العنصرية الصهيونية وفلسفة التربية اليهودية التقارير والمقالات | العنصرية الصهيونية وفلسفة التربية اليهودية
تاريخ النشر: 31-10-2016

بقلم: عبد القادر فارس
لعل الدارس لطبيعة المجتمع الإسرائيلي، يلاحظ تلك الملائمة والتوافق القوي بين أهداف التربية اليهودية من جهة وأهداف الحركة الصهيونية وحاجات المجتمع الإسرائيلي من جهة أخرى، فلقد كانت التربية اليهودية بخلفيتها الدينية والتوراتية التلمودية العنصرية، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم الصهيونية  العدوانية، هي الوسيلة الأولى والأهم التي استخدمت لتحقيق أهداف الصهاينة في إنشاء  دولة إسرائيل وبقائها.
وفي ذلك يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق  رابين: "لا تزال العوامل التي أوصلتنا إلى  النصر خلال السنوات السابقة هي نفسها اليوم، كما أنها لا تزال لمصلحتنا، إن خلق جيش حديث وقوي، يفترض وجود بلد وشعب متقدمين في الهيكل الاجتماعي والتربية وطريقة الحياة بأكملها" (1).
ونحن حين ننظر إلى أشكال العنصرية التي ظهرت في العالم نرى أنها كانت تعتمد على مسألة الفصل العنصري، وذلك كما وصفت النازية في ألمانيا ونظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، "فالأمر الهام لدى النازية كان هو خلق النقاء الآري، وإزالة كل من لا يتوفر فيهم هذا النقاء حيثما يوجد العرق الألماني بوسيلة أو بأخرى، وهكذا كان يفسر الفصل العنصري على أنه تطهير الأرض الآرية وتوسيعها لتشمل كل الآريين"(2)، ويفهم نظام الأبارتهايد بوضع الناس مختلفي الألوان في مناطق إقامة مختلفة وهو ما شاهدناه في زيمبابوي (روديسيا سابقاً) وجنوب أفريقيا قبل القضاء على النظامين العنصريين هناك وتسلم المواطنين الأفارقة الحكم في بلادهم.
أما الصهيونية، وهي الشكل الوحيد المتبقي من الأشكال المتميزة عنصرياً "فلديها شكلها الخاص من الفصل العنصري، وهو إعادة توطين أناس من مختلف أنحاء العالم، فاليهود حيثما كانوا ينبغي أن يفصلوا ويرسلوا من مناطق إقامتهم الطبيعية ليتجمعوا في قطعة أرض واحدة ينبغي أن يطرد منها غير اليهود"(3)، وهذا ما حدث عند قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين.
أما مفهوم التمييز العنصري لدى الصهيونية فأوضح مثال يمكن الحديث فيه هو "قانون الأرض" وهو واحد من قوانين إسرائيل الأساسية، والذي ينص على أن لليهودي امتيازات ليست لغير اليهودي، ليست حتى للعربي الفلسطيني من أبناء البلد الأصليين. ولن نعرض كثيراً للعلاقة بين الصهيونية والعنصرية وجذورها الأيديولوجية، لأن موضوع هذا البحث هو فلسفة التربية والتنشئة اليهودية من خلال مصادرها ومعالمها.
 
مصادر فلسفة التربية اليهودية
لقد استمدت التربية اليهودية فلسفتها التربوية من مصادر أربعة هي: الحركة الصهيونية، الديانة اليهودية، دولة إسرائيل، والحضارة الغربية.
أولاً: الحركة الصهيونية: عند التحدث عن الحركة الصهيونية كأحد أهم مصادر التربية اليهودية فانه لا بد لنا من العودة إلى الجذور التاريخية للحركة الصهيونية والتعرف على الوسائل والمؤسسات التي أقامتها لبلورة أيديولوجية خاصة بها، بإقامة إقليم يهودي مستقل ذاتياً، واستقطاب المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وقلب الأفكار والوقائع، والصهيونية تنقسم إلى جزءين متكاملين هما: الصهيونية الدينية والصهيونية السياسية، فالصهيونية الدينية ترتبط بالأمل اليهودي الكبير القائم على العودة إلى (أرض الميعاد).
"وقد كانت الصهيونية الدينية وراء التقليد بالحج إلى الأراضي المقدسة في العصور الوسطى وفي خلال القرن 19حين ظهرت حركة "أحباء صهيون" وهي المجموعات الصهيونية التي هاجرت من أوروبا الشرقية وخاصة روسيا وبولونيا ورومانيا، في سنوات (1881 – 1904) وأقامت فيها المستوطنات الأولى وكان هدفها على حد قول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي: هو خلق مركز روحي على أرض فلسطين (صهيون)  تتألف منه العقيدة والثقافة اليهوديتان"(4).
أما الصهيونية السياسية فهي مذهب سياسي يدعو إلى تجميع اليهود في أرض فلسطين على أساس قومي عنصري، وهي الحركة التي تدعو إلى التطبيق العملي لمنهاج مؤسسها ثيودور هرتزل والمتمثلة في النقاط التالية:
1ـ تبنى فكرة استعمار يهودي منظم بمقياس واسع لفلسطين.
2ـ الحصول على حق قانوني معترف به دولياً بشرعية استعمار اليهود لفلسطين.
3ـ تشكيل منظمة دائمة تعمل لتوحيد جميع اليهود للعمل في سبيل الصهيونية.

 
وقد كان هناك نوعان من المؤيدين في صفوف الحركة الصهيونية، يطلب الأول، تحقيق النواحي الثقافية، بينما يطلب الآخر الأغراض السياسية، حيث مطلبهم يتمثل في تأسيس دولة قومية يهودية في فلسطين. أما الصهيونيون الثقافيون فكانوا يهتمون أولاً وقبل كل شيء بإعادة تربية الإنسان اليهودي، وتشكيله ذهنياً، ببعث الثقافة العبرية من النواحي اللغوية والدينية والعنصرية كمقومات تشكل بنية الفكر الصهيوني، والأيديولوجية الصهيونية بشكل عام(5). "ولقد شكلت الحركة الصهيونية لجاناً ومنظمات وهيئات هدفها، بث الدعوة الصهيونية بين اليهود في أوروبا، وكانت تأخذ شكل دروس في العبرية وفي التلمود وفي الفكر السياسي الصهيوني. وكانت بوتقة التعليم بالنسبة لدعوتهم العمود الفقري لنجاحهم في استقطاب الآلاف من اليهود الذين كانوا يعيشون في الجيتو روحاً وجسداً"(6). من خلال ما تقدم نلاحظ كيف كانت الحركة الصهيونية أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود نظراً لما قدمته من أفكار ونظريات وخدمات تعليمية من أجل وضع أسس تربوية خاصة تستطيع من خلالها تطبيق أهدافها الأيديولوجية والتربوية بين صفوف اليهود في كل مكان.
 
