رحلة» بحرية إلى اليونان: الأمن التركي يتاجر بالسوريين... قبل الهروب وبعده التقارير والمقالات | رحلة» بحرية إلى اليونان: الأمن التركي يتاجر بالسوريين... قبل الهروب وبعده
تاريخ النشر: 23-09-2015

بقلم: فراس الهكار / جزيرة كيوس

  يحاول المهاجرون السوريون الوصول من السواحل التركية إلى الجزر اليونانية غير مرة، وهناك من ينجح بالوصول في المحاولة الأولى. ليست الرحلة بتلك السهولة، إذ يجب أن تقطع مسافة ثمانية كيلومترات في بحر إيجه لتصبح في بلد الإغريق... الأرض الحلم كمحطة إلى دول أوروبا بالنسبة إلى الكثيرين..يتجمع المهاجرون غير الشرعيين في إحدى نقاط التهريب حيث لكل مهرّب تركي نقطته الخاصة. يقضون ليلتهم في الأحراج حتى شروق الشمس، حين يبدأ الشباب بتجهيز «البلم» المطاطي بالتعاون مع عمال المهرب. يرتدي المهاجرون سترات النجاة ويملأون الدواليب المطاطية بالهواء ويصعدون «البلم>> ...ينطلق في عرض البحر نحو خمسين شخصاً يحلمون بالوصول إلى القارة العجوز، ويقود «البلم» أحد المهاجرين. لا يأخذ المهرب من السائق أجرة تهريبه إلى اليونان، لذلك يندفع أغلب الشباب للحصول على فرصة القيادة، حتى وإن لم يكن لديهم أي فكرة مسبقة عن قيادته، وهذا يزيد خطورة الرحلة، إضافة إلى العدد الزائد، حيث لا يجب أن تزيد الحمولة على أربعين شخصاً، لكن طمع المهرب يزيد العدد إلى خمسين وأكثر أحياناً...يقول الشاب عبد الرحمن السيد، وهو شاب سوري من ريف حلب: «لا أملك المال الكافي للوصول إلى أوروبا، معرفتي بأحد سماسرة التهريب ساعدتني في أن أكون سائقاً في الرحلة، ليست لدي فكرة كاملة عن قيادة البلم، لكن تابعت بعض الفيديوات والنصائح عبر اليوتيوب، وسأحاول أن أوصل الناس بأمان>> .....
محاولة فاشلة : تشخص العيون نحو الجزيرة اليونانية. تبدأ الألسن بالتضرع للسماء، الكل يدعو الله طالباً النجاة والسلامة. تتشابك الأيدي بعيداً عن الجنسية والعرق والطائفة والموقف السياسي. لا تسمع نقاشات سياسية كنت تسمعها بين المهاجرين حين كانوا فوق اليابسة. لكل إنسان حكاية دفعته إلى اختيار هذا الطريق، وليس البحر مكاناً مناسباً لسرد تفاصيل الحكايات في هذه الرحلة التي تستغرق ما بين ساعة وعشر ساعات تتحكم بذلك مهارة السائق...لحقت سفينة تابعة لخفر السواحل التركي «بلماً» يحمل خمسة وأربعين مهاجراً كلهم سوريون. رفض السائق التوقف. يضرب الأتراك «البلم» بمقدمة سفينتهم العملاقة... يريدون أن يقلبوه بمن فيه. يناور السائق فيطلقون الرصاص الحي في الهواء لإثارة الرعب أكثر ويرشون المهاجرين بالمياه، لم يعد هناك أي خيار غير الاستسلام والصعود إلى ظهر سفينة خفر السواحل عبر الحبال. صراخ الأطفال أربك الجميع وزاد إصرار الأتراك على منع الرحلة من الوصول...تقول أم إبراهيم، وهي مهاجرة سورية: «الله لا يوفقهم الأتراك، خربوا رحلتنا كنا رح نوصل اليونان ونخلص من مخيماتهم، هم شركاء بالتهريب ويرجعون الناس حتى يزيد ربح تجارتهم>>..يجلس المهاجرون على سطح السفينة ويبدأ الخفر التركي بترقيمهم، ووضع الملصقات على صدورهم والقيام بتصويرهم وتسجيل الأسماء....يهمس أحد الشباب ممن خبروا هذه الأمور لرفاقه: «لا تعطوهم أسماءكم الحقيقية ولا بطاقاتكم الشخصية... أعطوهم أسماءً وهمية». تتجه سفينة الخفر نحو الميناء، يبدو البوليس التركي فرحاً بما أنجزه....يجلس المهاجرون القرفصاء على الأرض وتحت أشعة الشمس في الميناء. البنادق مصوبة نحوهم، أي حركة تقابلها شتيمة باللغة التركية، ويقضون أكثر من ساعة تحت أشعة الشمس بانتظار وصول الجندرمة لتنقلهم إلى المخفر حيث لا طعام ولا ماء. فقط ماء مقطر من المكيف قدمها عناصر الجندرما للموقوفين. بعد ساعات من التوقيف وطباعة أوراق كثيرة يُطلب من كل موقوف التوقيع على ثلاثة أوراق مكتوبة باللغة التركية. لا يعرف أحد ما هي للوهلة الأولى، ليتضح لاحقاً أن إحداها طلب لجوء، والثانية تعهد بعدم تكرار المحاولة.يقول تميم، وهو شاب سوري قبض عليه الخفر التركي: «الأتراك يسيرون خلف مصالحهم، هم يروجون لتجارة البشر وأسواقهم هي مراكز لها، يسمحون لك بالمرور ثم يلاحقونك في عرض البحر ليوقفوك، حين كنا قرب الشاطئ دفع المهرب لدورية أرادت إيقاف السيارات فسمحوا لنا بالمرور إلى الشاطئ، باختصار هم شركاء بالعملية من أولها حتى آخرها>>..
