توطئة
أود أن أؤكد أن هذه الدراسة تتعلق بتاريخ المسيحيين في العراق قبل وبعد الإسلام والى يومنا هذا، ولا علاقة لها بالمعتقدات الدينية ، فقد وجدت من الضروري تسليط الضوء على ذلك ، لاسيّما ما تعرّض له المسيحيون من اضطهاد وانتهاك وتنكيل في ظلّ هجمة إسلاموية طائفية متعصّبة ومتطرّفة وأعمال عنف وإرهاب تحت مزاعم وأقاويل وشعارات شتى ، ناهيك عن أهداف معلنة ومستترة لاستهدافهم، فضلاً عن أوهام وأخطاء شائعة ماضوية وراهنة تتعلّق بوجودهم ومواطنتهم ومستقبلهم الذي يُراد به تفريغ المنطقة منهم فمن المستفيد من ذلك وما هي المستلزمات للحيلولة دون حصوله ؟
ولم يأتِ الحديث عن استهداف المسيحيين من جماعات إسلاموية متطرفة فحسب ، بل ورد صادماً عن مصدر رسمي رفيع المستوى يتعلّق بفهم خاطئ لفكرة المواطنة ولمبدأ المساواة وللشراكة والمشاركة الأساس في قيم العدالة الإنسانية ، وهو ما جاء في كتاب من مكتب رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي حين وصف مسيحيي العراق بـ"الجالية المسيحية"، الأمر الذي زاد التباساً وغموضاً ولغطاً ، لاسيّما وقد ترافق ذلك مع ما تعرّض له المسيحيون من اضطهاد وتشريد في جنوب وشمال العراق، بدءًا بتهديم دور عباداتهم وإجلائهم من منازلهم وانتهاءً بقتلهم ورمي جثثهم بالمزابل أو دفعهم قسراً إلى الهجرة.
ولعلّ ما فعله تنظيم القاعدة الإرهابي وربيبه تنظيم داعش بهم، خصوصاً بعد احتلاله للموصل في 10 حزيران (يونيو) 2014، وخلال وجوده الذي دام نحو 4 سنوات حتى تم هزيمته عسكريا في نهاية العام 2017، كأنه جاء متساوقاً مع النظرة الدونية لهم ومطالبتهم بدفع الجزية أو الدخول في الإسلام أو الرحيل، وعدا ذلك فإن المقابر ستكون بانتظارهم، على حد تعبير عبد الحسين شعبان في كتابه " المسيحيون ملح العرب" .
أصل المسيحيين في بلاد الرافدين:
مسيحيو العراق اليوم قوميا وبمختلف كنائسهم ينتمون إلى خمس قوميات هي: العربية والآشورية والكلدانية والسريانية والأرمينية، وطائفياً إلى الكنائس الكاثوليكية و البروتستانتية و الأرثوذكسية ويقول المؤرخ البيزنطي اريوس في كتابة معجم الآثار المسيحية في الزيارة التي قام بها في المنطقة الواقعة في ما وراء الفرات بانه وجد له إخوة من المسيحيين و كانت هذا الزيارة في نهاية القرن الثاني و بدايات القرن الثالث الميلادي في حين تشير بعض المصادر "التي لم نستطع التوثق منها" بان أهل بلاد الرافدين قد اعتنقوا الديانة المسيحية في بداية القران الأول الميلادي على أيدي مبشرين جاءوا إلى العراق من بلاد الشام في (عام 224 ميلادية ) بعد إطاحة اردشير الأول الساساني بالحكم الأرشافي وتأسيس دولة السلالة الفارسية الساسنية التي ستحكم بلاد الرافدين إلى أربع قرون ، وقد فوجئ الساسانيون بانتشار المسيحيين في شتى أرجاء بلادهم و بتغلغلهم في مختلف ميادين الحياة، الأمر الذي كان يهدد معتقدات الساسانيين الوثنية و قد جاء ذكر الصراع المسيحي الوثني الفارسي في التاريخ السعردي وفي كتابين احدهما لشابور الأول و الأخر إلى موبير كريتير وقد حفظت في نقش رستم وهذه الآثار موجودة بقرب من برسه بوليس الإيرانية الواقعة أطلالها على بعد خمسين كيلو متر من مدينة شيراز الحالية
في عهد شابور الأول 241 إلى 272 و هو أعظم ملك في السلالة الساسانية في القرن الثالث الميلادي وكان في بداية عهده متسامحا باتجاه المسيحيين بسبب الظلم والتعسف الذي كان المسيحيون يتعرضون له من قبل أتباع الديانة الزردشتية السائدة بين الساسانين و بالرغم من تسامحه فأنه قتل زوجته لاعتناقها المسيحية وقد ساهم هذا الملك بنشر المسيحية في مملكته من حيث لا يدري و ذلك بواسطة السبايا الذين أتى بهم من المنطقة الرومانية في حروبه الكثيرة مع بلاد بيزنطة فقد غزا منطقة إنطاكيا "تركيا الحالية" مرتين وجلا الكثير من سكانها إلى بلاد بابل (العراق الجنوبي ) و كان بين السبايا ديمتر بانس مطران إنطاكيا و ذلك سنة 257 ميلادية، وقد ورد على لسان شابور العبارة المحفوظة في نقش رستم:" إننا استولينا على كل الناس و أتينا بهم سبايا و أسكناهم في مملكتنا إيران و فارس وفرثية و هوزتان و اثورستان (منطقة بابل) و في جميع البلدان الأخرى حيث ممتلكات آبائنا و أجدادنا الأقدمين" .
و توالى ملوك الساسانين بعد شابور و جاء هرمزد الأول 272 _ 273 و برهان الأول 273 – 276 و بهرام الثاني 276 – 293 و بهرام الثالث 293- 303 و هرمزد الثاني 303 – 309 وفي كل هذه العهود كان ياتي ذكر تواجد المسحيين في بلاد الرافدين إلا انه في عهد هرمزد الثاني بدأ المسيحيون في المملكة الساسانية يوطدون و يرسخون شؤون كنيسة المشرق حيث كانت هذه الكنائس مشتتة ولا يجمعها جامع سوى ارتباطات ضعيفة بانطاكيا ولكن سرعان ما أخذ نفوذ أسقف المدائن في الازدياد حتى اعتبر نفسه المسؤول الأول و الأعلى على أساقفة المشرق و المدائن كانت حسب ما هو معروف لدى الجميع عاصمة الساسانيين و هذا يعني بأنة أسقف المدائن اعتبر نفسه الحبر الأعظم على كنيسة الشرق ( بمثابة البابا اليوم ) .
