حقيقة رفض بوتين لاستمرار قصف المجموعات الإرهابية في حلب التقارير والمقالات | حقيقة رفض بوتين لاستمرار قصف المجموعات الإرهابية في حلب
تاريخ النشر: 02-11-2016

بقلم: الدكتور نواف ابراهيم
تبقى محافظة حلب السورية "عاصمة الاقتصاد السوري" المدينة الأولى في العالم، التي تتصدّر عناوين وسائل الإعلام، لِما يدور فيها من قتال شرِس لم يشهد له التاريخ مثيلاً، بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، وبين المجموعات الإرهابية المسلحة من جهة ثانية.
وهذا ما جعل ضحايا الأعمال الإرهابية تعد بالعشرات، أو بالأحرى المئات بين قتلى وجرحى تزداد بشكل يومي جرّاء أعمال القصف الذي تقوم به الجماعات الإرهابية على أحياء المدنيين، وعلى وجه التحديد الأحياء الغربية والجنوبية التي تجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة قبل الأزمة.
وما يزيد من وطأة هذه الأحداث هو تغاضي مايسمى بالمجتمع الدولي عن هذه الأعمال الوحشية التي تقوم بها المجموعات الإرهابية المسلحة التي اختطلت ببعضها بشكل مقصود ومخطّط له بدقّة لإطالة الحرب على سورية، زِد على ذلك منظّمات المجتمع الدولي، التي تتبجّح بالدفاع عن حقوق الإنسان، فما يسمّى بمجلس حقوق الإنسان هذا الاختراع الدولي، الذي شُكِّل على أساس فكرة أمريكية ليكون حصان طروادة تلجاً غلى امتطائه كلما عجزت عن تمرير أي قرار يخدم مصلحتها وعلى حساب أبناء شعوب الدول التي تستثمر الإرهاب فيها وخاصة في سورية. هذا المجلس الأبعد عن الإنسانية وحقوق الإنسان رفض انتخاب روسيا عضوا فيه مقابل قبوله عضوية السعودية التي لا تمتلك أي مقوّم من مقوّمات الدولة، وتحكمها عائلة تموّل الإرهاب منذ عشرات السنين، وتثير القتل والعنف الطائفي في دول تحدّدها لها أمريكا مستغلّة ضغينتها الوهابية الآثمة، هذه الدولة التي لا يوجد فيها لا رئيس، ولا برلمان منتخب، ولا تُنصَف فيها المرأة، وماعزز دورهم هو انتخاب أمريكا كعضو في هذه الهيئة كغطاء دبلوماسي دولي من ناحية، ومن ناحية أخرى ككاتب لكل تقارير هذه الهيئة بما يخدم مصالح الولايات المتحدة.
هل يرى العالم وهذا المجلس قطع الرؤوس وبتر الأرجل والأيدي في السعودية، وما نقلته إلى سورية محمولا في ذهن وأفكار من تدعمهم وتسميهم معارضة معتدلة؟ أو هل مَن يرى أنَّ أحد قادة المعارضة السورية المعتدلة هو سعودي الجنسية "المحيسني" قائد جيش مايسمى الفتح؟ والذي افتتح مكتباً له في إدلب السورية يضمن تسفير المجاهدين المفخّخين بسياراتهم إلى الجنة عند حورياتهم على أنقاض دمار ممتلكات الشعب السوري ودمائهم البريئة!!!…
في ظل هذا الكذب والافتراء على الدين والدنيا والرأي العام العالمي، يبقى هذا العالم البائس يركّز اهتمامه فقط على الأحياء الشرقية وماحولها في حلب، التي تتّخذ منها المجموعات الإرهابية نقاط تمركز وإنطلاق للهجوم على مواقع الجيش السوري والمدنيين في الأحياء الأخرى كما ويتخذون عشرات الآلوف كدروع بشرية يحتمون بها لمنع الجيش السوري وحلفائه من قصف مناطق تواجدهم ومراكز قياداتهم ومستودعات أسلحتهم. وهنا وفي ظل هذه التطوّرات وبعد التوافق بين القيادتين الروسية والسورية، توقّفت طلعات الطيران الروسي والسوري لمدة 13 يوماً مستمرة الى يومنا هذا كبادرة حسن نية لإخلاء المدنيين أو لإيصال المساعدات الإنسانية وإخراج الجرحى والمصابين، وحتى من أرادوا تسليم أسلحتهم من المسلحين الذين حُدِّدت لهم ثمانية معابر خاصة للخروج منها، ومع كل ذلك حتى اللحظة لم تصدر عن هذه المجموعات أو الدول الراعية لها أي خطوة أو تصريح من شأنه أن يهدّئ الأوضاع ويحقن الدماء في محافظة حلب المنكوبة.
