سيرة آل سعود، تاريخ مشبوه لحكم قام على جثث الشعوب التقارير والمقالات | سيرة آل سعود، تاريخ مشبوه لحكم قام على جثث الشعوب
تاريخ النشر: 17-04-2016 / 20:31:35

بقلم: الدكتور أنس الراهب
| محمد بن عبد الوهاب، اسم تعاقب خلال أربعة قرون ولا زال مستمراً.    ولَدَ محمد بن عبد الوهاب، مؤسّس الوهابية سنة 1703 م، في قرية العُيينة، التي تقع في هضبة نجد في الوسط الشرقي من جزيرة العرب ، ودرس على يد أبيه القاضي في قرية حُرَيملاء (وهي قرية من قرى نجد) ثم أصبح قاضي القرية بعد وفاة والده . وتأثر محمد بن عبد الوهاب بتلامذة ابن حنبل، وعشق كتابات ابن تيمية.
- بدأت المرحلة الأولى للعنف الذي مارسه الوهابيين في أواخر القرن الثامن عشر، بعد أنّ عزّزوا أنفسهم من خلال تحالفهم الذي أقامه مؤسس الوهابية ابن عبد الوهاب، مع رئيس عشيرة في الجزيرة العربية هو محمد بن سعود سنة 1744. فمارست وحشّيةً غير معهودة لفرض العقيدة الوهابيّة المستندة إلى فكرة التوسّع العسكري – الجهاد. فذبحت الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، وغزا رجالهم كربلاء ليرتكبوا فيها أبشع مجازرهم، فقتلوا ذبحاً آلاف الشيعة سنة 1802، ايماناً بعقيدتهم التي ترى أنّ الجماعات الأخرى من الشعب لا تستحقَ الحياة، وهي جديرة بأن تذبح، وكان غلّهم كبيراً، فعملوا على تدّمير القبور والأضرحة.
- أما المرحلة الثانية للعنف الوهابي فبدأ مع تشكّل العربية السعودية، أي مطلع القرن العشرين، من خلال تجديد ابن سعود لتحالفه مع عائلة الحركة الوهابية، وتأسيس جيش وهابيٍّ متطرّفٍ هو (الإخوان)، الذي قاتل المسلمين في الجزيرة العربية، بما في ذلك الحسين شريف مكة مؤسّس العرش الهاشمي، فقتلوا وجرحوا حوالي 400 ألف خلال غزواتهم.
- وفي المرحلة الثالثة التي تبدأ مع بداية الخمسينات من القرن الماضي ولغاية السبعينات منه، أصبحت السعودية ملاذاً للمتطرّفين الإسلاميين الفارّين من أحكام الإعدام والسجن (وكان أكثرهم قد تورّط في عمليات إجراميّة كالقتل والاغتيالات والتفجير وخاصّة في الدول التي حملت شعار العلمانية مثل مصر وسورية). ومع اختلاف السياسات بين الحكومات التي تتبع العلمانية كمسار سياسي، والمتطرفين الوهابيين، عملت السعودية على دعم ونشر الأفكار المتطرفة للوهابيين الرافضة للأطراف الأخرى، من خلال إيواء أعضاء حركة الإخوان المسلمين. ومنحهم الإقامة والمال والدراسة والعمل وحرية الحركة والتعبير والتحريض. ومن خلال الجمع بين إيديولوجية الوهابيين وإيديولوجية الإخوان المسلمين، نشأت إيديولوجيا جديدة هي "إيديولولجية الكراهية"، (كان من أهم أعلام هذه الايديولوجية: محمد قطب، وعبد الله عزّام اللذين علّما أسامة بن لادن)، التي اعتمدت على نزع الشرعية من غير الوهابيين، وتكفير المذاهب والطوائف الأخرى، معتبرة أنّ المسيحيين ليسوا أهل الكتاب الذين يستحقون أن يلتزم الإسلام حمايتهم، بل هم مشركون ممقوتون .
- أمّا المرحلة الرابعة للعنف الوهابي فتبدأ مع فترة الحرب في أفغانستان، والانتشار السريع للعمليات الإرهابية في أنحاء العالم مروراً ب 11/09/2001، وصولاً إلى اعلان إقامة الدولة الإسلامية في العراق وسورية.
    تنقل محمد ابن عبد الوهاب في مناطق عدة فسافر إلى العراق وسورية، كما تظهر الشواهد أنّه درس في مدينتي أصفهان وقُمّ خلال حكم "نادر شاه" في فارس (1736-1747)، الذي حاول أن يُعيد بلاد فارس إلى الإسلام السنِّي، بعد أن تبنت بلاده الإسلام الشيعي ديناً للدولة في أوائل القرن السادس عشر . كما زار البصرة لكنّه طُرد منها بسبب آرائه الدينية المتشدّدة . حيث قادته أفكاره إلى أنّ تزايد نفوذ الغرب المسيحي ارتبط بالانحلال في الإسلام في ظلّ الإمبراطورية العثمانية، وارتأى ضرورة إحياء الإسلام الطُهراني كما كان في عهد النبي محمد (ص) والسَّلف الصالح. وبعد سنوات أصبح له أتباع تحت مُسمى السَّلفّيين . وهم جماعة متشددة، دمّروا باسم التوحيد الصارم الجديد، قبور صحابة الرسول محمد (ص)، لأنها أصبحت موضعَ تبجيل في نظرهم، ومن ذلك هدّم قبر زيد بن الخطاب، شقيق عمر بن الخطاب ثاني خلفاء الإسلام .
    ونظراً لتعصّبه (الذي أثار حفيظة العلماء المحليين والزَّعامات الدينية)، تَّم نبذه وطرده من قريته، وبدأ يبحث عن حامٍ جديد (ومن هنا كانت انطلاقته نحو مفهوم الهجرة بالمعنى الديني)، إلى أن التقى محمد بن سعود "حاكم الدّرعية القريبة من الرياض"، الذي آواه والتقت مصالحهما على السيطرة وبسط نفوذهما، فعقدا حلفاً سنة 1744. إذ تقول رواية: إنّ ابن سعود طمأن حليفه الجديد بقوله: "هذه الواحة واحتك، لا تخشَ أعداءك، ولو اجتمعت نجد كلّها لإخراجك لما اتّفقنا على طردك"، وأجاب عبد الوهاب قائلاً: "إنكم قائد الاستقرار ورجل حكيم. أريدكم أن تقسم لي على كلمة جهاد الكفار" . وبذلك أصبحت الدّرعية ملجأً لمحمد بن عبد الوهاب تحت حكم محمد بن سعود.
    أنشأ محمد بن عبد الوهاب حركة إيديولوجية تتضّمن عناصر دينامّية صالحة لتغيير اجتماعي سياسي (وهو ما استوعبه بدرجة كاملة محمد بن سعود)، حيث تعهّد لابن سعود خلال لقائهما أن يحكم الأخير نجداً ويبسط سلطانه فيها إن هو امتثل لعقيدة التوحيد. كما عُقد لاحقاً تحالف تاريخي سنة 1747 م، وضع مشروع الدولة على سكّة آمال الطرفين. فالوهابية تبحث عن قوّة تحميها لسلامتها ونشر مبادئها، أما ابن سعود فهو بحاجة إلى مظلّة دينية وشرعية تسّوغ تمدّده العسكري واستقرار حكمه، ولكي يتم ذلك احتاجت هذه الاستراتيجية إلى عنصرين، هما الفتح والغنيمة . وبذلك أصبح هذا التحالف تاريخياً، إذ مهّد لإقامة إمارة إسلامية، وتالياً دولة دينية يتقاسمها الاثنان معاً.
