الاستقلال الوطني والقومي التقارير والمقالات | الاستقلال الوطني والقومي
تاريخ النشر: 09-07-2017

بقلم: الطيب الدجاني
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، التّحيّة العطرة ملؤها المحبّة للوطن العربي الكبير. الحديثُ عن الاستقلال الوطني والقومي ذو شجون في إطار اِستحضار أهداف الأمّة المتمثّلة في مشروعها الحضاري، وهي: الوحدة العربيّة، والديمقراطيّة والشّورَى، والتنمية المستقلّة، والعدالة الاجتماعيّة، والاستقلال الوطني والقومي، والتجدّد الحضاري. يتعلّق موضوعُ الاستقلال بوطنٍ كبير فسيح جامع يعتلق بوجداننا، ونحن نستذكر تضحيّات الشّهداء والأسرى اعتلاق استحصاد واستحكام، بالرّغم مِن المِحن والإحن والهجمة الصهيوأمريكية شديدة الوطأة، وما نتج عنها مِن غزوٍ واحتلالٍ وتبعية وانقسامٍ ومُعاناةٍ ممتدّة ومتصاعدة في الحاضر والماضي. وبالرّغم مِن كلّ الانتكاسات والنكبات والجوائح، يتبوأ هذا الوطن العربي الكبير في قرارة نفوسنا أكرم متبوأ وأعزّ مقام. وتبقى شعلة الأمل بتحقيق الأهداف الستّة للأمّة عالية منيرة تنتقل مِن جيلٍ إلى جيل عربي صاعد مبشّر بالكثير الكثير على كلّ الصّعد.
يتحقق فهمُ التاريخ والحاضر، وكذلك استشراف المستقبل بصفةٍ عامّة، مِن خلال حقائق الجغرافيا. فالوطن العربي يتمثّل في رقعة أرض مباركة تتوسّط قارات العالم القديم الثلاث؛ آسيا وأفريقيا وأوروبا. وتشمل هذه الرّقعة مجموعتين إقليميتين في غرب قارة آسيا هما الجزيرة العربية وبلاد الشام. وفي قارة افريقيا مجموعتان إقليميتان هما وادي النيل والمغرب العربي الكبير. ويتحقّق التّنوّع في الوطن العربي على مساحة أرض شاسعة، حتى بعد تقسيم السودان وانفصال جنوبه، مقدارها 14 مليون كيلومترا مربعا تمثل أكثر من 10.4 بالمائة من اليابسة، في إطار حقائق الوحدة التي نطمح لتحقيقها، وهي في جوهرها الوجه المقابل الإيجابي للاستقلال القومي.
على صعيدٍ متّصل، يتحقّق الاستقلال الوطني بالتحرير اِبتداءً مِن الاستعمار العنصري الإحلالي في فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا بجنوب لبنان. وكذلك الأمر بشأن تحرير أراضٍ عربيّة عزيزة في سبتة ومليلية غربا، بل حتى التفاهم مع تركيا بشأن استعادة أنطاكية شمالا، ومع إيران بشأن الجُزر الثلاث؛ طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى والأحواز وغيرها شرقا (في إطارٍ مٍن التعاون مع هاتين الدولتين القوميتين الجارتين بشأن " مناطق التخوم"، والتي سوف تمثّل حدود لقاء حضاري وتجاري وثقافي وليس مناطات تعدّ وعدوان)، ثم القضاء على الهيمنة والتبعيّة لمراكز الاستعمار الغربي بكلّ مظاهرها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة بمعناها الواسع والشامل.
في الوطن العربي أقدم مركزين حضاريين عرفهما الإنسان، هما الحضارة البابلية السومرية في بلاد الرافدين شرقا، والحضارة الفرعونية المصريّة في وادي النيل. ويُمكن أن نقسّم تاريخ الوطن العربي في مجمله إلى قسمين رئيسيين تفصل بينهما الانطلاقة العربيّة الكبرى بالإسلام في القرن الأوّل الهجري الموافق السابع الميلادي.
 
الهجمة الاستعماريّة الغربيّة في التاريخ الحديث:
بعد هزيمة غزوة الفرنجة في العصور الوسطى وتحرير بيت المقدس في سبتمبر عام 1187م، تتابعت الموجات للغزوة الغربيّة الصهيونيّة في العصر الحديث منذ حملة نابليون بونابرت على الوطن العربي وارتكابه مجزرة يافا عام 1799م، وهي جريمة حرب ضد الأسرى، ودعوته إنشاء قاعدة استعمارية ليهود أوروبا في فلسطين، موجها نداء لليهود زاعما أنهم ورثة أرض فلسطين. وقد تمّ نشر ذلك الإعلان في الجريدة الرسميّة الفرنسية بتاريخ 20 نيسان 1799.
