مما لا شك فيه تعد تكنولوجيات الإتصال الحديثة و المعلومات الرقمية مؤخرا جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. إذ تحولت وسائل التواصل الإجتماعي مثل الفيسبوك و التويتر لدي أكبر شريحة من أفراد المجتمعات العربية إلي ساحة واسعة لتبادل الآراء و المعلومات. إذ أضحت هذه الوسائل كالملح الذي لا يغيب عن الطعام حتي عند أولئك الأشخاص التي تعتقد أن القلم و القرطاس فوق الجميع و لا بديل لهما مهما كانت الظروف. بالتالي أصبح الجميع منشغل بتلك التقنيات الحديثة و متابع للأخبار الإلكترونية و الإبتكارات التكنولوجية مع البحث و التدقيق في أبسط جزئيات تلك التكنولوجيات. إن عالمنا الحالي يشهد طفرة نوعية من المتغيرات الصاعدة و الواعدة علي مستوي هذه تكنولوجيات المعلوماتية و الإتصالاتية الرقمية. إذ لا مجال اليوم لرسم الحدود بين الدول بحيث تحول عالمنا إلي مجرد قرية رقمية و علبة إلكترونية تربطها شبكة رقمية إتصالاتية تشمل الجميع من شركات و أفراد و مؤسسات حكومية عبر أجهزة الكومبيوتر و البرمجيات و غيرها من وسائل التواصل المباشر و ذلك في بضع ثواني معدودة و كأن الجميع في غرفة واحدة. فعلي الرغم من الإيجابيات التي توفرها تلك التكنولوجيات الحديثة مثل إستغلالها للعمل المباشر و تقليص الزمن و تقريب المسافات و إنشاء برمجيات عمل و إبداع من تطوير و برمجة, إلا أنها في المقابل كانت سلبياتها كارثية و أضرت بمصالح العديد من الأشخاص و لعل من أبرزها تلك الثورات الإجتماعية التي أطاحت بأغلب رؤساء العالم شراسة و دكتاتورية. و أيضا إنتهاكاتها للمعطيات الشخصية و تأثيراتها السلبية عبر القرصنة للإنتخابات الرئاسية أو غيرها من مواقع الشركات و الجامعات.
تأثيرات إيجابية
إن هذه التطورات في الإقتصاد الرقمي أصبحت تشمل مؤخرا العديد من المجالات و القطاعات الحيوية في الإقتصاديات الوطنية للدول العربية لتكون بذلك العمود الفقري للإقتصاد العصري. فهذه المتغيرات سمحت للعلماء و الباحثين بتطوير أساليب عملهم و معاملاتهم اليومية بحيث شمل العالم الإفتراضي قطاع الصحة فأحدث بالنتيجة آخر صيحة و هي العمليات الجراحية الإلكترونية التي تدار في قاعات عمليات تضم أطباء من مختلف دول العالم و ذلك عبر إتصالات بالأقمار الصناعية و بشبكة الإنترنت العنكبوتية. أما قطاع التعليم فهو يعد من أبرز القطاعات التي إستفادت بشكل كبير من العالم الإفتراضي خاصة في مجال البحوث العلمية و تطوير نمط التدريس عبر إستعمال القاعات الإفتراضية عن بعد. بالتالي برزت ظاهرة التعليم الإلكتروني في أغلب الدول العربية و خاصة منها الدول الخليجية و ذلك عبر تنامي ظاهرة الإستثمار في المدارس الرقمية و الجامعات الإفتراضية و حتي منها إنشاء برمجيات لقاعات إلكترونية تسمي بالتدريس عن بعد من المنزل تضم إستاذ إلكتروني و مجموعة طلاب من مختلف دول العالم تتلقي دروس دعم و تكوين تأطيري و علمي. بالإضافة لذلك أصبحت أغلب الجامعات العالمية مستفيدة من قاعدة البيانات الإلكترونية عبر الشبكات الرقمية المعلوماتية التي تضم جميع القواعد العلمية و المكتبات الرقمية العالمية. بالتالي أختزل الزمن و المجهود في البحث و أصبح الفرد يتمتع بسهولة الوصول إلي المعلومة بسرعة فائقة ليتم بعد ذلك تحليلها و مناقشتها و تشكيل رأي خاص بكل فرد و زاد معرفي و إبداعي تأطيري أو تحويل المادة العلمية إلي