شركاء الموت : يسحب الخفر التركي «البلم» المطاطي ومحركه، ويأخذونه إلى الميناء ثم يعيد الضباط بيعه للمهرب بنحو خمسة آلاف يورو... وهذا أقل من ثمنه في السوق بكثير. وهي فائدة إضافية تجعل الأتراك يحاولون إلقاء القبض على العديد من «البلمات>>...يُسجل كل سوري يُقبض عليه محاولاً التسلل إلى اليونان كلاجئ في تركيا، ويتم نقله إلى المخيمات قرب الحدود أو إطلاق سراحه ليكرر المحاولة ثانية. هذا يؤكد أن الأرقام المسجلة في تركيا غير حقيقية. الأتراك يهمهم ملء السجلات بالأسماء، لا يهمهم إن كانت حقيقية أو لا. أخبرتهم إحدى الفتيات أن اسمها سعاد حسني... هم يريدون زيادة الأعداد في سجلات اللاجئين، أما غير السوري فيُرحَّل إلى بلده على الفور في حال إلقاء القبض عليه محاولاً التسلل إلى اليونان... لذلك معظم المهاجرين العرب يقولون: «نحن سوريون>> ..أما عناصر مخفر الجندرما في منطقة «الششمة» فقد اعتادوا الأمر وتعملوا كيف يستفيدوا منه، بعد انتهاء الإجراءات يقولون للموقوفين: «إن كنتم ترغبون في الخروج من هنا فعليكم أن تدفعوا عشرة دولارات عن كل شخص كي نستأجر لكم باصاًَ يوصلكم إلى ازمير... وإلا فستبقون في ضيافتنا>> ..لا تتجاوز أجرة الطريق إلى أزمير ثلاثة دولارات، إذاً الأتراك يستغلون الأمر مرة أخرى ولا سبيل للموقوفين سوى الدفع فلا ماء ولا طعام في المخفر.يقول عبد الباري أحد المهاجرين: «لا يسألنا عناصر الخفر أو الجندرما عن اسم المهرب، أو كم أخذ منا، ولا أين مركز عمله، هم فقط يهتمون بتصويرنا وبث الفيديو على قنواتها أنها أنقذت مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين من الغرق، وتحقيق الفائدة المادية من جيوبنا».
معتقلات لا مخيمات : لم يكن سامر من المحظوظين الذين أُفرج عنهم، بل اقتادوه لأسباب يجهلها إلى مخيم ديريك قرب الحدود التركية السورية عند محافظة الحسكة. استغرقت رحلته يوماً وليلة بالباص حتى وصل إلى المخيم الصحراوي، أو المعتقل... وهذا هو التعبير الأصح...يقع المخيم في منطقة وعرة، لا يوجد فيها سوى التراب والغبار والصخور. دبابة ومدرعة على باب المخيم، وعناصر من الجندرما التركية يمنعون أي شخص من الخروج والدخول إلى المخيم. اعتاد السوريون المحتجزون في المخيم الغازات المسيلة للدموع والعيارات النارية في الهواء لتفريق أي تظاهرة احتجاجية على الوضع المزري في المخيم.يقول سامر : وهو شاب من ريف حلب: «لم أكن أتخيل وجود مثل هذا المكان في تركيا وأنه معتقل للسوريين، عند الباب يجردونك من كل شيء سوى الملابس التي عليك، وبعد التفتيش الدقيق يُدخلونك إلى قطاعك. المخيم مقسم إلى قطاعات، القطاع الثامن أسوأ القطاعات، هو بمثابة زنزانة منفردة في المخيم».لا يقبل الشباب بواقع الحال، فيقررون التظاهر مطالبين بحقوقهم من ماء نظيف وطعام جيد، أو الإفراج عنهم. يبدأ عناصر الأمن بإطلاق القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي في الهواء، لتنتهي التظاهرة بتحويل بعض الشباب إلى القطاع الثامن حيث الجحيم حسب ما يصف معتقلون هناك.بعد الخروج من المعتقل التركي تتكرر المحاولة للهجرة. تبدو الأجواء مواتية أكثر، إذ أعاد المهرب شراء «البلم» من خفر السواحل وهذا يجعلهم يغضون النظر عن مهاجريه. وهدوء البحر ساعد «البلم» بالوصول إلى جزيرة كيوس اليونانية... وتنفس المهاجرون الصعداء....


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013