المتغيرات الدولية وتداعياتها على سياسة الفوضى الأميركية التقارير والمقالات | المتغيرات الدولية وتداعياتها على سياسة الفوضى الأميركية
تاريخ النشر: 03-08-2015

بقلم: العميد د أمين محمد حطيط
 | من المعلوم أن أميركا عندما تيقنت من فشل استراتيجية القوة الصلبة التي اعتمدتها بعد انحلال الاتحاد السوفياتي ، و قادتها إلى شن حروب اربع في اقل من عقدين ، أن أميركا هذه تحولت إلى استراتيجية القوة الناعمة التي تعتمد الإرهاب المنظم سلاحا و نشر الفوضى الهدامة سياسة تبتغي منها دفع القوى التي عجزت عن إخضاعها إلى التآكل و التدمير الذاتي و إفراغ شعوبها من المخزون الفكري و العقائدي و الديني و من القيم بشكل عام لتتحول إلى "وحوش مفترسة ينهش بعضها بعضا " و قدمت أميركا النموذج المثال لهذا الأمر بتنظيم القاعدة الإرهابي و ما اشتق منه من تنظيمات أو أوحى به من كائنات و فروع إرهابية تحاكيه .
وبالواقعية والموضوعية التي نعتمدها دائما في نظرتنا للأمور نستطيع أن نقول بان أميركا حققت الكثير مما أرادته من سياسة الفوضى الإرهابية، حيث إنها نجحت في تميكن الفكر التكفيري الالغائي من الانتشار ومكنته من امتلاك القوة العسكرية التي جعلته يهدم ويقتل ويهجر ويجهز على طوائف بأكملها ويغير وجه مناطق برمتها ويجتث تاريخ ويدمر معالم واثأر تعود إلى آلاف السنيين. لفد تمكنت أميركا عبر العصابات الإرهابية التي رعتها من تحقيق معظم ما حلمت به إسرائيل ونظر له خبراؤها واستراتيجيو ها وصاغوه في هرتز يليا في دورات انعقاد مؤتمرها السنوي الذي انطلق فقي العام 2001 تحت عنوان البحث عن استراتيجية إنقاذ إسرائيل بعد الهزيمة الأولى التي لحقت بها في لبنان على يد المقاومة التي أخرجتها من أراضيه فبل نيف 15 عاما.
وقد ظنت أميركا أن ما قامت به يؤهلها للزعم بان مشروعها الكوني سيتحقق من باب الإرهاب والفوضى الهدامة المنفذة باستراتيجية القوة الناعمة المعتمدة على ركني الأعلام والنار. والممولة من قبل دول المنطقة خاصة الخليجية وتركيا والمستندة إلى فكر مشوه يدعي الإسلام في الوقت الذي يبدو فيه منفصلا عن جوهر الإسلام القائم على الوحدة والأخوة.
ومع هذا الظن وضعت أميركا الجداول الزمنية لإعلان انتصارها، الذي كانت تراه متحققا بمجرد أسقاط سورية، الفعل الذي جعلت له رمزية متمثلة بأسقاط الرئيس بشار الأسد حتى كادت كل وسائل وأدوات ودوائر الأعلام والسياسة والدبلوماسية المسيرة أميركيا تختصر المواجهة كلها بعنوان واحد أن تحقق يتأكد الانتصار وأن تخلف تتحقق الهزيمة للمشروع الصهوتكفيري أمريكي برمته، انه الرئيس الأسد الذي تحول إلى رمز مواجهة وصراع بين مشروعين دوليين، مشروع الاستعمار والأذلال ومشروع السيادة والاستقلال.
لقد فهم محور المقاومة بكل مكوناته الخطة الأميركية وتعامل مع المسائل بواقعية وحزم، وخطط للدفاع عن سورية وعن نفسه انطلاقا من حجم العدوان وتشعباته وفقا لمصطلحات العدوان ورمزية الهدف وجوهر الخطط. وكانت استراتيجية الدفاع منذ الأشهر الأولى تهدف إلى منع المعتدي من الوصول إلى شيء من أهدافه الاستراتيجية الرئيسية سواء الميداني منها أو الرمزي ومن يعود إلى الوراء يعرف تماما لماذا كان ولا زال تمسك محور المقاومة بالرئيس الأسد – الرمز الأساس لتحديد اتجاه نتائج المواجهة.