    أسّس ابن سعود الدولة السعودية الأولى، ووضع ابن عبد الوهاب عقيدتها الرسمية، فكان الميثاق صفقة سياسية يحمي خلالها ابن سعود، ابن عبد الوهاب وينشر عقيدته الجديدة، في الوقت الذي يُضفي ابن عبد الوهاب المشروعية على الحكم السعودي داخل دائرة متّسعة من قبائل البدو التي أخضعها الجهاد الجديد (أصبح ابن سعود إماماً لجماعة ابن عبد الوهاب الدينية الجديدة، وتزوج من ابنته).
    قام ابن عبد الوهاب بشرعنة الجهاد ضدّ إخوته في الإسلام، فكان التّكفير إحدى عقائد الوهابية المركزية، وبقسوة شديدة تمّ تخيير الخصوم (المشركين الأسرى) بين اعتناق الوهابية أو الموت، لأن ابن عبد الوهاب وسلفه آمنوا بأنّ كل مسلم لا يعتنق ما هما عليه يكون أشدّ جهلاً وشركاً من أولئك الذين كانوا في الجاهلية الأولى.
    وبذلك قسّم ابن عبد الوهاب العالم إلى دارين: دار إيمان أو إسلام، ودار كفر أو حرب. فمثّلت الدرعية دار الإسلام وأصبحت أوَل إمارة إسلامية تُقام في الجزيرة العربية، تمهيداً لإقامة الخلافة الإسلامية.
    وبوفاة محمد بن سعود عام 1765، واصل ابنه عبد العزيز الحروب الوهابية، فاستولى على الإحساء، وتقدّم نحو الكويت سنة 1788. واعترفت البحرين بسيادتهم، ودفعت الزكاة للزعيم السعودي، أما حكام عُمان فقد رفضوا كتابات ابن عبد الوهاب التي أرسلها إليهم عبد العزيز وطلبه أن يتبنّوها، هم وشعبهم، كعقيدة لهم.
    وبعد وفاة ابن عبد الوهاب عام 1791، أصبح سعود الكبير حاكم نجد المطلق، وإمام الوهابية، واستطاع توحّيد السلطتين السياسية والدينية بيديه.
    استلم سعود ابن عبد العزيز الزعامة بعد وفاة والده، وفي ربيع سنة 1802 احتل الجزء الجنوبي من العراق العثماني، ودخلوا إلى كربلاء مع مجموعته الوهابية والتي بلغت اثنا عشر ألف، ليرتكبوا مذبحة راح ضحيتها حوالي أربعة آلاف من الطائفة الشيعة، وتمّ نهب الأضرحة المقدّسة، بما في ذلك ضريح حفيد رسول الله محمد (ص) "الحسين" ، حاملين غنائمهم على ظهور أربعة آلاف جمل . وقد حاولت الحملة السيطرة على النجف، لكنها لم تتمكن من احتلالها (سنة 1805). وكان "ج. روسو" الذي عاش في العراق خلال هذه الفترة، قد وصف مظاهر الرعب في الهجوم الوهابي على كربلاء فكتب: مات الشيوخ والنساء والأطفال بحدّ سيف المتوحّشين. حتى إنهم كلّما رأوا حاملاً بقروا بطنها وتركوا الجنين فوق جثمان الأم الدامي .
    استولى الوهابيون على قلعة الطائف سنة 1802، وأعملوا السيف في كلّ من صادفوه من الأهالي بالرغم من رفعهم علم الهدنة فوق قلعتهم . كما استولى الجيش الوهابي بقيادة سعود ابن عبد العزيز على مكة المكرمة سنة 1803، الذي أمر أن تسوّى بالأرض كلُّ المساجد والصوامع المكرّسة لذكر النبي (ص). ثم سقطت المدينة المنورة بعد عام.
    استؤنفت الغزوات الوهابية في العراق سنة 1805، وامتّدت إلى سورية أيضاً. ففي سنة 1808 طلب سعود بن عبد العزيز من شيوخ دمشق وحلب اعتناق الوهابية، في الوقت الذي أغار حلفاؤه من القبائل المخضعة من جبل شمّر على الصحراء السورية نيابة عنه، وتحدّوا دمشق سنة 1810 . كما هدّدوا تدمر في الشمال، وعمان في الجنوب.
    خلال هذه المرحلة عيّنت الامبراطورية العثمانية الضابط الألباني محمد علي حاكماً على القاهرة، وكلّفته بمواجهة التهديد الوهابي. وبالفعل تمكًّن محمد علي من مواجهتهم، واستطاع أن يستولي على المدينة المنورة بعد قتال طويل، وذلك في 11/1812، واستسلمت جدة في 01/1813، وأضحت مكة والطائف في أيديهم أيضاً.
    بعد وفاة سعود بن عبد العزيز في 27/04/1814 في الدّرعية، تولّى عبد الله بن سعود السلطة، وقرّر محمد علي اقتحام داخل الجزيرة العربية. فعُيّن ابنه ابراهيم لقيادة الحملة، ونجح في اكتساح نجد، وأُخذ عبد الله أسيراً بعد استسلامه في 11/11/1818، ونُقِل إلى استانبول، وتمّ ضرب عنقه أمام "آيا صوفيا" بالقرب من قصر الباب العالي، وقد حُرم ومن معه من إقامة جنازة لهم، وأُلقيت جثثهم بالبحر بعد أن عُرضت على الملأ لعدة أيام، ويقال إنّها تُركت لتنهشها الكلاب الضّالّة . وبسقوط الدرعية انتهت الدولة السعودية الأولى. 
     لقد شكّلت الوهابية حركة تعصّب شامل تجاه أولئك الذين لا يتبنّون مبادئها، بما في ذلك المسلمون الآخرون، هذا التعصب الديني المتطّرف اقتضى أولاً، أن يستأصل رموز الحضارة غير الوهابية، (عندما فتح المسلمون مصر في القرن السابع لم يحطّموا رموز الحضارة المصرية القديمة، ولم يهدموا أبا الهول)، لذلك عندما هاجمت الجيوش الوهابية الأماكن المقدّسة في الإسلام الشيعي جنوب العراق خلال القرن التاسع عشر خُرّبت القبور ونُهبت الأضرحة الدينية الأخرى، لأنها تُعتبر في نظرهم جزءاً من حربهم ضدّ الوثنية (نهب مدينة "كربلاء" الشيعية المقدّسة سنة 1802، وتدمير طالبان التماثيل البوذية في "وادي باميان" في آذار/مارس 2001 ).  
    في ذلك الوقت كانت الدول الغربية قد بدأت تضع أنظارها على المنطقة، فعملت بريطانيا على ترسّيخ هيمنتها داخل الشرق الأوسط قبل انهيار الامبراطورية العثمانية وخاصة في اليمن، واحتلّت مصر والسودان، وسيطرت على قناة السويس، كما وقّعت مع البحرين سنة 1880 اتفاقيات الحماية، وكذلك مع زعماء عرب في منطقة الخليج العربي.
    وفي سنة 1899، أدخلت الكويت في نظام حمايتها، وأصبح على كل شيخ عربي مُعترَف به من قبل بريطانيا أن يتنازل مقابل ذلك عن سلطاته السيادية في الشؤون الخارجية، والحدُ من التجارة مع شركات غير بريطانية.
    بعد أن دعم العثمانيون رشيدييّ جبل الشمر الذين استولوا على الرياض سنة 1891، استعاد ابن سعود الرياض مرة أخرى في سنة 1902 من الرشيديين، وبدأ حملة لاستعادة الأراضي السعودية التي ضاعت خلال القرن التاسع عشر. حيث تنبّه ابن سعود إلى أنّ مشروعه السياسي الطموح يفتقر إلى قوّة أخرى معنوية تسنده وتشحنه بالزخم الديني، إذا ما أراد تعبئة المجتمع النجدي ومنازلة خصومه من آل الرشيد.