بدأت الموجة الأولى للاستعمار الغربي المتحالف مع الصهيونيّة عام 1830م بغزو فرنسا للجزائر، ثم قامت بريطانيا بغزو عدن عام 1838م، والامتداد إلى سواحل الخليج العربي الشرقيّة. وقد وصلت حملات صهيونيّة استكشافية إلى فلسطين في هذه الموجة الأولى عام 1852م. 
كما بدأت الموجة الثانية عام 1881م حين غزت فرنسا تونس، وتبعتها بريطانيا باحتلال مصر عام 1882م، ثم احتلال السودان سنة 1896م. وخلال الموجة الثانية، تمكّن الصهاينة مِن بناء أول مستوطنة استعماريّة عنصريّة على أرض فلسطين عام 1882م.
بدأت الموجة الاستعمارية الثالثة عام 1911م حين احتلت إيطاليا ليبيا، واحتلت فرنسا المغرب عام 1912م. وفي هذه الموجة، سيطرت بريطانيا وفرنسا على بلاد الشام والعراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ثم قسّمت بريطانيا وفرنسا الوطن العربي بموجب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م. وبعدها جاء وعد بلفور عام 1917 مِن أجل اصطناع قوميّة لليهود، وإقامة دولة لهم في فلسطين العربيّة يتجمعون فيها على أساسٍ استعماري استيطاني إحلالي عنصري.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، استقلّت العديد مِن الدول العربية غير أن استقلالها في الغالب كان منقوصا تشوبه تبعيّة الأنظمة الحاكمة للمراكز الاستعمارية سياسيا واقتصاديا وثقافيا، بل أضحت التبعية والهيمنة ذات أبعاد مجتمعية استهلاكية غير انتاجية واضحة، خاصةً بعد تصاعد ظاهرة العولمة والرأسمالية المتوحّشة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م.
لقد حكمت وما زالت أسر وعائلات حكما مطلقا، وهي تابعة ورهينة قرارت مراكز الاستعمار في الملكيات والإمارات والسلطنات وأغلب الجمهوريات العربية منذ تحقّق الاستقلال الوطني بعد جلاء قوات الاحتلال، مما كرس انعدام العدالة الاجتماعية، وسوء توزيع الدخل، وتصاعد معدلات البطالة المقنّعة والصريحة، والتعدّي على الحرّيّات العامّة، وعلى حقوق الإنسان. وفي ضوء تجربة الانقسام واصطناع الحدود، أضحت مقولة: "إن دولة الوحدة في أضعف حالاتها خير مِن دولة التجزئة في أحسن حالاتها". فدولة الوحدة منيعة تقاوم مظاهر الضعف والأفول المتسارع الذي تعاني منه دولة التجزئة، مهما بلغت درجات الغنى الناتج عن بيع موارد أوّليّة ناضبة كالنفط أو الغاز أو خدمات أو غيرها بدولة التجزئة.
الشواهد على حقيقة وهن وضعف دولة سايكس بيكو القُطرية (ولا أقول الوطنية) واضحة بيّنة، فعدد مِن الإمارات والممالك الغنيّة وقليلة السكان، التي تزايدت فيها المشاعر العامة بالاستغناء عن التضامن العربي بحدّه الأدنى منذ طفرة النفط في أعقاب حرب رمضان 1973، قد بدأت تضيق بمواطنيها على جلّ الصّعد. فمعدّلات البطالة المقنّعة مرتفعة فيها، وسوء توزيع الدخل، وانخفاض الإنتاجيّة، وضعف مستوى التعليم، والمشاكل الصحيّة العامّة الناتجة عن الفراغ والحيرة على الصعيد النفسي والتربوي والتخمة والسفه على الصعيدين الصّحي والاجتماعي هي الأعلى بين نظيراتها في العالم، والأراضي أثمانها فيها باهظة، وليست في متناول الأغلبية الساحقة مِن السّكّان نتيجة الاحتكار مِن قبل أبناء الأسر الحاكمة وفساد الإدارة الحكومية العامّة، مما يؤدي لانخفاض معدّلات التنمية الحقيقية بكلّ المقاييس. هذا واقع الحال بدرجات متفاوتة في إمارتي قطر والكويت، و"مملكة" البحرين على سبيل المثال وليس الحصر. إذا كان ذلك كذلك في الأقطار الخليجيّة الغنيّة قليلة السّكّان، فكيف الوضع في بقيّة الدّول بإقليم الجزيرة العربيّة الأكبر مساحة كالمملكة السعودية وسلطنة عُمان ودولة الإمارات، بل والعراق واليمن الممزّقين بفعل الغزو والاحتلال والحروب بالوكالة؟
كيف تطوّر إستقلال الدولة الوطنية كثيفة السّكّان شحيحة الموارد الأوّلية في إقليم وادي النيل وإقليم المغرب العربي الكبير؟ الجواب يقيناً بالسلب وليس بالإيجاب خلال أعوام الربيع العربي الستة الماضية. ممّا يُشير إلى أن الانتكاسة الخاصّة على صعيد هدف الاستقلال الوطني تنطبق على الأقاليم العربيّة الأربعة جميعها، وعلى أقطارها كلها بدرجاتٍ متفاوتة. التفسير عندي، وليس التبرير، هو أن الوطن العربي والإسلام كعقيدة يواجهان الموجة الرابعة مِن موجات الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والحركة الصهيونية العالمية.
