(كيماوي ادلب) مسرحية سيئة الإخراج. فما خلفيتها والنتائج؟ التقارير والمقالات | (كيماوي ادلب) مسرحية سيئة الإخراج. فما خلفيتها والنتائج؟
تاريخ النشر: 06-04-2017

بقلم: العميد د أمين محمد حطيط
في زحمة الانتصارات السورية المتعددة العناوين والتي سجلت خلال الأشهر الستة الماضية تباعا من غير توقف، كانت العصابات الإرهابية وبعض الأساسيين في معسكر العدوان على سورية بحاجة الى صدمة عنيفة غير عادية توقف سيل الانتصارات السورية وتحجب ما تحقق منها وتمنع استثماره من جهة، ومن جهة أخرى توقف الانهيار الميداني والسياسي في معسكر العدوان الذي سجل في الشهر الأخير أسوأ مظاهره واشكاله على المسارين الميداني والسياسي.
وفي الخيارات المتاحة لم يكن بيد العصابات الإرهابية الكثير مما تقوم به، خاصة بعد ان فشلت الغزوة الانتحارية المزدوجة التي أمرت بها تركيا في جوبر والغوطة الشرقية ضد دمشق وفي ريف حماه الشرقي بغية الوصول الى حماه، حيث ان فشل هذه المحاولة معطوفا على افراغ ورقة "درع الفرات" التركية من محتواها ما حمل الاتراك على الإعلان عن وقفها، كل ذلك افهم تركيا وبشكل قاطع ان المواجهة الميدانية او العمل الميداني القتالي لم يعد مجديا الان لوقف الزحف السوري التحريري والتطهيري. وعليها اما الاستسلام للواقع كما يفعل العقلاء او اختيار مسار جنون واحرام اخر يحقق بعض المصالح لها وطبعا لا تعمل تركيا بما يمليه العقل.
اما الارهابيون فقد استفاقوا و بعد اشهر من الاسترخاء في ادلب ، استفاقوا على واقع مؤلم لا يريحهم ، واقع مفاده ان حشرهم في ادلب لن يكون تسهيلا لاقامة امارتهم الإرهابية الدائمة بأشرف تركي طبعا ، بل ان تجميعهم هناك هو مقدمة لاجتثاثهم حتى تكون عملية تطهير ادلب هي الحلقة الأخيرة في سلسلة عمليات تطهير الأرض السورية من الإرهاب ، و يبدو ان نتائج مواجهات ريف حماه الشمالي و الشرقي اكدت للعصابات هذا الامر ثم جاء القرار الأميركي مثيرا للتركي و يراكم احباطه ، لجهة تجميع 17 فصيل مسلح بقيادة أميركية تحاكي فيها اميركا نهجها في تدريب و قيادة "قسد" الكردية على جبهة الرقة ،حتى تقوم بعملية غزو في ادلب تمكنها من امتلاك ورقتها لاستعمالها في التفاوض الاتي الذي سيكون عبره تكريس المخرج السياسي من الازمة السورية .
لقد وجدت جبهة النصرة و خلفها طبعا تركيا و بعض الفصائل التي تدور في فلكها ، ان الرياح تسير عكس ما تشتهي اشرعة سفن مصالحها و أهدافها ، و كان الموقف الأميركي الأخير من الحكومة السورية و التأكيد العلني الواضح بان "الحكم في سورية هو شان سوري داخلي محض"  و مهمة اميركا هناك "محصورة بمحاربة الإرهاب و الشعب السوري يقرر مستقبلا أي رئيس يحكمه " ، كان هذا الموقف بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير التركي الذي اعتدى على سورية منذ 6 سنوات و قتل و دمر و شرد و سرق كل ما طالته يده فيها فعل كل ذلك تحت عنوان "لاشرعية للحكم القائم" و انها أي تركيا تريد إقامة حكم الاخوان المسلمين فيها . والان ترى وضوحا ان حلمها بات مستحيلا وان قيادة معسكر العدوان تخلت عنها. ومع هذا الواقع المرير كان على تركيا معها طبعا جبهة النصرة ومن في فلكها القيام بعمل ما حتى ولو كان في منتهى الجنون والاجرام من اجل تغيير وجهة الرياح ووقف الانهيارات في صفوفها ...