كان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (المولود في سنة 1880)، والذي أضحى يعرف بابن سعود لدى الغرب، قد شهد أهمية قوة بريطانيا المتصاعدة في المنطقة وتعاظمها، فاعترف بنفوذها، وحصل بالمقابل على مساعدة البريطانيين في ترسيخ وجوده والوقوف ضدّ العثمانيين (كان آل سعود قد التقى وكيل بريطانيا السياسي القبطان "وليام شكسبير" فشرح له: نحن الوهابيّين نكره الأتراك بدرجة أقل من الفرس بسبب الممارسات الكافرة التي أدخلوها على الدين الحقّ والطاهر الذي أوحى به القرآن إلينا ). لقد عُرف عن ابن سعود تفضيلُه المسيحيين على المسلمين غير الوهابيين، باعتبارهم يتصرفون على الأقل انسجاماً مع دينهم، بينما المسلمون غير الوهابيين، الذين لم يستوعبوا أهمية الثبات على التوحيد، هم مشركون.
    بعد ذلك أسّس عبد الله بن عبد اللطيف قاضي الرياض "سليل محمد بن عبد الوهاب" حركة دينية جديدة استقرّت في الأرطاوية (قرية تقع في نجد شمال الرياض)، هي تنظيم الإخوان (وهو تنظيم وهابي يعمل بتعاليمهم الصارمة، ويتجنّب الأوروبيين). تعود هذه الحركة في الغالب إلى أصول بدوية، يعيش أعضائها داخل مستوطنات فلاحية مشتركة تعرف باسم "هُجَر" (لم يجعل ابن سعود من الهُجر مجرّد بؤر معزولة بالمعنى الاجتماعي والديني فحسب، بل حولها إلى ما يشبه مراكز تجنيد وتعبئة عسكرية سهلة الضبط والتوجيه)، يضمّ التنظيم محاربين خضعوا لدورة إيديولوجية على تعاليم الشيخ عبد الكريم المغربي، أخذت شكل تنظيم عسكري "بقيادة عبد الكريم المغربي، ثم فيصل الدويش، زعيم قبيلة مطير"، وذلك لغزو كل أرض يسكنها مشركون مرتدون، ليتم تطهيرها تحقيقاً لمشروعهم الديني في إقامة الإمارة الإسلامية، وبالفعل استطاعوا إنشاء 120 مستوطنة حتى سنة 1929، التحقت جميعها بالغارات العسكرية كتقليد وهابي له بُعدٌ دينيٌ ضد المشركين  (في سياق اقامة إمارة إسلامية)، وعاقبوا إخوانهم المسلمين الذين لا يصلّون الصلوات الخمس، واعتبروا باقي المسلمين مشركين، وحاكوا لأنفسهم لباساً ممّيزاً يشمل العمائم البيضاء بدلاُ من الكوفية العربية التقليدية، حتى أنّهم كانوا يغطّون وجوههم في لقاءاتهم مع الأوروبيين أو العرب من خارج العربية السعودية لكيلا يدنّسوا أنفسهم.   
 استغلَّ ابن سعود إدراكه ما بين الهجرة والجهاد والجماعة من رابط وثيق كمفاهيم متسلسلة تنصهر في علاقة مقدّسة وتصبح شديدة التأثير بوجود البعد الديني الذي لا بد أن يصبغ هذه المفاهيم على الأرض. وانطلقت جيوش الإخوان في عمليات عسكرية دموية تحت شعار "من عادى آل سعود يعادي الله، فخذْ عدو الله لعهد اللهْ واغدر به".
    تمّ الاستيلاء على الإحساء سنة 1913، وكسب ابن سعود أرضاً جديدة ودوراً سياسياً في الشؤون الإقليمية، وكانت بذلك الإحساء أول اختبار لقوّته العسكرية خارج منطقة نجد، وأول اختبار لقوته السياسية أيضاً، مّا حتّم عليه منذئذٍ التعامل مع قوى سياسية عظمى في المنطقة . وخلال ذلك، واصل الإخوان القتال في مشهدٍ أدى إلى ترويع الشرق الأوسط منذ سنة 1909 إلى 1927، وأغار مقاتلوهم على قرية قرب زيزيا في شرق الأردن، وقتلوا سكانها بالكامل، وكذلك فعلوا في جنوب العراق. واستمرّت وحشية جيوشهم، فدخلت إلى مدينة الطائف سنة (1924) وقتلوا حوالي أربعة آلاف من سكانها. كما جدّدوا هجومهم على جدة، ودمّروا الأضرحة ومن بينها قبّة الضريح الذي يُفترض أنّه يحوي بقايا "حواء". وتمّ الاستيلاء على مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعملوا على تطهير المدينتين من مظاهر الشرك بحسب مفهومهم وتحطيم الآثار التاريخية والدينية فيهما.
    استمال ابن سعود الإخوان عبر مَدِّهم بالدعم، في هدف منه ليصبح زعيماً روحياً لهذه الوهابية الجديدة لتقوية موقعه، في الوقت الذي كان هناك سبعٌ وتسعون قبيلة أساسية في شبه الجزيرة ، يسعى ابن سعود لتوحيدها من أجل بناء الدولة.
    وخلال هذه الفترة أحكمت بريطانيا سيطرتها على أغلب الأراضي العربية التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وأقامت علاقة خاصة مع الشريف حسين التي وعدته بدولة عربية مستقلّة تمتدّ من الجزيرة العربية إلى الحدود السورية - التركية (كما تعرف اليوم)، مقابل دعمه الجهود الحربية البريطانية ضد العثمانيين. وعلى أساس ذلك نادى شريف حسين بتاريخ 29/10/1916 بنفسه ملكاً على الدول العربية. وأضحت هناك حاجة لترسيم الحدود لفصل الأراضي العثمانية السابقة عن بقية الجزيرة العربية، خاصة لتحديد أين تنتهي أراضي الملك حسين في الحجاز، وأين تبدأ أراضي ابن سعود في نجد. لكن البريطانيين عملوا على تنصيب فيصل شقيق عبد الله ابن حسين ملكاً على العراق مع حدوث تغييرات على الأرض، فأسرع ابن سعود عند علمه بذلك للاستيلاء على جبل الشمر (التي هاجر سكانها إلى الصحراء السورية في منتصف القرن العشرين) الخاضع لسيطرة الرشيديين، واحتلّ حائل سنة 1921.
    وفي 21/11/1922، بدأت المفاوضات في "العقير" لتحديد الحدود بين أراضي ابن سعود وأراضي العراق الجديد، برئاسة "السير بيرسي كوكس"، الذي فرض الحدود الشمالية، قائلاً لابن سعود: يا طويل العمر، أنا أعرف بدقّة حقيقة مشاعرك، لذا فإننّي أعطيك ثلثي أراضي الكويت . ومع إدراك البريطانيين لتغيّر موازين القوى في الجزيرة العربية، أَجلَوا الملك حسين إلى قبرص، وقاموا بتعيين ابنه عبد الله ملكاً، ونقلوا مدينتي معان والعقبة من الحجاز وألحقوها الأردن الهاشمي.
