عندما يصلح هذا الكلام في كلّ العصور... لكلّ الدول التقارير والمقالات | عندما يصلح هذا الكلام في كلّ العصور... لكلّ الدول
تاريخ النشر: 29-09-2018

بقلم: حيّان سليم حيدر

كتب صديقي الدكتور لبيب قمحاوي، الكاتب السياسي العربي والزميل في مجلس أمناء المنظمة العربية لمكافحة الفساد، مقالة في 26 أيلول 2018م. وصف من خلالها حال الفساد في بلده. وبغية تعميم الفائدة من جلّ ما ذهب إليه، رأيت أن أنشرها، بعد استئذانه طبعًا، كما جاءت ( تقريبًا) بعد حذف إسمي الدولة والشعب والقليل جدًّا من الإشارات التي لا تتلاءم والغاية من تجهيل المفعول به و تعميم هذه الحال التي أراها تنطبق على معظم "دولنا". (1)

بيروت، في 27 أيلول 2018م.

حيّان سليم حيدر
عضو مجلس الأمناء ومجلس الإدارة وأمين سرّ المنظمة العربية لمكافحة الفساد

-------------------------

 يحيا الفساد وتسقط الدولة ويجوع الشعب (2)
هذه الورقة لا تَـدَّعي الكمال في الطرح، ولكنّها محاولة جدِّية للتقدّم إلى الشعب ......ني بأفكار ومشروع للإصلاح والنهوض الوطني.
يسير ...... بخطى واثقة نحو الهاوية نتيجة لسياسات وممارسات خارجة عن إرادة شَعْبِهِ وتعكس رغبة أكيدة لدى القلّة الحاكمة في الإصرار على استمرار نهج الفساد الكبير مهما كانت النتائج.
الوضع الذي يمرّ به ...... الآن لم يكن نتيجة خيار جماهيري أو لظروف قاهرة، بل كان نتيجة طبيعية لمسار إقتصادي متهوّر وفساد كبير تجاوز إمكانات ...... ودفع بالأوضاع المالية والإقتصادية إلى الحضيض وإلى الحدّ الذي رهن مصير ...... للأجنبي، وجعل من التبعية الإقتصادية والسياسية والمالية أمرًا لا مفرّ منه بعد أن قامت حكوماته المختلفة (ويصلح القول هنا المتخلّفة) بالإنصياع للقرارات والسياسات والرغبات التي أدّت بالنتيجة إلى رهن مقدرات ...... ومستقبل أجياله لإرضاء الفساد الكبير ومحافظة القِلـَّةِ من المسؤولين الفاسدين أو الضعفاء على مراكزهم. أغلبية .....نيّين يدفعون الآن ثمن رغبة القلّة في البقاء في الحكم بأيّ ثمن، وتلك القلّة تدفع ثمن رغبة قلّة القلّة في سرقة موارد البلد نهارًا جهارًا وعلى رؤوس الأشهاد دون توفّر النيّة أو القدرة على منع ذلك خوفًا من خسارتها للمنصب والنفوذ.
هذا الفساد لم يقتصر على الحكومات فقط بل عكَسَ نفسه أيضًا على مؤسّسات الدولة المختلفة حتى أكثرها حساسية لأمن البلد واستقراره، لتصبح بعض تلك المؤسّسات جزأً من الفساد عوضًا عن استمرارها جدارًا أمام الفساد وحامية لمصالح البلد. الخراب الذي أصاب بعض مؤسّسات الدولة أمر رهيب يتجاوز حدود المعقول والمنطق. وقد تمّ ذلك بهدف تسهيل مهمّة الفساد الكبير. وحتى الأجهزة التي كان مشهودًا لها بالكفاءة والنزاهة تمّ تسكينها بتهم الفساد كما تمّ الزجّ بها كجهاز في بعض قضايا الفساد وكلّ ذلك لحماية مسار ومصالح الفساد الكبير وهذا أمر لا يجب السماح به لأنّه سيؤدي في النهاية إلى تقويض أركان الدولة (وقد حصل فعلًا منذ زمن بعيد ... بعيد !) .
الفساد الكبير أصبح طبقة متنفّذة لا حدود لجشعها، في حين أن الفساد الصغير هو ظاهرة طارئة نتيجة لاستنزاف الفساد الكبير لموارد الدولة وتحويله الطبقة المتوسطة إلى طبقة فقيرة غير قادرة على تلبية مطالب الحياة بكرامة. وبقاء هذا الفساد الصغير مرتبط أساسًا ببقاء الفساد الكبير، ومن هنا أهمّية البدء بالقضاء على هذا الفساد الكبير ووقفِهِ .
إنّ المستوى الضعيف والافتقار إلى الخبرة هو أمر ملحوظ بالنسبة للعديد من الرؤساء والوزراء ومسؤولي الصفّ الأول خصوصًا أولئك الذين تم تعيينهم في العقود الأخيرة ويعتبرون مسؤولين بشكل أساسي عن تفاقم الأمور إلى الحدّ الذي وصلت إليه.
إنّ ذلك النمط من المسؤولين يجب أن يذهب برمّته دون عودة ودون أيّ إحتمال للعودة كونهم المسؤولين سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة على وصول البلد إلى ما وصلت إليه من إنهيار وإفلاس ودمار وفساد أَكَلَ الأخضر واليابس لصالح قلّة قليلة. فاقد الشئ لا يعطيه وَمَنْ أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من خراب ودمار وإفلاس لا يستطيع أن يُخْرجنا منه (ومن المؤكّد لا يريد)، وجلّ ما يفعلونه هو شراء الوقت وتخدير المواطنين بالوعود والأوهام أو بالتهديد والوعيد.
