الوحدة العربية ضرورة حضارية وأمل متجدد التقارير والمقالات | الوحدة العربية ضرورة حضارية وأمل متجدد
تاريخ النشر: 04-08-2018

بقلم: د .يوسف مكي

أكدت حوادث الخمسة عقود، أن التنازل عن مطلب الوحدة العربية، والتسليم بالكيانات القطرية، باعتبارها أمراً واقعاً ليس بالإمكان التنكر له، يجر إلى متواليات متتالية إلى المزيد من القسمة والتفتيت. والعكس صحيح، فحالات النصر والنهوض من شأنها أن تخلق واقعا جديداً، يعبد الكفاح باتجاه الأهداف الكبرى للأمة، وفي المقدمة منها الوحدة العربية. كما أكد التطور التاريخي، منذ نهاية الحرب الكونية الأولى، أن الضعفاء ليس بمقدورهم صناعة التاريخ، وأن التعويل على القوى الكبرى، لتحقيق أهداف الأمة هو تعويل على الوهم .لقد أرينا نتائج الثورة العربية الكبرى، تتمخض عن تعيين ملوك الوصاية في العارق والأردن ليكونوا أدوات للمشروع البريطاني في المنطقة، ووضع سوريا ولبنان تحت الاحتلال الفرنسي، وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، والمضي في تعبيد الطريق لوعد بلفور المشؤوم، كمقدمة لاغتصاب الصهاينة لفلسطين. لقد فرض واقع ما بعد الحرب الكونية الاولى على العرب، أن يمتشقوا سلاحهم من أجل التحرر من نير الاستعمار، وتحقيق الحرية والاستقلال لشعوبهم .وقد ظل الوطن العربي، باستمارر في القلب من التحولات السياسية والاستارتيجية، التي تجري في العالم .وشاءت المقادير، أن يكون العرب، في ظل التجزئة ضحية لثقل الجغارفيا والتاريخ .وهكذا وفي ظاهرة غريبة، كانت عوامل قوة الأمة من أسباب ضعفها. والحديث عن الجغارفيا، هو حديث عن الثروات الطبيعية، المواد الخام، والإمكانيات الزارعية .وهو حديث عن البحار، والثروات الكامنة فيها، وهو حديث عن الممارت والمعابر الاستارتيجية، وعن علاقة وصل بالقاارت القديمة الثلاث .أما التاريخ، فليس مجرد سجل اركد لتاركم الأحداث، بل إنه حكاية ما تختزنه الأمة من تاركم حضاري، ت بداعا ا و وعطاء إنساني، وهو
أيضا استيعاب موضوعي ق ا وخلا لقوانين حركته، ووضعها في سياق الحاضر والمستقبل. والأمة العربية، مثقلة بجغارفيتها وتاريخها، وكلاهما من الثارء، بما يفوق كل تصور .فهي ملتقى القاارت الثلاث، وهي طريق الحرير، وهي المنطقة العازلة بين المياه الدافئة، والمياه المتجمدة .وهي صحارى ووديان وواحات وجبال، خلجان ومحيطات .وبها أكبر مخزون في العالم لعصب الصناعة الحديثة .ومضائقها وممارتها البحرية اختزلت المسافات، بين الشرق والغرب .أما تاريخها، فقد ظل منذ سقوط الدولة العباسية،
ثقلاً كبير عليها. وتكفي الإشارة، إلى أن جميع الأديان السماوية انطلقت من أرضها. وكان من نتائج ذلك، أن الخارئط السياسية العربية الرهنة، اكتسبت مشروعيتها، من صياغات ليست من صنعها، ولم تتم وفقاً لإاردتها، بل إن رسم تلك الخارئط، خضع لأطماع ومصالح المنتصرين.