ثانياً: الديانة اليهودية: تعتبر الديانة اليهودية مصدراً هاماً من مصادر الفلسفة التربوية عند اليهود، فلقد اعتمدت التربية اعتماداً كبيرا على الدين في سبيل تشكيل أجيال متشبعة بتعاليم التوراة والتلمود، من أجل ترسيخ مفاهيم معينة في نفوس الناشئة اليهودية. "وقد ركزت تلك التعاليم على ترسيخ مفهوم الوطن القومي اليهودي الذي يعيش فيه شعب يهودي امتدت صورته الروحانية والدينية والقومية والرسمية عبر التاريخ"(7)، وقد تضمنت تلك الفلسفة من تعاليم أبناء اليهود المفاهيم الدينية التالية:
1ـ اعتبار التوراة والتلمود في أصولها العبرية المصدر الأساسي للتاريخ والجغرافيا والأدب القومي، والمحتوى الأساسي للتقاليد الروحية والأخلاقية.
2ـ اعتبار الشعب اليهودي هو "شعب الله المختار" الذي هو فوق كل الشعوب التي سخرت لخدمته، وأن جميع الحضارات والثقافات هي وحي من هذه الديانة وهذا الشعب.
3ـ ملء المناهج الدراسية بالبطولات الخارقة والأساطير التي وردت في الكتب الدينية، وأن الله وعدهم باستخلافهم في الأرض.
4ـ إن اليهود أمة واحدة لذلك لا بد من جمع جميع اليهود في فلسطين على أساس الدين واللغة العبرية، وإعادة صياغة الأمة اليهودية وفق الروح اليهودية والثقافة اليهودية وحياً من الدين اليهودي، وتهدف التربية الدينية إلى تربية الطفل جسدياً واجتماعياً وانفعالياً وعقلياً عن طريق قصص من التوارة وأسفارها. وفي هذا يقول حاييم وايزمن أول رئيس لدولة إسرائيل "عندما بلغت ما لا غنى عنه لأي طفل يهودي، وخلال السنوات التي قضيتها في مدارس الدين تلك، كان علي أن أدرس أشياء من أصول الديانة اليهودية، والذي ملك علي لبي هو سفر الأنبياء"(8)
وما يمكن ملاحظته هو الاهتمام الكبير بتدريس المواد الدينية في جميع مراحل التعليم لأبناء اليهود أينما وجدوا، حيث تأتي مادتا التوراة والتلمود في مقدمة الدراسات، وتعتبر المادتان أساساً واطاراً للغايات التربوية، حيث يقول مائير بار إيلان أحد مفكري التربية اليهودية "إن روح التلمود ومعرفة عامة شرائعه وآدابه يجب أن يكون جزءاً من دراسة كل يهودي متعلم، حتى وإن لم يكن سيجعل من حقل الدراسة هذا مجالاً للعمل، والأمر شبيه بتعليم الفيزياء والرياضيات. فمع أنه ليس كل تلميذ يتخصص فيهما، ولا يستخدم جميع ما يتعلمه فيهما في حياته العملية، إلا أنهما ضروريتان له، كذلك بالنسبة للتلمود يجب أن يحفظ كل تلميذ مقاطع معينة منه وأن يتشرب روحها"(9)
 ونورد هنا بعض التعاليم والأحكام التي يحتويها التلمود، حيث صيغت بمهارة فائقة تدل على أن واضعيها كانوا على قدر من  الفطنة والذكاء:
ـ اليهودي لا يخطئ إذا اعتدى على عرض الأجنبية، فإن عقود الزواج عند الأجانب فاسدة، لأن المرأة غير اليهودية بهيمة ولا تعاقد مع البهائم.
ـ يجوز لليهودي أن يقسم زوراً ولا جناح عليه إذا حول اليمين وجهة أخرى.
ـ إن أخطأ أجنبي في عملية حسابية مع يهودي فعلى اليهودي أن يقول له (لا أعرف) لا أمانة، ولكن حذراً. إذ من الجائز أن يكون الأجنبي قد فعل ذلك عمداً لامتحان اليهودي وتجربته.
ـ من يقتل مسلماً أو مسيحياً او أجنبياً أو وثنياً، يكافأ بالخلود في الفردوس وبالجلوس هناك في السراي الرابعة.(10)
ـ الأجدر بك أن تكون رأس ثعلب من أن تكون ذنب أسد.
ـ صديقك له صديق وصديق صديقك له صديق أيضاً فكن حصيفاً (أكتم أسرارك).
ـ الرجل الذي في سلته خبز ليس كمثل الذي لا شيء في سلته.
ـ إذا لم يستطع السارق انتهاز الفرصة زعم نفسه أميناً.
ـ كثيرون يعظون جيداً ولكنهم لا يعملون جيداً.(11)
ـ يقرر التلمود أن اليهودي يعتبر عند الله أفضل من الملائكة لأن اليهود جزء من الله مثلما الإبن جزء من أبيه.
 
