذات بقصد دفعه طلبا للأمان والطمأنينة التي توفرها الجماعة بالدفاع المشترك.
ب. العناصر التكميلية المؤثرة في الهوية الوطنية.
1) النسب ورابطة الدم والقربى وهو المدخل الأساس لتكوين الجماعة بدءا من الاسرة وصولا الى الامة ويرى الكثيرون ان هذا العنصر هو الاساس في قيام الأوطان وتاليا لتحديد الهوية الوطنية
2) اللغة بصيغتيها المكتوبة والمحكية او بواحدة منها، وهي ادة اتصال وتفاهم الجماعة واستمرارها والبعض يرى ان الأمم يكتفى بتشكلها بوجود اللغة الواحدة المشتركة بينها.
3) المعتقدات والدين
4) التراث الفكري والقيم بتنوعها
5) النظم والعلاقات الاجتماعية
هناك اراء متعارضة حول أهمية هذه العناصر بين المفكرين، فمنهم من يرى انها أساسية في تكوين الهوية والبعض الاخر ونحن منهم نرى انها لا ترتقي الى مصاف الأساسي الضروري بل تبقى في مرتبة المؤثر وأكثر من ذلك يشكل تعددها في وطن واحد مكامن وهن وتفسخ إذا اسيئ الاستعمال.
ثالثا: تأثير التدخل الخارجي على الهوية الوطنية ومواجهتها.
تكون الهوية الوطنية اوضح قياما واقوى كيانا وأكثر منعة على مواجهة المخاطر إذا كانت نتاج عدد أكبر من العناصر المؤسسة او المؤثرة إيجابا فيها. وبالتالي تكون حماية المجتمع وصيانة الهوية الوطنية من التصدع موجبة للالتفات الى هذه العناصر لا يجاد أكثر قدر منها وتفعيله وتحصينه.
اما التدخل الخارجي والمشاريع الاجنبية التي تستهدف الوطن وجودا ووظيفة، فهي عوامل سلبية ضد الهوية الوطنية لما تشكله من خطرا عليها عبر المس بها او القدرة على تعطيل او تحوير او الغاء عنصر او أكثر من عناصرها. فما هي وظائف العناصر المكونة للهوية الوطنية والمؤثرة فيها وما هو الخطر الذي يتهددها وكيف يجب التصدي لها لحماية الهوية من التصدع؟
أ. مواجهة الخطر الخارجي المهدد للعوامل المؤسسة للهوية الوطنية.
1) الجغرافيا: حتى تقوم دولة ووطن لا بد من توفر عناصر ثلاثة: أساسها الشعب الذي يحل في ارض معينة فيحولها الى وطن له تقوم فيه سلطة تنظم أموره وتحميه ليبقى في ارضه وتدافع عنه وعن الأرض التي اتخذها وطنا.
وبالتالي ان الانتماء الى هذه الجغرافيا يتبدى كوجه مؤكد من وجوه بلورة الهوية الوطنية وقد ارتقت أهمية المكان الذي يتحول الى وطن، في تحديد الهوية الى الحد الذي بات عند البعض جزءا من هوية الفرد الشخصية لا بل هويته الأساس. كما هو الحال لدى مشاهير مثلا حيث يسمى البخاري نسبة الى بخاري والنيسابوري نسبة الى نيسابور، والامام الخميني نسبة الى خمين وهكذا ...
اما الخطر الخارجي او المشاريع الخارجية التي تؤثر او تهدد هذا العنصر فيتمثل بشكل أساس بتجزئة إقليم الدولة الوطن واقتطاع ارض منها كما حصل باقتطاع لواء الإسكندرون من سورية وضمه الى تركية ما تسبب في المس بالهوية الوطنية للسوريين سكان اللواء والزامهم بحمل هوية ليست لهم ولم يريدوها أصلا. اما الأخطر الأكبر فهو احتلال الأرض المقرون بطرد الشعب كليا او جزئيا وتشتيته في اصقاع الدنيا ودمج بعضه او كله في مجتمعات أخرى فهنا يمكن ان تنشا حالة الازدواج في الهوية بين هوية تفرض وهوية اصلية تجمد
وتكون مواجهة الخطر بتحرير الأرض واستعادة المقتطع منها الى حضن الدولة، اما ان تأخر التحرير فينبغي اتخاذ التدابير التي تمنع التحول وتحد من مفاعيل التنازع بين الهويات ويبقي الاتصال قائما مع الهوية الأصل وهنا ننوه بتمسك اهل الجولان السوري المحتل والشعب الفلسطيني بالهوية الوطنية لكل منهما رغم الضغوط الهائلة التي يمارسها العدو "إسرائيل" للاسرلة او التوطين وطمس الهوية الاصلية في الحالين.