حين دعت حركة اليقطة العربية لتحقيق الوحدة العربية، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت متماهية في ذلك، مع واقع تاريخي ومعاصر، ربط جدليا، بين الدولة المدنية التعاقدية، وبين نشوء الأمة / الدولة .وعلى هذا الأساس، لم تكن فكرة الوحدة مجرد إعادة جمع لبلدان عربية، متشظية، بقيت طويلا أسيرة الاستبداد العثماني، بل كانت حلا حضاريا للنهوض بهذا الجزء الممتد من الخليج العربي إلى المحيط الهادي، والذي يجمع سكانه لغة وتاريخ وجغارفيا، ومواريث مشتركة. وكما في تشكل الأمم الأوروبية الحديثة، كانت اللغة هي العنصر الحاسم، في تشكيل الأمة، رغم وجود مكونات لغوية تشاطر اللغة الأم في حضورها في تلك البلدان، كانت اللغة العربية، عنصار حاسما أيضا ورئيسيا من عناصر تشكل الأمة في الفكر القومي العربي. الفارق الرئيسي بين المشاريع القومية الأوروبية والمشروع القومي العربي، أن المشروع الأوربي عبر عن بروز قوة اقتصادية فتية هي الطبقة البورجوازية، تناهض قوة آفلة هي الإقطاع، وقد نشأ المشروع القومي في السوق، في حين فرض الواقع التاريخي على الحركة القومية العربية، أن يتلازم نضالها من أجل الوحدة بنضال ضد السوق، منذ تم الغدر بمشروع الوحدة وبمشروع الحداثة العربي، باتفاقية سايكس- بيكو ووعد بلفور. ومنذ نتائج الحرب الكونية الأولى، اتضح تلازم النضال القومي من أجل الوحدة، مع المبادئ الأخرى، للمشروع النهضوي العربي .ذلك أن النضال من أجل الوحدة، هو في مقدماته، كفاح من أجل الاستقلال، وتحقيق التنمية المستقلة، وبناء الديمقارطية .وهو أيضا رفض للتبعية والهيمنة والوجود الاستعماري، بكل تشعباته وتجلياته .وجميعها مبادئ تصدى لها الغرب، بكل جبروته، رغم كونها مبادئ عالمية، ومستقة مع التطور التا ريخي، والكفاح الإنساني من أجل الحرية، ومع فلسفة حركة التنوير. انتهت المرحلة الأولى، من النضال القومي المعاصر، بنكسة مروعة.

وقد فرضت تلك النكسة، على الحركة القومية، أن تطور صيغ الكفاح العربي، وتتجاوز الصيغ التقليدية القديمة .إن الكفاح من أجل تحقيق الوحدة، وفقا لرؤية ما بعد الحرب العالمية الأولى، لا يمكنه أن يحقق أهدافه، إلا من خلال وعي طبيعة التناقض بين الغالبية من الشعب، وبين مصالح الأرسمالية الأوروبية، التي تجد ديمومتها رهنا بهيمنتها وتسلطها على الوطن العربي، وجعله مصدار لحاجاتها من المواد الخام، وسوقا لمنتجاتها. وكانت الخصائص الرئيسية لهذا الاستعمار، أنه استعمار فوقي، يعمل على تغيير البني الاقتصادية للمجتمع العربي، لصالح أرسمال الدولة المستعمرة، ويتعامل مع الشعوب المستعمرة تعاملا استعلائيا، لا يرى في حضارة الشعب المضطهد سوى الانحطاط والتأخر والهمجية .وهو ف وق ذلك كله، احتلال عسكري، غريب ومتغطرس، يمارس فيه أصغر جندي من قوى الاحتلال صلفه على أكبر كبير في الأمة .وهو احتلال ثقافي يحاول المحتل عن طريقه قطع صلات الأمة بتاريخها وثقافتها وتارثها كله، ثم لا يصل لها بعد ذلك إلا نزر يسير من ثقافة المستعمر، يكاد لا يكفي إلا لأداء خدمة دوائر القمع، التي بدأت في النشوء مع توسع أجهزة الاحتلال، ولأجل تطبيق أعارفه وقوانينه.

