“حينما تريد خداع العالم كله… ما عليك سوى… النطق بالحقيقة !!!
إن مشكلة ضمان الأمن القومي هي اليوم محور الأهمية الإستراتيجية لتنمية البلاد, وإن ضمانه هو إلى حد ما هدف الإصلاح الذي يجب أن يخضع مضمونه لتعزيز سيادة البلاد وسلامتها الإقليمية وصنع وبلورة ظروف داخلية وخارجية تضمن الاستقرار والتنمية المستدامة للفرد والمجتمع والدولة. وقد كشفت مشاكل الأمن عن تخلف الفكر النظري في هذا المجال مما يستوجب نطاق تدريب أخصائيي النظم في هذا المجال, ومن دون فهم واضح لما هو الطبيعة الاجتماعية لمفهوم الأمن، وما هي مصادره، وما القوة الدافعة، والهدف المترجى, لا يمكن أن يتم بذل مزيد من الجهود لضمان الأمن من أجل حل مشكلة الاستقرار وتوفير مجتمع مستقر وفهم طبيعة التهديدات الأمنية، وسبل التغلب عليها.
كان السعي لتحقيق الأمن أحد الأسباب الدافعة لتوحيد الناس في المجتمع وقد ازدادت كثافة ونطاق هذه الحاجة باستمرار وكان الأمن من ولادة الحضارة هو الهدف الرئيسي لنشاط الأفراد وبالتالي المجتمع ككل والدولة, وإن الحاجة إلى الأمن الشخصي والممتلكات تجلب الحياة للدولة ، وفي هذه الحالة تجد الدولة التفسير الأكثر أهمية لوجودها ، كما أنها تشير إلى غرض الدولة ومبتغاها وهدفها الرئيسي. ويتم استخدام المفهوم الأكثر شيوعًا للأمان بالنسبة إلى العديد من العمليات الذي لا يعكس اختصارا العلامات المحددة لأمن الشخص المتأصل في حالة معينة ولكنه يتضمن شيئًا مشتركًا يسمح لنا باستخدام هذا المفهوم في مختلف المجالات، فالأمن هو غياب الخطر والسلامة والموثوقية ومن الواضح أن مثل هذا التفسير المبسط واللغوي البحت لمفهوم الأمن غير كاف، لأن انعدام الأمن ينطوي على إمكانية تحقيق مثل هذا الوضع ولكن في الحياة الواقعية توجد دائمًا وستكون هناك مخاطر ذات طبيعة مختلفة تمامًا ولذلك إن فئة الأمن ليست مطلقة لكن المعنى النسبي والهادف يتم اكتسابه فيما يتعلق بأشياء محددة أو مجال النشاط البشري والعالم المحيط به.
الأمن لا يوجد بمعزل عن النشاط العام للحياة البشرية فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بجميع جوانب الحياة البشرية والمجتمع، وتتمثل مهمته الأساسية في ضمان وجوده وتطوره وإن إدراك مثل هذه الأشياء النامية مثل الإنسان والمجتمع والدولة تجوهر وتوثق الترابط بين أهم وظيفتين للوجود الاجتماعي في التنمية والحفاظ على الذات والأمن للناس، إن التنمية والأمن هما جانبان من جوانب حياة المجتمع, وإن عدم توافر وظيفة التنميّة والأمن يرجع في المقام الأول إلى جميع عمليات النشاط البشري وإن تقسيمها إلى مجالات وفروع واتجاهات منفصلة أمرٌ مشروط يسهّل إدراك الواقع عبره، ومنذ القد كانت لهاتين الوظيفتين الأساسيتين للإنسان والمجتمع مميزة واضحة, وان القدرة على التنمية هي واحدة من الخصائص العالمية للمادة والوعي. يتطلب تحليل آليات تطور المجتمع دراسة عميقة لهيكله الداخلي وتنظيمه وعمله. وإن قوانين الديالكتيك كنظرية عامة للتنمية تعمل أيضا في المجتمع غير أنها محددة الإشكال ولم تدرس بشكل كاف.