مادة تدريس دسمة عبر الأعمال التطبيقية المباشرة. ساهمت تكنولوجيات الإتصال و المعلومات الحالية في الأوطان العربية إيجابيا و ذلك عبر رفع نسق و جودة البحث العلمي و الزاد المعرفي لتخلق من الموارد البشرية العربية إطارات فاعلة في مجتمعاتها و ناجعة في إبداعاتها. أما قطاع التجارة و الأعمال فهو أيضا كان من أكبر المستفيدين من التقنيات المعلوماتية الحديثة بحيث تحولت المبادلات التجارية في العالم العربي من التجارة التقليدية إلي التجارة الإلكترونية. فأبرز دليل علي ذلك يتمثل في الإقبال المتزايد علي مواقع البيع بالجملة و لعل من أشهرها موقع علي بابا الصيني بحيث أصبح المستورد اليوم ليس في حاجة للسفر قصد جلب منتجات بطريقة معقدة و مكلفة. كما أصبحت الإنترنت تشكل له وسيلة عمل مبسطة و تسهل له العمليات التجارية عن بعد. أيضا نذكر موقع البيع الإلكتروني العملاق الأمازون الأمريكي الذي يحظي بشعبية عالمية كبيرة و رهيبة. أما بالدول العربية فكانت تأثيرات تلك التكنولوجيات علي مستوي التجارة الإلكترونية واضحة بشكل كبير بحيث برز موقع سوق الإلكتروني و أيضا العديد من المتاجر الإلكترونية كالبيع بالتجزئة أو البيع بالجملة. في المقابل زادت ظاهرة البيع و الشراء عبر الإنترنت في المجتمعات العربية و كانت لها تأثيرات إيجابية مباشرة بحيث أصبح المواطن العربي مستغني تماما عن السفر للتسوق من أجل شراء منتجات ماركة عالمية أو ملابس و عطورات و غيرها من المنتجات الإلكترونية و ذلك بمجرد الضغط علي الزر من هاتفه الجوال و دفعه للمعاليم عن بعد عبر الباي بال. عموما أصبحت أغلب عمليات المبادلات التجارية العصرية و الفردية تدار مباشرة عبر الإنترنت و بإتصالات عن بعد من أجل الشراء بالجملة و الإستخلاص ثم الشحن. كذلك أصبح مجال التسويق الإلكتروني يستغل الإنترنت كمنصات للإعلانات الإشهارية الإلكترونية علي وسائل التواصل الإجتماعي أو علي البريد الإلكتروني من أجل الترويج للمنتجات و الماركات العالمية لجلب أكبر عدد ممكن من الحرفاء المستهدفين. بالنتيجة كانت لوسائل التواصل الإجتماعي أهمية كبري في مجال التسويق و الترويج نظرا لتزايد عدد المستخدمين لهذه المنصات الإفتراضية و التي أصبحت تضم الملايين من المتصفحين يوميا من مختلف دول العالم.
تأثيرات سلبية
إن التأثيرات السلبية لتكنولوجيات الإتصال و المعلومات تتلخص بالأساس في تلك الأساليب الملعونة التي كانت مدمرة علي شتي المقاييس لأغلب المكاسب الوطنية العربية. ففي كل مجتمع عربي نجد الصالح و الطالح لكن سوء إستعمال تلك الوسائل أدي بالنتيجة إلي وصول أغلب دولنا العربية للحضيض بحيث تحولت كحبوب للهلوسة و مخدرات إلكترونية تحريضية. كما كانت لتلك الوسائل تأثيرات سلبية و عميقة في نفوس أغلب المجتمعات العربية مما زادت من نسبة إنتهاك حرمة الفرد و كرامته و معطياته الشخصية و ساهمت بالإساءة للعديد من الأشخاص ذات القيمة الفعالة في أوطانها. إن الإستغلال السيئ لتكنولوجيات الإتصال و المعلومات تسبب في كوارث جسيمة بأغلب الدول العربية ماديا و معنويا منها التحريض علي التمرد الشعبي و العصيان المدني أو القتل و التشهير بالأشخاص. فعلي الرغم من إيجابيات وسائل التواصل الإجتماعي في التعارف و الدردشة و تبادل الآراء و المعلومات المفيدة, إلا أن سلبياتها كانت الأدهي و الأمر خاصة منها عمليات التنصت و التحريض و