تحرر وطني ومضامين اجتماعية: في حقبة ما بين الحربين العالميتن، وما أعقبها، كان الإيقاع السياسي الذي يموج به الشارع العربي، مفعما بالأماني بقيام أمة عربية واحدة، وانبعاث قوى لحركة القومية العربية .وقد جاء هذا التوجه متازمنا مع بروز مجموعة من الحقائق، ساهمت في تعضيد التوجهات الوطنية والقومية والشعبية، وانبثاق مرحلة النهوض الجديدة . أبرز تلك الحقائق، هي اندلاع حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار التقليدي، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حتى باتت هذه الحركات أهم المعالم السياسية للقرن العشرين .

أما الحقيقة الأخرى، فهي تنامي الوعي السياسي، وبروز أحازب وحركات قومية، طورت من صيغ عملها وتكتيكاتها وبنيانها النظري، وتعاظم السجالات الفكرية حول الهوية والوحدة، والأمة، والحرية والعدل الاجتماعي. وكانت خلاصة تلك السجالات قد ارتبطت بالاجابة عن سؤال الهوية .إن الانجاز التاريخي، الذي حققه العرب، بانطلاق الإسلام، لا يمس في جوانبه الإيجابية، المسلمين من العرب وحدهم، بل هو إنجاز تاريخي لكل العرب، لأنهم وجدوا أنفسهم أمة واحدة من خلال الانطلاقة التي ارتبطت بالدعوة .ولذلك لا بد من تأكيد التواصل الحضاري في النهضة الجديدة . ولن يكون بالإمكان تحقيق ذلك، إلا بنقلة تاريخية، تلامس عقل الإنسان العربي وروحه، توضح الرؤية، وتقوي العزيمة ...

وفي معمعان هذا التحول في العقل والروح، تتحقق الوحدة العربية، القادرة على أجارء تحولات سياسية رئيسية، في البنيان الاجتماعي والسياسي للأمة. وكما حدث بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، لم تسعف التحولات التي جرت في الوطن العربي، ولا المواقف الاقليمية والدولية حركة القومية العربية، فيما بين الحربين العالميتين، في تحقيق أهدافها .وكانت نقطة الضعف الأولى في الكفاح القومي، قد برزت في تشظى الكفاح ضد الاستعمار، وغياب استارتيجية عملية ناظمة له .فالشعب العربي، الذي واجه العثمانيين، بأرضية واحدة وسقف مشترك، اكتشف أن المستعمرين الجدد، بريطانيين وفرنسيين، حين قسموا غنائم الحرب فيما بينهم، قاموا برسم حدود مصطنعة، بما يخدم أهواءهم ومصالحهم، وأنهم غيبوا في تلك القسمة حقائق الجغارفيا والتاريخ. وكانت نتيجة ذلك أن غدا التشكيل الجديد، للخريطة السياسية والاقتصادية في الوطن العربي، ازئفا ومشوها، لكنه في الوقت ذاته، بات أمار واقعا، ت رك بصماته واضحة على معركة التحرر الوطني، حين امتشق كل قطر على حده، سلاحه، للتخلص من الاستعمار الغربي وبناء دولته المستقلة، وتأمين مستقبل أجياله .
وعندما تمكنت تلك الأقطار من انتازع الاعتارف باستقلالها، اكتشف الشعب العربي أن طموحاته في التحرر وتحقيق الوحدة وصلت إلى طريق مسدود، ذلك أن الاستعمار الذي كان مندوبه السامي يصدر الفرمانات ويعين الحكام، خرج من الباب ليعود من النافذة في صيغة استعمار جديد، يتحكم في الثروات والمقدارت، ويعيق تقدم الأمة ويحول دون وحدتها، يسنده في ذلك كيان صهيوني غاصب، شكل أسطولا ثابتا لخدمة المصالح الإمبريالية للغرب الاستعماري . واكتشف أيضا، أن حفنة صغيرة من السماسرة وكبار الملاك، تستحوذ على معظم الناتج القومي للأقطار العربية ,وقد حفز هذا الواقع على ولوج مرحلة جديدة، من مارحل الوعي العربي، هي مرحلة التحرر الاجتماعي والسياسي .ولم يكن تحقيق ذلك بالأمر السهل، فقد صاحبه صخب وغليان ومعارك خاضها الشعب العربي دفاعا عن وجوده ومستقبله .
