آليات القانون الدولي الانساني لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة المجلس الحقوقي | آليات القانون الدولي الانساني لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة
تاريخ النشر: 11-07-2019

بقلم: KATAIA, Ben Younes

تعتبر البيئة من النعم الكبيرة التي أنعم الله بها على مخلوقاته عامة و الإنسان بشكل خاص، فالبيئة هي التي تحافظ على نقاوة الهواء و نظافة الماء و براءة الأرض و جمالها، ففي الماضي كان الإنسان يعيش وسط بيئة خالية من التلوث نظيفة، أما مؤخرا فلا نجد مكان إلا و التلوث يخرب البيئة و يدمرها، فأفقدها نواحي الحياة بل أفقدها توازنها، و هذا خاصة لما تعرضت له من دمار سبب الحروب و النزاعات المسلحة، فهي تضر بالبيئات على إختلافها البرية و البحرية و الجوية، وذلك لما عرفته هذه النزاعات من إستخدام لأسلحة الدمار الشامل النووية المحدودة و الشاملة، الكيميائية أو الجرثومية. و لعل تلك النتيجة السلبية للحروب على البيئة و لإعتبارات تتعلق بضرورة حمايتها، كان من ثمارها أن بدأت النظم القانونية العالمية في وضع موضوعات البيئة و حمايتها ضمن أولويات إهتماماتها، و لكون القانون الدولي للبيئة فرع لا يهتم إلا بقضايا البيئة أثناء فترة السلم، فكان لا بد أن نبحث في قوانين أخرى ....... بفترة النزاعات المسلحة، و هو القانون الدولي الإنساني. و من هنا تنطلق هذه الدراسة في بيان آليات القانون الدولي الإنساني المعنية بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة، و هذا بالوقوف على ما توفره قواعد أحكام هذا القانون من حماية البيئة في هذه الأوقات هذا ما يؤدي بنا إلى طرح الإشكالية التالية: هل تكفل آليات القانون الدولي الإنساني في وضعها الراهن الحماية الواجبة للبيئة الطبيعية أثناء فترة النزاعات المسلحة، أم أنه لا يزال ثمة نقص و قصور في هذه الآليات مما يتعين معه العمل على سد هذا الفراغ القانوني؟ فهذه الإشكالية جعلتنا نقسم بحثنا إلى فصلين أساسيين و هما: الفصل الأول: نتناول فيه قواعد القانون الدولي الإنساني لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة. الفصل الثاني: نتناول فيه وسائل تفعيل قواعد حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة. فبالنسبة للفصل الأول فقد تناولنا فيه كما سبق و أشرنا، قواعد القانون الدولي الإنساني لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة، إلا أنه قبل التطرق إلى هذه القواعد كان لا بد علينا من التعريج للتعرف على مفهوم كلا من القانون الدولي الإنساني و البيئة و ذلك لمعرفة العلاقة التي تربط هذين المفهومين. فالقانون الدولي الإنساني هو فرع من فروع القانون الدولي العام ظهر أعقاب الحرب العالمية الثانية، و هو يهدف إلى حماية ضحايا النزاعات المسلحة، كما له خصائص تميزه عن غيره من القوانين، و بهذا وقفنا عند نشأة و تطور هذا القانون و نطاق تطبيقه. أما عن مفهوم البيئة فقد عرف هذا الأخير تطورا كبيرا مؤخرا و إهتماما أكثر من خلال ظهور فرع جديد في القانون الدولي العام يعنى بحمايتها و هو القانون الدولي للبيئة، و لعل أول من ساهم في وجود هذا القانون هو مؤتمر إستوكهولم 1972، ثم توالت الإتفاقيات و المؤتمرات المكونة لقواعده وأحكامه، و بهذا أظفرت البيئة كحق من حقوق الإنسان الأساسية لها علاقة بحقوق الإنسان وخاصة حقه في الحياة و حظه في السلم و الأمن غير أن هذا الحق كثيرا ما ينتهك خاصة أثناء النزاعات المسلحة، و ما عرفه العالم من سباق نحو التسلح، فالواقع يبين لنا أن الحروب التي شهدتها الساحة الدولية أدت إلى إنتهاك ........ لحق العيش في بيئة سليمة و نظيفة، و هذا ما أدى إلى آثار خطيرة، كالتغيرات المناخية و طهور العديد من الأمراض القاتلة، لذا فقد حاول المجتمع الدولي وضع قواعد من خلال القانون الدولي للبيئة...... حمايتها أثناء النزاعات المسلحة، إلا أنها تبقى محاولات غير مجدية نظرا لأن هذا القانون لا يختص بحماية البيئة إلا في أوقات السلم فقط. لذا فكان لا بد لنا بالبحث عنها في قواعد القانون الدولي الإنساني و الذي يهتم بحماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، و بما أن البيئة تعتبر حقا من حقوق الإنسان فهو الأولى بأن يوفر لها هذه الحماية أثناء تلك الفترة. و كما نعلم فإن القانون الدولي الإنساني يتكون من فرعين هما: قانون لاهاي أو ما يسمى بقانون الحرب و قانون جنيف و الذي يمثل القانون الدولي الإنساني بمعناه الدقيق، غير أن هذان الفرعان لا يحتويان على قواعد مباشرة لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة و إنما يوفران الحماية لها بطريقة غير مباشرة، غير أنه و مع زيادة الوعي و الإهتمام بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة ظهرت هناك قواعد مباشرة لحمايتها. فبالنسبة للقواعد غير المباشرة لحماية البيئة فإنها لا تتمثل في تلك القواعد و المبادئ العرفية التي تبناها القانون الدولي الإنساني من خلال إتفاقيتي لاهاي و جنيف إذ أن البيئة لم تذكر في هذين القانونين لأنهما كانا يهتمان بحماية الإنسان و حقوقه الأساسية و البيئة بوصفها هذا لم ترد ضمن هذه القواعد إذ أن فكرة البيئة كحق من حقوق الإنسان لم تكن قد ظهرت بعد و بهذا الإهتمام الذي هي عليه الآن. غير أنه كان لهذه المبادئ دورا هاما في حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة بطريقة غير مباشرة، و خاصة في ظل غياب القواعد المباشرة التي تختص بحمايتها و التي جاءت فيما بعد، و تتمثل هذه المبادئ فيما يلي: 1- مبدأ الضرورة العسكرية، نصت عليه المادة 23 من إتفاقية لاهاي لسنة 1907 و المادة 53 من إتفاقية جنيف الرابعة سنة 1949. كما أكدت عليه الجمعية العامة في قرارها 47/37 لسنة 1996. 2- مبدأ التناسب: و نصت عليه المادتان 51 و 57 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 و أكدت عليه محكمة العدل الدولية في رأيها الإستشاري الصادر في 08 جويلية 1996 بخصوص التجارب النووية. 3- مبدأ الإنسانية: نصت عليه المادة 23 من التعليمات الملحقة بإتفاقية لاهاي لسنة 1907 و المادة 10 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977. 4- مبدأ تقييد الأطراف في إختيار وسائل و أساليب القتال نصت عليها المادة 22 من إتفاقية لاهاي 1907 و المادة 35 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 و المادة 54 من نفس البروتوكول و المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني 1977. 5- و إلى جانب ذلك فإن القانون الدولي الإنساني يتضمن قواعد أخرى مهمة، لم تأت لحماية البيئة في حد ذاتها، و لكنها تساهم في حمايتها بطريقة غير مباشرة و نخص بالذكر تلك القواعد التي تختص بحماية الأعيان المدنية و ذلك بإعتبار أن البيئة تعتبر من الأعيان المدنية، رغم أن بعض عناصرها كالهواء و طبقة الأوزون يصعب و إن لم نقل لا يمكن إعتبارها أعيانا مدنية، لذا فقد إستفادت البيئة بإعتبارها أعيانا من نظام الحماية العامة للأعيان المدنية و نظام الحماية الخاصة و ذلك بإعتبارها تدخل ضمن الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السمان كما يمكن لها أن تضر من خلال تدمير المنشآت التي تحتوي على قوى خطيرة. و رغم مساهمة القواعد غير المباشرة في حماية البيئة إلا أنه أدت الكوارث التي أحدثتها حرب فيتنام سنة 1967 إلى زيادة الضرورة لإيجاد قواعد مباشرة لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة نظرا للوسائل و الأساليب الحربية المستعملة و التي ضربت بمبدأي الضرورة و التناسب عرض الحائط، وكانت البيئة هي أكثر المتضررين من هذه الحروب، فبدأ الوعي بحماية البيئة في المجتمع الدولي، مما أدى إلى إجراء تعديلات على القانون الدولي الإنساني و إعطاء الحماية للبيئة الطبيعية أثناء النزاعات المسلحة، هذا نتيجة لضعف إهتمام القانون العرفي الإنساني التقليدي عن إضفاء الحماية اللازمة للبيئة بحيث أن كل الإتفاقيات السابقة تركز الحماية على المدنيين و الأعيان المدنية. و من هنا ظهرت قواعد قانونية مباشرة لحماية البيئة أثناء فترة النزاعات المسلحة في القانون الدولي الإنساني و تتمثل هذه القواعد في إتفاقيتي: 1- حظر إستخدام تقنيات تغيير البيئة لأغراض عسكرية أو عدائية أخرى لسنة 1976. 