المقاومة الحضاريّة التقارير والمقالات | المقاومة الحضاريّة
تاريخ النشر: 29-07-2017

بقلم: عباس قدوح
أثبتت المقاومة الإسلاميّة أنّها ذات قوّة قتاليّة عالية تفوّقت بها على كثيرين ممن يمتهنون حرفة القتال,ومنذ إنطلاقتها في مواجهة العدوّ الصهيونيّ,مازالت تحقق الانتصار تلو الانتصار لا لأنها تمتلك سلاحًا لم يمتلكه آخرون من الجيوش والعصابات , إنّما لما تميّزت به من عقيدة وإيمان راسخ في التّضحية والعطاء وبذل الأرواح دفاعًا عن الحق, وهنا تكمن نقطة القوّة ,فالسّلاح متوفر لكلّ من يريد, والإعداد والتأهيل للمقاتلين ترعاه دول وأمم وتغدق عليه من ملياراتها ما لا يُعدّ ولا يُحصى, والوسائل طَوع أيديهم .
العدوّ الصّهيونيّ في إعتداءاته المتكرّرة على لبنان,كان يمتلك السيطرة على البرّ والبحر والجوّ,وسخّرت له أحدث وسائل التّكنولوجيا ,والخبراء والخبرات العسكريّة من شتّى أنحاء العالم,وكان عندما تحين لحظة  المواجهة مع مجاهدي المقاومة الاسلاميّة,تنهار إرادة جنوده وعزيمتهم  أمام أقدام مجاهدي المقاومة الاسلاميّة وبسالتهم وآخرها في عدوان تمّوز 2006 حيث كان جنوده يبكون كالثّكالى وقت الالتحام والمبارزة ,وهكذا أصبح حال هؤلاء الذبّاحين والإرهابيّين والإرعابّيين من مقاتلي جبهة النّصرة وداعش وملحقاتهم,الّذين اعتمدوا في حربهم إستراتيجيّة الإرعاب والتّخويف ذبحًا وحرقًا وإجرامًا وقهرًا واستبدادًا لإلحاق الهزيمة بالقوى المواجهة لهم,وسلبها إرادة القتال,حتّى باتوا في بداية عدوانهم على الأمّة والعالم أسطورة الميدان وبالأخصّ في سوريّا والعراق,متأمّلين أن يحقّقوا تفوّقًا في القتال على محور المقاومة وصولًا لاستهداف المقاومة الإسلاميّة لينجزوا ما لم يستطع جيش العدوّ الصّهيونيّ تحقيقه,والحال كذلك إلى أن أتت المنازلة الأولى بينهم وبين مجاهدي المقاومة الاسلاميّة في مدينة القصير السّوريّة المجاورة للحدود اللّبنانيّة,عندما قرّرت قيادة المقاومة تحريرها لما شكّله  احتلالهم لها من خطرٍ تكفيريّ على المواطنين اللّبنانيّين,فرغم كلّ التّحصينات والعدد والعتاد والخبرات القتاليّة والدّعم العالميّ لجبهة النّصرة,كانت الغلبة لمجاهدي المقاومة الإسلاميّة الّذين ألحقوا بهم شرّ هزيمة.
إنّ المواجهة الأولى في القصير حسمت مستقبل الصّراع,وما بقي هو مسألة وقت,لأنّ إرادة المقاومين المنطلقة من عقيدتهم الإيمانيّة الرّاسخة هزمت أرواح ونفوس وعقول التّكفيريّين,الّذين كانوا يظنون أنّه لا يد تعلو فوق أيديهم ،ولا قوّة في العالم تهزم قوّتهم ،ولا إرادة أصلب من إرادتهم، فكشفت المقاومة زيف إدعائهم وهوان جبروتهم .
لقد برزت عقيدة المقاومة الإسلاميّة القتاليّة بتفوّقها في التقدّم الميدانيّ العسكريّ وأداء مجاهديها النّوعي وبالأخص أثناء عمليّة تحرير جرود عرسال من التّكفيريّين,فشهد بذلك الصّديق وأوجس منه خيفة العدوّ,لكن الأهم وفي البعد العقائديّ ،والّذي لم يسبق له مثيل ،إلا مع الأنبياء والرّسل والأولياء والصّالحين ،هو الالتزام الأخلاقيّ والقيميّ والإنسانيّ ،الّذي يلتزم به مجاهدو المقاومة وقيادتها المسدّدة المتمثّلة بسماحة الأمين العام السّيد حسن نصرالله ،والّذي يستدعي الوقوف عنده قبل الوقوف عند الإنتصار العسكريّ,ففي مقابل ما إقترفته هذه المجموعات الإرهابيّة والقوى الظلّاميّة من قتل وذبح وسبي وإحراق وإستبداد وطغيان وتفجير وتدمير ،بجميع الأساليب الشّيطانيّة التي أصاب لظاها اللّبنانيّين والمنطقة والعالم ،والذي لم يميّز بين طفلٍ أو شيخٍ أو رجلٍ أو إمرأةٍ أو مدنيٍّ أو عسكريٍّ لأيّ دينٍ أو طائفةٍ أو مذهبٍ أو منهجٍ أو عرقٍ أو عشيرةٍ انتموا.