لم يحدث أي رد إيجابي منهم على الرغم من التصريحات الواضحة التي جاءت خلال مؤتمر الوزراء لافروف وظريف والمعلم مؤخّراً في موسكو، التي أكّدوا فيها على الاستمرار في مواجهة الإرهاب وفق القوانين والأعراف الدولية وقرارات مجلس الأمن، وقالها الوزير المعلم رغم صعوبة الظرف، سورية مستعدّة لاستئناف الهدنة بشرط إخراج المدنيين، هذا عدا عن التصريحات الإضافية التي جاءت على لسان المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية العربية السورية الدكتورة بثينة شعبان التي قالت:
سورية مستعدة لاستئناف الحوار السوري السوري، فمَن في حقيقة الأمر هنا يحمي المدنيين ويريد إنقاذهم من براثن ذئاب الحرية؟ ومن الذي يريد قتلهم بالفعل؟ لا أظن أننا هنا نحتاج إلى شرح وتوضيح.
وعلى الضفة الأخرى تصدح تصريحات قادة الغرب الذي يستغّل الوضع في الشرق الأوسط لتحقيق أهدافه فيها، وينتشر صراخهم في وادي صداه يصمّ الآذان من غيّه، وتقرف النفوس من عفنه، مستغلّين أي فرصة لقلب القول على المقال كما يحلو لهم ضمن حملتهم الإعلامية الإرهابية النفسية الموازية لإرهابهم ضد أبناء سورية وعموم شعوب المنطقة، فحاولوا التلاعب بمقصد الرئيس بوتين من عدم تأييده لاستمرار الضربات ضد المجاميع الإرهابية، وهم الذين كانوا يطالبون مراراً وتكراراً بهذا الموقف من روسيا، فلبّى طلبهم وهو يعلم تماماً كيف سيتعاملون مع هذا الإجراء، الرئيس بوتين لم يتخذ هذا القرار نزولا عند رغبتهم، أو لأنهم محقّون، بل لأنه بالفعل يريد أن يقدّم أي خطوة من شأنها إنهاء إراقة الدم في سورية وتصفية الإرهاب الذي يعمل لصالح الإدارة الأمريكية ومن معها من بعض دول المنطقة، ولكنه بالمقابل قرن قوله بالفعل بأنه ذاهب الى أبعد حد في محاربة الإرهاب، وحشد كل طاقات الأسطول الشمالي البحري الروسي في المياه الإقليمية للبحر الأبيض المتوسط، وأعطى الموافقة على تزويد سورية بكافة الأسلحة النوعية التي تساعدها على مواجهة الإرهاب وأي إعتداء خارجي محتمل، وكان موقف الرئيس بوتين تموضع لازم وغير مُلزم في التوجّه نحو التهدئة وعدم توسيع العمليات العسكرية ضد المجاميع الإرهابية في قمّة الحيلة والذكاء ولكنه قد أثار حفيظة المواطنين الحلبيين أو حتى شريحة واسعة من الشعب السوري الذي من المُفترض أن يكون واعياً بدقائق مجريات الأحداث، التي تريد أطراف دولية وإقليمية شحنها أكثر، والسير بالقضية السورية الى الهاوية التي تجبر الجميع وفي مقدمتهم الحكومة السورية على تقديم تنازلات، دفع الشعب السوري ثمنها دمه وممتلكاته وبُنى الدولة التحتية والعد لا ينتهي، وهذا ما لا يمكن أن تقدم عليه لا سورية ولا حلفائها الذي يتلاقون معها بنسبة عالية جدّاً حول كيفية التعامل مع هذه الحالات الصعبة للغاية في ظل الحرب الدائرة.