جدير بالذكر، أن تأريخ الموجة الرابعة وهي الأخطر بين موجات الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية يبدأ بحادثة اقتحام وتباحة المسجد الأقصى بالقدس الشريف وتدنيسه مِن قبل المجرم شارون ومعه مئات مِن جنود الاحتلال الصهاينة في 28 سبتمبر عام 2000م، حيث مثّلت تطوّراً خطيراً في الصّراع ضد الوطن العربي ومركزه فلسطين مِن جهة الاستعمار الغربي الصهيوأمريكي. إذ مهّدت هذه الخطوة للمُجاهرة بمُحاربة الإسلام كدين، وفي حرم أحد أقدس مقدّساته كعقيدة. وتبع ذلك احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان بعد حادث البُرجين في نيويورك عام 2001م، وارتكاب مذبحة جنين مِن قبل جيش العدو الصهيوني عام 2002م، ثم غزو العراق الدولة وتدميرها وتقسيم المجتمع طائفيا، وحلّ جيشه في عام 2003م، فالعدوان على لبنان انتقاما مِن تحرير جنوبه بفعل المقاومة الباسلة في بداية الألفية الثالثة حتى الهزيمة الصهيونية في حرب لبنان تموز 2006م، ثم ارتكاب العدو الصهيوني جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية في العدوان على غزة الحرّة العزيزة عام 2008م، وعام 2012م، وصيف 2014م. وبالرغم مِن حجم الجرائم الصهيونية فإنه بفعل صُمود أهلنا الأبطال في فلسطين والوطن العربي والنضال في الشتات، يُمكن الجزم بأن المقاومة والصمود والتّصدّي بحدّ ذاته انتصار للشعب الفلسطيني وللشعب العربي بمُجمله في هذه المرحلة الصعبة مِن تاريخ أمّتنا العربيّة وعالمنا الإسلامي.

أهداف المُخطّطات الأمريكيّة الصّهيونيّة تجاه الدّول العربيّة:
أولا: تقسيم المُقسّم وتجزئة المُجزّأ بأدواتٍ جديدة مثل حلّ الجيوش الوطنيّة العربيّة كما في حالتي العراق وليبيا، إضافة إلى حالةٍ مِن الحروب الداخليّة ضد تنظيمات الغلو والتوحّش، والفوضى "اللا- خلاقة"، و"اللا- دولة" في حالتي اليمن والصومال، ممّا يؤدي إلى الاقتتال طائفيا وقبليا ومناطقيا، وانهيار الدولة القُطرية المأزومة أصلا لأنّها ناتجة عن اتفاقية سايكس بيكو. وقد حصل التقسيم للسودان بانفصال الجنوب بعد حربٍ أهلية امتدّت عقودا خمس ومازالت نارها تستعر.
ثانيا: إضعاف دول عربيّة عدّة بصراعاتٍ ومعارك كونية بالوكالة كما في حالة كلٍّ مِن سوريا وليبيا واليمن، حيث الصراع المسلّح شديد الحدّة والوطأة، وحالتي مصر ثم الجزائر وغيرهما حيث يستمرّ استنزاف مؤسسات الدولة والجيش في كلٍّ منهما في صراعٍ أقل وطأة، لكنه يبقى جرحا نازفا في جسد الوطن العربي الواحد.    
