الهمّ القومي وتجذُّره في الوجدان السوري التقارير والمقالات | الهمّ القومي وتجذُّره في الوجدان السوري
تاريخ النشر: 20-10-2018

بقلم: د. جابر سلمان

عند الحديث عن الهمِّ القومي وقضايا العرب الكُبرى، وفي مقدمتها قضية فلسطين وشعبُها الذي عانى وما يزال ويلات النكبة عام 1948م، وما أعقبها من حروبٍ ومواجهات مع سلطات الاحتلال الصهيوني التي عملت على زرع الأحقاد والضغائن وتكريس سياسة الفُرقة بين أبناء الوطن الواحد منذ دنّست أقدامُ عصاباتِها الإجرامية الأراضي العربية الفلسطينية. نقول: عند الحديث عن ذلك الهمّ المُلازِم لمشاعِر المواطنين العرب فإنّ أول ما يتبادر إلى الذِّهن أن فلسطين كانت وما تزال تشغل الحيّز الأكبر في وجدان السُّوريين، ربّما لأنها الجوار الجغرافي الأكثر التصاقاً بسورية، وربّما لأن السوري الذي تعددت مشارِبهُ الاجتماعية وتنوّعت انتماءاتُه السياسية يملك من الأوجاع بسبب ما أصابه من مآس وويلات جراء الغزوات التي كان يتلقى صدماتِها الأولى أكثر مما تملكه شعوب الأقاليم المحيطة به مجتمعةً.
وليس من قبيل المصادفة أو من باب الترف السياسي (إن جاز التعبير) أن تتصدّر قضية فلسطين دائرة اهتمامات المواطن العربي السوري منذ ما قبل نكبة عام 1948 وحتى تاريخه، ولم يكن ذلك لأن تلك القضية ذاتُ بُعْدٍ عربي قومي فحسب، أو لأنَّ عاصمتها القدس أولى القبلتين، وإنما لأن فلسطين ملتقى حضارات شعوب المنطقة وعقدة الوصل بين مغرب الوطن العربي ومشرقه أولاً، ولأنها الشطر الجنوبي من سورية الطبيعية التي تُعدّ هضبة الجولان فيها واسطة عِقْدها المنيع الذي شكل عبر التاريخ جبهة استعصاء على كل من كان يحاول غزو بلاد الشام من نافذتها الجنوبية فلسطين ثانياً.
فمن يظن أو يعتقد أن المزاج العام لدى السوريين قد تغيَّر، واتخذ منحىً آخر مختلفاً عن ذي قبل جراء المواقف السلبية لبعض الفصائل الفلسطينية حيال ما جرى ويجري في سورية أو جراء تواطؤ بعضها الآخر مع من أوغلوا بالدّم السوري من حكام أنظمة عربية رجعية عميلة وقوى إقليمية ودولية متآمرة.. نقول: إن من يظن أو يعتقد ذلك هو واهم، ولا يعرف حقيقة ما يفكّر به السوريون الذين لم يكونوا في يومٍ من الأيام ضد قضايا أمتهم وشعبهم...
ولكنّها التجارب التي صقلت خبرتهم، ودفعت بهم إلى إعادة قراءة المشهد السياسي، في سياقه الطبيعي، وعلى ضوء التطورات التي يشهدها العالم والمنطقة، ليتمكّنوا من صياغة أساليب مواجهة أخرى تتناسب ومعطيات المرحلة الجديدة.
لقد بات من المؤكد أن سورية هي التي حفظت لفلسطين هويتها العربية، وأن موقف شعبها وقيادتها هو الذي حافظ على حقوق الفلسطينيين ــ بما فيها حقّ العودة ــ وصانها ورسَّخها، وأن الجيش العربي السوري هو الجيش العربي الوحيد الذي ما يزال يتخذ من فلسطين بوصلته في دفاعه عن قضايا الوطن والأمة.
كما بات من المؤكد أن الحفاظ على استمرار المشروع القومي العربي يكون بتلاحم أبناء الأمة وبتعاضدهم فيما بينهم، وبحسن اختيارهم الطريق الذي يؤسِّس لمستقبلٍ تنتظره الأجيال القادمة.. مستقبلٍ يبعث الأمل بنهضة عربية شاملة تستمد منها الأمة حضورها وألق حضارتها، وتسقط فيه جميع أشكال التآمر على حاضرها ومستقبلها، بما يعيد لها نفوذها الذي يجعل منها سيِّدةً حرَّةً كريمة، وفاعلة ومؤثِّرة في محيطها الإقليمي والدولي....
فالأمة التي يُكتَبُ لها البقاء هي التي تعرف كيف تسخِّر طاقاتها الحيوية لخدمة أبنائها والاستمرار في نهوضها، وتحقيق الرخاء والسعادة في كل مفصل من مفاصل الحياة فيها.
إن ما ينتظره السوريون اليوم هو أنْ يعمَّ الأمن ويسود السلام العادل والشامل كلَّ بقعةٍ من بقاع الجغرافية السورية أولاً والمنطقة والعالم ثانياً... وهذا لن يتحقق إلا باستئصال شأفة الإرهاب، وبتحقيق الانتصار على داعميه ومموّليه، تمهيداً للبدء بإعادة بناء جسور التواصل الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد، بالشكل الذي يعزِّز اللّحمة الوطنية، ويقوِّض عوامِلَ الفُرقة والتشتُّت، ويُسقِط مخططات الأعداء، ويحول دون تحقيق أغراضِها العدوانية الشريرة.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013