ثالثاً:
دولة إسرائيل:
دولة إسرائيل التي قامت على جزء من فلسطين في 15/5/48بتحالف بين الحركة الصهيونية وقوى التحالف الغربي واعتماداً على العنصر اليهودي، تعتبر اليوم أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود نظرً لاعتمادها لمصدرين سابقين، الصهيونية والدين ا ليهودي في مؤسسات التربية لعدد كبير من اليهود والذين هم سكان دولة إسرائيل حالياً والبالغ عددهم حوالي خمسة ملايين نسمة.
فلو القينا نظرة على مصادر الفلسفة التربوية القائمة في دولة إسرائيل لوجدنا أنها تقوم على إعداد النشء اليهودي إعداداً يقوم على المعرفة والإلمام بالثقافة والتقاليد اليهودية التي تعاني منها في (أرض الشتات) أو في الضياع (الدياسبورا)، وقد نص قانون التعليم الرسمي في دولة إسرائيل على ما يلي:
"إن التعليم الابتدائي يهدف إلى إرساء الأسس التربوية على قيم الثقافة اليهودية وعلى احترام الإنجاز العلمي، ويعتمد على حب الوطن والتضحية والإخلاص للدولة والشعب اليهودي، كما أنه يركز في التدريب على الأعمال الزراعية والحرف اليدوية وتحقيق مبادئ الرواد الصهاينة الأوائل".(12)
وتستمد التربية أصولها من الفلسفة السائدة في المجتمع الإسرائيلي فهي انعكاس لمطالبه واحتياجاته. ففلسفة التربية في إسرائيل تهدف إلى :
1ـ تكوين مجتمع عضوي موحد من شتات اليهود الذين تجمعوا في أ رض فلسطين.
2ـ بناء دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية.
3ـ المحافظة على التراث اليهودي ونشره وتعميمه بين الناشئة اليهود في إسرائيل، وتحويل إسرائيل لتصبح مركز الاتصال بين يهود العالم أينما وجدوا والممثلة الرئيسية لمنجزات الشعب اليهودي.(13)
 
ومن ضمن فلسفة التربية القائمة اليوم في دولة إسرائيل الاهتمام بالتعليم الزراعي، حتى أن أول مدرسة تأسست في فلسطين المحتلة كانت ثانوية زراعية: "لأن الهدف الرئيس لديهم هو ربط يهود العالم بوطن، وهذا الوطن هو أرض فلسطين، وهذا الربط لا يتم إلا بالرجوع إلى الأرض واحتراف الزراعة، حتى أن بن غوريون رئيس وزراء أول حكومة إسرائيلية كان يذهب إلى قرية زراعية في صحراء النقب للعمل في الزراعة بعد تخليه عن الحكم"(14) ولذلك نرى هذه الهجمة الاستيطانية الشرسة على الأراضي الفلسطينية. وقد نادت كثير من الأصوات القيادية في دولة إسرائيل بابتعاد اليهود عن أعمال التجارة والربا والأعمال المالية التي يشتهرون بها اليوم، والرجوع إلى الأرض لكي يشعر اليهود بقيمة الأرض التي أقاموا عليها دولتهم.
 
رابعاً: الحضارة الغربية: لقد كانت الحضارة الغربية وماتزال، أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود، حيث كان تساؤلهم دائماً: كيف يمكن أن تقوم لليهود دولة عصرية؟. ولقد جاء الجواب على ألسنة زعماء الصهاينة اليهود الذين هم زعماء دولة إسرائيل، ومعظمهم من اليهود الغربيين، والذين يمثلون الغالبية العظمى في فلسطين قبل عام 1948 والذين يمتازون بارتفاع مستواهم الثقافي والاجتماعي ويعيشون في المدن أكثر من القرى، وكان من الطبيعي أن يقوموا ببناء دولتهم على أسس عصرية غربية، ومن هنا كان الاهتمام كبيراً من ناحيتين:
1ـ العلم والتكنولوجيا: ولهذا كان أول عمل قامت به الصهيونية عند مباشرتها العمل في فلسطين هو بناء الجامعة العبرية في القدس وكذلك بناء معهد الهندسة التطبيقية في حيفا عام 1912، والاهتمام الكبير بالتعليم الصناعي لتخريج العمال المهرة والفنيين.
2ـ إتباع أحدث الاتجاهات الغربية في التعليم وهم في هذا سباقون حتى وصل بهم الأمر إلى أنهم يحاولون تعميم المدارس الشاملة في إسرائيل قبل تعميمها في الدول الغربية(15).
 
إن النفوذ الواسع للجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وأوروبا وخاصة في مجال الإعلام والأموال، جعل الكثير من المناصب الهامة تقع في أيديهم مما ساعدهم في الاطلاع على الكثير من خفايا الحضارة الغربية وأسرارها، وجعلهم يستفيدون بأكبر قدر ممكن في سبيل جعل هذه المؤسسات الغربية الهامة في خدمة الكيان الصهيوني في مجالات التربية والتعليم والتكوين والإعلام، وبذلك استطاعوا أن يعتمدوا الحضارة الغربية كمصدر من مصادر فلسفتهم في التربية، بل وأن يسخروها في خدمة أهدافهم التربوية لبناء مجتمع صناعي وحضاري على نمط الصيغة الغربية  المتقدمة عن العالم الثالث، وهكذا فإن هذه المصادر تشكل ترابطاً وتشابهاً فيما بينها بحيث  يشكل الدين اليهودي تجسيداً لمعتقدات اليهود وحاملاً لتراثهم عبر التاريخ، في حين تمثل الحضارة الغربية، العقلانية العلمية "من هنا نلاحظ أن الحركة الصهيونية هي خلاصة تاريخية للتفاعل بين المصدر الثاني (الدين اليهودي) والمصدر الثالث (الحضارة الغربية)، وتمتزج هذه المصادر الثلاثة لتشكل لنا صورة المصدر الرابع، وهو دولة إسرائيل التي يعتبر وجودها كمصدر متمم للمصادر السابقة، إذ أنه بدون تكوين مجتمع موحد من اليهود لا يمكن تحقيق أهداف التربية التي صاغتها المصادر الثلاثة الأخرى".(16)
 