ثالثا: تأجيج الصراع بين مكوّنات المجتمع العربي مِن الخليج إلى المحيط ليضحي طائفيا ومذهبيا وقبليا ومناطقيا (سُنّة ضد شيعة)، و (تكفيريون ظلاميون غلاة ضد مسلمين مستنيرين ووسطيين) و(مسلمون ضد أقباط وضد مسيحيين). بما يؤدي إلى تناسي القضية المركزيّة والمحوريّة الجامعة للعرب والمسلمين وقوى الخير في عالمنا، وهي قضية تحرير فلسطين والقدس.
رابعا: استمرار الأزمات السياسيّة بعد ما يُطلق عليه "الربيع العربي"، وانعدام الحرّيّات العامّة والمجاهرة بالتعدّي على حقوق الإنسان، والمعاناة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغالبية السّكّان في الدّول العربيّة خاصّةً في الأقطار التي تمثّل ثقلا إقليميا كمصر والعراق والجزائر وسوريا، بل وحتى المملكة العربيّة السعوديّة الغنيّة بالنفط التي ستزيد المعاناة فيها مستقبلا إذا لم تتحقّق فيها الديمقراطية والشورى، والعدالة الاجتماعية، ولم تتحقّق التنمية المستقلّة المتصاعدة المستدامة، وقامت قيادة شابة فيها تنقصها الحكمة والخبرة ببيع ورهن منابع النفط ومكامنه عن طريق طرح أوّلي لأسهم شركة أرامكو، وتسجيل أسهمها ببورصة أجنبية لم يتم تحديدها بعد.
خامسا: تكريس التبعيّة الاقتصاديّة للولايات المتّحدة الأمريكية وأوروبا، بما يؤدي إلى قيام الوكيل التابع في قمّة مؤسسة الحُكم بالتّحالف والانبطاح للخارج الأمريكي الصهيوني مع محاولة مُحاكاة التجربة الناصرية بأسلوب تعتوره الهزلية والتشوّهات، ومع زيادة الفقر المدقع ومعدّلات البطالة والإحباط بين الشباب بخاصّةٍ.
سادسا: ريادة كيان العدو اقتصادياً وتكنولوجياً لتحقيق مُخطّط "إسرائيل العُظمى" توطئة لمخطّط "إسرائيل الكبرى" مِن النيل إلى الفرات. وكان تغير أولوية أهداف الصهيونية مِن "الكبرى" إلى "العظمى" نتيجة للحقائق السّكّانيّة كما يدّعي مفكّرو العدو، وأبرزهم المجرم المقبور شيمون بيريز رئيس الكيان سابقا.
المخططات الصهيونية تجاه فلسطين:-
كانت فلسطين والقدس في "عين الإعصار" و"قلب الهجمة" الاستعمارية الغربية الصهيونية على الوطن العربي. لذا فإن جعل الانتصار في فلسطين هدفا استراتيجيا فيها سيمثل هزيمة الموجة الرابعة مِن الاستعمار الغربي الصهيوني.
يقترن استحضار نشأة الحركة الصهيونية منذ القرن السادس عشر في أوروبا الغربية بارتباطها بفكرة السمو القومي والتفوق العرقي، وتعبيرها عن العنصرية الاستعمارية الأوروبية المستترة في أسوأ صورها. تنطلق الصهيونية في دعوتها المضلّلة الكاذبة مِن الزّعم بأنّ "اليهود أينما كانوا يُشكّلون شعباً واحداً، وهم غير قابلين للاندماج في الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها، وأن اليهود كشعبٍ لهم تاريخ متّصل في فلسطين انقطع منذ ألف ومئتي سنة، كانوا يتطلّعون خلالها للعودة ". الاسم الذي حملته الصهيونية سام عربي يعني الحصن باللغة الكنعانية القديمة. وهو اسم القلعة التي بناها اليبوسيون في أورسالم، وجعلها داوود عليه السلام مَقرّاً له. وذلك للتضليل والإيحاء بالارتباط بالماضي والجغرافيا الفلسطينية المقدّسة في الديانات السّماويّة الإسلامية والمسيحية واليهودية.
ماهيّة الصهيونيّة: غربية المنشأ عُنصرية المضمون جاءت ولادتها في مكاتب الخارجية البريطانية والمقر الإمبراطوري في فرنسا، ودهاليز القصور القيصرية في النمسا وألمانيا وروسيا القيصرية. إذن الهجمة الاستعمارية الغربيّة الصهيونيّة استغرقت قرنين على الوطن العربي، ومركز الهجمة القدس وفلسطين. وقد مال عدد كبير مِن يهود أوروبا ذوي الأصول الخزرية للفكرة وللحركة الصهيونية خلال الربيع الأوروبي بين عامي 1848 و 1852م.