2) التاريخ والتراث: هو عنصرا أساسي من مكونات الهوية الوطنية لأنه يعكس مراحل تكون الأمم والشعوب التي تسكن ارضا فتحولها الى وطن لها ثم يعكس مراحل تطور تلك الأمم ربطا بأوطانها تلك. فالتاريخ بما يختزن من ارث وتراث يسم الهوية الوطنية بسمات تميزها عن سواها ثم يتحول الإرث التاريخي للأمم عنصرا يغري بالتمسك به فيفاخر الشخص بتاريخه ليحفزه او ليسد نقصا في حاضره
اما الخطر الخارجي الذي يتهدد عنصر التاريخ في الهوية الوطنية فهو الفعل او السلوك الذي يتجه الى طمس تاريخ الامة والعبث بتراثها وتدمير اثارها حتى يبدو الماضي مقفرا من منارات تشد اليه، وهذا ما فعلته قيادة الحرب الكونية التي استهدفت سورية والعراق من اجل طمس تاريخهما لانشاء كيانات تتنكر للهوية الوطنية العربية السورية والعراقية وهذا ما شهدناه بشكل خاص من تدمير الاماكن الاثرية تدميرا كليا او جزئيا في المنطقة.
كما قد يتمثل الاعتداء بسرقة الاثار ونذكر بأعمال وجرائم الجماعات الإرهابية التي اعتدت واستباحت الثروات الاثرية لكل من العراق وسورية من اجل طمس التاريخ المشترك للامة والشعب واختلاق واقع لا ينشد للماضي من اجل طمس الهوية الحقيقية.
من هنا تبدو أهمية توثيق التاريخ وترسيخه في ذهن الأجيال وأهمية حماية الثروة الاثرية وصيانتها والمحافظة عليها في مكانها او في المتاحف والاثار واستعادة المنهوب منها مع توثيق مصور لكل ذلك حتى يدرك المرء ان ذلك يشكل جزءا او عنصرا من هويته الوطنية وان فقدانه او التفريط فيه أنما يسهل العمل على تصدع هذه الهوية،
3) المصالح الاقتصادية والمعيشية. ان اول هم يصادفه الكائن الحي في سعيه للحفاظ على حياته هو تامين متطلبات العيش والدفاع عن النفس. ويتردد المفكرون في ترتيب أولويات الفرد هنا بين الحاجة الى الحماية والدفاع عن النفس او الحاجة الى تامين متطلبات الحياة طرحا لسؤال: ايهما الأول، ولكن مهما كان من امر الترتيب بينها فمما لا شك فيه ان الفرد لا يستطيع ومهما علا شانه وقدرته وامكاناته فانه لا يستطيع تامين حاجاته المادية والمعيشية والاقتصادية كلها بمفرده ويبقى بحاجة الى الجماعة لتوفر له ما عجز عنه.
هذا التعاون في سبيل تامين متطلبات الحياة فرض تكوين الجماعة أولا ثم فرض وجود هوية للجماعة المتعاونة ثم وربطا بالوطن الذي قامت الجماعة فيه يتكون العصب المادي الاقتصادي ليصبح عنصرا أساسيا فأعلا في تكوين هويتها. ويشتد انتماء المرء الى جماعته ويشتد تمسكه بهويتها أي الهوية الوطنية بمقدار ما توفره له تلك الجماعة ذات الهوية من متطلبات العيش الكريم. والعكس هو الصحيح حيث ان تنصل الجماعة من تامين اجتياحات الفرد او عجزها عنه يحمله على تركها والبحث عن سواها وهنا يحضرنا قول الامام علي ع " الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن “ومن هذا الباب نطل على العامل الخارجي او المشاريع او التدخلات الخارجية والضغوط الاقتصادية التي تمارس على مجتمع معين، ما قد يدفعه الى الوهن في التمسك بهويته والتوجه الى الهجرة التي إذا تعاظمت قد تصل بالمجتمع الى التفكك.