الشكل الاجتماعي للتنمية هو أعلى وأصعب طريقة للتطبيق من الواقع الموضوعي ويتميز في وحدة الهدف المادية والمثالية للتنمية إذ أنها عملية تكاملية متزايدة التعقيد وثراء المحتوى على مستوى المجتمع ككل وتتجلى في تراكم الثروة المادية والروحية للمجتمع وزيادة التعقيد وظهور العناصر والوظائف والعلاقات الجديدة في النظام العام. وينطوي التطور على زيادة قدرة وموارد الإنسان والمجتمع والدولة في مختلف مجالات الحياة لذا يتم توفيرها من خلال الوسائل القانونية والسياسية والاقتصادية وغيرها من الوسائل التي لا تنتهك آليات عمل وتناسل الحياة التي وضعتها البشرية وبهذا فأن الأمن لا ينتقص من دوره وأهميته في الواقع الموضوعي. وإن الأمن الشخصي والممتلكات هو الضمان الرئيسي للتنمية البشرية وإن انعدام أمن الفرد والممتلكات يرقى إلى عدم وجود أي صلة بين الجهود الإنسانية وبين تحقيق الأهداف التي يتم القيام بها إذ إن من دون ضمان الأمن يتبين أن جميع الأنشطة البشرية بلا هدف لذا فإن دراسة مشكلات الأمن القومي مقارنة بالمجالات الأخرى من الإدراك هي أكثر تماسكًا وتساهم في فهم المجتمع كجسم واحد متكامل مما يفسر هذا من ناحية التعقيد الهائل لفهم المشاكل الأمنية وضعف تطور العديد من جوانبها النظرية والعملية كما انه يولد اهتمامًا كبيرًا بالمشاكل الأمنية من جميع فروع العلم تقريبًا. إذ تعتبر مشكلة تطور الإنسان والمجتمع بمعزل عن المشاكل الأمنية ولا يزال التطوير والأمن قائمين في شكل اتجاهات مستقلة ومتوازية وغير متقاطعة للنشاط البشري. فكثيرة هي المهام التي تواجهنا في مجال التنمية الاجتماعية وفي مجال الأمن وغالبا ما تكون قريبة ومماثلة, ولربما ما يفسر الأهمية العالية لوظيفة الأمن هي حقيقة أنها تؤثر بشكل فعال على تشكيل الاتجاهات والمستويات الممكنة للتطوير في هذا أو ذاك بمجال الحياة فيتم تحديد مستوى الأمن إلى حد كبير من خلال مستوى التنمية كما يتم توفير الأمن من إجمالي الطاقة الكلية للدولة لكن هذا الاعتماد أبعد ما يكون عن الخطية والحتمية وكلما كان البلد أكثر تطوراً في اتجاهات مختلفة كلما زادت وتضاعفت قدرته على ضمان أمنه غير إن تنفيذ هذه الفرص في الواقع العملي قد يكون بعيدًا عن التنفيذ الفعلي ولا يضمن ذلك مستوىً أمنيًا عاليا.
إما من حيث الجوهر والمضمون فإن مهام التنمية والأمن لها دائما الاتجاه المعاكس وعضويا يتطلب التطوير المستمر والتجديد والابتكار في مختلف مجالات المجتمع وإن الأمن يتطلب استقرار الوضع القائم وتقييد جميع أنواع الابتكارات، وإن العلاقة الحقيقية بين التنمية والأمن هو أكثر شخصية جدلية معقدة، واثنين من أهم وظائف المجتمع ترتبط ارتباطا وثيقا مع بعضها البعض وتقوم بشكل منفصل لأنها كانت ومن كلا الجانبين وجهين لعملة واحدة. ويبدو أن الاهتمام المتزايد بمشكلة الأمن في الوقت الحاضر ، وهو ازدهار غير مسبوق في هذا المجال يعكس الحاجة الماسة إلى المعرفة الحقيقية لمجتمعنا ككل واحد كنظام معقد, وعلى الرغم من حقيقة أن هناك الكثير من معاهد البحوث في البلاد فإن جميعهم ينشطون في دراسة بعض مجالات الحياة المجتمعية فقط بينما لا ينفرد في معظم بلادنا ولا حتى مركز علمي واحد في دراسة شاملة للبلد الذي يمثله.