اضطهاد المسيحيين في الشرق:
بعيدا عن الأساطير التي كانت تقال و تروى عن اضطهاد المسيحيين في قلب الإمبراطورية الرومانية تعرض مسيحيو الشرق لاضطهادات متكررة و كان هذا الاضطهاد يأخذ الطابع السياسي و المذهبي و لكن بتقديري كان الطابع السياسي للاضطهاد هو الأكثر و الأعمق ففي بداية ظهور المسيحية كانت القوى السياسية و العسكرية في الشرق و العالم هي:
1-الإمبراطورية الرومانية
2-الإمبراطورية الفارسية
وكان المسيحيون منتشرين في هاتين الإمبراطورتين و لم يتعرض المسيحيون في الإمبراطورية الفارسية إلى الاضطهاد إلى بعد ظهور مرسوم ميلانو سنة 313 ميلادية الذي أعلن فيه الملك قسطنطين الكبير قيصر الإمبراطورية البيزنطية شرعية الديانة المسيحية في الإمبراطورية لا بل أشهر هذا الإمبراطور النافذ في عالم ذلك الزمان مسيحيته ويقول دان بروان في كتابه الشهير دافنشي كوود ( لغز دافنشي) الذي أصبح أحد أفلام هوليود الشهيرة كان هذا القرار سياسياً وأمنياً أكثر منه إيمانا فقد اشتد الصراع المسيحي الوثني في الإمبراطورية البيزنطية مما تطلب تدخل السلطة لحزم هذا النزاع فتدخل الإمبراطور قسطنطين و صاغ ديانة تمزج بين تقاليد و عقائد الوثنين و عقائد المسيحيين و اختار يوم الأحد كيوم مقدس و هو يوم الشمس الذي كان إلها للوثنيين، الأمر الذي أثار ضغينة الملك شابور الثاني 309- 379 فطالب الرومان بإعادة المقاطعات الخمسة الذي سيطر عليهاالرومان في عام 305 – 311 التي كانت جزءًا من الإمبراطورية الساسانية الثانية و سرعان ما تحولت هذه المطالبات إلى خصومات و حروب طائفية و دينية وقد اشتبك شابور الثاني و قسطنطين في حروب أخذت الطابع الديني و يسجل التاريخ إن الامبراطور قسطنطين اخذ مع جيشه كنيسة متنقلة لإقامة الصلوات أثناء الحملة.
وقد توفي قسطنطين أثناء الحملة و أكمل ابنه قسطنطين الثاني و انتصر في هذه الحرب وقد انعكست نتائج الحرب على مسيحيي العراق عن طريق فرض الضرائب المضاعفة عليهم برسالة وجهها شابور الثاني بتاريخ 341 ميلادية إلى رئيس كنيسة الشرق البطريرك مار شمعون و كانت هذه الضرائب قاسية بحيث لم يستطيع الغالبية من أدائها ولهذا السبب بدأ التنكيل بهم و كان من ضحايا هذا التنكيل مار شمعون نفسه مع 130 من أتباعه فقد القي القبض عليهم و اخضعوا إلى التعذيب و اتهموا بالخيانة و التمرد بالضد من الملك و عصيان أوامره و كذلك احتقار النار و الشمس و رفض السجود لملك الملوك ( شابور ) و قد قتل ما شمعون وكان مقتلة بداية اضطهاد المسيحية فكل من صرح بأنه مسيحي ذاق الموت دون استجواب أو محاكمة.
واستمرّ هذا الاضطهاد في المناطق الشمالية من بلاد الرافدين و بالذات في مدينة بيت كرماي ( كركوك) و اربيل الذي يطلق عليها الفرس حدياب و ذلك لوجود القوات الفارسية على الخطوط مع القوات الرومانية و استمر الاضطهاد في عهد يزدجرد الثاني 438 – 457 وقل زوجته التي كانت ابنته و اخذ يقصي المسيحيين من دوائر الدولة و طلب منهم جحود دينهم و السجود إلى الشمس و إلا سينزل بهم اشد العقوبات .
و لا أريد أن أطيل في مجال أحوال المسيحيين في ظل الإمبراطورية الفارسية الساسانية إذا إنهم كانوا في حالة مد و جزر في كل عهود الملوك الفرس وقد انتهت معاناتهم بعد مقتل كسرى على يد ولده المولود من أمه البيزنطية واندحار الجيوش الفارسية من قبل الإمبراطور البيزنطي الشهير هرقل في الربع الأول من القرن السادس( 625م) وقد انتهت الإمبراطورية الفارسية بزمن الإمبراطور الساساني يزدجرد الثالث وقائده العسكري الأسطوري رستم الذي لم يستطيع بالرغم من قدراته وذكائه العسكري بقيادة المعارك أن يوقف أو يصد زحف العرب المسلمين الذين استولوا سنة 633 على البحرين وقطر وميسان والحيرة والانبار واحتلوا كل البلاد الواقعة غرب الفرات .
وقبل أن انهي الكلام عن المسيحيين في العهد الساساني أود أن اذكر بان أتباع هذه الديانة استفادوا لا بل استغلوا الخلل الذي عاشته الإمبراطورية الفارسية فنقلوا مركز ثقلهم من شمال العراق نينوى بالذات أي من دير متى شمال الموصل إلى تكريت وسط العراق.و في (عام 636 ميلادية 15 هجرية) التقى الجيش الفارسي بالجيش العربي الإسلامي بقيادة سعد بن أبي وقاص في موقع القادسية القريب من الحيرة و انتصر العرب و قتل رستم القائد الفارسي و قد اتخذ المسيحيون ظاهريا الموقف المحايد ولكن بالسر ساعدوا الجيش العربي الإسلامي و شارك الكثيرون منهم في القتال مع الجيش العربي الإسلامي .
المسيحيون في العهد الإسلامي العربي
- تميّز فجر الإسلام بوجود ثلاثة إمبراطوريات هي:
1- الفارسية
2- والبيزنطية
3- والحبشية
و كانت الديانة السائدة في الإمبراطورتين البيزنطية و الحبشية هي المسيحية في حين كانت الديانة الزردشتية سائدة في الإمبراطورية الفارسية، و كانت الإمبراطورية البيزنطية تسيطر على القسم الشمالي من الشرق الأوسط و آسيا الصغرى و يورو آسيا و بلدان الدانوب و الجزء الأكبر من أوربا الغربية و البلاد الأفريقية الواقعة جنوب البحر المتوسط أما الإمبراطورية الفارسية فتسيطر على أعالي وادي الرافدين حتى المحيط الهندي . و كانت الحدود التي تفصل بين هاتين الإمبراطورتين واهية و كثيرا ما كانت تثار بينهما الحروب و النزاعات، الأمر الذي أنهك هاتين الإمبراطورتين في المرحلة الأخيرة من عمرهما أي سنوات حروب كسرى الثاني الفارسي و هرقل البيزنطي الروماني .
في حين كانت الجزيرة العربية و خاصة قلبها بعيدة عن هذه الأحداث و منطوية على ذاتها و منشغلة بنزاعاتها القبلية أما ديانة ساكني الجزيرة العربية السائدة قبل الإسلام في ذلك الوقت فهي أشكال متنوعة من الوثنية الشرقية المرتكزة على عبادة الشمس و القمر و الكواكب و كذلك الديانة التوحيدية التي كانت تدعى بالحنفية و قد تطورت هذه المعتقدات إلى عبادة القوى الخفية المتمثلة بالحجارة .