معالم فلسفة التربية اليهودية
يمكن تحليل ودراسة معالم فلسفة التربية عند اليهود من خلال دراسة ما قدمه أهم المفكرين والفلاسفة اليهود في بلورة الفكر السياسي الصهيوني وهم موسى هيس صاحب كتاب (روما والقدس)، وبنسكر رئيس جمعية (أحباء صهيون) وهرتزل مؤسس الحركة الصهيونية وصاحب كتاب (الدولة اليهودية) وآحاد هاعام صاحب فلسفة الصهيونية الثقافية وآرون دافيد جوردون صاحب فلسفة دين العمل وجابوتنسكي صاحب فلسفة القوة، وباستقراء ما كتبه هؤلاء وغيرهم من القادة الصهاينة نستطيع أن نخرج بعدد من المعالم التي اشتقت منها الأهداف التربوية، وهذه المعالم هي:
أولا: فلسفة الاضطهاد: "لقد ظهر ما يسمى (بالمسألة اليهودية) التي نتجت عن احتقار اليهود واضطهادهم في جميع أنحاء العالم على مر التاريخ في كل بلد حلوا به بداية من العصر الفرعوني القديم حتى العهد النازي في ألمانيا"(17). وقد قامت الحركة الصهيونية باستغلال هذه النقطة وقام الزعماء الصهاينة باستدرار عطف اليهود والعالم، بالتأكيد المستمر على هذه النقطة، فصوروا اليهود بأنهم شعب منبوذ ومحتقر وأنهم مضطهدون في كل مكان وذلك من أجل إقناعهم بضرورة قيام الصهيونية، وإنه مهما عمل اليهود لحل هذه ا لمسألة فلن ينجحوا ما داموا موجودين على شكل أقليات مبعثرة بين الشعوب "ولقد حاول بعض الكتاب الذين تطرقوا للمسألة اليهودية، أن يرجعوها إلى عوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فوضعوا قسماً من المسؤولية على اليهود أنفسهم بسبب سيطرتهم المالية في كثير من بلدان ا لعالم، لكن زعماء الصهيونية يرفضون ذلك ويحملون المسؤولية للبشرية بمختلف شعوبها، وقد كانوا يهدفون من التركيز على هذه المعاني إلى هدفين هما:
1ـ إثارة العطف والشعور بالذنب لدى مختلف الشعوب لتساعد اليهود على حل مشكلاتهم.
2ـ إقناع اليهود أنفسهم بضرورة الترابط والتنظيم من أجل التخلص من حياة الذل وفق الفكرة الصهيونية(18).
 
وقد نجحت الصهيونية في ذلك مما جعلها تؤكد على هذا المعنى في المناهج الدراسية لتعميق هذه ا لمفاهيم. ولقد أدى بهم هذا النجاح إلى محاربة فكرة (الاندماج) التي كان ينادي بها اليهود وغير اليهود في المجتمعات الأخرى، لأن هذه الشعوب لن ترضي بذلك ما دام العنصر اليهودي نقياً، ومن طبيعة الشعوب أن تضطهد اليهود ويستشهدون بذلك، بالدول الأوروبية التي أصدرت قوانين المساواة، فلم تنجح في إزالة العداء لليهود، ولكن هذه ا لحجج واهية، فنقاء العنصر اليهودي خرافة ينكرها علم النفس وعلم الوراثة والتاريخ. إلا أن التاريخ يشهد أن اليهود وصلوا أعلى المراتب في كثير من دول العالم ولذلك فقد قام الزعماء الصهاينة، بتشجيع ما يمكن أن يؤدي إلى الاضطهاد، فشجعوا انعزال اليهود في أحياء خاصة (الجيتو) وامتدحوها واعتبروا أنها التي حافظت على العادات والتقاليد اليهودية.
يقول هرتزل: "إني أعتبر أن الاضطهاد ضرورة من ضرورات الصهيونية، فلا السامية فيها بعض عناصر التلهي القاسي والمنافسة التجارية والتعصب الموروث واللا تسامح الديني، ولكنني أجد فيها أيضاً الحاجة الملحة للدفاع عن النفس" (19).
فهل يمكن لنا أن نستنتج من هذا كله أن الحركة الصهيونية كانت تغذي حركات اضطهاد اليهود لزيادة انعزالهم؟ هذا ما تؤكده الدراسات الحديثة للصهيونية.
 
ثانياً: القومية اليهودية ومقوماتها: يرى الصهاينة أن الاضطهاد، أثر في تحطيم شعور الاستقلال القومي عند اليهود، وأفقدهم كل مقومات الأمة من لغة وعادات وأرض مشتركة، ويتفقون على أن المسألة اليهودية هي مسألة قومية وليست اجتماعية أو دينية، ولذلك يجب أن يصبحوا أمة.. فنحن شعب واحد كما يقول هرتزل(20).
وبهذا انطلق تفكير آخر ورأي آخر، غير فلسفة الاضطهاد تنادي بإنشاء دولة يهودية تقوم على إحياء التراث اليهودي والروح اليهودية وكان على رأس هؤلاء الفلاسفة والمفكرين آحاد هاعام حيث يقول: "إن مشاعر الناس القومية تهدف وتأمل في الوصول إلى حل مشاكلهم الروحية أيضاً بالإضافة إلى المتاعب المادية". لقد ظل اليهود على خلاف مع سائر الأمم القديمة، ويعتقد آحاد هاعام أن سر بقاء الشعب اليهودي هو فيما عمله الأنبياء في أن يحترم قوة المادة، أي هدف لا يعتمد على الثقافة القومية وخاصة الهدف السياسي، قادر على الإغراء وتحويل الناس عن الإخلاص إذا ما سعوا وراء المادة والسلطة. ويعتقد هاعام بقوله: "إن قادة إسرائيل إذا لم يكونوا مثقفين بالثقافة اليهودية، فإنه مهما بلغ إخلاصهم لدولتهم ومصالحها، فان مقياس هذه ا لمصالح سيكون وفقاً للحضارات الأجنبية، لأنهم هم أنفسهم اقتبسوها وسوف يحاولون بالإقناع أو بالقوة أن يثبتوا أن تلك الحضارات في الدولة اليهودية، ستحولها في النهاية من دولة يهودية إلى دولة ألمان أو فرنسيين من شعب يهودي"(21).
ثم يبرر  هاعام  دور التربية في تحقيق ما يدعو إليه فيقول: "إن ا لحياة ا لقومية الكاملة تتضمن شيئين اثنين:
1ـ فسح المجال للقدرات المبدعة للأمة من خلال ثقافة قومية خاصة بها.
2ـ نظام من القيم يمكن من خلاله لجميع أفراد الأمة أن يتشربوا تلك الثقافة وينصهرون فيها.. وهذان الجانبان يعتمدان على بعضهما، وإذا لم يتشرب الأفراد بالثقافة القومية فإن نمو الأمة سيتوقف وإذا لم تستخدم هذه القدرات في خدمة تنمية الثقافة القومية بشكل كاف فإن تربية الصغار ستصبح ضيقة وسيتضاءل تأثيرها تدريجيا على الأفراد"(22).
 
