إن كثيرا من الدول الأوربية ذات الأنظمة الديموقراطية لها القوانين الصارمة في الحفاظ على الحياة بشتى الوسائل, وتقدم لمواطنيها كل الخدمات الصحية والطبية والرفاهيات بشتى الأنواع في المستشفيات, ولكل أفراد المجتمع, مهما كانت أعمارهم ومهما كانت حالتهم المرضية ومهما كانت التكاليف في سبيل خدمة شعوبهم بحثا عن الخلود , ولا تمر يوم إلا ونسمع عن إكتشاف جديد وإختراع لدواء ما وطريقة جراحية جديدة لمعالجة مرض ما في بقعة من بقاع العالم, وسرعان ما تتسابق وسائل الإعلام و الأطباء في جمع المعلومات عن هذا الإختراع الجديد والخبرات المتعلقة فيها والتي تطبق بسرعة في خدمة الطب وعلاج المرضى في هذه المجتمعات , وإننا كأطباء عرب ممارسين الطب في المشافي او العيادات في الدول الغربية ومعرفتنا للقوانين الغربية وحق المرضى والمواطن نرى الفروق الشاسعة بين مطامح المجتمعات الغربية ونظرتهم الى حقوق الشعوب في الدول النامية او الشعوب التي ننتمي اليها. وهذه الإدارت او الحكومات نفسها وبقرارات سياسية مموهة ومواقف سياسية معينة تعطي قرارات لشن حروب غير مبررة على شعوب آمنة والتي تؤدي الى كثير من الوفيات وتلحق المصائب والكوارث وتخلف المرضى ذات العوائق الجسمية والجسيمة التي ترافقه الى الأبد, وفي غالب الأحيان إن دور الأطباء للقيام بالإسعافات الضرورية غير مرغوبة وغير مسموحة وهي غير ممكنة بالأصل أثناء هذه الحروب لقلة الإمكانيات التقنية والعوائق الأمنية
من المسؤول عن هذه المصائب و الوفيات والضحايا جراء هذه الحروب؟ هل هي مسؤوليات سياسية؟ , أم أنها وقائع قانونية وحالات اجتماعية؟ أم انها حقائق طبية, دينية وفلسفية؟. من هو صاحب القرار في الحياة او الموت؟ هل هو الشخص السياسي ام القانوني يحدد حياة او وفاة إنسان ما ؟ أم هل هو الشخص العسكري الذي يقرر بشن حرب يودي بحياة الآلاف من البشر ؟ من له الحق بإلقاء قنبلة او إطلاق طلقة مميتة ضد إنسان بريء؟,وما هو دور الفرد في المجتمعات الغربية في إتخاذ هذه القرارات ؟ وما هو دور الطبيب الذي أخذ على عاتقه الحفاظ على حياة الإنسان لينقذ ما يمكن إنقاذه مدافعا عن المريض المصاب في الشارع لإنقاذه ومعالجتة, أو في سرير المرض وفي العناية المشددة, هل هناك شعوب مسموحة لهم بالحياة وشعوب أخرى غير مسموحة, آلا حان الوقت للرجوع الى التفكير بالمنطق والحق لإيقاف هذه الكوارث المصطنعة و الحروب الغير المبررة وسفك الدماء؟ لأطفال ونساء ولأشخاص أصحاء يفارقون الحياة بين لحظة وأخر
هل يسمح للطبيب المسعف بأن يفكر عن خلفيات الحروب عند معالجته للإنسان المجروح؟ وهو يعرف تماما درجة الإصابة والعلاج اللاذم له والعلاج المتوفر لديه وفي حال عدم تقديم او توفير العلاج الذي يحتاجه الى أين تسير به حالته ويبقى واقفا بجوار مريضه مدافعا عن حياته ضد المرض بخبرته الشخصية وبأساليبه التشخيصية الى آخر لحظة متمسكا بمعاني الإنسانية دون ان يتأثر معنوياته المهنية, وإنه بالتأكيد لو ان السياسيون لو ينظرون الى هذه المشاكل من النظرة الطبية لما أقدموا على هذه القرارات الخاطئة, ونحن نسألهم ما هو ثمن الحياة التي ينعمون بها أنفسهم ونطلب منهم فقط التأني في إتخاذ القرارات التي فيها مصير شعب او أمة, وان ينظروا الى لغة الحرب كما شهدناه مرارا كانت ولا تزال هي دائما لغة فاشلة لم ولن تتوصل الى حل الخلافات المزعومة والتي يجب حلها ضمن المفاوضات والمناقشات على الطاولة والحوار والإحترام المتبادل التي تعتمد على العلم والمنطق والحق , وان شعوبنا العربية متفهمة بمشكلاتها ولا تريد إغتصاب أحد او إلحاق الضرر بأحد
وإننا في اتحاد أطباء العرب في اوروبا وبشكل مقصود نتعامل في كثير من نشاطاتنا ونظرتنا الى الأمور السياسية من النظرة الطبية ونسعى الى خلق جو للحوار بين الزملاء في الدول الأوروبية والزملاء في الشعوب العربية بشكل علمي وسلمي ونتعرض على المواضيع الإجتماعية والسياسية الساخنة, ونناقش الأمور كلها من خلال المؤتمرات الطبية او النشاطات الإغاثية, وبناء جسور طبية وعلمية بين المؤسسات الطبية الأوروبية والجامعات للتواصل المباشر وخلق حوار بين الحضارات وتفهم للشعوب على أرض الواقع سواء في الدول التي نمارس فيه أو في أوطاننا ونعلمهم عن الحقائق والوقائع على أمل الوصول الى القرارات الصائبة والعادلة من قبل الحكومات التي ينتمون اليها . إن نجاح الحوار بين الآراء الفكرية المختلفة وتبادل الخبرات وكسب الثقة, سيكون مضمونا طالما توافرت الفرص والمناسبات لإبداء هذه الأفكار.
وبهذا يمكنني القول بأن الطب ليس له علاقة مباشرة بالسياسة ولكن القرارات السياسية الخاطئة يعقبها كوارث طبية وخيمة مع مسؤوليات إجتماعية وأخلاقية وإقتصادية ذات ثمن باهظ يدفعها هذا المجتمعات عشرات السنين والتي تجعلنا بالتفكير عن دور الفرد و المجتمع في إختيار الحكومات او الإدارات التي تمثلهم في إتخاذ القرارات السياسية