الوحدة العربية ومشاريع التفتيت: لم يكتف الغرب الاستعماري بتقسيم الوطن العربي، وفقا لمصالحه واستارتيجياته .فبعد التمكن من الجغارفيا، حان دور تدمير التاريخ، بتشويه و ط سقا ا المخزون الحضاري للأمة .ولم تكن من وسيلة ناجعة لتحقيق ذلك، أكثر من تدمير عناصر الوحدة والتماهي، وبعث الهويات ما قبل التاريخية .ومن هنا كان تصريح الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، إثر نهاية الحرب العالمية الثانية، بأن خارئط سايكس- بيكو تجاهلت حقوق المظلومين من أقليات دينية، ومذهبية ة ثني ا و .لكن ظروف ما بعد الحرب الكونية الثانية، واشتعال الحرب الباردة، عطلت مشروع ترومان. اعتبر الغرب الاستعماري، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، سقوط حائط برلين، وتذرر الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتاركية، وانتهاء الحرب الباردة، فرصة لاستعادة مشروع ترومان، في بعث الهويات ، الطائفية .وكان العارق، البلد الذي يضم مكونات دينية ومذهبية ثنية ا و هو البلد المثالي، لاختبار هذه التجربة . ، وتحقق ذلك
م، حين سقطت بغداد .ولتكون الهجمة موجهة، بشكل مباشر ضد الجغارفيا 2003 عمليا منذ عام والتاريخ، من خلال الفساد والنهب ومصادرة الثروات من جهة، ومن جهة أخرى، تدمير صيغة الاندماج بين مكونات المجتمع الواحد، من خلال عملية سياسية تعتمد القسمة بين الطوائف والاثنيات، وطرح مشروع الفيدارلية ليتحول البلد العريق، إلى موطن لكانتونات الطوائف والإثنيات .وليتبع ذلك اندلاع خريف الغضب العربي، متسببا في مصادرة كيانات وتدمير أوطان، ولتبعث هويات التطرف والتكفير .وليعاد لمشروع ترومان، الذي ر ا بش به قبل أكثر من سبعين عاماً ألقه وحضوره.
وقد عبد غياب الربط والوحدة بين العناصر اللازمة للنهضة، ووضع عنصري الحرية والعدالة الاجتماعية، في مواجهة مع بعضهما، مع أن كليهما لازمان لتحقيق الوحدة، الطريق لبروز مرحلة القبول بالتدخلات الخارجية. أسفرت نتائج الحرب العالمية الثانية، جملة من الحقائق بالنسبة لأوروبا الغربية، لعل أهمها تارجع الدور الأوروبي، الذي بات سببا في انزياح دور الاستعمار التقليدي عن البلدان العربية .وشمول بلدان أوروبا الغربية، بحماية المظلة العسكرية الأمريكية، وخضوع هذه البلدان، لبرنامج إنعاش اقتصادي، عرف بمشروع مارشال . وقدر وفرت هذه العناصر الأرضية الملائمة لانطلاق مشروع الوحدة الأوربية، بحيث وصلت في النهاية إلى ما هي عليه الآن. وجد الأوروبيون في تحقيق الاتحاد فيما بينهم، إنقاذا للقارة الأوروبية من حروبها مع ذاتها، ومن احتمالات تحقق انتحار جمعي في حروب ربما تكون أعتى وأقسى من الحربين العالميتين. وهكذا أرينا أن الوحدة الوحدة الأوروبية، ارتبطت منذ البداية، بالضرورة التاريخية، دون عوامل التاريخ واللغة والثقافة، وكان مشروعها بارجماتيا بامتياز، غيبت فيه الشحنات العاطفية .