    كانت الحملة العسكرية السعودية في الجزيرة العربية، باهظة الثمن فيما يتعلّق بأرواح المدنيين، وكان الإخوان بمثابة "حدّ الوهابية القاطع" خلال عشرينيات القرن الماضي، بل إنّه حدٌّ أشدُّ قطعاً من الدولة السعودية الوليدة نفسها، إذ جرفتهم قناعة دينية عميقة دون أن يشعروا بالإكراهات السياسية التي واجهها ابن سعود. هذا الأمر دفع بالإخوان وابن سعود إلى الاصطدام، فكان هذا الأخير مجبراً على ممارسة السياسة الواقعية. وقد لاحظ أمير الكويت القريبة أنّه عندما دشّن ابن سعود حملته الدينية، أجج الإخوان الفكرة التي مفادها أن أيام النبي (ص) عادت. وبالتالي عندما كبح البريطانيون توسّع قوة ابن سعود أُجبر على كبح إخوانه والتخلّي عن جهاده . فاصطدمت جيوش الإخوان مع قوات ابن سعود عام 1929، في معركة السبلة، وانهزمت في نهاية المطاف جيوش الاخوان، لأن البريطانيون أبقوا الإخوان تحت المراقبة الدائمة باستعمال القوات الملكية الجوية في العراق وشرق الأردن، وهذا ما ساعد ابن سعود على النصر، وإلا لكان الإخوان قد اكتسبوا قوة كافية لسحق ابن سعود. بهذا المعنى كان البريطانيون حليف ابن سعود السري . ومن هنا تمّ القضاء على جيش الإخوان فزالت العقبة أمام نشأة الدولة السعودية بحدود ثابتة في سنة 1932، وتمّ دمج فلولُ جيش الإخوان في مؤسسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كقوّة ذات وظيفة مزدوجة: اجتماعية – أخلاقية، وسياسية – أمنية .
    تتلخّص التجربة السعودية الأولى في كونها بدأت دولة دينّية بالمعنى الخالص، حتى أسبغ الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ على العهود الثلاثة الأولى من هذه التجربة، والتي حكم فيها محمد بن سعود وعبد الله بن محمد وعبد العزيز بن عبد الله، لقب "خلافة نبوّة". ولذلك نجحت في تحقيق الاستقرار والاستمرار كسلطة مركزية قوية وفاعلة في منطقة نجد. ولكنّ نهاية التجربة السعودية الأولى كانت غير بدايتها، فقد أخذت الدولة تشقُ درباً منفصلاً عن الدين، وبدأت أطماع السلطة وأحلام العظمة تراود أمراء آل سعود، وكان في ذلك هلاك الدولة السعودية الأولى عندما طغت أمور الدنيا على أمر الدين .
    لقد خاض عبد العزيز بن سعود مؤسس الدولة السعودية الحديثة (1880-1953)، التجربة السياسية عن وعي، مُستدركاً ما فات السّلف، متسلحاً برؤية صلبة تحسب بدقّة القوى الضالعة والمؤثّرة في مشروعه السياسي.
    انتشرت الوهابية في بداية القرن التاسع عشر. ولأنّ الوهابية حكمت مكة فترةً من الزمن، وخلّفت أثراً عاماً هناك على نحو واضح، فإنّ المسلمين الحجّاج تعرّضوا لتأثير المذهب، ونتيجة لذلك وصلت الوهابية إلى مجتمعات إسلامية أخرى.
    فنجد أنّ محمد علي السنوسي (1792 – 1859، وهو جزائري، درس أولاً في فاس، ثم ذهب إلى مكة)، قد تعرض للتأثير الوهابي، وأسّس الدعوة السنوسية فيها (وهي دعوة تقدّم أصولية متزمّتة جديدة). ونقل أفكاره، في أربعينيات القرن التاسع عشر إلى برقة (ليبيا) حيث أصبحت القوة الدينية المهيمنة في البلد. وأصبح أحد أحفاده الملك إدريس، أول عاهل في البلاد خلال القرن العشرين. (وفي سنة 1969، خلعه العقيد مُعمّر القذافي، الذي تربّى في كنف التقليد السنوسي) .
    لقد أثر الفكر الوهابي على مناطق أُخرى خارج الجزيرة العربية، وخاصة في مصر: كان أحد مساندي الوهابية المتحمّسين وقتئذٍ هو رشيد رضا (1865 – 1935، تفيد بعض المصادر أنّه كان يتلقّى راتباً وأموالاً من السعودية والملك) قد دشّن حركة النهضة الإسلامية في القاهرة رفقة شيخه محمد عبده. وكانت مواقف رضا صريحة في مناصرة الوهابية. كما نجد أنّ حسن البنّا الذي تتلمذ على يد رضا، أسّس سنة 1928 تنظيماً منظوراً لإعادة تأسيس الأجندة السياسية في الإسلام "وهو الإخوان المسلمين"، وقد شكّل لاحقاً وحدات شبه عسكرية تتبنّى استراتيجية العنف وارتكاب أعمال إرهابية، ومنها تفجير قاعات السينما، ومهاجمة الأقليات غير المسلمة، واغتيال مسؤولين وزعماء. وأخذ هذا التنظيم بعد ذلك في التمدّد والانتشار في مناطق العالم الإسلامي، ووصل إلى السودان وسورية والأردن.
    عادت العربية السعودية إلى جذورها الوهابية سنة 1964، عندما تسلّم فيصل بن عبد العزيز (والدته طرفة آل الشيخ المنحدرة من سلالة محمد بن عبد الوهاب) العرش بعد خلع أخيه الأكبر الملك سعود في 02/11/1964. حيث عمل على منح الزعماء الدينيين الوهابيين التحكّم في التربية السعودية عن طريق التركيز على الدراسات الإسلامية في المناهج التعليمية، وكذلك منحهم سلطة مراقبة الجامعات التعليمية. مّا ساهم في تربية جيل ناشئ بأكمله على العقائد الوهابية، وهذا ما حفر لدى أجيال الشباب السعودي آثاراً عميقة للسير باتجاه الإسلام المتشدّد. وزاد على ذلك أن منح الشيخ عبد العزيز بن باز (فقيه وهابي أعمى، متشدد. ولد سنة 1909) منصب رئيس مجلس كبار العلماء سنة 1971. كما ترأّس اللجنة المؤسّسة لرابطة العالم الإسلامي.
    خلال هذه الفترة لجأ العديد من الأعضاء المصريين في تنظيم الإخوان المسلمين إلى العربية السعودية، مثل: عُمر عبد الرحمن "المدان في تفجير المركز التجاري العالمي سنة 1993"، وأيمن الظواهري "المتورّط في اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، وهو الساعد الأيمن لأسامة بن لادن ونائبه فيما بعد، ثم زعيماً لتنظيم القاعدة الإرهابي"، كذلك لجأ إليها الملاحقين من قبل نظام جمال عبد الناصر من مصر، مثل محمد قُطب (شقيق سيد قُطب الذي أعدمه النظام في مصر عام 1966). وكذلك الإخوان المسلمون الفلسطينيون.
    كما غادر إليها العديد من الإخوان المسلمين في سورية، وكذلك نظراؤهم السودانيون "حسن الترابي". وبلغ عددهم في ذلك الوقت "من منتصف الخمسينات إلى منتصف الثمانينات من القرن الماضي"، الآلاف.
    لقد تبنّى الإخوانُ المسلمون سلوكاً مُشابهاً لأفكار الوهابيين "اتباع ابن تيمية" في عدائهم للأنظمة العلمانية في الشرق الأوسط. فشنّوا الحرب ضد الرئيس جمال عبد الناصر في مصر، والرئيس حافظ الأسد في سورية.
ويعتبر عبد الله عزام "أهم المفكرين الأصوليين تأثيراً (أُطلق عليه لقب أمير الجهاد) ، وهو وكذلك سيد قطب مُدرّسان للطالب السعودي أسامة بن لادن ". فسيد قُطب (الذي قضى عدة سنوات في أمريكا، وأصبح لاحقاً متشدّداً في معاداته للغرب) اعتبر أنّ المصريين يعيشون جاهلية جديدة، وأنّ مصر قد انتقلت من دار الإسلام إلى دار الحرب. وأنَّ الأنظمة العربية قد تصبح موضوع جهاد على نحو مشروع . وكان محمد قطب (شقيق سيد قطب)، أول من أشار في كتاباته المطبوعة في العربية السعودية إلى مصطلح "الصليبي" للإشارة إلى المسيحي، ومصطلح "الصليبية" للإشارة إلى المسيحية والعالم المسيحي، والغرب الحديث. وقال في كتاباته: إذا استرجعنا إيماننا الصارم سنهزم إمبراطوريات العالم الكبرى، مثلما فعل المسلمون الأوائل، سنستطيع إقامة التوازن بين القوى الكبرى في الشرق والغرب .