و قد كان الحجر الأسود المحفوظ بالكعبة كرمز لوجود القبائل العربية و كعلامة للحفاظ على الوحدة بين القبائل و الحفاظ على شعورهم بالانتماء إلى عرق مشترك و على هذا الشعور الجماعي العميق بنا النبي محمد بالإسلام امة عربية إسلامية متحدة و كانت الكعبة موجودة منذ القرن الثاني قبل الميلاد و تقع قرب بئر زمزم الذي كان محطة طبيعة لتوقف البدو للتزود بالماء و قد وضع الحجر الأسود و حفظ بالكعبة الذي أضحى موضع الإكرام و العبادة لأصله السماوي وقد أصبحت الكعبة في القرن السادس الميلادي مركزا زاخرا بالأصنام حيث وضعت كل قبيلة معبودها وأصبحت الإلهة على عدد أيام السنة وذكر القرآن أسماء الآلهة في سورة النجم( أفرأيتم اللات و العزة و مناه .....الخ) و قورنت اللات بآلهة الشمس و العزة بافروديت ويلاحظ المؤرخون بان تعدد الآلهة قد تطور تحت تأثير المسيحية و اليهودية إلى نوع من التوحيد.
و إلى فكرة الإله فوق سائر الآلهة و كان الاسم الذي أطلق على كبير الآلهة هو هبل (أصل الكلمة هو هبعل أي بعل الإله في اللغة الآرامية) .
المسيحية في الجزيرة العربية :
دخلت المسيحية إلى اليمن في القرن الثالث الميلادي و قد يكون دخولها انطلاقا من الحبشة و هناك عدة أساطير تنسب التبشير بالمسيحية في السواحل الجنوبية للجزيرة العربية إلى الرسل متى و توما و هناك من يعتقد بان المسيحية دخلت إلى اليمن و نجران من سوريا و بلاد مابين النهرين و أن اللغة السريانية كانت اللغة الطقسية فيها و مع هذا فلم تكن الكنيسة في اليمن منظمة و لم تشمل جميع القبائل العربية و في نجران كان طبقة برجوازية (غنية) من المسيحيين النساطرة تدفع الجزية إلى الملك الحميري .
أما في الحجاز فيشير الطبري وابن هشام و ابن خلدون إلى تواجد المسيحيين فيها و يروي الطبري أن مسلة جنائزية اكتشفت قديما في جبل عقيق القريب من المدينة تحمل حروف سريانية كانت تعلو احد قبور رسل المسيح .
و كانت تبوك حصنا يسكنه نصارى قضاعة و جاورهم بني كلب من قبيلة تغلب النصرانية و في غزوة تبوك لم يتمكن النبي محمد و المسلمون من اقتحامها لحصانتها فحاصروها عشرون يوما ثم قفلوا راجعين عنها، أما يثرب فقد كانت شبه يهودية في حين كانت مكة مدينة للتعايش بين القبائل العربية و كانت قريش تشكل نواة سكان مكة و تتعايش شتى الأديان و المذاهب فيها أما السلطة فلم تكن بيد احد بل بيد مجالس تبت في الأمور حسب أهميتها وقد أخذت مكة أهميتها لوجود الحجر الأسود هذا المركز الديني الهام الذي يستقطب القبائل العربية مهما كان انتمائها الديني أو المذهبي و كانت إضافة إلى المركز الديني المركز التجاري الأهم إذ كانت القبائل المختلفة تأتي إلى الحج و التجارة في إن واحد و مثال على ذلك كان هناك شعراء مسيحيون مثل عدي بن زيد و الأعشى كانوا يقسمون أمام الحجر الأسود برب مكة و الصليب في إن واحد، وكان اليهود أيضا يكرمون هذا المعبد و يعيدون تاريخ تشيده إلى جدهم الأكبر إبراهيم الخليل و كانت منذ تلك العهود القديمة ترتفع في قلوب العرب عقيدة بموجبها إن الإله الذي عبده إبراهيم و إسماعيل هو الربّ الأعلى إلى السماء و الأرض و الخالق الذي هو ربّ العالمين و المسيطر على جميع آلهة المعبد هذه العقيدة التي بلورها النبي محمد بشعره السياسي الديني.
و كانت المسيحية كما أسلفنا قد تغلغلت في الجزيرة قبل ظهور الإسلام في قلبها و في مناطقها الحدودية ( اليمن و بلاد الشام و بلاد ما بين النهرين ) و يقول ابن قتيبة إن النصرانية كانت في ربيعة و غسان و بعض قضاعة، و يشهد الجاحظ فيقول كانت النصرانية قد وجدت سبيلها في تغلب و شيبان و قضاعة و سليح و العباد و تنوخ و لخم (كتاب الحيوان للجاحظ) و بالرغم من هذه الشواهد إلا أن المسيحية كمعتقد لم تترسخ في نفوس العشائر العربية حتى أن حسب قول الأب ألبير توما في كتابه تاريخ الكنسية السريانية يقول إن شخصا لعب دورا هاما في تاريخ العرب المسلمين و هو الأمام علي ابن أبي طالب قال عنهم "أنهم لا يعرفون من دينهم المسيحية سوى إنها تسمح لهم بشرب الخمر و أكل لحم الخنزير فكانت مسيحيتهم سطحية و ضحلة" وهذا يعني بان الأمام علي كان ضليع في فهم المبادئ الأساسية التي تقول عليها المسيحية .
المسيحيون العرب في بلاد مابين النهرين :
بعد انهيار سد مأرب في أواخر القرن الأول الميلادي الأمر الذي أدى إلى نزوح القبائل العربية و قد اتجهت القبائل نحو المناطق الشمالية الشرقية و كان بين النازحين رهط من أولاد معن بن عدنان الذين وصلوا ارض الرافدين و كان معهم أبناء من قبيلة قضاعة و اتفقوا مع أفراد من قبائل الأسد و تحالفوا معهم و سمي هذا التحالف بتنوخ و أسسوا مملكة التنوخين الأولى في القرن الثاني الميلادي و أعقبهم اللخميون في بدء العهد الساساني و دام حكمهم حتى مجيء الإسلام و سميت مملكتهم بمملكة التنوخين او اللخميين او المناذرة و كانت الحيرة عاصمة هذه المملكة و تقع جنوب الكوفة و اختلف المفسرين لمعنى كلمة الحيرة إلا إن أكثر التفسيرات تقول إن أصل الكلمة حيرتا و هي كلمة أرامية و تعني الحصن أو المعسكر أو الدير و عرفت الحيرة بمعالمها المعمارية و يذكر التاريخ قصر الخور نق و كان هذا القصر يشرف على النجف الأشرف و ما يليه من بساتين و يعتقد إن الخورنق اسم فارسي يعني موضع الأكل و الشرب و اللهو و دامت المملكة التنوخية و اللخميون المناذرة من عام 138 ميلادية و لغاية 628 ميلادية و حكمها 26 ملكا و كان ابرز ملوكها النعمان بن المنذر.
