صراع الظل الأمريكي ومفهوم القوة الواقعي التقارير والمقالات | صراع الظل الأمريكي ومفهوم القوة الواقعي
تاريخ النشر: 19-08-2018

بقلم: د. عامر الربيعي

شهدت المساحة التاريخية للعالم خلال السنوات الماضية حركة ذات وتيرة متسارعة في المجالات السياسية والعسكرية والجغرافية السياسية فرضت تغيرا في مفاهيم القوى في العالم نتج عنها افرازات عالمية فرضت هيكليتها الاقتصادية والجغرافية والبشرية انعكاسا على ميزان القوى فيه وتغير من مفهوم القوة الأحادية الى مفهوم عالم متعدد القوى والاقطاب هذا التغير اخذ حيزا لدى صناع القرار في الولايات المتحدة الامريكية لما يتوجب عليهم من إعادة تعديل النظام الدولي الى نظام متعدد الأقطاب وتكييف توازنه كنسق دولي تعترف به الدول العظمى , هذا ما لا تريده الإدارة الامريكية الحالية التي الت على نفسها القيام بعملية استنساخ شخوصها على قالب دونالد ترامب على ان تعترف بهذا النظام الجديد ,فليس من قبيل المصادفة ان يتم استخدام الإدارة الامريكية الحالية من قاعدة ’’نريد الواقع كما هو مطلوب منا ’’ أي انهم ينطلقون من الصورة التي رسمت لهم ذهنيا فيحاولون تجاوز ’’ ادراك الواقع كما هو موجود’’ في النظام الدولي هذا النظام الذي بدأت تتشكل فيه أنظمة وانساق دولية تشير الى تغير طال الأسس التي يقوم عليها ميزان القوى حيث بدأت اطرافه تتفاعل فعليا مع النظام الدولي الجديد لما تمتلكه من عوامل الاستقطاب وهذا ما ينطبق واقعا على الصين وروسيا والهند اللذين ينتمون الى ارث وتاريخ ومركز حيوي اكثر عراقة واهمية من الولايات المتحدة الامريكية ولنأخذ الصين على سبيل المثال حيث تتمتع هذه الدولة بعدد من المزايا منها:
– الدولة الأولى في العالم في الطاقة البشرية وفي التصدير.
– الدولة الثانية من ناحية الاستيراد وما يترتب عليه من قدرة استهلاكية.
– لديها القدرة على عدم اظهار نياتها الحقيقية ويبقى بلدا لا تدرك الولايات المتحدة مدى تطلعاته.
– لا تنشد الصين الوصول الى مصاف الدول العظمى فهي دوما تقدم نفسها احدى الدول النامية المتقدمة والمتطورة.
– أينما تتواجد الصين في العالم يكون وجودها قائم على المنفعة المتبادلة والتنمية المستدامة وهذا عكس مفهوم الولايات المتحدة الامريكية.
– الصين دولة مهيأة جغرافيا وسياسيا وعسكريا وحتى بشريا بتحدي قرارات الولايات المتحدة المربكة للسلم العالمي.
لذلك من الهزل السياسي من وجه النظر الاقتصادية بإقرار ان هناك قرارا أمريكيا قابلا للتنفيذ من قبل الصين او حتى مجرد التفكير من ان الصين ستمارس لعبة الانصياع للأوامر الترامبية القلقة.
لذلك فان رفض الصين للقرار الأمريكي بالتوقف عن شراء النفط الإيراني متاتي من وجهة النظر الصينية في التعامل مع القضايا والأزمات على الساحة العالمية التي أصبحت أحد اقطابه المؤثرة على القرارات الامريكية والساحة الدولية بحكم وجود الصين وتداخلها على الصعيد الإقليمي او على الصعيد العالمي فهي عنصر فاعل في منظمة جنوب شرق اسيا التي أنظم اليها أيضا كل من روسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية هذه المنظمة التي وضعت خططا اقتصادية تصل بها الى ان تكون قوة على غرار الاتحاد الأوربي حتى نهاية عام 2025.
كما ان للصين دورا فعالا في منظمة بريكس العالمية التي تضم اقوى الاقتصاديات العالمية بالإضافة الى الصين توجد الهند وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا حيث اعطى مؤشر النمو لدى هذه البلاد ارتفاعا ملحوظا في مجالات عدة , اتفق اعضاء هذه المنظمة على ضرورة الاعتراف ان العالم اصبح ذو اقطاب متعددة وان مفهوم القطب الواحد قد انتهى , وهذا ما فرضته أزمات الشرق الأوسط وتداعياته على الساحة العالمية من جهة وطرق تعامل كل من الصين وروسيا مع هذه الازمات سواء بالعراق او في مصر واليمن وليبيا وسوريا وهي وجهة نظر مقاربة لوجهة النظر الإيرانية تجاه جيرانها العرب بالإضافة الى اتحاد الرؤى الصينية والروسية تجاه ايران وهي رؤى تختلف جذريا عن الرؤية الامريكية لإيران .هنا يتضح الامتعاض الأمريكي من الظهور الواضح والواثق لانساق القوى العالمية في الشرق الأوسط الذي اعطى نتيجة بدأت تتضح صورته الا وهو ’’الانعزال الأمريكي ’’ الذي قاد الإدارة الامريكية الى التهور وعدم القبول بالأمر الواقع بعدم قدرتها بعد الان من ان تتحكم بالشرق الأوسط مما اثار المخاوف الامريكية لذلك فان الحرب التجارية ضد ايران والصين وروسيا هو نوع من الرد على مقررات قمة بريكس العاشرة التي رفضت الأحادية القطبية ومواجهة النزعة الانفرادية والحرب التجارية في العالم من ناحية وما لإيران من دور في تهديد الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط سواء في لبنان او سوريا او العراق واليمن وانزواء دول الخليج في صراعات داخلية.
لذلك هل يقدر ترامب على اشعال حرب يحرق فيها أي وجود للولايات المتحدة في الشرق الأوسط او ان هدفه خلق فوضى في علاقات الدول مع بعضها البعض لوضع لبنات نظام عالمي جديد هذا إذا ما علمنا ان لولادة نظام عالمي جديد يكون بانهيار حاد لاحد اقطابه الرئيسية السابقة.
في كلا الحالتين على أي مؤسسات أمريكية يستند عليها ترامب لإصدار مثل هذه القرارات ام هي قرارات خلق فوضى دولية لصالح من تقاتل الولايات المتحدة الامريكية على الجهات الأربع؟ هل هي محاولة لإعادة الأحادية القطبية او إعادة الثقل الأمريكي امام الروسي والصيني؟
كلما ضغطت الولايات المتحدة سلبا كلما دفعت دولا جديدة في دائرة التحدي لسياساتها ويزداد التخبط والانعزال الأمريكي مع كثرة الدول التي تتفاجأ بالوقاحة الامريكية وبالتالي يكون من ضمن الحلول الواجب اتخاذها من قبل دول العالم هو مواجهة هذا النفوذ الأمريكي لأنه أصبح في فضاء سياسي لانساق دولية متكاملة امامها ترامب الذي يعمل على شاكلته.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013