    أما شقيقه سيد قطب فكتب أنّ الروح الصليبية تجري في دماء الغربيين كلهم، كما كتب سنة 1954، أنّ رحى الحروب الصليبية لا تزال دائرة.
    عملت السعودية على تأكيد الحضور الوهابي بأشكاله السابقة الذكر في الدول التي كانت تتْبع إلى الاتحاد السوفييتي السابق: أوزباكستان وطاجيكستان والشيشان والقوقاز وتركمنستان وداغستان وفي البوسنة وكوسوفو وألبانيا. وكذلك ضمن آسيا أيضاً: أفغانستان، وفي أفريقيا: الصومال وتنزانيا وكينيا، وداخل الدول عربية: الجزائر ومصر وليبيا وسورية والعراق واليمن، وفي روسيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. كما دأبت الحكومة السعودية على اللجوء إلى التيار السَّلفي لضرب خصومها بالسلاح الطائفي. هكذا فعل الملك فيصل مع القوى السياسية الوطنية في الستينيات فلم يتردّد في إقحام المسألة الطائفية في معركة سياسية محضة، ولم يتردّد الحليف الوهابي في ابتلاع هذا الطُعم، فراح يمارس ما يراه الواجب المنّزل عليه من السماء في معاقبة أهل الضلال حتى يعودوا إلى جادّة الحقّ ومعدن الصدق. فالطائفية أنشبت مخالبها في المجتمع، ولم تفرّق بين طائفة وأخرى، والأحكام الصارمة التي أصدرها رموز المذهب الوهّابي ضد الشيعة هي ذاتها الأحكام التي صدرت ضدّ المذهبين الشافعي والمالكي .
    إنّ الانفلات الناجم عن التمدّد اللامحدود لنشاطات المذهب الوهابي خارج الحدود، سمح لرجال المذهب أن يحققّوا ما عجزوا عنه أو ما أجّلوا تحقيقه في الداخل، واستطاعوا أن يمدّوا آمالهم وأذرعهم إلى قارّات العالم بتشجيع وتأثير ومساندة السلطات السعودية، ونجحوا في قيادة كتائب المجاهدين في الشرق الأقصى إلى شبه القارّة الهندية نزولاً إلى أفغانستان (حيث دخلت العناصر السلفية إلى أفغانستان بنيّة وضع اليد على الجهاد في هذا البلد، وإدارة مشروعه السياسي، ونجح المال السعودي في تحقيق أغراضه، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت توفّر الدعم السياسي والتقني لمشروع الجهاد) ، وصولاً إلى جمهوريات آسيا الوسطى وانتهاءً بحدود أوروبة. وكانت الحكومة السعودية ترى بأنّ التمدّد الوهابي في أرجاء العالم هو بمثابة ورم حميد قابل للاحتمال ما لم يتجاوز المشاكل ذات الصلة بنشاطات الدعوة السلمية المحتملة في الدول التي تمارس فيها مثل هذه النشاطات من مختلف النشاطات العقائدية والأيدولوجية.
    لقد سبق أن ساهمت المملكة السعودية في تشكيل وحدات مقاتلي أُسامة بن لادن في أفغانستان "وهي إحدى لبنات الجماعة الإسلامية المسلّحة، التي ذبحت مدنيين خلال الحرب الأهلية الجزائرية، وخلّفت مئة ألف قتيل خلال السنوات 1992 و1997" . وفي مثيلاتها شكّلت الجهادية ما سُمّي بالدولة الإسلامية في العراق وسورية، وجبهة النصرة وعدة ألوية قتالية جهادية تعدّدت أسماؤها للقتال في سورية والعراق. وفي ليبيا بأسماء أُخرى إضافة لتنظيم الدولة الإسلامية. فخلّفت عشرات الآلاف من القتلى، وأضعافهم من الجرحى، وهزّت كيان هذه المناطق فتشرّد الملايين وهُجِّر مثلهم، ودُمِّرت البيوت واغتُصبت النساء وسُبيت، وهُجِّر الأطفال من مدارسهم، وتشرّدوا في الداخل وفي دول الجوار.  
    وعندما أجرت وكالة المخابرات الداخلية السعودية في تشرين الأول/أكتوبر 2001، استطلاعاً سرياَ في صفوف الرجال السعوديين الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والعشرين والواحد والأربعين، تبينّ أنّ 95% منهم استحسنوا قضية أسامة بن لادن . وإن دلّ مثل هذا الإحصاء على غلبة عدد الجهاديين الحاملين للجنسية السعودية، أو تعاطفهم مع الجهاد، فإنّه يدلّ على السلوك الرسمي للملكة السعودية في قضية انتشار الإرهاب ودعمه، وبالتالي أثر مخاطره على الأمن العالمي.
    لقد ظهر العديد من الأدلة خلال سنتي 2003 – 2004، حول الدور السعودي في تمويل الإرهاب خلال أكثر من عقد مضى. إذ سُجّلت مذكّرة مفصلة حول وثائق هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، التي اكتشفتها المخابرات البوسنية، لقاء بين شركاء بن لادن وممثّلين عن الهيئة "المنظّمة السعودية". كما عثر إلى جانب هذه المذكّرة على وثائق تتضّمن اقتراحاً من مكاتب الهيئة في باكستان: ثمة هجمات سينفّذونها . وفي سنة 1999 سجّل تقرير استخباراتي مصنّفاً صادراّ عن وكالة "اف بي آي" أنّ هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية ومنظّمتها الأم رابطة العمل الإسلامي، هما مصدران مهمّان بالنسبة إلى الجيل الجديد من الإرهابيين الإسلاميين السّنة .
عقيدة الجهاد والفكر الجهادي:
    حلّ الجهاد كفكرٍ وممارسةٍ في أماكن كثيرة، وأصبح يمتدّ عبر مساحات جغرافية واسعة ومترامية الأطراف. فنجد أن عبد الله عزام أقام مكتب خدمات المجاهدين في بيشاور سنة 1984 لتجنيد العرب من أجل محاربة السوفييت في أفغانستان، وسّمى واجب الدفاع عن بلاد الإسلام من دخول العدو إليها "بالنفير العام"، وهو يأتي في المرتبة الثانية بعد الواجب الرئيسي "الإيمان بالله".
    جال عزام في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1988 لجمع المال، وكان قد قال في خطاب له في أوكلاهوما: "إخوتي، بعد أفغانستان، لن يستعصي عنا بعد الآن أي شيء في العالم، فليس هناك أي قوة عظمى أو صغرى مهما كانت أمام قوة إرادتنا" . وقد أوضح بعد ذلك بعام أنّ حركته قد تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية قائلاً: عليكم أن ترغبوا في أن تجازفوا بالجهاد حيثما أمكنكم القيام به حتى في أمريكا ، لتصبح العمليات المسلّحة التي يدافع عنها لا تحدُّها حدود جغرافية.