إن الإطار العام للمخطّط الصهيوني لكلّ فلسطين التاريخيّة هو الاستمرار في ارتكاب جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والمذابح، والحصار، واغتصاب الأرض، وقطع الطُّرق بوضع الحواجز لجيش الاحتلال، ونقاط التفتيش، والتهويد للقدس بخاصة، واستكمال بناء الجدار العازل، وبناء المستوطنات، واقتلاع أشجار الزيتون والمحاصيل الزراعية، وتدمير المصانع والمنازل الخاصّة بالفلسطينيين، بما يؤدّي إلى التهجير القسري والترانسفير للشعب الفلسطيني الصامد المُقاوم إلى خارج فلسطين، ويؤدي إلى الأبارتيد في أسوأ صُوره لِمَن يبقى مِن الفلسطينيين العرب مسلمين ومسيحيين داخل فلسطين.
على صعيد الداخل المُحتلّ (الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1948)، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لدى مجرم الحرب نتانياهو في مكتبه كرئيسٍ لوزراء كيان العدو إدارة خاصّة تعمل على وضع سياسات تحفيز، وزيادة النمو السكاني اليهودي، والهجرة اليهودية إلى فلسطين التاريخية، ووضع في الآن ذاته الآليات التي تهدف لخفض معدّلات الإنجاب للفلسطينيين بالداخل، وتهجير الفلسطينيين مِن أرضهم، بما يعكس التطبيق العملي "لعقيدة السمو العرقي" و"شعب الله المختار" في أسوأ شكلٍ لها حتى بالمقارنة مع الحقبة النازية.
على صعيد الضّفّة الغربيّة، يبقى التفسير الصهيوني لاتفاقية أوسلو وقرارات الشرعية الدولية بعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، حتى وإن كانت على جزءٍ يسير مِن أرض فلسطين التاريخية، وذلك عن طريق سَنِّ قوانين عُنصرية، وتهويد القدس، وضمّها تماما لكيان العدو، وفصلها عن الضفة الغربيّة بالجدار العازل، وبناء المستوطنات المدنية والزراعية، والثكنات العسكرية، والطرق السريعة لليهود فقط على أراضي الضفة الغربية، لتضحي المدن والقرى بالضفة، بموجب مخططات العدو، جيوبا سكنية فلسطينية محاصرة أمل جُلِّ مَن فيها الهجرة خارج الوطن بعد أن يجعل المُحتلُّ الحياةَ مستحيلة على كلّ المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسيّة.
على صعيد قطاع غزة، المخطّط الصهيوني يتلخّص في استمرار الحصار والمذابح، وإنهاء الصّمود والمقاومة. وذلك عن طريق فصل القطاع عن الضفة بشكلٍّ كامل، والاستمرار بسياسة تدمير الميناء والمطار وإغلاقهما للإمعان في جعل غزة أكبر سجن مفتوح في العالم.
على صعيد مُخيّمات اللجوء الفلسطيني في دول الجوار العربيّة، المعاناة على أشدّها في مخيّمات سوريا ولبنان ومصر والأردن، وبهذه التراتبية المأساوية المحزنة. ويبقى الأمل بتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مُدنهم وقُراهم بفلسطين. تلك المدن والقرى التي تعتلق بأفئدتهم، وتصبو إليها نفوسهم بشدّة. إن عودة اللاجئين في مخيّمات الشتات لأرض فلسطين المباركة ممكنة وقابلة للتحقيق كما أثبتت الدراسات الجغرافية والسّكّانية والاجتماعية. وكلّنا على يقينٍ مِن تحقيقها لو اجتمعت الجهود العربية وتضافرت مع التوجّه الإنساني نحو إحقاق الحقّ والعدل في عالمنا.   
 
استراتيجة الاستقلال الوطني والقومي
المقاومة العربية لغة وإصطلاحا مِن أجل تحقيق الاستقلال بمعناه الشامل والواسع تنطوي على إعمال الفكر، وشحذ الهمم لإبداع أساليب الكفاح المسلّح، والنضال السياسي والاقتصادي، والثقافي، والحضاري، والإعلامي، والفكري، والتقني، والعلمي وغيرها. إن استراتيجية الاستقلال تقتضي إفقاد العدو أمنه، وإضعاف اقتصاده حالا وعاجلا. كما تقتضي إفقاده الحلم بالأمن والأمان، والحلم باقتصاد قوي، وحرمتنه من منافع الإحتلال التي يمكن أن تتحقّق لقطعان المستوطنين الصهاينة مستقبلا.