ويزعم الصهاينة أن اليهود جميعاً ينتمون إلى قومية يهودية مميزة لها ذاتياتها ومعالمها وقيمها الروحية والمادية، وأنهم بمختلف أجناسهم يحملون سماتها وملامحها المتجانسة التي تلازمهم أينما أقاموا في أنحاء العالم، ومظهر هذه القومية لديهم هو اتحادهم في الجنس والأصل وفي اللغة وفي الدين وفي الثقافة وفي التاريخ، وهم يربطون بين هذه القومية المشتركة وبين أرض فلسطين بروابط دينية ووطنية(23).
ولكن ما يمكن ملاحظته أن هذا الزعم يتعرض للنقد من الشرق والغرب ومختلف القارات، حيث لا يوجد ضمن تقسيم السلالات والأجناس في علم الانثربولوجيا جنس يهودي خالص. أما عن اللغة فانها لا تكفي وحدها لإيجاد قومية مشتركة، حيث نرى أن كثيراً من دول العالم تتكلم الإنجليزية مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا وكثير من المستعمرات البريطانية، ولم تدّعِ إنجلترا أن هذه الدول تكوّن القومية البريطانية، بالإضافة إلى أن هناك ثلاث لغات تجمع اليهود هي لغة الإيديش واللغة العبرية القديمة والعبرية الحديثة.
أما رابطة الدين كأحد مقومات القومية المشتركة فإنها لا تنهض دليلاً قاطعاً على اكتساب هذه القومية فالدين وحده لا يمكن أن يخلق القومية أبداً وإلا أصبح أصحاب الدين المسيحي قومية واحدة من شرق الصين إلى أميركا اللاتينية، وينطبق القول كذلك على الثقافة حيث أن توزع اليهود بين الأمم جعلهم يحملون صفات مغايرة لثقافات تلك الشعوب.
وبالنسبة للتاريخ نورد في هذا قول الفيلسوف جان بول سارتر: "إنني أنكر حق اليهود في اصطناع قومية وطنية، أو حتى اشتراكهم في عاطفة واحدة أو تاريخ واحد، أو تراث فكري مشترك، ذلك لأن تاريخ وطن اليهود في فلسطين قد اندثر منذ ألفي سنة فليس سوى العقيدة الدينية رابطة تؤلف بينهم ويشتركون فيها"(24).
 
ثالثا: ارتباط الدين بالقومية في الحركة الصهيونية: في البند السابق لاحظنا كيف تبنت الصهيونية فلسفة آحاد هاعام وأوجدت لها جذوراً في الدين اليهودي والكتب الدينية واستفادت منها وغذّتها، ففكرة أنهم موعودون بوراثة الأرض المقدسة في فلسطين جاءت في كثير من نصوص التوراة، ومن خلال هذه العقيدة انبثقت الصهيونية ديناً قومياً لليهود، حيث تلتحم العقائد الروحية المتزمتة، والتقاليد الاجتماعية المتعصبة، والمبادئ السياسية المتطرفة، ومن هنا فقد نصب الصهيونيون أنفسهم سدنة لهذا الدين القومي يلتفون حوله دعاة لأهدافه يتولونها بالرعاية وتساعدهم النصوص الدينية، ابتغاء تجسيد هذه القومية للملأ وإبرازها في المجال الدولي حقيقة واقعة، وفكرة الحنين إلى الأرض أي أرض الميعاد، والدعوة إليها هي عقيدة دينية جاءت بها النصوص في التوارة والتلمود وغيرها من الكتب وقد ورد في أحد المزامير:
"على أنهار بابل هناك جلسنا
بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون
لأن هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة
ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين:
رنّموا لنا ترنيمات صهيون
فكيف نُرنّم ترنيمة الرب في أرضٍ غريبة؟
فلتنسنى يميني إن نسيتك يا أورشليم
ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك،
إن لم أفضل أورشليم على أعظم أفراحي"(25).
 وقد استفاد الصهاينة من هذه الفكرة أيضا لإقناع اليهود بأنهم يطبقون أوامر الله، وإذا كانت الصهيونية السياسية تصلح لإقناع اليهود المتنورين، فإن عقيدة الحنين كافية لإقناع اليهود المتدينين، ولقد أتت هذه السياسة ثمارها إذ أصبحت العقيدة الصهيونية شبيهة بالعقيدة الدينية أو بديلا لها.
 
ومن هنا جاءت فكرة الارتباط العضوي بين القومية والدين في الحركة الصهيونية، لأن الصهاينة وجدوا أن الجمع بين القومية والدين سوف يجمع لتأييدهم اليهود المتدينين واليهود المتنورين، ولذلك استعملوا أساليب غامضة في إقناع الناس بفكرتهم. يقول د. جوزيف هيللر أحد مفكري الصهيونية الكبار: "اليهود ليسوا طائفة دينية وحسب، وإنما لهم طبع قوي متميز وفردي، خاص بهم احتفظوا به على مدى التاريخ، وإسرائيل لم تكن قط كنيسة بل كانت تعتبر نفسها شعبا مقدسا له مهمة روحية واجتماعية رفيعة، واليهود لا يؤلفون أمة كغيرهم من الأمم، فإن جوهر الشعب اليهودي ووجوده وتكوينه وحاضره وذكرياته التاريخية ومثله الأعلى لا يمكن أن تنفصل بعضها عن بعض وتتميز عن أصوله الروحية وموقفه أمام الحياة"(26).
 
وقد أصبح الجمع بين القومية والدين من بديهيات زعماء الحركة الصهيونية، واتهموا من يحاول الفصل بينهما بالكفر لأنه لا يمكن فصل الدين عن الأمة اليهودية ما لم تظهر توراة جديدة.
وقد ورد في أحد الكتب المدرسية تعريف الدين اليهودي بأنه: دين وقومية، إذ أن اليهودي الذي يخرج عن دينه ويعتنق ديانة أخرى يخرج بذلك عن قوميته، ولا يمكن اعتباره فرداً من أفراد الشعب اليهودي"(27). ومن هنا جاء أيضا الاهتمام الكبير بالتعليم، بالثقافة اليهودية بشكل قل مثيله في العالم أجمع.
 