ونلفت هنا الى ما تقوم به اميركا اليوم من تدابير اقتصادية إجرامية عدوانية ضد شعوب ودول لا تنصاع لإملاءاتها تنفذ بعنوان الحرب الاقتصادية التي تمارسها من اجل "التجويع للتركيع " يشكل وجها من أبشع وجوه المس بالهوية الوطنية ويهدف الى تفكيك الأوطان فالحرب الاقتصادية خطر على الهوية الوطنية تدفع المواطن الى الإحساس بعجز دولته عن تامين احتياجاته ما يدفع البعض للهجرة طلبا للعيش الكريم، ولذلك نرى ان مواجهة الحرب الاقتصادية تعد وجها من وجوه الدفاع عن الهوية الوطنية فضلا عن كونها حماية للمواطن في حاجاته ومتطلباته ومسؤولية مواجهتها مشتركة بين الشعب والدولة .
4) الخطر والأهداف المشتركة.
الخطر والهدف هما من العناصر الدافعة لتأسيس المجتمعات وتاليا لبلورة الهوية الوطنية وتفعليها ثباتا واستمرارا، والبعض يرى ان الخطر قبل أي شيء ثم التطلعات والأهداف هي العنصر الذي يلي او حتى يسبق الجغرافية أهمية من حيث الترتيب بين العناصر التي يؤسس عليها الهوية الوطنية. فقد قيل ان المجتمعات الأولى انشاتها الاخطار التي لا يمكن للفرد دفعها بمفرده فلجأ الافراد الى بعضهم طلبا للحماية والدفاع المتبادل كما وعززت نشأتها الحاجات التي لا يمكن للفرد تأمينها كلها بمفرده فلجأ الافراد الى بعضهم طلبا لتأمينها. وكان المجتمع يشتد تماسكا إذا اشتد الخطر او الطموح لدى افراده.
و هنا نجد التدخل الخارجي او مشاريع الخارج المستهدفة لجهة ما تركز جهدها على قتل فكرة الخطر المشترك الحقيقي لدى الجماعة ، او تحويل اتجاه الحذر و الخوف عن وجهته الحقيقية و توجيهه للداخل لتفكيك المجتمع او للخارج بشكل مصطنع محل نزاع ،فتتفسخ وحدة المجتمع و يحدث تصدع في الانتماء اليه حيث انه تتراخى الهوية الوطنية الجامعة وتقوى الهوية العرقية او الاثنية الأخرى التي لا ترى في الخطر الخارجي الفعلي و الحقيقي أهمية توجب مواجهته و هذا ما حصل في لبنان مثلا عندما اتجه بعض اللبنانيين للاستعانة بإسرائيل ضد لبنانيين اخرين و تقدم الانتماء الطائفي ليكون بديلا للانتماء الوطني وهذا ما يحصل اليوم بالنسبة لإيران و إسرائيل في العلاقة مع العرب حيث زرعت في ذهن البعض ان الخطر عليهم من ايران و ليس من إسرائيل في اكبر عملية تزوير و تحريف تشهدها المنطقة في الحقبة المعاصرة .
اما مواجهة خطط الخارج في هذا النقاط فتكون عبر تنشئة وطنية موحدة جامعة تؤكد على العدو الحقيقي وخطره والصديق والمصلحة بالعمل معه، مع التدخل الفوري لمعالجة أي انحراف في هذا الشأن.
5) إرادة العيش المشترك للتمتع بالحقوق والالتزام بالموجبات المتساوية.
يشكل هذا العنصر الارادي في تكوين الهوية وجها من وجوه تطبيق المبدأ المعتمد في شرعة حقوق الانسان والمعروف بتعبير "حق تقرير المصير " وهنا ننوه في البدء بان اكتساب الهوية الوطنية يكون على وجه من اثنين، وجه لا ارادي وهو الاوسع والاشمل، ووجه ارادي يعبر عنه بالتجنس والانتماء الى وطن يختاره الشخص.
فاذا استمر المرء بإرادته في العيش في مجتمع معين والانتماء اليه، فانه يكون قد ارتضى ان يقوم بواجباته حيال هذا المجتمع وتحمل أعباء الانتماء اليه بالتساوي مع غيره من المواطنين مقابل ما سيكون له من حقوق يكتسبها من خلال الانتماء واكتساب هذه الهوية الوطنية.