و قد افتتح خالد ابن الوليد الحيرة في العام 623 ميلادية و أصبحت الديانة السائدة في الحيرة هي المسيحية و يقول الطبري إن امرؤ ألقيس الأول 288-328 ميلادية هو أول من تنصر من اللخميين بينما يقول ابن خلدون ان النعمان ابن الشقية ( الأعور) 402- 431 هو اول من تنصر من ملوك المناذرة و هو الملك التاسع و قد أصبحت الحيرة منذ القرن الخامس الميلادي مركزا دينيا هاما بالإضافة إلى كونها مركزا مرموقا للتجارة و الثقافة وقد شيدت فيها كنائس جميلة و مزخرفة بالنقوش وقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الشهير "الأغاني" عن بيعة توما و كنيسة الباعوثه و بيعة دير اللج و كنيسة دير هند و قد كشفت التنقيبات الأثرية بعض هذه الآثار و قد سمعنا مؤخرا بان التنقيبات الأثرية قد كشفت أطلال كنيسة في مدينة النجف .
المسيحيون في العراق و الإسلام:
قبل أن أتحدث عن العلاقة التاريخية بين الإسلام و المسيحية في العراق أود أن أبين مدخلا إلى الظروف و الأسباب التي أدت إلى نجاح الفتوحات الإسلامية كما ذكرها المؤرخ فيليب حتى في كتابه الموسوم تاريخ العرب صفحة 143 الطبعة العربية
أولا- إن فارس و بيزنطة كانتا قد وهنتا بسبب الحروب التي استمرت بينهما أجيال طويلة مما أدى إلى إرهاق رعاياهما بالضرائب القاسية.
ثانيا- استيطان القبائل العربية فبل الإسلام في بلاد الشام و ارض النهرين و في المناطق الواقعة على حدود الهلال الخصيب.
ثالثا- ظهور الخلافات داخل الكنيسة المسيحية حيث نشأت النسطورية في العراق و فارس و المنوفيزية في سوريا و مصر مع ما لابس ذلك من عداوات طائفية خاصة عندما بدء البيزنطيون يضطهدون المنشقين عن كنيستهم.
رابعا- كان الروم قد أهملوا تحصيل الثغور بعد غزوة مؤته الواقعة شمال البتراء التي انتصر فيها عرب الشام الأمر الذي أبطل القائد الروماني هرقل دفع الهدايا التي كان يوزعها على قبائل الشام العربية إضافة إلى أن الأقوام العربية الساكنة في الشام يعتبرون الفاتحين قوم من بني جنسهم .
و قد استقبل مسيحيو بلاد الرافدين الفاتحين العرب المسلمين في عهد الخلفاء الراشدين بايجابية لا بل ساعدهم على الانتصار بسبب معاناتهم و لقرون من عسف العهود الفارسية الساسانية على مدى خمس قرون و قد ساهم في صفوف جيوش الفتح الإسلامي قبائل عربية نصرانية من الحيرة و من مناطق أخرى حقدا على إجرام الفرس الساسانيين وكان العرب المسلمين الفاتحين يخيرون النصارى بين قبول الإسلام أو دفع الجزية و قد دفع أجداد مسيحيو العراق المعاصرين الجزية و احتفظوا بديانتهم و مما لا شك فيه من لم يكن له قدرة أو من لا يريد دفع الجزية قد اسلم و أنهى المشكلة .
و على هذا المبدأ تعايش المسيحيون مع المسلمين في عصر الخلافة الراشدية وكذلك الأموية و تأكيدا على دور المسيحيين في العهد الأموي كان شعراء بني أمية الكبار جرير و الفرزدق و الأخطل ثالوث الشعر في العصر الأموي و كان الأخطل و هو أعظم هذا الثالوث نصرانيا و قد تمتع أهل الكتاب أي النصارى و اليهود و الصابئة في العصر الأموي بوافر الحرية لقاء تأديتهم الجزية و الخراج و ارتبطت قضاياهم في الأمور الدينية و المدنية برؤسائهم الروحانيين و لم تطبق عليهم الشريعة الإسلامية و مع هذا التسامح لم يمنع حدوث حالات استثنائية كتلك التي أمر بها الوليد الأول 705 – 715 بقتل زعيم بني تغلب القبيلة العربية المسيحية لأنه ابا ان يعتنق الإسلام ( كتاب الأغاني ص 99)
و قد فرض الخليفة عمر بن عبد العزيز قيوداً صعبة على رعاياه المسيحيين إلا أن هذه القوانين لم يعمل بها طويلا حيث أمر خالد بن عبد الله العزي عامل هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي الرابع على العراق ببناء كنيسة لأمه المسيحية تتعبد بها كما انه منح النصارى و اليهود حق بناء المعابد و الكنائس ( كتاب الأغاني ص 99) وللعلم و في العام 886 ميلادية دخلت الفلسفة الفكر الإسلامي و ظهر مذهب المعتزلة و القدرية و كان ذلك خلال سنوات العهد الذهبي العباسي أي خلال خلافة هارون الرشيد و أبنائه الأمين و المأمون و المعتصم و الخلافة العباسية دامت 508 من 750 ميلادية الى 1258 ميلادية و في عهد العباسيين انتهت الخلافة العربية الإسلامية لتكون خلافة لأقوام المسلمين من كافة القوميات خاصة العربية و الفارسية و التركية.
والحقيقة إن المؤسس الحقيقي إلى الخلافة العباسية كان أبو جعفر المنصور الذي بنى مدينة بغداد سنة 758 ميلادية و قد كانت قرية صغيرة في عهد الساسانين ومعناها "عطية الله" و قيل إن الاسم من(باغ) بستان و( داد) الإله وهو أسم فارسي أو إنه أسم مركب من(بيث) مكان و(غداد) الحظيرة أي موضع الحظيرة و هي تسمية آرامية و في نظر الكنيسة الشرقية كان تأسيس مدينة بغداد يعني أنها ستعيد مركزها التقليدي في الأرض الآرامية (بيث ماري ) و كانت الأرض التي أراد الخليفة أن يبني فيها مدينته لتكون زاخرة بالأديرة و كان للرهبان دورا كبيرا في الأساطير الدائرة حول التنبؤات عن تأسيسها.
شرع المنصور في عام 762 ميلادية في بناء مدينة بغداد و استغرق بنائها 4 سنوات و صرف عليها بما يعادل 18 مليون دينارا و استخدم نحو 100000 مهندس وعامل و أهل المعرفة بالبناء و سميت بالإضافة إلى بغداد بمدينة السلام و المدينة المدورة وأكثر الحجارة التي دخلت في بنائها نزعت من أنقاض طاق كسرى و في 7 تشرين أول سنة 775 ميلادية و توفي المنصور و هو في طريقه إلى الحج و حفر له 100 قبر تضليلا لأعدائه لئلا يمتهنوا قبره.
و منذ مجيء المنصور لسدة الخلافة و مرورا بهارون الرشيد و أبناءه الأمين و المأمون و المعتصم كانت الحياة الفكرية مزدهرة و من ضمنها الدينية اذ انه و خلال تلك الحقبة الذهبية كان الجدل الفكري قائما بين أهل السنة و الشيعة و المعتزلة، فظهر أبي حنيفة النعمان( توفي سنة 767 ميلادية) و ابن حنبل( توفي عام 855ميلادية) ثم البخاري الذي توفي في البصرة( عام 878ميلادية) و استنبط كل منهم طريقته الخاصة بتفسير القران و الشريعة فانبثقت المذاهب الأربعة المعترف بها وغير المعترف بها كالمعتزلة و الشيعة و كان اخطر هذه المذاهب هو مذهب المعتزلة الذي يؤمن بالعقل ويقول بان القرآن مكتوب و غير منزّل و كل شي في القران لا يفقهه العقل لا يعترف به و في هذه المرحلة الخطيرة من تطور الفكر الإسلامي دخلت الفلسفة بجنب علم الكلام .