   لقد أغدقت السعودية عبر أمرائها ومخابراتها، وكذلك عبر الهلال الأحمر السعودي، ورابطة العالم الإسلامي  على عزام بالأموال والتسهيلات. وبدوره كان عبد الله عزام قد أثّر في العديد من نفوس الشباب السعودي، فإلى جانب أُسامة بن لادن هناك أبو عبد العزيز "بارباوس" قائد المتطوّعين العرب في البوسنة خلال فترة التسعينات، كما تأثّر به أحد الإخوان المسلمين وهو الأردني عبد الرحمن خليفة، الذي ترآس مكتب رابطة العالم الإسلامي في بيشاور، والمتزوّج من إحدى بنات أسامة بن لادن . والسعودي وائل حمزة جليدان الموظف في رابطة العالم الإسلامي في باكستان (الذي التحق بعدها بشبكة بن لادن الإرهابية). كما التحق بالدكتور عزام في باكستان الشيخ عمر عبد الرحمن، الفقيه المصري الأعمى الذي درس في السعودية، وكان أحد المنخرطين في العمل الإرهابي ضد المركز التجاري العالمي .
    ومن الأفكار والأنماط التي يسير عليه الفكر الوهابي الجهادي، نجد أنّ الشيخ ابن باز نشر مدّعياً أن القرآن يقول: إنّ الشمس تدور حول الأرض، لا العكس ، كما أن كتاباته تتّصف بالعدائية لكل من المسيحيين واليهود، وهو متشدّد في موضوع الجهاد، جهاد النفس وجهاد المال، مُعلناً أنّ الدول الإسلامية مسؤولة عن تشجيع المجاهدين ودعاة الإسلام في أفغانستان والفلبين، وفي أي مكان آخر، ومُحذّراً في الوقت ذاته الشباب السعودي من السفر إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية "بلدان الهرطقة"، لأنّ هذا السفر قد يصرفهم إلى طريق الشر.
    أما الشيخ محمد بن عبد الرحمن العريفي "إمام مسجد الملك فهد" قدّم أواخر سنة 2002، في أكاديمية الدفاع، خطابه المحرّض والمعروف بين الفقهاء السعوديين جاء فيه: سنحكم أرض الفاتيكان، سنحكم روما وندخل الإسلام إليها. نعم إنّ المسيحيين، الذين ينقشون الصلبان على صدور المسلمين في كوسوفو وقبل ذلك في البوسنة، وفي أماكن عديدة من العالم من قبل، سيدفعون الجزية صاغرين، أو يعتنقون الإسلام .
    إنّ التورّط السعودي يبدو واضحاً في قضايا الإرهاب ونشر الجهاد، فابن لادن كان على اتصال مع الأمير تركي الفيصل زميل الجامعة، "الذي أصبح رئيساً للمخابرات السعودية في سنة 1977"، كما كان الأمير تركي أيضاً على اتصال مباشر مع عبد الله عزام . 
    لقد ارتبط نشوء التشدّد الإسلامي في المملكة السعودية خلال عقود طويلة بنشوء المملكة ذاتها، ولم يعد ممكناً للسياسة السعودية أن تغيّر من هذا التشدّد حتى لو أرادت ذلك. فوجود عائلة آل سعود مستمدّ من الوجود الإسلامي، والوجود الإسلامي مستمرّ في تشددّه، وبالتالي يلتقي الاثنان في مصير واحد للبقاء أو التلاشي. ومن هنا فإنّ زوال التشدّد والسيطرة الدينية التكفيرية للأخرين والتحريض على قتلهم أو سبيهم وشرعية إبادة الكفار، هو سبب بقائهم. وهو ما أدّى بالضرورة إلى استفحال الإرهاب (الذي مصدره التعاليم الوهابية والتيمية المحميتان من قبل السلطتين السياسية والدينية في السعودية) وتطوّره في المنطقة.
    هذه الجماعات الإرهابية تتفق فيما بينها على اجتماع الجهل بدين الله، والجرأة على تكفير المسلمين وغير المسلمين واستباحة دمائهم، وظلم عباد الله، في حين أنها لا ترفع سيفاً ولا تطلق رصاصة في وجه أعداء الأمة الحقيقيين. فالأدوات والأساليب التي تستخدمها تلك الجماعات في جذب وتجنيد عناصرها، تستغل حافز الجنة الموعودة وتجذب أتباعها من خلال تصدير خطاب ديني واحد يعتمد السردية الجهادية التي تستقطب عدداً كبيراً ممن يفتقرون إلى الإحساس بالهوية، أو الانتماء من الشباب صغير السن والذي يرغب في المغامرة في إطار إسلامي دون وعى ولا بصيرة. أما الحافز الثاني الذي تستخدمه تلك الجماعات فهو "النساء" والذي يعد عنصراً هاماً في جذب العناصر لمثل هذه التنظيمات مّا يسهم في زيادة الأعداد المنضوية تحت لوائها. فقديماً استخدم الحشاشون الجواري ليمثلن دور الحور العين في الجنة، وحديثاً استخدم تنظيم منشقي القاعدة "داعش" ما يطلق عليه إعلامياً "جهاد النكاح". ففي حالة جماعة الحشاشين نجد أنهم استخدموا الأفيون والحشيش أداة لتغييب عقول أتباعهم وهو ما انعكس على أفعالهم وطاعتهم العمياء لأوامر أميرهم "حسن الصباح" وإيمانهم بقدرته الكاملة على النفع والضرر لهم. أما حديثاً فقد استخدم "داعش" مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل التكنولوجيا الحديثة ليؤثر على أتباعه، حيث تلعب هذه المواقع دوراً فعالاً للغاية في نشر الفكر المتطرف العنيف.
    تفيد تقديرات صدرت في آذار/مارس 2005 إلى أنّ الانتحاريين من الجنسية السعودية يمثّلون 61 % من منفّذي العمليات الإرهابية في العراق ، ولهذه المعلومات دلالات خطيرة، فبالإضافة إلى المعطى الرقمي، فهي توضّح حجم التعبئة الداخلية التي أنتجت هذه النسبة المتفوقة، وزجّت بتلك العناصر في محرقة الموت خارج الحدود.
    وبذلك تكون المملكة السعودية صاحبةَ الرقم الأكبر بعدد أعضائها في التنظّيمات المقاتلة التي تنتمي للفكر الوهابي الجهادي. ووفقاً لما جاء في نشرة  قسّمت تحليل جنسيات أعضاء القاعدة العرب كما يلي: 5000 سعودي، 3000 يمني، 2800 جزائري، 2000 مصري، 400 تونسي، 350 عراقي، 200 ليبي، عشرات الأردنيين.
    وقد ساعد على نمو الفكر الإرهابي قيام خيريات سعودية من أهمها:
1-    هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ – المفتي العام، عضو الديوان السعودي. ويتم دعمها وتغذيتها من خلال ما يسمى بالهبات المقدمة من العائلة الملكية السعودية. هذه الهيئة ارتبطت بأشخاص إرهابية مثل أسامة بن لادن سنة 1989، وزوج أخت أسامة بن لادن محمد جمال خليفة. والمشرف على تسيير مكاتب الفلبين أبي سياف، ومحمد الظواهري شقيق أيمن الظواهري. كما تورط الهيئة في كينيا. وفي الهند، وبانكيسي جورج.
2-    الندوة العالمية للشباب الإسلامي: الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ – وزير الشؤون الإسلامية – رئيس كتابة الندوة العالمية للشباب الإسلامي. كذلك يتم تغذيتها من هبات العائلة الملكية السعودية. هذه الندوة لديها مكتب للندوة في فرجينيا الشمالية.
3-    مؤسّسة الحرمين: الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ – وزير الشؤون الإسلامية، رئيس المجلس الإداري للمؤسسة. أيضاً يتم تغذيتها من هبات العائلة الملكية السعودية. وهي تمول عمليات القاعدة جنوب شرق آسيا.