بتوحيد الجُهود والأدوات مِن أجل تحقيق الاستقلال فلسطينياً واستكماله ثم تكريسه عربيا، لا بدّ مِن إعلاء شعار التحرير الكامل لأرض فلسطين مِن الماء إلى الماء (النّهر إلى البحر)، ومِن الأرض إلى السماء، وللجولان السوري العربي، ومزارع شبعا، وعقبة مصر (أم الرشراش)، ولسبتة ومليلية المحتلتين. ولا بدّ أن يتحقّق التناغم بين آليات المقاومة السلمية والمقاومة المسلّحة في الأجل القريب والمتوسّط والطويل، لتطهير الأرض الفلسطينية والعربية مِن رجس العدو بعد فشل اتفاقية أوسلو لعام 1993 الكارثية، ومبادرة السلام العربية الرسمية عام 2002 المفرطة في مبناها ومعناها. ولا بد مِن الإشارة إلى أن اتفاقية أوسلو قد تكون أكبر انتكاسة واجهت وما تزال الشعب الفلسطيني منذ مئة عام، أي منذ وعد بلفور عام 1917.
إن العصيان المدني والانتفاضة الشعبية في كلّ فلسطين التاريخية سوف يتصاعدان، يراهما الحكماء والمناضلون رأي العين، وسوف تكون نتائجهما مزلزلة للكيان وحكّامه الصهاينة المجرمين، وسوف يتحقّق للثورة الشعبيّة القادمة عوامل النجاح بحول الله تأييده، وأهمّها إسهام الكتلة الحرجة الشعبية فيها فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ومسيحيا ومناصرين دوليين مِن بينهم يهود ينبذون الصهيونية، ويدعمون تفكيك كيان الاحتلال الصهيوني. ومع انهيار حاجز الخوف مِن بطش العدو، وإجرامه في أوساط الشعوب أولا، ثم حكومات أقطار الجوار العربية خاصّة، سوف يأتي الاستقلال الوطني والقومي لكل مكوّنات المجتمع العربي. وسوف تتحرّك قوافل العودة المليونية السلمية للداخل الفلسطيني براً وبحراً.
إن ارتباط الكفاح مِن أجل الاستقلال الوطني والقومي بأسس التجدّد الحضاري للانتقال بالوطن العربي لمرحلة تحرير كامل ترابه، والحرية والكرامة والتنمية المستقلة، وإنهاء التبعية والهيمنة للاستعمار الصهيوأمريكي ارتباط عضوي مضطرد. فكلما ارتفعت وتيرة الكفاح بهدف الاستقلال تحقّقت التنمية المجتمعية عربيا بمفهومها الواسع والشامل.
إن النزعة للتطهر مجتمعيا حقيقية ومؤثرة، ظهرت بوادرها في الثورات الشعبية عربياً وتضحيات الشهداء والأسرى. وتتعزّز هذه النزعة للخير، والعمل الصالح بتصاعد كفاح الشعب العربي.“وتلك الأيام نداولها بين الناس”. والأيام حبلى بالقادم مِن الأحداث فلسطينيا وعربيا ودوليا، حيث مِن المستشرف أن تخبو سطوة الصهيونية العالمية على مراكز القرار بوريثة الامبريالية الغربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة الأمريكية) مِن جانب. ومِن جانبٍ آخر، ستبوء المخطّطات والمؤامرات الاستعمارية لتركيع سوريا والعراق واليمن وليبيا وباقي الدول العربية بالفشل الذريع، وإن بعد حين.
لذا أختم بالتحيّة للشهداء وللأسرى، وسلام لأرض فلسطين المقدّسة مِن بيروت الحبيبة، ومع إشراقة كلّ صباح، ومع اخضلال السُّحب وتساقط الأمطار والثلوج على الجبال الشامخة في فلسطين وقدسها الطهور، سنجدد العهد بالعودة، وتحرير الأسرى، وإقامة دولة الوحدة العربية وعاصمتها القدس المحرّرة، مركزا للإشعاع الحضاري والسلام العالمي القائم على العدل وعلى الحرية والإخاء والمساواة، وتكريس كرامة الإنسان، والتجدد الحضاري، والاستقلال.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الطيب الدجاني

عضو الأمانة العامة

للمؤتمر القومي العربي


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013