و قد استفادت الفئات غير المسلمة من هذه الحرية الفكرية و كان المسيحيون يمتازون في ذلك الوقت بمستوى ثقافي ملحوظ و كانوا من أهل العلوم و الحرف و حسن التكلم باللغات غير العربية كالسريانية و الآرامية و اللاتينية و كان منهم و الفلاسفة و الأطباء و الفلكيين.
ودخلت كنيسة المشرق عصرا جديدا بمجئ العباسيين للحكم وقد استعان الخلفاء و الأمراء المسلمون بأبناء هذه الكنيسة و يعتبر المؤرخون المسيحيون بان العصر الذهبي العباسي كان عصرا ذهبيا لإتباع هذه الكنيسة الذي كان من احد أهم أدوارهم هو نقل و تعريف الثقافة و الفلسفة الإغريقية و العلوم الغربية إلى المجتمع العباسي آنذاك و يقول المسعودي في "مروج الذهب" جزء 3 صفحة 379 جمع البرامكة حولهم العديد من المترجمين النصارى و في عهدهم أي البرامكة تأسست خزانة الحكمة التي أصبحت في عهد المأمون نواة لأكاديمية الترجمة التي عرفت بدار الحكمة.
و كان أشهر أطباء العهد العباسي جبريل بن بختيشوع و ماسويه الذي عالج هارون الرشيد من مرضه و أصبح أول مدير لأول مستشفى في بغداد و صار ابنه يوحنا ماسويه (أبو زكريا ) رئيس المترجمين في عهد المأمون ) و سعى الرشيد لجمع المخطوطات و شرائها من المنطقة البيزنطية و كان للمسيحيين الدور البارز في شراء هذه المخطوطات و ترجمتها إلى العربية و كان أشهر المترجمين هو حنين بن اسحق ( 810- 873 ) م و هو أهم من نقل العلوم الإغريقية إلى العربية .
وللعلم كان الطب في بلاد مابين النهرين يرقى إلى عهود موغلة في القدم فقد اهتم به السومريون و البابليون و الأشوريون و ازدهر الطب في العهد العباسي و فتحت و أسست المستشفيات و كانت كتب جالينوس الإغريقي تشكل أساسا للمنهج الطبي و قد ترجم حنين بن اسحق الكثير من الكتب الطبية من السريانية إلى العربية في دار الحكمة و كانت شهرة الطب المسيحي المنبثق من مدرسة جند بسابور من السعه بحيث أصبح عامة الناس تعتقد بان المسلم ليس بإمكانه أن يصبح طبيبا ماهرا و هذا ما قاله الجاحظ في كتابه "البخلاء" (سأل احدهم الطبيب المسلم اسعد بن جاني هذه السنة وبأه و الأمراض متفشية و أنت عالم ولك بيان و معرفة فمن أين يأتي هذا الوباء و لا تستطيع إيقافه . قال: واحدة فاني عندهم مسلم و قد اعتقد القوم قبل أن أتطبب لا بل قبل أن اخلق إن المسلمين لا يفلحون بالطب و اسمي اسعد وكان ينبغي إن يكون صليبا....)
و كانت سلالة جرجس بن جبريل و ابنه بختيشوع بن جرجس و أولادة و أحفاده العشرة أشهر أطباء العصر الذهبي العباسي إضافة إلى أطباء كثر لا يسمح المجال لذكر أسمائهم و لأبد من الإشارة إلى أن المسيحيون في العهد العباسي كانوا أيضا في مد و جزر و لعل اخطر جزرا عايشوه هو عهد الخليفة المتوكل و هو الخليفة العباسي العاشر ( 747 – 861 م) وكان سنيا متعصبا وفي سنة 850 ميلادية اصدر أمرا بهدم ضريح الحسين في كربلاء ثم أقام قاضيا سنيا و منع دراسة علم الكلام و تعليمه و قد اشتهر بموجات غضبه التي كانت تنصب على المسيحيين و المسلمين و لقي أهل الذمة منه الكثير من الظلم و الأذى ويقول المسعودي في مروج الذهب بان الخليفة المتوكل اصدر أمرا بتأثير من المعمم الفتح بن خاقان التركي الأصل من شقين يقضي الأول بمعاقبة المسيحي و الذمي الذي يخرق العهود إذا تهجم بالأقوال على المسلمين أو على القرآن أو على النبي محمد و مارس أي ظلم على أي مسلم سواءً عليه كشخص أو على ممتلكاته أو أمواله و ممارسة أي صلة بامرأة مسلمة ولا فرق إن كان للزواج أو للفجور و مساعدة أعداء المسلمين أما الثاني فهو منع قرع النواقيس وعدم عرض الخمور و الخنازير و الصلبان أمام الأنظار و منع ركوب الخيل و استمال السرج إلى ركوب البغال و الحمير و منع استخدام أسماء و ألقاب إسلامية.
و نتيجة لهذه القوانين اعتنق الإسلام الكثير من المسيحيين و غيرهم من أهل الذمة تخلصا من الظلم و التعسف و كانت هذه الأحوال مؤشرا إلى بدايات السقوط إلى الخلافة العباسية فقد كان الخلاف قائما بين العرب المسلمين و غير العرب المسلمين و كان يطلق عليهم "الشعوبيين" و "أهل الذمة" و كان العصبية القبيلة متأصلة في نفوس العرب، وكان هناك صراعا بين الشمال و الجنوب و لم يكن هناك انسجاما و لو بالحد الأدنى بين مكونات المجتمع العباسي كان هنالك صراعا بين الفرس و الأتراك الطورانيين و البربر الحاميين و العرب الساميين وظهر ضمن الدين الإسلامي نفسه نزاعات طائفية أدت إلى تمزيق الأواصر العامة التي تجمعهم و من هذه النزاعات كان بروز الشيعة و القرامطة و جماعة الحشاشين و اجتاحت أراضي الإمبراطورية العباسية ثورات مثل ثور الزنج و الثورة المزدكية ذات الطابع الاجتماعي و قد سقطت بغداد في عام 1258 ميلادية بعهد الخليفة المستعصم وبعد دخول هولاكو بغداد و خسر الخليفة المستعصم المعركة الأساسية وحاول أن يصل إلى حل سلمي بعد فوات الأوان فأرسل وزيره ابن العلقمي مع رئيس الطائفة المسيحية النسطورية للمفاوضة و الصلح و لعل سبب اختياره لرئيس الطائفة النسطورية هو إن زوجة هولاكو كانت مسيحية و تدعى دقوس خاتون إلا إن هولاكو رفض مقابلتهم و أمر بانتهاك مدينة بغداد مما اضطر الخليفة المستعصم إلى تسليم نفسه إلى هولاكو دون قيد أو شرط ولكن هولاكو أمر بقتل الخليفة و من استسلم معه.