 أما من انتقدوا الرئيس بوتين على موقفه، فمن ناحية، هم محقّون لأن المشهد السوري الدامي لا يعطي فرصة لأي عاقل أن يفكّر غير بعاطفته وبإنسانيته وهذا حق لهم لأن لا أحد عاش آلامهم، أو قد يكون لأنهم لم يفهموا الرسالة المُراد إيصالها من الرئيس بوتين إلى الأمريكي ومن معه بخصوص إعطائه فرصة ومخرج آمن لإخراج مجموعاته المسلحة من أحياء حلب حقناً للدماء، وتأمين مساحة تسمح للأمريكي بأن يلتزم بتعهّداته بفصل المجموعات الإرهابية المسلحة عن المعتدلة منها، وفوق كل ذلك تأمين الخروج الآمن للرئيس أوباما الذي عملياً مازال الحاكم في الوقت الذي بات كالبطة العرجاء بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهنا نقصد البنتاغون والخارجية الأمريكية والكونغرس، الذين ضاقوا ذرعاً بتهوّره خوفاً من مغبّة الذهاب بالعالم الى حرب شاملة في أيامه الأخيرة، وهذا لا يعني أبداً أنّ الرئيس القادم أفضل من أوباما، فتاريخ أمريكا أسود من السواد، ولكن على الأقل قد يساعد ذلك على إعطاء مساحة أمان لعل هذا لعالم يلتقط أنفاسه ويشعر بفداحة خطورة ما يجري وخاصة دول الاتحاد الأوروبي التي ضاقت ذرعاً من نعيق الغراب الذي طمس رؤوسهم أمام شعوبهم في الوحل وباتوا عُرضة للمحاكمات أمام انهيار شعبيتهم بعد الأحداث الإرهابية التي ضربت بلدانهم من قبل دُعاة الحرية والديمقراطية الذين دعموهم لإسقاط سورية وغيرها من دول المنطقة، وهذا ما عجز عنه الأمريكي، بالرغم من أنَّ الرئيس بوتين كان سابقاً قد حذّر من نفاذ صبر روسيا على عدم التزام أمريكا بالاتفاقات المُبرمة بخصوص سورية وتحديدا الهدن وفصل المعارضة المعتدلة عن الإرهابية كحد أدنى للسير في طريق الحل السياسي وفق إرادة الشعب السوري لا غيره، ولا ننسى هنا في بداية انتشار الأعمال الإرهابية في سورية بشكل منظم عام 2011 أن الرئيس بشار الأسد حذر العالم من خطورة مايجري وإمكانية إمتداده الى العالم كله، وكالعادة لم يصغوا بل حاولوا استخدام كلامه ضده على أنه يهدد العالم بنشر الإرهاب واستمروا في التضليل الإعلامي حتى وصل العالم إلى هذه المرحلة الخطرة.
وهنا أتى الدور على أصدقائهم في الداخل السوري والذين تربوا وترعرعوا في كنف السفير الأمريكي السابق في دمشق روبيرت فورد ،للعمل على تأجبج الساحة الداخلية لزيادة الضغط على سورية كي يتم تحقيق المُراد بلحظة غفلة، ألا هو خروج "المعارض" حسن عبد العظيم بمبادرة لإيقاف الحرب في سورية فيطلب الى الجيش السوري إيقاف العمليات العسكرية ضد المجاميع الإرهابية وجلوس الحكومة السورية مع المسلحين على طاولة المحادثات وجهاً لوجه، ما أثار إستهجان الشارع السوري وجهات عديدة من المعارضة السورية الوطنية الداخلية، التي تعتبر أنَّ الجيش السوري من واجبه حماية الشعب والمواطنين وليس فقط حماية الحدود.
المعارض عبد العظيم يطلب مجالسة المجموعات الإرهابية في ظل هذه الظروف الضاغطة لتكون القشّة التي قصمت ظهر البعير كما يعتقد هو وصاحب المقترح، الذي تقصد صاحبه أو مقترحه أن يأتي على لسان المعارضة السورية وتحديداً من قلب دمشق.
ومن جهة أخرى ما لايقل خطورة عن كل ماسبق ذكره في المخطّط الجاري والذي هو على الأرجح جزء من الخطة "ب " الأمريكية ، هو أن الأحداث تجري في حلب في ظل إنقطاع التيار الكهربائي والإنترنيت، مايجعل العامّة من الناس تقع تحت وطأة الفبركة والتضليل الإعلامي والبحث عن الحقيقة بين طيّات الخبر الذي ينقل صور وفيديوهات تدّعي أنها تعرض إنتصارات المجموعات الإرهابية المسلحة على الجيش السوري لكسر الروح المعنوية للشعب الحلبي وإجباره على الإستسلام وتفريغ المدينة من سكانها ليسرح ويمرح فيها طلاب الحرية، ويبدأ أسيادهم بتنفيذ الفقرة الثانية من الخطة "ب" المبهمة حتى اللحظة ،مايذكرنا بخدمات قناة الجزيرة في إسقاط بغداد عام 2003.
كل ذلك لم يؤثّر على الروح المعنوية للشعب الحلبي الذي أبى أن يخرج من مدينته رغم القصف الهائل الذي تقوم به المجموعات الإرهابية بكلّ أنواع الأسلحة، ليثبت بذلك أنّ معركة الفصل بالفعل هي في حلب ومرتكز الإنتصار الأول في معركة حلب هو صمود الشعب في حلب ومشاركته في الدفاع عن وطنه مضحيّاً بأغلى ما لديه فيسلّم الروح لله ولا يستسلم للإرهاب


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013