    لقد شيَّدت السعودية خلال الفترة الممتدة بين 1982 و2002، ألفاً وخمسمئة مسجد، ومئتين وعشر مراكز إسلامية، وألفي مدرسة لتعليم أبناء المسلمين في البلدان غير المسلمة. ومنحت كراسي أكاديمية للدراسات الإسلامية في كلية هارفرد للحقوق، وفي جامعة كاليفورنيا "سانتا بابارا". ودعموا معاهد البحوث الإسلامية في الجامعات الأمريكية (في واشنطن): جامعات: هوارد – ديوك – جونز هوبكنز. كما دخلت الأكاديميات الإسلامية موسكو، وضاعفت الخيريات السعودية من نشاطها فيها خاصة بعد تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وموسكو.
    وسمحت المنظّمات الخيرية السعودية أن تنشر أجندتها السياسية والدينية في العالم. فدفعت ملايين الدولارات لمساعدة شركائها في أفغانستان، وفي تدريب وتمويل وتجنيد المقاتلين العرب وغيرهم في كامل أرجاء الأرض.
    نظر بعض المحقّقين الأمريكيين، أثناء دراسة هجمات 11/09، إلى الدور الداعم المُحتمل الذي لعبته المملكة العربية السعودية. إذ أنّ خمسة عشر إرهابياً من التسعة عشر، فضلاً عن قائدهم المحتمل أُسامة بن لادن ولِدوا في العربية السعودية، وفيها ترعرعوا. وكان ثلث السجناء الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب ضدّ تنظيم القاعدة حتى صيف 2002، هم من المواطنين السعوديين ، وأنّ السعودية هي إحدى ثلاث دول اعترفت ودعمت حكومة طالبان الأفغانية، التي آوت القاعدة أواخر التسعينات. بل ثمّة ملامح دعم سعودي أوسع لابن لادن، حيث تعرّفت مصادر استخباراتية عليا على أميرين سعوديين منَحا ابن لادن تمويلات منتظمة منذ سنة 1995 .
    وقد زعم "ديك غانون" الذي شغر منصب مدير العمليات في مكتب وزارة الخارجية لمحاربة الإرهاب حتى 08/1998، قائلاً: حصلنا على معلومات حول من يدعم ابن لادن، وفي العديد من الحالات، يرجع مصدره إلى العائلة الملكية "السعودية"، وأكّد "غانون" أنّ السبب يكمن في أنّ ثمة فِرَقاً في العائلة الملكية السعودية لا تُحبُّنا . وسواء نشأت هذه التمويلات عن معاداة أمريكا أو عن الحاجة إلى مال الحماية، ثمة تساؤل مفادُه أنّ هذين الأميرين السعوديين لم يُمنعا من أن يَخطُوَا هذه الخطوة.
    وحاول "سيمور م. هورش" أن يقدّم الحجّة ذاتها في تقارير التسجيلات الإلكترونية التي أنجزتها وكالة الأمن القومي الأمريكي: كشفت التسجيلات للمحلّلين أنّه مع حلول سنة 1996، كان المال السعودي يقدّم دعماً لقاعدة أسامة بن لادن وجماعات متطرّفة أُخرى في أفغانستان ولبنان واليمن وآسيا الوسطى وباقي منطقة الخليج "الفارسي" العربي، إذ قال لي مسؤول مخابراتي أمريكي: إن سنة 1996 هي سنة أساسية، حيث جمَّع "ابن لادن" كل الرجال الأشرار (أشبه بالتحالف الكبير) وامتلك القدرة على إدارة عمليات واسعة النطاق. كما قال: إن النظام السعودي انحاز إلى الجانب المظلم . وأكّدت مصادر استخباراتية أمريكية أنّ أميرين سعوديين كانا يسرّبان الدعم إلى ابن لادن. وقال المصدر: إنّه لا جدال في أنّهما اشتريا الحماية من ابن لادن، حيث قضت الصفقة أن يغضّا الطَّرْف عمّا يفعله في أي مكان (لا تنفّذ أيّة عمليات هنا، ولن نعطّلَها في أي مكان آخر)".
    ويعتقد مصدر سامٍ في إدارة كلينتون، أنّ السعوديين شرعوا في تقديم رواتب منتظمة خلال سنة 1995 (وهي سنة الهجوم على مقر الحرس الوطني السعودي) .
    فتاوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي، (درس على يد أحفاد محمد بن عبد الوهاب) الذي وصف أمريكا في موقعه الإلكتروني بأنها دولة كفر، وبأنّ من يساعدُها هو مرتد، وقد أيّد علناً "كتاب التأصيل" لمشروعية ما جرى لأمريكا من تدمير، فلم يدافع فقط عن هذه الهجمات، بل دعا كذلك إلى المزيد منها لتدمير أمريكا. والملفت هنا أنّ سلطات المملكة السعودية لم تمنع موقعه الإلكتروني مثلما فعلت مع آخرين خصوم لها، بل استنسخت كتابات الشعيبي، وتمّ توزيعها خارج مساجد سعودية عديدة . في الوقت الذي كانت فيه المملكة تتباطأ في التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية حول أهمّ خصائص الحرب ضد الإرهاب، ومن ذلك رفضها تجميد أصول أسامة بن لادن وشركائه، وتأخّرها في قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طالبان.
    وفي تصريح هو أشدّ خطورة، خطب الشيخ وجدي حمزة الغزاوي في أحد مساجد مكة بتاريخ 06/10/2001 مدافعاً عن مصطلح الإرهاب: الإرهاب المسموح به في الإسلام هو ضدّ المتخاذلين والمنافقين والعلمانيين، عقاباً لهم كما تأمر شريعة الله. فمعنى كلمة إرهاب الذي يستعمله الإعلام هو الجهاد في سبيل الله، الجهاد هو قمة الإسلام.
    أما الشيخ ناصر حمد الفهد "فقيه إسلامي سعودي" فقد أفتى في شهر أيار/مايو 2003 بجواز استعمال أسلحة الدمار الشامل ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية. ورأى أنّ استخدامها جائز ما دام موجّهاً ضدّ الكفار، وأنّ مثل هذه الضربة تشكّل شكلاً من أشكال الثأر على ما فعله الأمريكان بالمسلمين، مؤكّداً أنّ للمسلمين الحقّ في قتل عشرة ملايين أمريكي بسبب هذه الشرور .
    فضلاً عن ذلك، هناك من العلماء من يرى في الجهاد أنّه الركن السادس للإسلام (الحركة الدينية الوحيدة التي عرّفت الجهاد كركن سادس في الإسلام هي فرقة الخوارج، التي خرجت عن المجتمع الإسلامي في القرن السابع) .
    في أواخر التسعينات، كانت المساجد السعودية بمثابة مراكز لتحريض ديني آثم، حيث نادت باعتبار "المسيحية ديناً مشّوهاً ومحرّفاً" ، واعتُبرت الحوارات بين الأديان إثماً، وحُرِّمت على كثيرين الجمع بين الإسلام والتجديف، بين التوحيد والشرك، بين صراط الله المستقيم وطريق الشيطان . وبما أنّ المسيحيين واليهود كفار، فمن الجائز حسب الجوامع الدينية السعودية، هدم معاقلهم وحرقها وتدميرها . هذا التعصّب والتطّرف الديني الذي يؤيّد العنف والقتل وتكفير الآخرين، محميٌّ ومؤيدّ وموجّه من قبل السلطات السعودية.