التشهير و غيرها من الأعمال العدائية التي أدت بالنتيجة إلي اللجوء للمحاكم العدلية لفض النزاعات خاصة علي مستوي علاقات الأشخاص المهمين منهم المشاهير كالفنانين و السياسيين و نجوم كرة قدم. أما بالنسبة لبقية المواطنين العاديين بالدول العربية شكلت لهم وسائل التواصل الإجتماعي داخل الأسرة نقمة حقيقية بحيث زادت نسبة الطلاق وذلك لمجرد شكوك أو عدم الإهتمام بشؤون المنزل و تفضيل تلك الوسائل في الدردشة علي العلاقة الزوجية. كذلك كانت لتلك التكنولوجيات الحديثة و الخبيثة أثر مدمر وصل إلي أعلي هرم السلطة التنفيذية بأكبر دولة بالعالم بحيث برز مؤخرا تحقيق عدلي بخصوص قرصنة الإنتخابات الأمريكية الأخيرة من قبل جهات روسية. فكان ظهور المحقق مولر علي شاشة التلفاز يذكرنا بتلك البرامج الطفولية للمحقق كونان و كأنما تلك الوسائل التكنولوجية أصبحت ضربا من الخيال و المزاح عبر إتهام الرئيس الروسي بوتين بتزوير الإنتخابات الرئاسية الأمريكية و قرصنة آلات الفرز الإلكتروني. أيضا قامت وكالات الأمن السيبراني العالمية بوضع دولة روسيا علي قائمة أخطر الدول في البرمجة و النصب و الإحتيال و قرصنة المواقع الإلكترونية علي شبكة الإنترنت. ففي إطار تنامي هذه الظاهرة الخطيرة في الدول العظمي يمكن أن تتحول تأثيرات عدواها السلبية إلي بعض الدول العربية و التي تحولها بالنتيجة إلي مجال إستلهام من قبل بعض النفوس الشريرة للنسج علي منوالها. كذلك تضررت شبكة قنوات بين سبورت القطرية من القرصنة بشكل غريب و رهيب بحيث أصبح المستهلك العربي خاصة في دول شمال إفريقيا لا يبالي عبر إستعمال منظومة الإي. بي. تي. في. و يقبل علي شرائها من محلات تجارية مرخص لها من قبل الدولة و التي تبيعها علي قارعة الطريق و للعلن أو بشراء أجهزة البي. أوت. كيو. المشبوهة و التي أضرت بمجال الإعلام الرياضي بشكل كبير. أما علي الصعيد السياسي بدول ما يسمي بالربيع العربي فقد ساهمت وسائل التواصل الإجتماعي و التقنيات المعلوماتية الحديثة علي بعض المنصات الإلكترونية مثل الفيديوهات و الفيسبوك و التويتر في الإطاحة بأغلب رؤساء الدول العربية خلال العشرية الأخيرة. بالإضافة إلي ذلك مثلت القاعدة الأساسية لإدارة الحركات الإحتجاجية في معظم الدول العربية. بالتالي كانت عملية التخلص من الأنظمة السابقة مكسبا وطنيا لكن نتائجها كانت تخريبية علي جميع الأصعدة إقتصاديا, سياسيا و إجتماعيا بأغلب الدول العربية نذكر منها الثورة السورية التي تحولت إلي دمار و خراب بأغلب مدنها و أصبحت كمدن أرواح و أشباح منها حلب و حمص و أدلب كما هجرت أو قتلت أغلب سكانها. أما في اليمن فالصراع السياسي علي السلطة تحول إلي حرب أهلية و إقليمية تسبب في أزمة إنسانية لا مثيل لها عالميا بحيث حولتها إلي مجاعة صومال جديدة. أما في ليبيا كانت عمليات النهب و التخريب للمنشآت النفطية هي الطاغية و المدمرة للمكاسب الوطنية. أصبحت بالنتيجة أغلب الدول العربية تعاني الأمرين خاصة مع بروز ظاهرة الإرهاب الدولي بحيث أصبحت تنزف دماءا و دموعا.
عموما تعتبر تكنولوجيات الإتصال و المعلومات مفيدة عبر نتائجها الإيجابية لتخلق عالم جديد و متطور يعتمد علي الإبتكار و الإبداع و يساهم في تطوير الموارد البشرية العربية. أما نتائجها السلبية فكانت تأثيراتها مدمرة للمكاسب الوطنية و منتهكة لحقوق الشركات و الأفراد و أيضا لسيادة الدول.