فمن هذه الزاوية تتجسد الهوية حقوقا تكتسب مقابل واجبات يلتزم بها وتجعل المواطنين متساويين فيها مساواة موضوعية وشخصية لا ثغرات ولا استثناءات فيها الا ما كان من شانه تعزيز امن المجتمع واهمية الهوية الوطنية. فإرادة العيش المشترك تدفع الفرد المتمسك بهويته على التشبث بوطنه والدفاع عنه والعمل على تطويره والحرص على ما فيه لأنه ينظر اليه نظرة المالك المنتمي وليس نظرة الضيف العابر، ويعلم انه يخدم ذاته في ذلك.
لكن أرادة العيش هذه قد يصيبها الوهن والتراجع نتيجة العامل الخارجي اغراءا وترهيبا فرديا وجماعيا. او نتيجة المشاريع الخارجية التي تفرض التهجير من الوطن الأصلي او التوطين خارج الوطن الأصلي و اضطرار الفرد للتخلي عن هويته الوطنية الاصلية و الزامه قسرا بهوية لم يبد إرادة في اختيارها كما ان الامر قد يحصل نتيجة عيوب الإرادة التي تحصل نتيجة الحرب النفسية التي يمكن ان يتعرض لها المرء ما يدفعه للبحث عن هوية غير تلك التي ارتضاها او اختارها او وجد نفسه عليها .واستمر متمسكا بها فيتحول عنها الى هوية وطنية متفسخة عن الهوية الام هوية ترتكز الى عامل عرقي اوديني اثني اخر و هذا ما نشهده في دول عربية تعرضت للهيب الحريق العربي .
فمشاريع الخارج تؤثر في العنصر الارادي لتكوين الهوية الوطنية عبر الوسائل التي ذكرت ما يفرض التصدي لها عبر الوسائل المادية والمعنوية التي تسقط خطط الخارج وتثبت الهوية وهنا يكون دور مهم للأعلام الوطني ولحركة التوعية الوطنية التي يجب ان تقودها النخب الفكرية الى جانب الدولة حينا ومستقلة وبمبادرة منها أحيانا أخرى.
ب. مواجهة الخطر الخارجي المهدد للعوامل المؤثرة في الهوية الوطنية.
لحظت خمسة عوامل هامة تؤدي الى التأثير في الهوية الوطنية سلبا او إيجابا، وهي كما بات متفقا عليه: النسب ورابطة الدم والقربى، اللغة، المعتقدات والدين، التراث الفكري والقيم والنظم والعلاقات الاجتماعي ونقول هنا انها مؤثرة ولا نقول مؤسسة للهوية الوطنية كما يتجه بعض المفكرين للقول. ونذهب في موقفنا هذا الى ان حقيقة قائمة هي ان معظم حالات الواقع العملي لا تتوفر فيها هذه العناصر كليا او جزئيا ومع ذلك تنشأ المجتمعات وتقوم دول تقود وطن اتخذته تلك الجماعات مقرا لها فيه. والمثل الأكبر هنا مثل الولايات المتحدة الأميركية التي تشكلت من اقوام لا يتعارفون وينتمون الى قوميات مختلفة ولهم لغات متعددة وقيم اجتماعية متنافرة، ولكن توفر العناصر المؤسسة مكن من قيام دولة في وطن وتبلورت فيه هوية وطنية يسعى كثيرون للحصول عليها.
و هنا تطرح فكرة المجتمعات التعددية في مقابل المجتمعات المتجانسة خاصة في عناصر العرق و اللغة و الدين ، التعدد الذي يكون في عنصر واكثر من عناصر التأثير كما ان التجانس قد يكون كليا او جزئيا هنا نرى ان التدخل الخارجي الهادف الى تصديع الهوية الوطنية يهدف عادة الى العمل على عناصر الخلاف و دفع المجتمعات للتفسخ على أساس قومي او ديني او طائفي او لغوي او أي أساس اثني اخر ، و ينجم عن ذلك تراجع التمسك بالهوية الوطنية الجامعة ليتقدم الشعور بالهوية الخاصة الفرعية و هنا تكمن المخاطر التي تحدق بالمجتمعات في دولة واحدة ووطن واحد.