لقد نجح محور المقاومة في دفاعه عبر صمود هنا و مناورات هناك و انقضاض هنالك ، ممارسات ميدانية و سياسية أفضت بعد نيف و اربع سنوات إلى رسم مشهد إقليمي و دولي يقوم جوهره على التأكيد بفشل العدوان و ارتداد إعصاره باتجاه معاكس يؤثر سلبا على من اطلقه و شن الحرب فيه ، ما مكن القول بان للنتائج تداعيات تتبلور و ستظهر على اكثر من صعيد ، تداعيات تؤكد ما كنا قللناه في خريف العام 2011 بانه من الرحم السوري يولد النظام العالمي الجديد الذي لن يكون أحادي القطبية كما تشتهي أميركا ، و الآن باتت الصورة أوضح ، و باتت تظهر الخسائر التي تبعد أميركا عن حلمها الإمبراطوري ، و في هذا المجال نتوقف عند المسائل التالية التي سيكون لها نصيبها الكبير لدى الباحثين و العالمين في الشأن تحليلا و تنقيبا .
1. خسرت أميركا سيف " مجلس الأمن الدولي " الذي كانت تشهره في كل مرة تريد أن تعاقب أو تلاحق طرفا استعصى أو تلكأ في الاستجابة لأوامرها، ولأول مرة منذ انحلال الاتحاد السوفياتي تشعر أميركا أن رغباتها في مجلس الأمن لم تعد قدرا يخضع له العالم.
2. خسرت أميركا سيف " القضاء الجنائي الدولي " وهو سيف اعتمدته عبر مجلس الأمن وإلى جانبه لتلاحق كل طرف أو جهة أو حتى شخص ناشط على صعيد السياسة الإقليمية والدولية. وكان الفيتو الروسي الأخير ضد قرار غربي بأنشاء محكمة جنائية خاصة بالطائرة الماليزية التي أسقطت فوق أوكرانيا في ظروف تثير الشبهة وتذكر بقتل رفيق الحريري لاتخاذ قتله ذريعة لملاحقة مكونات من محور المقاومة، كان هذا الفيتو موقف تحول دولي في النظرة إلى السيف القضائي الدولي الأميركي وهو امر نراه هاما سيجرد أميركا من بعض أنيابها ضد خصومها.
3. خسرت أميركا سيفها ضد النظام الإسلامي الإيراني واضطرت بعد 35 عاما للاعتراف بهذا النظام كما هو في استقلاليته وسياديته ومبادئه في نصرة الشعوب المظلومة، واضطرت لتوقيع اتفاق معه يعيد له حقوقه المغتصبة ويرفع عنه العقوبات الظالمة ويخرجه من تحت الفصل السابع ويعترف به قوة إقليمية عظمى منفتحة على احتلال موقع مميز في خريطة العلاقات الدولية.
4. خسرت أميركا سيف "الحشد الدولي " الذي طالما استعملته في أكثر من مناسبة في العراق أفغانستان وسواهما، وتراجع حشدها المزعوم ضد سورية من 133 دوله قبل 4 سنوات إلى 8 دول اليوم تتثاقل حتى في الاجتماع العلني ويبحث كل منها في السر والعلن عن طرق تقوده للقاء بمكونات محور المقاومة خاصة إيران وسورية مع تراجع النبرة ضد حزب الله بشكل أو باخر.
5. خسرت أميركا أظافر وإنياب وسائلها الإقليمية خاصة مثلث العدوان السعودية وتركيا وقطر، حيث غرقت الأولى في مستنقع اليمن وباتت بحاجة لمن يخرجها منه ولذلك كانت ليونتها المبدئية حيال النصيحة الروسية المتعلقة بالموقف من محاربة الإرهاب، وتحول موقف الثانية إلى موقع الدفاع في مواجهة تنظيمات إرهابية رعتها أو تنظيمات مسلحة هادنتها، أما الثالثة فقد بات بوقها الإعلامي وكيسها المالي النفطي محدود الأثر في مسار الحركة الإقليمية والدولية.
هذه الخسائر ما كنت لتحصل لو لم يكن في مواجهة المشروع الصهيوتكقرياميركي قوة تقاومه وتمنعه من تحقيق أهدافه، ولن تنحصر تداعيات ذلك على الميدان الذي سببها أي سورية وعلى صعيد محور المقاومة فحسب، بل إنها ستطبع بمفاعيلها المشهد الدولي كله وتكون العامل المؤثر في إرساء النظام العالمي الجديد الذي سيكون محور المقاومة ومن الميدان السورية بالذات صاحب حق في أن يفاخر بانه واجه أعتى المشاريع الاستعمارية الكونية وأفشلها وأنقذ العالم من شرورها.
الثورة – دمشق 382015.

تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013