رابعاً: العنصرية والعدوانية: بناءً على روح الانعزال لدى اليهود، وعلى الكراهية المتبادلة بينهم وبين مختلف الأمم، وبناء على تعاليم الدين اليهودي تكونت عند الصهيونيين عقيدة (الشعب المختار) العبقري المتميز، وهنا يقول موسى هيس: "إن الشخص الذي لا يقول إن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار لا بد أن يكون أعمى"(28).
والكتب الدينية مليئة بالنصوص التي استدل منها اليهود على هذه العقيدة، مثلما ورد في سفر اللاويين رقم 26: "أنا الرب إلهكم الذي ميزكم من الشعوب". وسفر التثنية رقم 816: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك قد اختارك الرب إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض"(29).
وورد في التلمود: "إن اليهود أحب إلى الله من الملائكة وهم من عنصر الله، كالولد من عنصر أبيه فمن يصفع اليهودي كمن يصفع الله".
ويقول الحاخام آريل: "إن الخارجين عن  الدين اليهودي خنازير نجسه، وإذا كان غير اليهودي قد خلق على هيئة الإنسان فما ذلك إلا ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم"(30).
وقد نشأ من هذه النظرية العنصرية التمييزية، وارتبط بها عنصر عدواني تجاه الشعوب، لا شفقة ولا رحمة، فقد ورد في سفر التثنية رقم 20: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلي الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف.. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك إلهك نصيباً، فلا تستبق منها نسمة ما"(31).
وجاء في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر العدد رقم 55: "وإن لم تطردوا سكان  الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكاً في أعينكم ومناخيس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها"(32).
إلى جانب هذه التعاليم العدوانية والشريرة في كتب الدين اليهودي، وضع قادة الصهاينة ما يسمى ببروتوكولات حكماء صهيون التي نشرت عام 1896 والتي تنص تعاليمها على الاحتيال والإغراء والاغتصاب والجريمة والشر والباطل، وإذكاء الحروب بين الأمم وجمع الأموال ونشر المحافل الماسونية"(33).
 
خامساً: فلسفة دين العمل: لقد كان أهم أركان الثقافة اليهودية التي ركز عليها زعماء الصهيونية العمل اليدوي، وقد استولت فكرة العمل اليدوي على أذهان هؤلاء الزعماء منذ بداية الحركة الصهيونية. ويعد جوردون هو المفكر الأول الذي نادى بفلسفة (دين العمل) وأنشأ حركة الرواد التي تدعو إلى عودة اليهود إلى فلسطين (أرض الأجداد والميعاد) وهذه العودة تعني تطهير النفس اليهودية عن طريق العمل اليدوي والجسدي، وفي هذا الصدد يقول هيرش أحد مؤسسي الحركة الصهيونية: "إني أقترح بأن تؤسس منظمة هدفها تشجيع الاستيطان، وستكون الحالة مختلفة لو تحمسنا للعمل بأيدينا، وسيبارك الله عملنا بكل تأكيد، وهناك فائدة أخرى للاستيطان الزراعي ألا وهي تطبيق الوصايا الدينية المتعلقة بالعمل في تربة الأراضي المقدسة"(34). ولتبرير موقفه يقول: "خلال الألفي سنة الأخيرة كان الشعب اليهودي معزولاً عن الطبيعة ومسجوناً داخل أسوار المدينة، ولقد اعتدنا على كل أشكال الحياة ما عدا حياة العمل الذي نقوم به بملء إرادتنا، ومن أجل العمل نفسه، وسيحتاج هذا الشعب لأضخم الجهود من أجل أن يستعيد وضعه الطبيعي مرة أخرى، ينقصنا عنصر الحياة القومية كما تنقصنا عادة العمل، العمل الذي يلتصق به الشخص بشكل طبيعي وليس العمل الذي ينجز نتيجة لضغوط خارجية.. إن الثقافة الحية غير المنسلخة عن الحياة هي التي تضم الحياة بكل جوانبها، الثقافة هي كل ما يخلق الحياة لأغراض العيش، الفلاحة، البناء، شق الطرق، وأي عمل أو حرفة او نشاط منتج هو جزء من الثقافة، ويشكل أساسها ومادتها التي تتكون منها.. لقد أصبح كل شيء واضحاً من الآن فصاعداً يجب أن يكون مثلنا الأعلى، ويجب أن يصبح العمل هدفنا ومحور تطلعاتنا، هناك طريق واحد فقط يمكن أن يقودنا إلى الانبعاث، إنه طريق العمل اليدوي، طريق حشد كل طاقاتنا القومية، طريق التضحية المطلقة من أجل مثلنا العليا، ومن أجل القيام بواجبنا"(35).
ولذلك كان تطبيق هذه الفلسفة في مناهج التربية لدى اليهود إقامة المدارس الزراعية والمعاهد الفلاحية والمستعمرات التعاونية (الموشاف) ومستوطنات الكيبوتس والتي تعمل كلها على مبدأ فلسفة دين العمل والحث على التمسك بالأرض التي يعتبرونها جزءاً من التراث والثقافة القومية لديهم.
إن هذه المعالم الخمسة لفلسفة التربية عند اليهود تبين لنا الأسس التالية التي تقوم عليها الصهيونية في سبيل إنجاح تلك الفلسفة والاعتماد عليها وهي:
1ـ أن اليهود أمة واحدة.
2ـ أنه يجب أن تعاد صياغة هذه الأمة وفق الثقافة اليهودية والروح الدينية اليهودية.
3ـ إن اليهود هم شعب الله المختار، وأنه يجب أن يتصرفوا على هذا الأساس.
4ـ أرض إسرائيل وطن هذه الأمة، ولا بد من العودة إلى هذا الوطن والارتباط به.
5ـ لأجل المحافظة على دولة إسرائيل، يجب اتباع القوة، وأن يكون المجتمع عسكرياً.
 
اللغة العبرية:
تعتبر  اللغة العبرية من أهم الأسس التي تقوم عليها فلسفة التربية والتعليم لدى اليهود، وذلك لارتباطها بهذه اللغة كمبدأ من مبادئ القومية، ولارتباطها بالدين حيث أنها لغة التوراة والأدب العبري والتراث العبري القديم، وقد بقيت اللغة العبرية حبيسة (الجيتو) مئات السنين ولم تستعمل إلا كلغة دين وشعائر فقط، وقد اعترف قادة اليهود أنفسهم بذلك بحيث يقول بن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي: "إن اللغة العبرية لغة فقدت حياتها، إذ لم يُتحدث بها طوال ألفي سنة"(36).
 