و كان هولاكو وثنيا و لكن نكاية بالإسلام و ارضاءً لزوجته المسيحية و بدوافع سياسية و أمنية اظهر بعض العطف على المسيحيين و اليهود و بالرغم من حماية زوجة هولاكو لمسيحيي العراق في ذلك الزمان إلا أنهم لم يكونوا في وضع مستقر بل غالبا ما شاطرو إخوانهم المسلمين بنفس المصير و تعرضوا إلى القتل و النهب من قبل السلطات المغولية.
و استمر حال المسيحيين في العهد العثماني بين مد و جز أيضا وكان الظلم يمارس على كل رعايا السلطنة العثمانية وقد قام السلطان مراد الرابع ( 1623 _1640) بإصلاح واسع النطاق و كان من القرارات المثيرة غلق المقاهي و منع التدخين و إغلاق أماكن شرب و بيع الخمور .
وأصدر فرمانا خاصا يقضي على الفئات غير المسلمة بلبس الغبار و هو لباس خاص يميز الذمي عن المسلم و خلال هذه القرون الطويلة كانت الأقلية المسيحية بمختلف كنائسها تبحث دوما عن الطرق الكفيلة التي تحفظ كيانها و استمرارية حيويتها و نشاطها و قد تعرضت لكثير من الانتهاكات من جراء التغيرات المستمرة على الأنظمة السياسية
المسيحيون بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة عام 1921
كان من نتائج الحرب العالمية الأولى سقوط وتفككّ الإمبراطورية العثمانية و ووقوع الولايات العراقية الثلاثة تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية التي كانت متحالفة مع الشريف علي بن الحسين( شريف مكة) الذي تعاون مع الإمبراطورية على وعد منها بإقامة الدولة العربية الموحدة و لكن الأمور سارت وفق المصالح البريطانية و حدث ما حدث وليس هو موضوعنا في هذا المجال.
وكانت نتيجة لما حدث هو التوليفة العراقية الحالية التي تحققت بعد إرهاصات دامت ثمانية سنوات 1917 – 1925، من انتهاء الحرب العالمية الأولى وأربعة سنوات من تأسيس الدولة العراقية الحديثة (عام 1925 ) الذي وصفها السياسي البريطاني الشهير ونستون تشرشل حيث قال " ولد العراق في ساعة مجنونة" و يقول د. عبد الخالق حسين في مقاله الذي نشرته صحيفة عراق الغد الالكترونية الموسومة "العراق و الانتخابات الأمريكية": إن الدولة العراقية الحديثة بنيت أساسا على التمييز الطائفي و العرقي امتداداً لنهج الحكم العثماني و كان عالم الاجتماع العراقي علي الوردي قد نبّه و حذر مراراً منذ الخمسينيات من القرن الماضي بان هناك بركانا تحت السطح سينفجر يوما ما , ما لم تتخذ الحكومات إجراءات و وطنية حقيقية مناسبة لتلافي الكارثة و قال نصا في كتابه " دراسة في طبيعة المجتمع العراقي" ( ص 382- 383 ) ما يلي :
" إن الشعب العراقي منشق على نفسه و فيه من الصراع القبلي و الطائفي و القومي أكثر من أي شعب عربي آخر باستثناء لبنان و ليس هناك طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه حيث يتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم و على أهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية و هذا هو أوان الاعتبار فهل من يسمع" .
لقد كان مسيحيو العراق يتبنون إستراتيجيتين و واضحتين الأولى هي إستراتيجية الكنيسة أي السلطة الدينية بمختلف طوائفها و هذه الإستراتيجية منطلقة من الحكمة التي قالها المسيح قبل ألفي عام ونيّف و هي ( أعطي ما لقيصر لقيصر و ما لـ لله لـ لله) أي معناه مجاراة الحكومة الرسمية و محاولة الحصول على ما يمكن عليه من مكاسب خدمة لإتباعها و مريديها و عدم التدخل في الشأن السياسي، بل النشاط في مجال تقديم الخدمة الاجتماعية و المساعدات الإنسانية للناس مهما كان الانتماء الديني و القومي .
أما الإستراتيجية الثانية فهي إستراتيجية المسيحيين كمواطنين عراقيين أصيلين و مخلصين لبلدهم و تتمثل هذه الإستراتيجية برفع جميع الحواجز بينهم و بين إخوانهم في الوطن، سواءً كانوا على دينهم أو طائفتهم أو من غيرها والمساهمة الجادة في النشاط السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي الذي يخدم تقدم الوطن و عزته و تسخير إمكانياتهم لخدمة البلد، وقد ثمن هذا الدور المؤرخ والعالم العراقي سيّار الجميل في مقاله المهم الموسوم وقفة تاريخية عن دور المسيحيين العراقيين الوطني و الحضاري و لحسن الحظ إن الموجة الدينية السياسية الضيقة السائدة في يومنا هذا لم تغري أي مسيحي لإقامة كيانات سياسية طائفية تستغل الدين و الطائفة لتحقيق مكاسب سياسية كما هي الموضة السائدة هذه الأيام، بل إن أغلبية العاملين في الحقل السياسي من المسيحيين كانوا و لا يزالون يعملون في إطار الأحزاب الوطنية العلمانية.
و لقد ذكر الجميل في مقاله المشار إليه أعلاه أسماء لامعة من المسيحيين لعبت دورا في تاريخ العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي مثل الياس بن حنا الموصلي الذي انطق من بغداد إلى روما و إلى أمريكا الشمالية و كان أول رحالة من الشرق يصل العالم الجديد و كذلك العالم يوسف عتيشة الموصلي المولد عام 1599و الرحالة خضر بن الياس الموصلي 1679 – 1755 الذي كتب رحلة من الموصل إلى روما و بسبب تواجد البعثات التبشيرية الفرنسية تحول الكثير من مسيحيي العراق إلى المذهب الكاثوليكي و أعلنوا اتحادهم بكنيسة روما المركزية رسميا و بهذا الأعلام أصبح بابا روما هو الحبر الأعظم إلى أغلبية مسيحيين العراق .