    حاولت المملكة السعودية إنكار تورّط سعوديين في هجمات 11/09 رغم إثبات وجود خمسة عشر من بين المهاجمين التسعة عشر هم مواطنون سعوديون، حتى أنّ وزير دفاعهم الأمير سلطان قال لصحيفة السياسة الكويتية إنّه يشكّ في أن يكون ابن لادن وأتباعه وحدهم وراء هذا الحدث؟
    وبعد مضيّ عدة أشهر على هجمات 11/09، دعا الملك السابق عبد الله جميع فقهاء المملكة البارزين لاطلاعهم على محادثاته مع إدارة "بوش" وحذَّرهم قائلاً: تعرفون أنّنا نعيش أياماً عصيبة، عليكم أن تتصرّفوا باعتدال، وتزنوا كل كلمة تقولونها، فأنتم مسؤولون أمام الله والأمة الإسلامية .... فهل أدرك الملك السابق عبد الله أنّ ثمة علاقة بين الإرهاب والتحريض الديني في المساجد والكتب والتعليم، أم لأنّهم أصبحوا تحت مجهر الولايات المتحدة الأمريكية؟؟؟.  وبذلك حاول هذا الملك في حواره مع نيويورك تايمز، والواشنطن بوست أنْ يرفض الاعتراف بأية مسؤولية سعودية، معتبراً أنّ الجريمة وقعت من شخص شرير، وكأنّ المجرمين الإرهابيين لم يستلهموا أي شيء من تعاليم وفتاوى ومساجد السعودية؟
    كان تسليط الضوء على العنصر الأجنبي في نشاطات "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" استدراكاً مقصوداً، وكأن هناك من تنبّه إلى لفتة كانت غائبة ودليل براءة مهمل في قضية الاتهامات المتزايدة ضدّ التورّط السعودي في دعم الإرهاب في العالم. وبدأت السلطات الأمنية السعودية تعيد قراءة قوائم المطلوبين بغرض إبراز العناصر غير السعودية، مثل اليمني خالد حاج خليفة يوسف العييري المؤسس لتنظيم القاعدة في السعودية، وكذلك المغربي كريم التهامي، ويونس الحياري وغيرهم من جنسيات كويتية، وموريتانية، ويمنية، ومغربية، وتشاديه. وفي الوقت الذي عقدت فيه السعودية مؤتمرا دولياً بعنوان "موقف الإسلام من الإرهاب في نيسان/ابريل 2004" كانت عناصر سعودية تواصل عملياتها خارج الحدود وداخلها .
  اتهمت صحيفة "دير ستاندارد" النمساوية السعودية مباشرة بالتخريب والجرائم الوحشية التي يرتكبها الإرهابيون في المنطقة، قائلة: أنّ "الجماعات الإسلامية والجهادية المتطرّفة المدعومة من السعودية ترتكب أبشع الجرائم بحقّ المدنيين في سورية"، مشيرة إلى أنّ "المجموعات المسلّحة والمرتبطة بتنظيم القاعدة (النصرة) والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تعمل على تخريب البنية التحتية للدولة في سورية دون امتلاك أيّة استراتيجية سياسية.
    وفي الصحافة الأوروبية بمختلف توجهاتها تقول: إنّ الجهاديين يعبثون بأمن السوريين ويقتلون المدنيين، ويمعنون في تهجير السكان وتخريب البنية التحتية للدولة ويقاتلون بعضهم بعضاً بعد أن فشلوا في إسقاط الدولة السورية كما خطّطت السعودية لهم.
    لقد قرّبت الحرب على العراق المسافة بين الحكومة السعودية وحليفها السلفيّ الوهابي، وأصبحت الحكومة السعودية قادرة على استثمار الحرب لجهة إثبات جدارتها كخيارٍ لا بديل منه بالنسبة إلى هذا الحليف الذي وظّف جزءاً من خطابه الديني – السياسي مدّة عقد ونصف عقد من الزمن انقضت في نقد الحكومة. فرسالة الأخيرة إلى هذا الحليف على النحو الآتي: إنّ هجومكم علينا سيفضي إلى تقوية خصومكم العقائديين، أي الشيعة، المرشّح اعتلاؤهم سُدّة الحكم في العراق، المرشّح لأن يصبح دولة شيعية، فيما تتواصل حملتكم علينا في النقد والهجوم، وإنّ الخيار الضروري والأصلح لكم هو التمسّك بنا كملجأ سنّي قابل لمواجهة تحديات الخطر الشيعي القادم.
    إنّ توتُّر الأوضاع والتفجيرات الإرهابية التي لم تتوقّف في العراق وسورية والتي طالت لبنان واليمن ومصر وتونس أيضاً، تنبأ بالأسواء في القادم من الأيام، وقد تخرج الأوضاع عن السيطرة لتتحوّل إلى فوضى عارمة لن تستثني أحداً بما في ذلك الأردن وتركيا والسعودية ومشيخات الخليج.
    لقد أضحت المملكة السعودية مصنع الإرهاب، تقوم على تصدير الفكر العنيف والتدمير منذ عدة عقود من خلال القيادات والمقاتلين والتمويل عبر قناعات تتلخّص في امتلاكها إيديولوجية تحرير العالم من مستنقع الجاهلية، عن طريق الصواريخ والتفجيرات والسيارات المفخّخة، وخطف الطائرات، والاغتيالات، وغيرها. فعناصرها شربت وتغذّت من مائدة السُّلطة السعودية من مدارسها وجوامعها وإعلامها وفتاوى مشايخها وعلمائها، وأبنائهم الذين غرفوا من مناهلها، ولغتها ولباسها. فنشأ الإرهاب من داخلها وترعرع فيها، لأنها دولة لم تنشأ إلا على أساس الاستخدام المفرط للعنف، ولم تتوحّد إلا بالسيف والدم والترويع والخوف. وأمام هذا السلوك الهمجي كان لا بد من تصدير هذه الهمجية إلى أنحاء العالم في الوقت الذي لم يردعهم أحد في العالم. حيث بُليت بلدان عربية واسلامية بفكر دينيٍّ شديد التعصّب، ينشر راياته ومبادئه بالقتل والتدمير كوسيلة لإرغام الآخرين على تبنيه.
    وبالمقابل أصبحت السعودية تتوجّس خيفة من الحرب التي غذتها في العراق وسورية بسبب إمكانية ارتدادها عليها، فكثفّت من تدخّلها في الأنبار لتمكين الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من إعلان دولة سنّية مستقلّة عن العراق "وفق مخطّط معدّ سلفاً". فداعش هو تفشِّ فاضحٌ للوهابية السعودية متصاحبة مع فوضى عربية غامرة. لم يتشكّل داعش إلا جرّاء الأفعال الغربية المُفسدة للشرق الأوسط، حيث تمّ تدريبه على يد الاستخبارات الأمريكية والفرنسية والبريطانية، وتلقى التمويل من السعودية التي تمارس ذات أفعال داعش التي اعتادت على قطع الرؤوس، ولكن دون تسليط الأضواء عليها من قبل الإعلام الداخلي والدولي.
    فالسعودية أسّست للطائفية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالإعدامات التي قامت بها بحقّ الطوائف الأخرى في ظلّ غيابٍ تامٍّ للاهتمام الأمريكي. والمحتجّون الذين قاموا بمظاهرات في المنطقة الشرقية من المملكة كانت مطالبهم تتركّز على ضرورة تغيير بنية السلطة وإصلاح القضاء ووضع دستور للبلاد، إلا أنّ استجابة السعودية كانت عنيفة .
    ومن المدهش أنّه وبعد مرور سنوات عدة على أحداث 11/09، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الجهاديين (في سورية) الذين تعتبرهم جهاديين جيدين. إلا أنّهم الجهاديون أنفسهم الذين أسقطوا برجي التجارة العالميين، وهاجموا القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وهم الجماعة ذاتها التي تمارس الشرور في سورية. وهو أمر واضح للجميع ولم يعد سّراً .
المقال منشور في مجلة المعرفة | العدد 631 نيسان 2016

تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013