وقد تزعم أليعزر بن يهوذا الملقب بأبي العبرية الحديثة، في العصر الحديث بعث هذه اللغة، وناضل في سبيل اعتمادها لغة محكية، ثم تبنت دولة إسرائيل هذه المحاولة فيما بعد. "وقد تجاوزت اللغة العبرية النطاق الذي عاشت فيه قروناً كلغة تقليدية، لتلعب دور اللغة القومية، فلم تعد لغة دين وشعائر وطقوس فحسب، بل أصبحت أداة لخلق الوحدة داخل المجتمع الإسرائيلي، وأداة لتعميق الانتماء والولاء للأرض"(37).
"ومن هنا تبدو أهمية اللغة العبرية في المجتمع الإسرائيلي نظراً لأن كثيرين من اليهود، الذين جاؤوا إلى فلسطين لم يكونوا يتكلمون العبرية بل مشتقات عنها كالإيديش، لا يقرؤونها ولا يكتبونها وبهذا تحتل اللغة العبرية مكانا بارزاً في مناهج المدارس الإسرائيلية وهي لغة التدريس في جميع المواضيع"(38).
وقد تم إدخال اللغة العبرية كلغة للتدريس تدريجياً، حيث كان هناك صراع بين أنصار العبرية وبين أنصار التدريس باللغات الأجنبية، وحجة هؤلاء عدم توفر الكتب والمؤلفات باللغة العبرية، لكن مؤتمر المعلمين اليهود قرر استعمال اللغة العبرية في كل الموضوعات، على أساس أن الحاجة هي التي تخلق الكتب والكلمات المطلوبة، وبدأ التدريس باللغة العبرية للصفوف الإبتدائية الأربعة الأولى، وسمح بتدريس بعض الموضوعات باللغات الأوروبية إلى أن أصبح هناك جيل من المعلمين قادر على تدريس كافة المواد باللغة العبرية، ثم جاء عدد من الأساتذة اليهود الذين يدرسون في الجامعات من أوروبا وأمريكا وقاموا بترجمة الكتب الأجنبية إلى العبرية، وهكذا بعد قيام دولة إسرائيل، أصبحت اللغة العبرية هي اللغة الرسمية حتى أن الآباء الذين هاجروا إلى فلسطين، تعلموا اللغة العبرية عن طريق أبنائهم. وقد حدد المنهاج الإسرائيلي أهداف تعليم اللغة العبرية بما يلي:
1ـ "اكتساب التلميذ مُثُل الأمة العليا وآرائها ومشاعرها أثناء مراحل تطور الأمة اليهودية في فترات مختلفة، وتقوية الرباط التاريخي الذي لم ينفصل بين الشعب وبلاده وثقافته، ويجب الكشف بشكل خاص عن إنجازات هذا الجيل والأجيال القريبة منه من أجل النهضة القومية والبعث الحضاري والثقافي والاجتماعي.
 
 2ـ إعداد الطالب لاتصال حي مع القضايا والتيارات الفكرية المعاصرة ومع حوافز ومذاهب الشعب اليهودي ومسالكه في مسيرته التاريخية"(39).
 
من هنا نلاحظ أنه تحقق إلى حد لا يستهان به حلم الصهيونيين في إحياء اللغة العبرية وجعلها لغة حية تتردد على ألسنة الجيل الجديد، يستعملها في الكتابة والمحادثة، وفي الخطابة والتمثيل والتأليف، وعبرية اليوم تحتوي ألفاظاً كثيرة أتتها على مر العصور من اللغات الأجنبية التي احتكت بها.
وباعتراف اليهود أنفسهم أنه كان للثقافة أثر فعال في العصور الوسطى في تنمية اللغة العبرية والمحافظة عليها من الانقراض، وقد دأب علماء اليهود الذين عاشوا في الأقطار الاسلامية على تأليف الكتب اللغوية على غرار المؤلفات العربية في قواعد اللغة من صرف وبلاغة وعروض. ويقول أليعيزر بن يهوذا الذي دعا إلى جعل العبرية لغة الحديث في أفواه الناشئة في البيت والشارع، ولغة التعليم في المدرسة: "إن اللغة هي الأمة والأمة هي اللغة ولا حياة للأمة بدون لغة"(40).
 
العبرنة الشاملة
يجمع الإسرائيليون على ضرورة العبرنة الشاملة، ويرفضون العبرنة الجزئية معتبرين أن أساس الأيديولوجية الصهيونية، هو إحياء اللغة العبرية وتراثها وتطويرها، وإن أي توطين للتكنولوجيا المعاصرة لا يمكن إنجازه بدون العبرنة الشاملة، فأساس التوطين أن تدرَّس سائر المواد العلمية والتقنية في كل الجامعات والمعاهد باللغة العبرية، وأن تستعمل اللغة  في مراكز البحث العلمي أيضاً، وهنا يقول إيرماي ما يلي: "إن انبعاث إسرائيل وسرعة تطوير العلوم والتكنولوجيا لا يمكن تحقيقها بدون لغة مشتركة تستعمل كأداة في تبادل الأفكار الحديثة"(41).
 
 وقد تولدت عن هذا الوعي اللغوي الشامل للميدان ا لعلمي فلسفة المصطلح العلمي الجديد، ويضيف إيرماي رئيس المجمع اللغوي: "إن تكوين كلمات جديدة اكتسب أبعاداً ومظاهر تربوية هامة، لأنه يتطلب الشمولية والصدق والبحث عن الهوية الفيزيائية لكل مدرك وما يقابله من كلمات وتساعد هذه العملية المركبة على نقل أفكار جديدة للطلبة وبأسهل الطرق وأقربها للإدراك والفهم.. إن فن المصطلح العلمي بمساعدة البحث العلمي والتعاون يصير أداة لتقدم المجتمع"(42).
وهكذا نجمت عن العبرنة الشاملة (فلسفة العبرنة) جعلت العلماء اليهود في إسرائيل ينظرون بافتخار كبير لنجاحهم في تلك التجربة حيث أنهم يرون أن المصطلح العبري أكثر دقة ووضوحاً من المصطلح الإنجليزي أو الفرنسي، بحيث أن المصطلحات العبرية تستطيع تفادي الثغرات الموجودة في اللغات الأوروبية الحديثة.
 