برغم من عهود القهر المار ذكرها فقد تعايشت الثقافتين الإسلامية و المسيحية في العراق واستطاعتا التغلب على المصاعب التي كان يؤججها متطرفو الطرفين بين الحين و الأخر و كان لكل منهما خصوصيتها و أدواتها، ففي الوقت الذي كان العلماء و الاختصاصيون المسلمون العراقيون ينشطون باسطنبول كانت أديرة الموصل تنشر العلم في الموصل و بقية الولايات، و قد ذكر سيار الجميل بأنة كشف عن سجلات مهمة تبرز اتصالات أدبية كانت تجري بين أدباء عراقيين و لبنانين في القرن التاسع عشر و اتضح من هذه المراسلات إن العراق عرف المطابع منذ عهد طويل عل أيدي المسيحيين العراقيين، و قد أسس هؤلاء مدارس تعلم فيها المسلمون و المسيحيون و بقية العراقيين و يكفي بروز العلامة اقليمس يوسف داود 1890 – 1925 و كان بحرا باللغة العربية، إضافة إلى اللغات الأخرى و ألف 85 كتاب في مختلف العلوم و قد انتخب عضوا عاملا في الجمعية الأسيوية الملكية البريطانية عام 1890 و يؤكد الجميل بأنة لا يبالغ عندما يقول بان العراق هو الموطن الحقيقي للمسيحية الشرقية و إن مدينة الموصل هي مركز لاهوت الشرق على الإطلاق نظرا إلى ما اجتمع بها من مطرا نيات و كنائس و أديرة
و لعل ما يؤكد هذا القول هو رسم بطرياك طائفة الكلدان الكاثوليك عمانوئيل يوسف دلي كاردينال و حسب علمي بأنه الكريدنال الوحيد في العالم العربي و كان هذا التكريم قبل أقل من سنة.
لقد كان ولا يزال لمسيحيي العراق مكانة اجتماعية مرموقة في نهايات العهد العثماني وفق ما تعهدت به السلطنة العثمانية في خط شريف همايون وقد انتهج الحكم الملكي المؤسس في عام 1921م خطاً يضمن حقوق هذه "الأقلية" الصامدة بالمشاركة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الدولة والمجتمع فكان منهم عددا من الوزراء والنواب والمدراء العامون وضباط الجيش والمحامين والقضاة.
واقتطف هنا مرّة أخرى من الدكتور سيّار الجميل "سنة 1963 عند مجيء البعثيين وعبد السلام عارف إلى حكم البلاد بدأت تحولات من نوع آخر بعد أن هيمنوا بالقوة وبانقلاب دموي على أمتداد40 سنة" وخصوصاً عندما ابتدأ العزف الجديد على كل من اسطوانتي "القومية الشوفينية" وبأساليب مرعبة وعلى "التعصب الديني" بأشكال مثيرة وبدائية، فانكمشت المشاركة الفعلية للمسيحيين العراقيين وبدأت عمليات الهجرة تأخذ لها مديات واسعة وخطيرة وللأسف الشديد ازدادت في هذه الأيام الأخيرة بسبب السياسات الحزبية الضيقة والطائفية التي أصبحت في أيامنا هذه شكلا من إشكال السياسة الرسمية للدولة العراقية الحديثة بعد العام 2003.
أما الدور السياسي لمسيحيي العراق فيجب أن نذكر أسماء لامعة في الحركة السياسية العراقية مثل: داؤود يوسفاني الذي كان له دور أيام الاتحادين وبداية تشكيل العهد الملكي ونيقولا عبد النور ورؤوف الوس والشخصية الشيوعية البارزة يوسف سلمان فهد ورفاقه في الحزب الشيوعي العراقي آرا خاجادور ويوسف متى وشخصيات في الحزب الوطني الديمقراطي مثل الشهيد كامل قزانجي وخدوري خدوري ونائل سمحيري وكان الأخيران نائبين في البرلمان العراقي عن الحزب الوطني الديمقراطي.
ولا يفوتني أن اذكر وأنا بصدد إنهاء هذا السجل بعض الأسماء اللامعة مثل الأب انستاز ماري الكرملي الذي يعتبر من ابرز علماء اللغة العربية والذي ساهم مساهمة جدية باغناء اللغة العربية ومجلته المشهورة والمعروفة بلسان العرب وكانت علامة بارزة في تاريخ النهضة العربية وقد ساهم مسيحيو العراق في الحقل الصحافي حيث ساهموا منذ نشأة الصحافة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ولا يزالون.
ولا بد أن نذكر أسماء لامعة في هذا المجال أصدروا الصحف وكانوا رؤساء تحريرها ومحرريها مثل روفائيل بطي وتوفيق سمعاني وفتح الله سرسم سليم حسون وفائق بطي .
أما في مجال العلم فلابد من ذكر أسماء لامعة ليس على نطاق العراق بل على نطاق العالم العربي والعالم مثل د.متى عقراوي أول رئيس لجامعة بغداد والمؤرخ مجيد خدوري والأستاذ فؤاد سفر والدكتور وليد خدوري والدكتورة روز خدوري والباحث بشير فرنسيس.
أما في المجال الرياضي فلا بد من ذكر أسماء عمو بابا ويورا وباسل كوركيس وأكرم عمانؤيل وعمو يوسف وشدراك يوسف وناصر جكو وكوركيس إسماعيل وأيوب اوديشو.
وقد ساهم مسيحيو العراق في النهضة الثقافية والفنية والأدبية ويكفي إن نذكر أسماء منير بشير واخيه جميل بشير وسيتا هاكوبيان وعازفة البيانو العالمية بياتريس اوهانسيان والشاعر الفريد سمعان ويوسف متى وناظم بطرس المذيع الاول في اذاعة بغداد والمخرج عوني كرومي والمخرج عمانوئيل رسام والشاعر جان دمو وسركو بولص والمصور أرشاك والمغنيتين الشهيرتين عفيفة إسكندر وأختها أنطوانيت اسكندر والمغنية الخالدة زكية جورج.
وقبل أن أختتم هذه الدراسة أود أن اطرح إشكالية خطيرة تعيش معنا منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وهذه الإشكالية هي هل المسيحيون "أقلية" ؟ أو أن ما نعيشه الآن من صراع طائفي هو مرض زرعه الأجنبي في بلادنا ولا استثني بالدور الأجنبي هذا أي قوة خارجية لها مصالح في العراق وأعني إيران والولايات المتحدة ودول الجوار العربي، وغير العربي وسبق أن أشرت إلى ما ذكره الباحث الدكتور علي الوردي توصيفاً للمجتمع العراقي، وأرجو أن يكون الحوار بعيداً عن الطائفية والتحزّب السياسي والديني، وأن يتّسم بالعقلانية ويبتعد عن العدوانية، كما أرجو أن أكون قد وفقت في توضيح الظلم الكبير الذي وقع على هذه الشريحة الأصيلة من المجتمع العراقي، بل أهل البلاد الأصليين، الذين أصبحوا هذه الأيام في قاموس بعض رجالات الحكم الحالي محوراً لتناقل الإخبار وللتسلية أحياناً "للقيل والقال"، وبصفتي مواطناً عراقياً فإنني لست جزءًا من "جالية" مثلي مثل غيري من العراقيين بغض النظر عن الدين والقومية واللغة والجنس والانحدار الاجتماعي والمعتقدات الفكرية، والكل كما يفترض وحسب الدستور "مواطنون عراقيون" لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، فالمسيحيون هم عراقيون أقحاح مصرّون على تقديم كل إمكانياتهم لخدمة هذا البلد العزيز على قلوبنا جميعاً، كما آمل أن يصل كلامي هذا إلى حكومتنا الوطنية لعلها تنصف شعبنا المناضل بكل قومياته وأديانه وطوائفه وتمنحه حقوقه بالكامل وتكف عن طلبها منهم تقديم الواجبات كما قال الصديق محمد سعيد الصكار في دعائه (اللّهم امنع الحكام عن الطلب من رعاياهم القيام بالواجبات فقط وسهل منحهم الحقوق).