نجد حرص سماحة السّيد حسن نصرالله على عوائل وأطفال ونساء هؤلاء المجرمين الّذين لم يرقبوا إلّا ولا ذمّة ،والحفاظ على أعراضهم ،حيث كان تأكيده على المجاهدين أثناء المعركة كما صرّح سماحته ،بضرورة الإنتباه خلال العمليات العسكرية ،لمخيّمات النّازحين ، والتي يضم بعضها عوائل مجرمي جبهة النصرة ،بأن لا يطالها أي أذى أو قذيفة ولو عن طريق الخطأ ،حيث سهر على  حمايتهم وسلامتهم .
أيضًا عندما طلب من المجرمين الّذين حاصرتهم المقاومة في ما تبقّى من جرود عرسال بأن يسلّموا أنفسهم حقنًا للدّماء وهم في قبضته وحثّ قيادتهم على التفاوض ،تمهيدًا لإنسحابهم ،ملتزمين بشروط المقاومة قبل أن يضطر المقاومون إستكمال عمليتهم بفعالية.
بالله عليكم أي عقيدة هذه العقيدة وأي مقاومة هذه المقاومة وأي قائد هذا القائد دلّوني على من يشبههم في هذا الزّمان من قادة دول أو جيوش أّو ثورات أو مقاومات في العالم يتصرّفون مع أعدائهم الّذين ألحقوا بهم وبأهلهم ووطنهم وأمّتهم كلّ هذا الأذى ثمّ يتعاطون معهم بهذا المستوى من الإلتزام العقائديّ والدّينيّ والأخلاقيّ والإنسانيّ.
إنّ سلوك قيادة المقاومة ومجاهديها هو أرقى وأسمى وأرفع وأنجح سلوك وعمل وبنيان حضاري، إنّها "المقاومة الإسلاميّة الحضاريّة" فالحضارة هي ليست فقط ببناء ناطحات السّحاب ،وزخاريف المدن التي يحوطها أحزمة البؤس .
 الحضارة هي الأخلاق والإلتزام بالقيم والمبادئ الدينيّة والإنسانيّة ،هي الحرص على حياة الإنسان,وأي أخلاق وسلوك أرقى من أن تعفو عند المقدرة، وتبادل من أساء إليك بالإحسان ،ومن قتل وسفك دماء أهلك بالإعراض عنه وحقن دمه عندما يقع في قبضتك ،وتحمي عيال من سبى عيالك، وتصون عرض من هتك أعراض أبناء وطنك وأمّتك .
إنّه سلوك وموقف وعمل لا يتصوّره عقل أو يتوقّعه، في هذا الزّمان الّذي يمارس فيه مجرمو العالم الإبادة الجماعيّة ،من هيروشيما في اليابان ،إلى مجازر العدوّ الصّهيونيّ في دير ياسين ومدرسة جلّ البقر ،إلى مجزرة قانا والمنصوري ،وغيرها إلى مجازر آل سعود في اليمن ،وكل غطرسة قوى الإستكبار العالميّ ومجازره.
لقد قدّمت المقاومة الإسلاميّة قيادة ومجاهدين، نموذجًا دينيًّا إنسانيًّا حضاريًّا عالميًّا ،فعقيدتها إنتصرت مرّة في الميدان العسكريّ ،ومرّة في التّطبيق للقيم الدّينيّة الّتي تعتنقها المقاومة أثناء إدارة المعركة ،حتى مع أعدائها.
إنّ هذا ليس بجديد على المقاومة ،فإنّها فعلت هذا عام 2000م عندما حرّرت الأراضي اللّبنانيّة من العدوّ الصّهيونيّ ،فيما كان يسمى آنذاك "بالشّريط المحتل" ،فأوكلت أمر العملاء إلى القضاء اللّبنانيّ ،ولم تضرب أحدًا حتّى" ضربة كف "
إنّها المقاومة هي قولًا وفعلًا وعملًا وسلوكًا بحق مقاومة إسلاميّة حضاريّة ، إنها أرقى سلوك إنساني في تاريخنا المعاصر.

تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013