وفي هذا المجال ينبغي الدفاع عن الهوية الوطنية وجماعيتها ومنع الوقوع فريسة التأثير السلبي لتلك العوامل والحؤول دون نفاذ الأجنبي من خلال تلك العناصر والتلاعب بالمجتمع ووحدته عن طريق الخطوات التالية:
1) منع التقوقع والحؤول دون تشكل المجتمعات المغلقة ضمن الدولة تحت عنوان طائفي او قومي او أي اثني اخر وتنمية الشعور الوطني الجامع على حساب الشعور الفردي المجزئ مع تجنب الوصول الى مستوى التنكر للقومية والدين والقيم الذاتية والاعراف الاجتماعية لكل فئة وجماعة بل احترام الخصوصية في ذلك دون ان يرتقي الاعتراف بها الى مستوى قيام المكون المستقل او المنغلق.
2) تجنب التمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات على أساس قومي او طائفي او أي اثني أخر وإرساء قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بينهم وجعل الانتماء للوطن على درجة واحدة مواطنوطن خلافا لما يحصل في بعض الدول حيث يتم الانتماء على درجتين الانتماء الى الطائفة أولا ثم انتماء الطائفة الى الوطن ثانية. ما يجعل الفرد عضوا في طائفة قبل ان يكون مواطنا في وطن.
3) اعتماد اللغة الوطنية الواحدة على الصعيد الوطني الجامع وتوفير الفرص لا بل إلزام الجميع بإتقانها والتذكر بانها هي رابطة الاتصال والتفاهم بين افرد المجتمع مع الاعتراف باللغات المحلية للأعراق والاقوام دون ان يخل ذلك بموقع اللغة الوطنية الأساسية.
4) بلورة التراث الوطني المشترك الذي يكون نتاج جهود الجميع.
رابعا: المشروع الخليجي وخطره على الهوية الوطنيةالعربية.
بداية نوضح بان في الخليج 6 كيانات سياسية لا يملك بعضها مقومات الدولة بالمفهوم الحقيقي للدولة وقد انشات معظمها بعد الحرب الثانية وتم إيلاء الحكم فيها الى عائلات اوكلت اليها مهمة حراسة الثروة النفطية المختزنة لديها لصالح الغرب. ويكون الحديث عن مشروع خليجي إقليمي دولي قائم بذاته امر فيه بعض التجاوز للحقيقة والواقع ويكون الاصح الحديث عن دور وظيفي لهذه الكيانات الست المصنفة بين ممالك وامارت.
ففي خطوة موحى بها من الغرب الاوروبي/الاميركي انتظمت الدول الخليجية الست أولا في تجمع إقليمي ذو اهداف اقتصادية، ثم تطورت هذه المنظومة الإقليمية لتكون ذات اهداف سياسية غير معلنة وادعت ان ما يدفعها الى ذلك هو الحاجات الدفاعية ولتأكيد ذلك انشات قوة عسكرية أسمتها "درع الجزيرة" وراحت تلك الدول تسرف في الانفاق العسكري حتى ان الامارات والسعودية تقدمتا لاحتلال المراكز الأولى عالميا في الانفاق العسكري بعد الدول الكبرى وهنا يطرح السؤال عن اسباب ذلك؟
اما الإجابة عن ذلك فقد حصرت في امرين : الأول يتصل بالسياسة الاميركية الغربية القائمة على سلب دول الخليج أموالهم النفطية الوفيرة باعتبارهم حراس النفط وليسوا مالكوه وإلزامهم بدفع اثمان باهضه ثمن الأسلحة التي تشترى من غير جدوى و الثاني ظهر جليا خلال السنوات العشر الأخيرة و اكثر تحديدا خلال ما اسمي "الربيع العربي" حيث لعبت دول الخليج دورا محوريا في تدمير و احراق بلاد العرب ، فكان دورها ناسفا لأمن و استقرار اكثر من دولة عربية ، تدخل حصل عبر منظمات إرهابية انشاتها و سلحتها كما حصل في سورية و العراق او كان تدخل عبر الاستعانة بالحلف الأطلسي ليقوم بعملية التدمير المباشر كما حصل في ليبيا و او تدخل بالعدوان المباشر كما حصل في اليمن حيث شكلت السعودية تحالفا "عربيا" عسكريا لغزوه . وهنا نسأل ما هو المشروع الخليجي في المنطقة؟
ب. مضمون المشروع الخليجي ضد دول المنطقة.