وقبل أن أختم هذه الدراسة بودي أن أنوه بالجهد الذي بذله عدد من المثقفين والحقوقيين العراقيين في الدفاع عن المسيحيين في محنتهم وما تعرضوا له من قسوة ومحاولات استئصال وتهميش وحسبي هنا أن استعرض ما كتبه المفكر العراقي الذي أصدر ثلاث كتب عن المسيحيين ليسلّط الضوء على المأساة التي يعيشونها، فقد كتب تحت عنوان "المسيحيون والهويّة" إن هناك سبع رسائل لاستهداف المسيحيين ، أولها- دفعهم للهجرة ، وثانيها- تمزيق النسيج الاجتماعي لمجتمعات وشعوب ظلّت متعايشة على الرغم من النواقص والثغرات والسلبيات التي تتعلق بالحقوق وبمبدأ المساواة والمواطنة الكاملة، وثالثها- إظهار عدم رغبة المسلمين في التعايش مع الغرب المسيحي ، ورابعها - تقديم دليل آخر على أن المسلمين لا يقبلون بالتنوّع والتعددية وهم ماضون في استئصال الأديان الأخرى وهو ما تردده "إسرائيل"، وخامسها- تأكيد جديد على أن العرب والمسلمين هم ضد الديمقراطية ، وسادسها - استنزاف طاقات علمية وفكرية وفنية وأدبية يمتلكها المسيحيون ، وسابعها- خسارة العرب والمسلمين المسيحيين المدافعين عن القضية الفلسطينية وعن عروبة فلسطين ، وفي ذلك تفاعل بين المطامع الخارجية والقصور الفكري الداخلي .
أما عن الأخطاء الشائعة فيذكر المفكر شعبان أن الخطأ الأول هو تجاهل كون أغلبية المسيحيين عرب ، والعرب أغلبية في بلدانهم، وبهذا المعنى هم ليسوا أقلية ويقترح مصطلح " التنوّع الثقافي" أو " المجموعات الثقافية " بدلاً من مصطلح "الأقلية" الملتبس والغامض والذي يستبطن عدم المساواة والاستتباع .
أما الخطأ الثاني، هو السعي لفصل غالبية المسيحيين عن عروبتهم، في حين إن الخطأ الثالث هو استصغار دور المسيحيين في إطار نظرة موروثة سائدة تارة لعددهم وأخرى لدينهم وثالثة للامتداد المسيحي في الغرب ورابعة التشكيك بولائهم ، بل إن البعض يعدّهم " طابوراً خامساً" .
والخطأ الرابع هو محاولة عزل المسيحيين الحاليين عن حركة التنوير التي ساهموا فيها، فضلاً عن المشروع الحضاري الراهن الذي ساهموا في بلورته للانعتاق من نير الكولونيالية ولتحقيق الاستقلال. ويتعلّق الخطأ الخامس بإنكار مساهمة المسيحيين في نضال أمتهم وشعوبها وهو ما يروّج له التيار الإسلاموي الاستئصالي الشمولي .
ويقول شعبان في كتابه " أغصان الكرمة - المسيحيون العرب" صفحة 50 :" لعلّ بعض المتعصّبين لم يقرأوا تاريخ المسيحيين العرب في المنطقة، وإن كانوا قد قرأوا التاريخ فإن قراءتهم مغلوطة أو إغراضية أو قاصرة، فقد كان المسيحيون باستمرار يضعون الانتماء الوطني والعروبي " القومي" فوق انتمائهم الديني، مع اعتزازهم بتاريخهم وثقافتهم وخصوصيتهم، سواءً كانوا متدينين أو غير متدينين، مثلهم مثل المسلمين، لكنهم في الوقت نفسه لا يشعرون بأنهم كاملو المواطنة مثلهم، حيث عانوا من التمييز واللّامساواة والتهميش الشيء الكثير، قانونياً ومجتمعياً، ولسبب مختلف عن أسباب إقصاء أو تهميش الآخرين لنزعات استبدادية، وذلك ما يتعلّق بنزعات استعلائية تعصبية باسم الدين أو تستخدمه وسيلة للهيمنة".
وأخيراً رغم ما جرى من تعسف وإرهاب وتخويف ضد المسيحيين، فإنهم ظلّوا يتمسكون بعراقيتهم ومواطنتهم ويتعاملون على أساس الدفاع عن حقوقهم، علماً بأن حملة الهجرة الاضطرارية طالت مئات الآلاف منهم، وهو الأمر الذي يحتاج إلى معالجة أوضاعهم على أساس المواطنة الكاملة والحيوية وإلغاء جميع أشكال التمييز دستورياً وقانونياً، ووضع الكفاءة في مكانها الصحيح خارج دائرة الولاءات الدينية والطائفية والمذهبية والإثنية، من أعلى المستويات في الدولة وحتى أدناها على أساس شرعة حقوق الإنسان الدولية التي وقّع عليها العراق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الأصل في هذه المادة محاضرة ألقيت بتاريخ 18/12/2008 في براغ بدعوة من المنتدى العراقي، ومحاضرة ألقيت في فيينا في العام 2009 بعنوان : مسيحيو العراق عبر التاريخ.
** اقتصادي وكاتب ومدير عام سابق في وزارة التخطيط (بغداد) وحالياً رئيس الجالية العراقية في جمهورية التشيك- براغ
المصادر
1- تاريخ العرب (د.فليب حتي, د.أدور جرجي, د.جبريل جبور)
2-تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية ثلاثة أجزاء (الأب ألبير توما)
3-المؤرخ البيزنطي(أبرسيوس)معجم الآثار المسيحية
4-مروج الذهب(المسعودي)
5-الأغاني (لأبي فرج الأصفهاني)
6-دراسة في طبيعة المجتمع العراقي(د.علي الوردي)
7-د.سيار الجميل(المسيحيون العراقيون وقفة تاريخية عند أدوارهم الوطنية)مقالة نشرت في صفحة عراق
الغد الالكترونية.
8-د.عبد الخالق حسين(العراق والانتخابات الأمريكية)مقالة نشرت في صفحة عراق الغد الالكترونية.
9-ألجاحظ(كتاب الحيوان)
10-دافنشي كود(لغز دافنشي)قصة روائية للكاتب الأمريكي دان براون.
ثانيا:أن هذه الدراسة لا علاقة لها بمسألة الأيمان واللاهوت لأنني غير مؤهل للحديث بعمق عن مسألة الإيمان.
11- د. عبد الحسين شعبان - المسيحيون ملح العرب، دار ضفاف ، الشارقة، 2013.
12- د. عبد الحسين شعبان - أغصان الكرمة - المسيحيون العرب، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، دار المحجة البيضاء (بيروت)، بغداد، 2015.
13- د. عبد الحسين شعبان - سبعة أسباب لاستهداف المسيحيين، جريدة السفير "اللبنانية" 17/3/2011
14- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك وجنيف، 2002.
15- د. عبد الحسين شعبان - ماذا بعد تفريغ المنطقة من المسيحيين ، جريدة النهار، 29/10/2010.