فعوامل المصلحة والمنفعة، هي وحدها الجديرة بالاعتبار، في كل محطات تنفيذ المشروع. هذه الحقائق مجتمعة كانت السبب في تأخر مسيرة الاتحاد الأوروبي، ة عاق ا و انطلاقته بالسرعة المأمولة، وتأخير إعلان قيام المواطنة الأوروبية، لما يقترب من النصف قرن، تم تجاوزها في النهاية، بالتصميم والإاردة، ووعي قادة أوروبا وشعوبها، لدور الكتل الإنسانية الكبري في صناعة القوة، بكل تشعباتها. هذه القضايا مجتمعة أو فاردى، ستكون حاضرة بالتأكيد لدينا، نحن العرب، عند تبنينا أية خطوة جدية، باتجاه تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي العربيين . ، ولأن سمة العصر، أنه عصر تكتلات وتحالفات كبرى، وعصر انتصار القوميات
أيضا فلن يكون  مقبولا أن تكون المرجعة السياسية لأخطائنا، ينبغي أن تشكل خطوة ، هروبا إلى الخلف .إن المارجعة النقدية متقدمة إلى الأمام، على طريق تعضيد مشاريع النهضة العربية، وليس التنكر لها. إن مقاربة المشروعين :الأوروبي والعربي، تشي بأن الأول، كان نتاج صيرورة تاريخية، وجد حاضنة اجتماعية قادرة على النهوض به وتحويله إلى أمر واقع .وكان لنتائج الحرب العالمية الثانية، دور كبير في ،" تعضيده، والارتقاء به من مشروع أمم أوروبية، إلى شاركة في السوق، عبر عنها ب"السوق الأوروبية المشتركة ثم إلى مواطنة مشتركة واتحاد أوروبي شمل في مارحله الأولى الجزء الغربي من القارة، لتنضم إليه
لاحقا بعد انتهاء الحرب الباردة بقية دول أوروبا .وقد حلق المشروع الأوروبي بجناحين، هما مشروع مارشال، الذي أسس قاعدة الانطلاق الاقتصادية، وحلف الناتو، الذي تحول إلى مؤسسة دفاع مشتركة .بمعنى آخر، وضعت نتائج الحرب الكونية الثانية، لبنات التأسيس، لانطلاق مشروع الوحدة الأوروبية، بينما وقفت نتائج الحربين الكونيتين، الأولى والثانية، بالضد من الحلم العربي في الحرية والانعتاق، وتحقيق الوحدة. لم تسعف السياسات الدولية والتحولات التاريخية، مشروع الوحدة العربية، بل على النقيض من ذلك، جاءت الهجمة الإمبريالية، والهجرة الصهيونية، وضعف مقاومة الهياكل الاجتماعية العربية، لتصبح عناصر طاردة لهذا المشروع .في حين كانت تلك التحولات والسياسات التي ارتبطت بها، عناصر جاذبة لوحدة أوروبا. يضاف إلى ذلك أن اليقظة العربية الأولى، بما هي مشروع للنهوض، جاءت بعد انقطاع طويل لحضور الأمة، إثر اجتياح التتار والمغول العاصمة العباسية بغداد ولماركز الإشعاع العربية .وكان المؤمل أن تتجه مسيرة التنوير بالعصر الحديث، في خط بياني صاعد، حتى تتمكن من إحداث نقلات نوعية في الفكر والثقافة، إلا أنها لم يقدر لها مواصلة سيرها، ووئدت وهي لما تزل في المهد .فكانت النتيجة فشل مشروع النهضة، قبل أن يتمكن من تحقيق أهدافه .وقد أفصح هذا الفشل عن ذاته، في جملة من التارجعات، لعل أبرزها، سقوط مع الاستعمار البريطاني، في مصر، وعجز 1936 تجربة محمد علي باشا، وفشل ثورة عاربي، وتوقيع معاهدة، القيادات الوطنية عن التصدي للهجرة اليهودية إلى فلسطين، منذ مطالع العشرينات من القرن المنصرم، مما رصف الطريق لإقامة الكيان الصهيوني، وتوقيع معاهدة بارتسموث، في العارق، وأيضا النظرة المزدرية للجماهير المعبر عنها ب "أن العرب هم مجموعة من الأصفار."
