يشترك مناصرو هذه النظرية بالعديد من الافتراضات التي يطلقها الواقعيون حول النظام الدولي
– بأنه فوضوي، وأن الدول انتهازية تسعى للمحافظة على البقاء وبنفس الوقت لزيادة أوضاعها المادية، وأن المجهول يتخلل العلاقات بين البلدان. ولكن المؤسساتية ترتكز على نظرية الاقتصاد المصغر للوصول إلى نتيجة مختلفة جذرياً
– بأن التنسيق بين الأمم أمرٌ ممكن. حيث أن هذا التنسيق من الممكن أن يكون استراتيجيةً بالنسبة للدول لتحافظ على بقائها وتحقق مصلحتها بطريقة عقلانية.
لنأخذ مثلاً دولتين شريكتين تجارياً. إن خفضت كلتاهما التعرفة الجمركية فستتاجران أكثر وكلاهما سيصبح مزدهرا أكثر، ولكن كلاهما لن يريد ذلك ما لم يتأكد أن الآخر سيفعل ذلك أيضاً.
ويشكك الواقعيون في استدامة مثل هذا التنسيق التنسيق بغياب قوة عليا قسرية لأن كلا من البلدين يمكن أن يكون لها دوافع لتفتح الأبواب للتجارة وبثِّ بضائعها إلى أسواق الدولة الأخرى دون السماح لأي نوع من أنواع الاستيراد. ولكن المؤسساتيين، على نقيض ذلك، يحتجون بأن المؤسسات – بتعريفها بأنها مجموعة من القواعد والمفاهيم والممارسات والإجراءات المتعلقة باتخاذ القرار التي تشكل التوقعات
– من الممكن أن تقضي على المجهول الذي يقوِّضُ التنسيق. فبدايةً، توسِّعُ المؤسسات أفق الوقت المتعلق بالمبادلات، بصنع اتفاقية متكررة بدلاً من جولة واحدة من المبادلات.
إن البلاد التي تتفق على تعرفات جمركية مخصصة لجولة واحدة من الممكن بالفعل أن تستفيد من خداع جيرانها في أيٍّ من دوائر المفاوضات. ولكن البلاد التي تعلم أن عليها التفاعل مع ذات الشركاء بشكل متكرر ستملك حوافز للاستجابة لاتفاقياتٍ على المدى القصير لتستطيع المتابعة في اقتطاف فوائد التنسيق على المدى الطويل. وهكذا تزيد المؤسسات من الانتفاع من السمعة الطيبة للبلاد.
وثانياً، يحتجُّ المؤسساتيون بأن المؤسسات تزيد المعلومات حول سلوك الدولة. تذكر أن المجهول سببٌ هامٌّ لجعل العقلانيين يشككون بإمكانية جعل التنسيق مستداماً. ويجمع المؤسساتيون المعلومات حول سلوك الدولة ليحكمو بالتزامها أو مخالفتها لقوانين معينة. وبهذا تعلم الدول أنها لن تقدر على الخروج بذلك إن لم تذعن بالطاعة لقانون معين.
الاتجاهات النظرية الجديدة في تحليل مفهوم الدولة – النظرية المؤسساتية الجديدة نموذجا-
تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على دور النظرية المؤسساتية الجديدة بفروعها الثلاثة ( مؤسساتية الخيار العقلاني، التاريخية والاجتماعية ) والتي تتفق كلها على إعطاء أهمية محورية للمؤسسات، وتدور هذه الورقة الإجابة على إشكالية مفادها كيف تطور مفهوم الدولة وإلى أي مدى استطاع التحولات النظرية الحاصلة في من تقديم تصورات جديدة لمفهوم الدولة. ولذلك تم اعتماد مقاربة منهجية في دراسة التطورات والتحولات التي شهدها مفهوم الدولة حيث تم توظيف المنهج التاريخي نظرا لتأثر علم السياسة (الدولة) بالاتجاه التاريخي من خلال استحضار المدرسة الابستمولوجية التاريخية، بجانب ذلك تم استخدام المقترب المؤسساتي الجديد باعتباره يمثل موضوع هذه الورقة الذي يدور حول أهمية المنظور المؤسسات في فهم الدولة، بجانب المنهج الوصفي التحليلي الذي يساعدنا على توصيف التطورات الحاصلة في مفهوم الدولة بإخضاعه إلى الدراسة الدقيقة وفق منظور المؤسسات. انطلاقا مما سبق تم التوصل إلى نتيجة مفادها أن النظرية المؤسساتية الجديدة باتجاهاتها المتنوعة (مؤسساتية الخيار العقلاني، المؤسساتية التاريخية والاجتماعية ) قدم إسهامات نظرية وأكاديمية جديدة تؤكد فيها على أهمية اعتماد الدولة كوحدة تحليل أساسية، وفق منظور جديد تجاوز المنظور التقليدي المصطبغ بالشكليات القانونية والمؤسسية الصماء مضفيا بذلك جانبا كان مغيبا وهو تفسير كيفية نشأة المؤسسات وطريقة تفاعلها مع محيطها.