من خلال ما تقدم نستطيع أن نلاحظ ملامح الإستراتيجية التربوية، النفسية الاجتماعية التي صاغتها العنصرية الصهيونية المعتمدة على تأويلات أسطورية مستمدة من الأفكار التلمودية لتحديد اتجاهات عملية التنشئة الاجتماعية والتربية اليهودية، ويمكن القول إن الطابع العنصري السائد في المجتمع الإسرائيلي قد أثر تأثيراً واضحاً على اتجاهات النشء الإسرائيلي إزاء العرب والتي لا يمكن وصفها إلا بالاتجاهات العدوانية على الرغم من محاولة المحيط العربي، ومن بينهم الفلسطينيون، إقامة سلام مع الدولة العبرية منذ كامب ديفيد الأولى عام 1979 إلى كامب ديفيد الأخيرة عام 2000 والتي لم تكتمل فصولها بسبب اللاءات الإسرائيلية حول الأرض والقدس والاستيطان وعودة اللاجئين.
 
ومن المؤكد أن هذه العنصرية وتلك العدوانية كانتا نتاجاً لتلك التربية التي تبلورت لدى الشباب الإسرائيلي من خلال إستراتيجية عنصرية للتنشئة الاجتماعية، تستخدم فيها الأفكار السلبية عن العرب في جميع وسائل التربية، وفي مقدمتها المدرسة والكيبوتس والجيش ووسائل الإعلام المختلفة.
 


 
المراجع والمصادر
1- منير بشور وآخرون، التعليم في إسرائيل – مركز الأبحاث الفلسطيني /بيروت /1969 ص 23.
2- د. فايز صايغ، الصهيونية والعنصرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1977 ص 13.
3- د. فايز صايغ، المصدر السابق ص 14.
4- علي رؤوف سيد مرسي، أثر المؤسسات الاجتماعية والدينية في تربية الفرد في الكيان الصهيوني، مجلة المستقبل عدد يوليو 1968 ص 106.
5-عبد الوهاب المسيري: موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية دار النهضة العربية، القاهرة1975 ص107.
6-سمير هوانه: نظام التعليم العام في الكيان الصهيوني/ عن مؤتمر الأبعاد التربوية للصراع العربي الإسرائيلي جامعة الكويت مارس 1985
7- هارون هاشم رشيد: حول الفكر التربوي الصهيوني في فلسطين عن مجلة شؤون عربية عدد 33/34 نوفمبر- ديسمبر 83.
8- محمد عثمان شبير، صراعنا مع اليهود في ضوء السياسة الشرعية، مكتبة الفلاح / الكويت /1987  ص(86)
9-عادل العطاري / التربية اليهودية، عمان الأردن ص(70)
10-ظفر الإسلام خان، التلمود تاريخه وتعاليمه، دار النفائس / بيروت 1985 ص(86)
11- ظفر الاسلام خان: المرجع السابق، ص (87)
12-عادل العطاري ، مصدر سابق،  ص(56 ).
13-منير بشور وآخرون، مرجع سابق، ص (40 ).
14- صالح عبد الله سرية ، تعليم العرب في إسرائيل، مركز الأبحاث الفلسطيني / بيروت 1974،  ص (40).
15-صالح عبد الله سرية: المرجع السابق ص (42).
16- منير بشور وآخرون،التعليم في إسرائيل / مرجع سابق ص (41).
17-عبد السميع الهراوي: الصهيونية بين الدين والسياسية، الهيئة المصرية العامة للكتاب/القاهرة/1977 ص(263)
18- صالح عبد الله سرية: تعليم العرب في إسرائيل،  مرجع سابق ص (29)
19-صالح عبد الله سرية: نفس المرجع ص(30).
20- صالح عبد الله سرية: نفس المرجع ص(30 ).
21-صالح عبد الله سرية: نفس المرجع ص ( 31)
22-صالح عبد الله سرية: نفس المرجع ص (32).
23-عبد السميع الهراوي:  الصهيونية بين الدين والسياسة: مرجع سابق، ص ( 302 ).
24- عبد السميع الهراوي: نفس المرجع، ص ( 325 )
25-  صالح عبد الله سرية: تعليم العرب في إسرائيل، مرجع سابق ص( 33)
26-صالح عبد الله سرية: نفس المرجع: ص ( 34).
27-صالح عبد الله سرية: نفس المرجع: ص (35 ).
28-صالح عبد الله سرية: نفس المرجع: ص (35).
29-عبد السميع الهراوي: الصهيونية بين الدين والسياسة، مرجع سابق ص (197).
30-عبد السميع الهراوي: نفس المرجع ص (198)
31-صالح عبد الله سرية: تعليم العرب في إسرائيل، مرجع سابق ص (36)
32-عبد السميع الهراوي: الصهيونية بين الدين والسياسة مرجع سابق ص (76).
33-محمد فايز القصري، الصراع السياسي بين الصهيونية والعرب، دار المعرفة / القاهرة /1981 ص (34)
34-صالح عبد الله سرية: تعليم العرب في إسرائيل، مرجع سابق، ص (37)
35-صالح عبد الله سرية، نفس المرجع ص (39)
36- عبد السميع الهراوي: الصهيونية بين الدين والسياسة، مرجع سابق ص(319).
37-عادل عطاري: التربية اليهودية، مرجع سابق ص ( 74)
38- منير بشور وآخرون: التعليم في إسرائيل، مرجع سابق ص (45).
39-عادل عطاري: مرجع سابق ص (75).
40-ربحي كمال: دروس في اللغة العبرية، مطبعة جامعة دمشق /1966، ص (53).
41-عثمان السعدي: العبرنة الشاملة والتحكم في التكنولوجيا في الكيان الإسرائيلي، مؤتمر الأبعاد التربوية للصراع العربي الإسرائيلي جامعة الكويت مايو 1985.
42-عادل عطاري: التربية اليهودية، مرجع سابق. ص (11).

تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013