لا توجد، كما هو واضح، نيّة لدى الفساد الكبير للتوقف عن التعدّي على المال العام، وفي الوقت نفسه لا يوجد علاج حقيقي لمشاكل ...... الإقتصادية والمالية إلّا إذا تَوَقَّفَ ذلك الفساد. ...... و......نيّون الآن أمام مفترق طرق خطير بل خطير جدًا. مساران متعارضان قد يؤدي استمرارهما إلى كارثة فيما لو تمكّن أحد هذين المسارين من إفتراس المسار الآخر.
تشخيص الماضي والحاضر هام ولكنه لم يعد كافيًا كون الرؤيا الشعبية لأسبابه ومسبباته تكاد تكون متطابقة. المطلوب الآن النظر إلى الأمام وإلى ما يتوجّب فعله للخروج من هذه الأزمة وإخراج الشعب والوطن منها ومن تبعاتها. النهج السائد والوجوه القديمة لم تعد تنفع، كونها المسؤولة عن ما وصلنا إليه سواء من خلال ضعف المسؤولين أو من خلال تواطئهم مع مسبّبات الفساد والإنهيار العام في الدولة.
وفي هذا السياق ، وفي وجود وعي جماهيري عام ومتقارب لتشخيص المشكلة التي يجابهها ...... الآن، يصبح الإنجاز الحقيقي هو في التقدّم بخطة للخروج من هذا المسار المأزق. وفيما يلي بعض الأفكار التي قد تشكّل في مجموعها جزأً من الرؤيا الجديدة لكيفية الحلّ.
الضوابط العامة :-
حتى تنسجم الأمور وتقع في موقعها الصحيح بإتّجاه التغيير وخطة العمل المقترحة فإن هنالك مجموعة من الضوابط التي يجب مراعاتها في الفترة الإنتقالية القادمة كونها تشكل مدخلًا للحدّ من الفساد الكبير أو وقفه وكذلك وقف التجاوز على الولاية الدستورية. وهذه الضوابط هي :-
تعزيز كفاءة واستقلالية الجهاز القضائي للدولة من خلال :
أ- تحصين القضاء وهيئات مكافحة الفساد من التهديد بالنقل أوالطرد أوالإحالة على التقاعد أو أيّ إجراء آخر قد يشكل ضاغطًا على استقلالية ذلك الجهاز.
ب- أن يتم انتخاب رؤساء المجالس القضائية والدستورية من قبل الهيئات القضائية دون أيّ تدخل من أحد آخر مهما كان وهو محصّن من النقل أو الطرد أو الإحالة إلى التقاعد إلا إذا قرّر هو ذلك بنفسه .
خطة العمل المقترحة :-
أولًا : العمل الجاد بإتجاه الضغط لوقف الفساد الكبير بأي طريقة ممكنة ومنها تَـبَنـِّي سياسة الشفافية الكاملة أولًا بأول. وهذا يتطلب نشر أرقام الميزانية كاملة وبالتفصيل من واردات ومصروفات حتى يتمكن المواطن من معرفة كلّ فلس داخل وكلّ فلس خارج، بما في ذلك أيّة مساعدات أو هبات أو قروض ترد من الخارج، مع تطبيق أحكام الدستور فيما يتعلق بفرض الضرائب والإقتراض والإنفاق، ومحاكمة وسجن المسؤولين عن إنفاق الأموال تحت أيّ مُسَمَّى ودون الموافقة الدستورية ومعرفة أين وكيف ولماذا صُرِفَت هذه المبالغ ومن هو المستفيد .
ثانيًا : إعادة تكوين المؤسّسات الدستورية في مرحلة إنتقالية برئاسة شخصيات قوية مشهود لها بالنزاهة وقوة الشكيمة تعمل أولًا على استعادة الولاية العامة الدستورية حسب أحكام الدستور، وتطبيق مبادئ الشفافية والمحاسبة، ووقف القوانين والممارسات كافّة التي تُسَهِّل أعمال الفساد الكبير، وإعادة تقييم الحمل الضريبي الإجمالي على المواطن، وضغط النفقات العامة، ووقف سفر المسؤولين لمدّة عام على الأقل بإستثناء وزير الخارجية أو رئيس الوزراء، وللضرورة القصوى فقط، والإعتماد على السفراء بدلًا عن ذلك، والعمل على استعادة المال العام المنهوب، وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات وتفعيل الحياة السياسية والنيابية حسب الدستور.
ثالثًا : الدعوة إلى مؤتمر وطني لوضع شواخص للمرحلة الإنتقالية المقبلة التي ستضع أسس الدولة (الجديدة) وتـُلـِزْم الحكومات المتعاقبة بمسار سياسي واقتصادي وأخلاقي يؤكّد ثوابت الدولة ورِفـْعتِها وترفُّعِها عما آلت إليه من فساد أو من خدمة للفساد الكبير وانهيار منظومة القِيَمْ الوطنية.
رابعًا : المحافظة على النظام ........ بإعتباره نظام نيابي ..... ...... كما ينص عليه الدستور، وإعتبار تطبيق الدستور هو الترجمة الحقيقية والوحيدة لمفهوم ذلك النظام.
الأمل أن تشكّل هذه الخطّة والضوابط العامة المرافقة لها شواخص أو برنامج عمل لأيّ تحرك شعبي أو رسمي سلمي وجدّي للإصلاح وتغيير النهج السائد للدولة والعودة به إلى الأصول التي وضعها الآباء المؤسّسين منذ ... .........
________________________________________________________________________
(1) تشير الأحرف المائلة الى التغييرات التي أجريت على النصّ الأساسي.
(2) حيثما ترد النقاط المتتالية يمكن ملؤها باسم الدولة التي نريد أو باسم مواطنيها أو خصوصياتهاا.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013