نعود ونؤكد ان لدول الخليج العربية مهمة وظيفية تترجمها بمشروع تنفذه خدمة للمشروع الصهيواميركي ويرمي الى تثبيت عائلات الحكم الخليجي في مواقعهم بوصفهم حراس المصالح الغربية و تمكينهم من السيطرة على المنطقة العربية بقيادة خليجية تابعة للغرب لتمكين ارباب المشروع الصهيواميركي من تنفيذ مشروعهم بتمكين إسرائيل من المحافظة على وجودها قوية و مكونا قياديا في المنطقة و تمكين اميركا من التحكم والسيطرة لتامين استمرار تدفق النفط بالشروط المناسبة للغرب والتحكم بالممرات المائية الأساسية ، و منع تشكل حركات التحرر المقاومة للهيمنة الغربية و عليه يرمي المشروع الخليجي الوظيفي الى :
1) ضرب الدول العربية القوية المركزية ذات الموقع الريادي في قيادة الامة العربية وتهميش دورها في العمل العربي المشترك ونحدد هنا بشكل خاص كل من مصر وسورية والعراق والجزائر.
2) منع تشكل الموقف العربي المشترك المناهض لاميركا والصهيونية وتفكيك الأنظمة والكيانات وحركات المقاومة التي تواجه المشروع الصهيواميركي.
3) اختلاق عدو وهمي للعرب يكون بديلا للعدو الحقيقي الفعلي المتمثل بالعدو الصهيوني واحداث التنازع حوله من اجل تشتيت الموقف العربي وصرف النظر عن الخطر الصهيوني وهذا ما يجري حاليا في تقديم إيران عدوا للعرب بدل إسرائيل.
4) الصلح والتطبيع مع إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية عبر مشروع صفقة القرن.
5) تفتيت العالم العربي على أساس عرقي وطائفي ومذهبي وتشجيع الحالات الانفصالية فيه.
6) الاستئثار والتحكم بالثروة النفطية العربية والحرص على استمرار تدفقها للغرب بشروط تناسبه.
اما ميادين ووسائل التدخل الخليجي وفقا للمشروع هذا ضد الدول العربية وعملها في المس بالهوية الوطنية نجدها عبر ما يلي:
- المس بالجغرافيا عبر دعم الحركات الانفصالية لتقسيم الدول العربية المركزية الكبرى خاصة مصر وسورية والعراق والجزائر وكما حصل مع السودان.
- طمس عنصر التاريخ عبر دعم المنظمات الإرهابية في تدمير الاثار وسرقتها،
- تشويه او تحوير عنصر الخطر المشترك: بتزوير الحقيقة والواقع وطمس الخطر الإسرائيلي وحجب العداء لإسرائيل لا بل وابداله بصداقة ليحل محله بشكل ملفق الخطر الإيراني.
- استعمال التعددية والاختلاف في عناصر العرق والدين والمذهب من اجل اثارة الفتن وإشاعة أجواء عدم الاستقرار والاقتتال الداخلي.
و بهذا يشكل المشروع الخليجي خطرا على الامة العربية و على الامن و الاستقرار في البلدان العربية لأنه بما يتضمن من سعي الى انشاء قيادة واهنة للامة العربية تابعة للمشروع الصهيواميركي و أداة له ، و من تفريط بالحقوق العربية عامة و بفلسطين خاصة ومن هدر للثروات العربية في اتجاهات لا طائل منها .و هو يقوم من اجل ذلك بتفريق الصف العربي ، و العمل مع أعداء الامة العربية و طمس الهوية الوطنية لمنع تشكل الدولة العربية القوية التي تتيح لها جغرافيتها السياسية احتلال الصفوف او المقاعد الأولى في الامة في حين ان الجغرافية السياسية لدول الخليج خاصة في العنصر الديمغرافي تمنع هذه الدول من الوصول الى ما تريد رغم انها تملك الأموال و الثراوات الكبرى للأنفاق على تلك الأهداف .وهنا تكمن الماساة العربية حيث ان مال العرب بدل ان يستعمل للبناء يستعمل للتدمير و القتل و التشريد.
وفي الختام نقول ان من يبتغي العيش الكريم الامن ويحفظ نفسه في ذاته وقيمه ومعنوياته وماله، عليه ان يتخذ وطنا لينتمي اليه ويحمل هويته الوطنية ويحميها من الاخطار والاخطار الخارجية تحدق بها بدافع العدوان وعلينا الوقوف على هذه الاخطار ومواجهتها في معركة الدفاع عن الذات الفردية والجماعية.