2- البرتوكول الإضافي الأول لإتفاقيات جنيف سنة 1977. فبالنسبة للإتفاقية الأولى فقد جاء التوصل إلى إعتمادها خلال المفاوضات المتعددة الأطراف في مؤتمر جنيف 1969 للجنة نزع السلاح، و دعا الأمين العام للأمم المتحدة جميع الدول للتوقيع والمصادقة على هذه الإتفاقية، و فتحت للتوقيع في 18 مايو 1977، ثم دخلت حيز التنفيذ في 05 أكتوبر 1978، و صادقت عليها 64 دولة إلى حد الآن، و تتضمن هذه الإتفاقية 10 مواد وملحق واحد له نفس أهمية و قيمة تلك المواد. و ما يحسب لهذه الإتفاقية أنها أول وثيقة تهتم بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة، كما أنه ولأول مرة يمنع إستخدام البيئة كوسيلة من وسائل الحرب و هذا من خلال ما جاء في المادة الأولى من الإتفاقية. كما نصت هذه المادة على معايير تحكم العمل العدائي العسكري حتى يكون محظورا بسبب ما يحدث من أضرار بيئية منطوية على آثار واسعة الإنتشار و طويلة البقاء أو شديدة. أما عن البروتوكول الإضافي الأول لإتفاقيات جنيف 1977 فقد جاء إثر الدورة الأولى للمؤتمر الدبلوماسي لتأكيد و تطوير القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة، بجنيف في 20 فيفري 1974، غير أن مسألة حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة، لم تظهر ضمن جدول أعمال المؤتمر بحيث أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي كلفت بإعداد مشاريع الملحق الإضافي لم تنشر في وثائقها إلى بند حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة، و ذلك خشية بأن تثير إشكالات لا تجد لها حلولا. و لكن و على الرغم من ذلك فإن بعض الوفود إقترحت عند إفتتاح أشغال المؤتمر تدارك هذه الفجوة و قدمت إقتراحا بإدراج بند "وسائل القتال المضرة بالبيئة على أوسع نطاق" و هو ما حصل فعلا من خلال إدراج مادتين من أجل حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة و هما المادة 55 و المادة 35 الفقرة الثانية، جاءت الأولى من أجل حماية البيئة في حد ذاتها و الأخرى جاءت لحماية البيئة في إطار يؤدي إلى حماية المدنيين، كما أنهما إشترطا نفس المعايير في الضرورة و هو أن يكون ذو آثار واسعة الإنتشار و طويلة الأمد و البالغة، و ما يلاحظ أنهما قد إشترطا أن تكون هذه المعايير مجتمعة و هو عكس ما جاء في إتفاقية ENMOD. كما إعتمدت هاتين المادتين على مبدأ خطر إستعمال أسلحة تتسبب في إحداث أضرار بالبيئة الطبيعية و مبدأ التناسب. غير أنه عند تقدير هذه القوى سواء المباشرة نجدها غير كافية و غير واضحة و قليلة و ضعيفة التطبيق لذا فكان لا بد من إقتراح إيجاد إتفاقية جديدة لتدعيم قواعد القانون الدولي الإنساني الحالي لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة. إن هذه القواعد التي وضعت لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة في القانون الدولي الإنساني تبقى بدون قيمة ما لم تعزز بوسائل قانونية فعالة تضمن تطبيقها و مما تقدم فإن وضع وسائل فعالة لتنفيذ و تعزيز قواعد الحماية للبيئة أثناء النزاعات المسلحة أضحى ضرورة ملحة، لأنه و إن كان الأساس في تنفيذ و تطبيق هذه القواعد وفقا للقانون الدولي هو مبدأ حسن النية إلا أن هذا المبدأ هو في الواقع إلا حبر على ورق، الأمر الذي يحتم البحث عن وسائل لتعزيز تطبيق قواعد الحماية للبيئة أثناء النزاعات المسلحة و تتعلق هذه الوسائل فيما يلي: أولا: الوسائل المكلفة مباشرة بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة. ثانيا: الوسائل المكلفة بطريقة غير مباشرة بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة. ثالثا: دور المحكمة الجنائية الدولية في تفعيل قواعد حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة. أولا: الوسائل المكلفة مباشرة بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة و نقصد بها تلك الوسائل الخاصة بتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، و لكي يتسنى تنفيذ هذه الأحكام و القواعد، فلا بد من وجود أجهزة للإشراف و الرقابة على عملية التنفيذ و المتمثلة في الأجهزة الرئيسية لتطبيق القانون الدولي الإنساني و التي لا بد أن يكون لها دور في حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة، و اللجان المنبثقة عن الإتفاقيات الخاصة بالقانون الدولي الإنساني. فبالنسبة لدور الأجهزة الرئيسية لتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية بالبيئة. و تتمثل هذه الأجهزة في دور الأطراف المتعاقدة في تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية البيئة، فهناك واجب أساسي على الدول الأطراف المتعاقدة و هو إحترام القواعد الخاصة بحماية البيئة سواء المباشرة منها أو غير المباشرة فمبدأ الوفاء بالعهد يمثل أفضل ضمان لتطبيق القانون الدولي بشكل عام. كما تعتبر الدولة الحامية من الأجهزة الرئيسية لتطبيق القانون الدولي الإنساني لذا فقد تلعب دورا في تطبيق قواعد الخاصة بحماية البيئة، إلا أن الواقع يبين لنا أنها لم تعين دولة حامية إلا في عدد قليل من النزاعات ( السويس، جوبا، بنغلاديش)، و لم يسبق لهذه الوسيلة أن تدخلت من قبل لحماية البيئة. لذا كان لا بد علينا من بحث عن أجهزة أخرى و لعل أهمها هي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بإعتبارها الراعي الرسمي للقانون الدولي الإنساني و حارسه الأمين فهي من تسعى إلى تطوير وتفعيل قواعده و نشرها سواءا في فترات السلم أو النزاع المسلح، و لكن ما يهمنا هو الجهود التي تبذلها هذه اللجنة لضمان حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة، فقد سلكت اللجنة سبلا عدة من أجل هذه المهمة، و تتمثل تلك السبل في السهر على تطبيق و تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية البيئة و ذلك من خلال عقد المؤتمرات الدولية، و إتخاذ التدابير الوقائية اللازمة في زمن السلم لتفادي الأضرار في فترة النزاعات المسلحة، كما تسعى اللجنة إلى حسن نفاذ و تطبيق القواعد الخاصة بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة و ذلك بتذكير أطراف النزاع بهذه القواعد، كما تقوم بتقديم المساعدات الميدانية و ..... الرأي العام و إستقطابه. لذا فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تلعب دورا هاما في إرساء القواعد الخاصة بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة و تطويرها بإعتبارها راعي القانون الدولي الإنساني و حارسه، إلا أنها ليست بالتأكيد ضامنة هذا القانون لأنها ليست هيئة تحقيق أو تحطيم فهي دائما تؤكد طابعها الإنساني. أما فيما يخص اللجان المنبثقة عن الإتفاقيات الدولية للنزاعات المسلحة و نزع السلاح فإنها تتمثل في لجنة تقصي الحقائق التابعة للبروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 و آليات إتفاقية ENMOD. فبالنسبة للجنة تقصي الحقائق فهي حسب نص المادة 90/2 من البروتوكول 1977، فهي تخول لها بعض السلطات، في أنها جهة تقوم بإجراء تحقيقات ميدانية في الإنتهاكات المسلحة على الأحكام الواردة في البروتوكول و التي من شأنها أن توفر الحماية القانونية للبيئة أثناء النزاعات المسلحة، غير أنها لا تتحرك من تلقاء نفسها و بقوة القانون بل هي مقيدة في تحركها بضرورة وجود إخطار كتابي من قبل أحد دول أعضاء البروتوكول هذا بالإضافة إلى أنه لا يوجد لها أي سابقة. أما عن آليات إتفاقية ENMOD فهي تتمثل في أسلوب التشاور فيما بين الدول الأعضاء و طرح ........... على مجلس الأمن. ثانيا: الوسائل المكلفة بشكل غير مباشر لتفعيل قواعد البيئة أثناء النزاعات المسلحة. و تتمثل هذه الوسائل في دور كلا من الجمعية العامة للأمم المتحدة و مجلس الأمن في تفعيل قواعد حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة. فبالنسبة للدور الذي لعبته الجمعية