هذه القارءة، لا تهدف إلى التقليل من حجم التضحيات والنضال العربي، من أجل تحقيق الأهداف الكبرى للأمة، بل هي دعوة لقارءة الأسباب التي عطلت من تحقيق هذه الأهداف، وتأشير نقاط الضعف في مشاريعنا القومية . لقد كانت الحرب الباردة، بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة فرصة سانحة للأمة العربية، كان ينبغي أن يقتنصها الفكر القومي، لانجاز أهدافه، خاصة وأنها ارتبطت بنهوض عربي شعبي عارم، منذ مطالع م .وخلالها أنجزت الحركة القومية بعض من أهدافها، 1967 الخمسينيات حتى نكسة الخامس من حزيارن /يونيو لكن فرصا كبيرة أهدرت .وعلينا أن نقأر تلك المرحلة بروح نقدية، وتصميم على تجاوز تركة الأخطاء الثقيلة لتلك الحقبة . خاتمة : نحن الآن على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، بعد سقوط الأحادية القطبية، وهزيمة الإرهاب، وانتصار الجيش العربي السوري، وصولا إلى استعادة الدولة إلى بسط سيطرتها على جميع أارضي الجمهورية العربية السورية، وصمود المقاومة في لبنان وفلسطين .مرحلة الانتقال التي يمر بها العالم، سيكون من نائجها انبثاق
نظام دولي جديد، وينبغي أن تكون هذه التطوارت مناسبة لنا، لنعيد قارءة تجاربنا بروح نقدية عالية، ولنصيغ أفكارنا واستارتيجياتنا، على ضوء حقائق القوة الجديدة، بحيث لا تضيع مجددا الفرص المتاحة أمامنا . لقد بات واضحا، أن العالم، يتجه نحو عالم متعدد الأقطاب، لعل أبرز مؤشارته، الصعود الكاسح لاقتصاد الصين، وعودة روسيا بوتين بقوة إلى لعب أدوار رئيسية بالمسرح الدولي، وبروز تكتلات سياسية واقتصادية جديدة، كلبركس ومجموعة شنهغاي .ولا شك أن هذا الدور، إذا ما تواصل بقوة سوف يخلق حقائق جديدة. فلن يكون في مصلحة أي من القوى الدولية، في عالم متعدد الأقطاب، استمارر مشاريع التفكيك .فكل قوة كبرى، ستعيد ترتيب أوارقها على قاعدة وجود وكلاء أقوياء لها في المنطقة .بمعنى أدق، بات مشروع صياغة سايكس بيكو جديدة، تتماهى مع الأوضاع العربية المزرية من الماضي. عودة التعددية القطبية، تعني عودة الروح للمبادئ الناظمة للعلاقات الدولية، والقائمة على احتارم سياسة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. إن شمسا جديدة تشرق على العالم، ستبرز دول قوية إلى الواجهة، وتبهت أدوار دول أخرى، وستنشأ مؤسسات وهيئات أممية جديدة، بديلة عن المؤسسات والهيئات التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اتساقا مع حقائق القوة الجديدة، لكن وطننا العربي، سيظل دائما بحكم حقائق الجغارفيا والتاريخ، التي أشرنا لها في صدر هذه المقالة، في القلب من الأحداث وعلينا نحن القوميين، المؤمنين بقدر أمتهم، وحقها في الوحدة، أن نكون جميعا متهيئين، للمرحلة القادمة، باعتبارنا مناضلين وصانعي تاريخ . إن النضال من أجل تحقيق الوحدة العربية، في هذه اللحطة التاريخية، تعني الكفاح من أجل فلسطين، والتصدي لصفقة القرن وقانون الدولة القومية، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، واستعادة الدولة السورية لدورها القومي المركزي في النضال القومي، جميعها مؤشارت إيجابية، على أن الأمة باقية رغم كل التحديات، لكن النضال من أجل تحقيق أهداف الأمة الكبرى، وضمنها عناصر المشروع النهضوي العربي، ليس فرض كفاية، ولن يغفر لنا التاريخ والمستقبل تقاعسنا، ة ضاع ا و الفرص التاريخية الجديدة .وشروط تحقيق ذلك هي امتلاكنا للوعي والقدرة والإاردة...


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013