لكل ما تقدم و بسبب ضيق الخيارات التقليدية و المعقولة الى حد الانعدام وجدت تركيا ومعها جبهة النصرة ان العودة الى مسرحية استعمال الكيماوي امر مفيد خاصة و انها استعملته في حلب في الأشهر الأخيرة و تسببت بما تسببت به من اضرار في صفوف المدنيين و الجيش العربي السوري و لم يتوقف احد عند جريمتها و طبعا لم يثر احد مسالة معاقبتها على الجريمة فمعسكر العدوان الذي رفض حتى مجرد بيان من مجلس الامن يدين العملية الإرهابية التي ارتكبت في قصر العدل في دمشق لن يسمح مطلقا باي تدبير يمس العصابات الإرهابية و تستفيد منه الحكومة السورية ، و بالتالي و لان الخيارات ضيقة و اللجوء الى الكيماوي ممكن من غير حساب فقد عاد بعض معسكر الارهاب الى الكيماوي مجددا للاستثمار فيه و كانت "مسرحية خان شيخون الكيماوية" التي تمثلت باتهام الطيران السوري و الروسي معا او احدهما بألقاء قنابل تحتوي غازات سامة أدت الى قتل 18 شخص و تضرر 40 بنتيجة التسمم و الاختناق.
قد يكون وجود الغاز في المحلة و تضرر من تضرر امرا صحيحا ، و لكن و حتى لا نضيع الوقت كثيرا في البحث عن حقيقة هذا الوجود ، ثم البحث عن مرتكب التفجير فأننا و انطلاقا من حيثيات المشاهد و النتائج وطريقة التسويق و العرض و الإعلان معطوفا على ما تم تداوله إعلاميا قبل الحادث و ما تم استثماره بعده ، نستطيع القول الى حد الجزم بان الارهابيين خططوا لمثل هذه الجريمة و نفذوها على وجه من اثنين : الأول اقدامهم على تفجير مستودعات تحتوي ذخيرة مشتملة على أسلحة كيماوية ، او تخزينهم للقنابل المحشوة بالمواد المنتجة للغازات السامة ، في مخازن يعلمون ان الطيران سيستهدفها و كلا الفرضين ممكن خاصة و قد تأكد لبعض المتابعين ان العصابات الإرهابية استقدمت من العراق خلال الأشهر الأخيرة أسلحة كيماوية عبر تركيا ، و ان اثار الانفجار و نتائجه تشبه الى حد التطابق ما حصل في حلب منذ أربعة اشهر .
و على هذا الأساس ،فإننا  لا نحتاج الى الكثير من الأدلة و البراهين حتى نقنع عاقلا بان ما ذكر من استعمال للغازات السامة في خان شيخون ، انما تم بيد و قرار إرهابي عدواني، يجب ان تسأل عنه بشكل أساسي تركيا و جبهة التبصرة ، قرار اتخذ لحجب هزائمهم و منع سورية من مواصلة انتصاراتها الميدانية والسياسية و قطع الطريق على اميركا في عملية التحول السياسي و النظرة الى الحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد ، و اختلاق ذريعة للإرهابيين ولتركيا معهم لوقف العمل بقرار وقف العمليات القتالية و التنصل من موجباتهم فيه ، كما ووقف العملية السياسية الجارية بين استانا و جنيف لانها تجري الان في غير صالحهم نظرا لخواء أيديهم من أوراق القوة.
هذه الأهداف التي رمت اليه وتركيا وجبهة النصرة اداتها ولا نستبعد أيضا شراكة السعودية وقطر وفرنسا في المنظومة العدوانية ذاتها، هذه الأهداف كانت بحاجة لمسرحية كيماوية لتحقيقيها، فجاءت المسرحية على هذا الشكل السيئ الإخراج المكشوف الثغرات المنافي لأبسط قواعد المنطق العسكري الذي يقول بان العاجز في الميدان عن تحقيق أهدافه بالسلاح التقليدي يلجأ الى السلاح غير التقليدي ليسد العجز ويعوض الخسارة، وهذا المنطق يبرئ حتما سورية المنتصرة ويدين قطعا معسكر الإرهاب المهزوم. ولكن ومع هذا وفي ظل مجافاة المنطق والعدالة هل ستحقق المسرحية الفاشلة شيئا من أهدافها؟
لا نجد ضرورة للإسهاب هنا في العرض وتفصيل الاحتمالات، ونقول ان ما سبق وجرى من مسرحيات مماثلة لم يعط العدوان شيئا من الأوراق ان في مجلس الامن او في الميدان اللهم الا إذا استثنينا موضوع الملف الكيماوي الذي تخلت عنه سورية في العام 2013 واليوم لم يعد هناك شيء يساوم عليه بهذا الصدد. اما في مجلس الامن فان الفيتو الروسي الصيني المزدوج سيكون بالمرصاد للموقف الفرنسي المتوتر الذي ستخمد ناره بعد ساعات من الصراخ، اما في الميدان فان قطار العمليات العسكرية حدد سكته وشق طريقه باتجاه لا يناسب اهداف مختلقي المسرحية، التي سيسدل الستار عليها بعد ان ذهب ضحيتها سوريون أبرياء استعملوا سلعة في تجارة إرهابية عدوانية دنيئة وخسيسة.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013