الوضع الغريب الذي عانيناه في بلادنا انه لم يكن هناك إلى حد ما أي علم في المجتمع ناهيك عن علم الافراد وقوانين وتنميته وأمنه, ووفقاً لمبادئ المادية التاريخية تم تعريف الوجود الاجتماعي على أنه مجمل العمليات الاجتماعية المادية الموجودة بشكل مستقل عن إرادة ووعي الفرد أو المجتمع ككل, كما وقد تم فصل الناس عن العمليات الاجتماعية المستقلة عنهم وعلى الرغم من كل المحاولات للاعتراف بالدور النشط للأنشطة الشعبية التي يمكنها أيضًا تغيير هذه الظروف بفعالية, وقد كان غياب التحليل العلمي للعمل يمثل علاقة وثيقة مع محتوى العمليات الاجتماعية وحالة المجتمع كنظام اجتماعي متطور ومعقد فأدى في نهاية المطاف إلى فقدان الدول التنظيم الاجتماعي. ومفهوم الأمن باعتباره ظاهرة اجتماعية معقدة ومتعددة الوجوه لها طابع تاريخي ملموس وترتبط ارتباطا وثيقا مع جميع الأشكال والاتجاهات التفاعلية، وان الجانب الأكثر أهمية هو جانب المحتوى من التفاعلات المختلفة بين عناصر النظام المعطى إذ أنها تعكس عمليات تأثير الأشياء المختلفة على بعضها البعض ، وشروطها المتبادلة وتغيرها والانتقال المتبادل، ولذلك يحدد التفاعل تطور كل كائنات الواقع المحيط لان تفاعل الأضداد هو المصدر والأساس والسبب النهائي للحركة الذاتية والتنمية وان أكثر أشكال التفاعل تعقيدًا وتميزا هي حياة المجتمع لأنه نتاج تفاعل الناس. لذا تعتبر فئة التفاعل مهمة في عملية إدراك الظواهر الطبيعية والاجتماعية وهي أساس مقاربة منهجية لإدراك العالم والممارسة الاجتماعية في جميع مجالات الحياة بما في ذلك مجال الأمن وسلامة الحياة, وسلامة الحياة هي حماية العالم المادي والمجتمع الإنساني من التأثيرات السلبية ذات الطبيعة المختلفة، وأهدافها هي الطبيعة والإنسان والمجتمع.
أمان الوجود البشري أو الأمن الشخصي والممتلكات هو حماية الشخص من التأثيرات السلبية ذات الطبيعة المختلفة القادرة على إلحاق الضرر بجسده وممتلكاته وهذا النوع من الأمن يضمن الامتثال مع بعض الخبرة الغريزية البشرية أو المعايير المتقدمة وقواعد السلوك في النشاط الصناعي والحياة اليومية ويشمل كذلك السلامة من الحرائق وأمن النقل وسلامة العمل وما إلى ذلك. لذا فإن سلامة البيئة هي حماية الإنسان والبيئة من الآثار السلبية الطبيعية والاصطناعية التي ييتم توفيرها من خلال دراسة وإدراك الظواهر الطبيعية والتدابير الوقائية في حالة الكوارث الطبيعية ذات الطبيعة المختلفة. وإن هذه الأنواع من سلامة الحياة منذ ولادة الإنسان والحضارة هي التي كانت ولا تزال في مركز اهتمام الناس وإن العديد منها يتطابق تماماً مع الفئة العامة للأمن في توفير هذه الأنواع من سلامة الحياة هو مجال النشاط النظري والعملي لعدد من العلوم والمعاهد الخاصة للمجتمع والدولة، وإن الجوهر البيولوجي للإنسان له طبيعة مشروطة اجتماعيا وبالتالي فإن سلامة الإنسان ككيان اجتماعي ومجتمع بشري له أهمية خاصة ولذلك ينبغي التأكيد على أنه مع تطور البشرية وهيكل ونظام الدولة تحول نهج الأمن بشكل مستمر من فهمه كظاهرة فيزيائية إلى فئة اجتماعية لذا فإن الدور الرئيسي لتحديد ووضع النظام ينتمي إلى الأمن القومي أو أمن الأمة. والأمن القومي أو أمن الأمة هو حماية المصالح الحيوية للفرد والمجتمع والدولة في مختلف مجالات الحياة من التهديدات الداخلية والخارجية وضمان التطور التدريجي المستدام للبلاد والقدرة على حفظ الطبيعة والإنسان والمجتمع من اليقين النوعي والقدرة على أداء وظائفه تحت تأثير العوامل السلبي وهذا لأن الأمن واحد وغير قابل للتجزئة وأن مركز جميع أنواع الأمن هو الإنسان لأنه هو الذي يعاني في المقام الأول من أي نوع من التهديدات غير انه وفي الوقت ذاته فيتم توليد هذه التهديدات في الغالب من قبل الإنسان ذاته ولذلك فإن الإنسان هو الأكثر عزلة والأكثر خطورة على نفسه وعلى المجتمع والبيئة