العامة في تفعيل قواعد حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة فقد إتخذت عدة قرارات من أجل ذلك منها القرار 37/98، و القرار 47/37 و القرار 48/30 غير أنه هذه القرارات وفقا للقانون الدولي تبقى مجرد توصيات تخلو من أي صفة إلزام، كما قامت بإنشاء هيئة لحماية البيئة و هي برنامج الأمم المتحدة للبيئة PNUE، غير أن هذه الهيئة لم تكن لها أي دور تفعيل قوى حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة إلا من خلال سابقتين و هما حرب كوسوفو 1999، و حرب البوسنة و الهرسك 1994 1995 و كان تقريرها سلبيا. بالإضافة إلى مجلس الأمن بإعتباره حافظ السلم و الأمن الدوليين في العالم فمن الضروري أن يسهر على تطبيق قواعد حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة لأن إنتهاك البيئة أثناء هذه الفترة يهدد السلم و الأمن الدوليين، فقد إتخذ القرار رقم 687 ضد العراق في حرب الخليج و حمله المسؤولية المدنية، لما إرتكبه من جرائم ضد البيئة و القرار 610 من أجل إنشاء لجنة الأمم المتحدة للتعويضات الخاصة بالعراق، غير هذه السابقة لم تتكرر رغم ما تتعرض له البيئة من إنتهاكات ودمارا أثناء الحروب الخاصة تلك التي ترتكبها إسرائيل لذا فنقول أن هذه الآلية غير كافية لأنها سياسة، وكل القرارات التي إتخذتها سواء الجمعية العامة أو مجلس الأمن لها خلفيات سياسية، إذ لم يتحرك هذين الجهازين إلا في حرب الخليج ضد العراق متناسين ما فعلته إسرائيل في فلسطين و في لبنان 2006، و أمريكا في العراق و غيرها من الحروب، فلم تقم أي مسؤولية لا مدنية و لا جنائية ضدهم هذا إضافة إلى حق الفيتوا الذي تتمتع به الدول الكبرى في مجلس الأمن و التي تعترض على الإقرار ضد مصالحها. لذا فقد تم إنشاء آلية جديدة من أجل تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني بما فيها تلك الخاصة بحماية البيئة و هي المحكمة الجنائية الدولية، من خلال المادة 08 الفقرة 02 البند الرابع الذي يحرم أي إنتهاك جسيم ضد البيئة غير أنه علق بشروط فإن البند يتبنى نفس المعايير التي وضعتها القواعد المباشرة لحماية البيئة، أن يكون الضرر واسع الإنتشار طويل الأمد، و بالغ الخطورة. و هو ما يصعب تجسيده واقعيا، لذا فنجد أن هذه الممارسة لم تكن لها أية سابقة. و في الختام نقول أننا حاولنا من خلال هذه الدراسة تسليط الضوء على آليات القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة محاولين بذلك الإجابة على التساؤل الذي لطالما كان يطرح نفسه، حول مصير البيئة الطبيعية أثناء النزاعات المسلحة وسط الصراع المحتدم و خاصة مع القوة المدمرة لوسائل القتال المستخدمة في النزاعات المسلحة و المتاحة اليوم في الترسنات العسكرية التي تزيد من ثقل التهديد بالعدوان على البيئة بشكل خطير لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، لذلك يجب تعليق أهمية كبيرة على إحترام آليات و قواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بحماية البيئة في فترة النزاع المسلح، و إيلاء الإهتمام الدائم لتطوير و تحسين هذه الحماية. فالنتائج التي نستخلصها من دراستنا أن هناك إشكالية كبيرة في قواعد الحماية المكرسة للبيئة أثناء النزاعات المسلحة و ذلك نظرا لغموضها و صعوبة تطبيقها، و بالتالي تعجز الوسائل في تفعيلها، هذا بالإضافة إلى عدم وجود وسائل و أجهزة خاصة لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة و التي يمكن أن تسعى إلى تطوير قواعد الحماية البيئية أثناء السلم و الحرب. إذن فهناك إشكالية في القواعد و الوسائل، فكيف يمكن التكلم عن المسؤولية الدولية سواء المدنية أو الجنائية، في ظل عدم وجود قواعد فعالة للحماية و عدم وجود أجهزة تسهر على تفعيل هذه القواعد و تطويرها، و بالتالي تكريس المسؤولية و خاصة مع وجود مبدأ الضرورة العسكرية الذي تتدارى ورائه الدولة المرتكبة لجرائم ضد البيئة و تتخلص من خلاله من المسؤولية.


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013