شواطىء ... خطي عربي المجلس الاجتماعي | شواطىء ... خطي عربي
تاريخ النشر: 24-01-2016 / 13:39:27

بقلم: محسن حسن
آراء الكتاب: اقتراب من الشواطئ ..  أبحرت في كتاب..نقترب من الشواطئ .....
تعاريف عِلم الاجتماع وماهيّته ،وضعتْ دراسات عديدة خاصّة في القرنين الأخيرين حول المجتمعات البشريّة ومسارات حركتها نظراً للظروف القاسية التي مرّت بها الإنسانية ، والتخبّطات الفكريّة ، والانحرافات السلوكية ، ففي الجانب المسيحي كان هناك ابتعاد كلّي عن أصل العقيدة المسيحيّة التي هي عقيدة سماوية إلهية تامّة غير ناقصة في زمان عيسى ( عليه السلام ) وصاحبها نبي مرسل من أولي العزم ، إلاّ أنّ التحريف الذي شوّه حقيقة هذا الدين وكتابه المقدّس جعل الزمان يتدخّل في الفكر العقائدي للمسيحية ، ويشتت وحدته إلى اعتقادات متشعبة متباينة في أُصولها لمصالحها الخاصة بالتعاون مع طبقة الملوك والأمراء والنبلاء والإقطاعيين ؛ لاعتبارات التوافق المصلحي لأولئك في تلك العصور ، فضاع الحق بين ثنايا الباطل ، وأصبحت الأُمم تسير في طُرق ومتاهات ومسالك خطرة ، لا نفع فيها لمستضعف أو مسكين ، ولا محافظة فيها على حريّة أو كرامة لإنسان ، بل العكس ، فقد حطّمت كلّ تلك الصور الروحيّة المُشرقة التي اعتبرتها خياليّة في عالم الدنيا ، وأصبحت النزعة الموجودة الرضا بهذه الأوضاع السيئة ؛ لأنّ الله فرضها عليهم ـ حسب ما اشبعوا الناس بهذه الفكرة المُميتة ـ فالتسلط للملوك والأمراء وغيرهم ، وللمجتمع العبوديّة ، والظلم الذي سلطه أولئك على الرعيّة.هو من الله تعالى ، وعلى العبد أن يتكيّف ويرضخ لِما وقع عليه من ظلم ؛ لأنّ الله هو الذي افترض هذا الأمر عليهم ( وحاشا لله أن يفعل ذلك ) ، وصوّروا أنّ الملوك هم ظلّ الله في أرضه ، وعلى الرعية الطاعة فقط ، وتحمل المشتاق ؛ لأنّ الدين لا يقبل التحدي والعصيان لكل من ( جعلهم الله ) ملوكاً على الخلق ، وسيجد المرء ثواب ذلك السكوت والتحمّل في الآخرة كاملاً غير منقوص عند الله ، بل بيعت قطع سكنيّة ، وأراض زراعية ، وقصور فارهة في الجنة ، عن طريق القساوسة ، بالإضافة إلى صكوك الغفران للعاصين من خلق الله والظالمين منهم . بهذا الفكر الجامد وعظوا الناس ، وساروا بهم سنين طويلة ، فتلك الطبقة المتسلّطة ترفل برفاهية العيش ونعيمه ، وكأنّهم تركوا الجنّة للفقراء من الناس هديّة منهم ، ورضوا هُم بالعيش المؤقّت في هذه الدنيا . فأيّة مهزلة هذه ؟! وأيّة سخرية بخلق الله تعالى ؟! وأيّ ظلم كبير ؟! أمّا في بلادنا الإسلامية ، فالحكّام ابتعدوا عن السير على ما رسمه القرآن والسنّة النبويّة الطاهرة ، حيث هجروا كتاب الله وعطلّوا سنّة نبيّه ، واتخذوا هواهم منهجا ، واتكئوا على طبقة من الوعّاظ الضالّين المُضلّين في تأويل الآيات وتحريف الأحاديث النبوية الشريفة ؛ حتّى يسهل أمر السيطرة على الأُمة ، وهو موضوع يشتمل على مباحث كثيرة لا أريد الخوض فيها والخروج عن صلب الموضوع المتعلّق ببحثنا وهو ( الاجتماع ) فالخلل إذن ليس في العقيدة وأصولها وفروعها أنّما في المسلك الخاطئ للحكّام الذين لا يهمّهم إلاّ منافعهم الخاصة ، والسيطرة على البلاد العباد . أمّا عند المسيحيّة ، فالخلل هو في العقيدة المُحرّفة ، والكتاب المختلف على نصوصه ، وكذلك في القيّمين على أُمور الدين ، والحكّام ، وعلى عكس ما هو موجود عند المسلمين الذين حافظوا على كتابهم وعقيدتهم من التحريف ، وبقوا على تمسكهم بديانتهم رغم الظُروف القاسية التي مرّوا بها ؛ وذلك لوجود (فيلسوف العصر) ومن معه ، الذين صانوا العقيدة والسُنّة النبويّة الطاهرة من التحريف والابتعاد عن أصلها ، بل كانوا يتّخذون موقع الهادي والمحافظ وتثبيت الحقائق وتوضيحها للناس ، فأصبحوا بذلك المرجعيّة الوحيدة والواقعيّة للمسلمين في ذلك الوسط المُرّ مع تلك المعاناة والصعوبات الشديدة التي رافقت مهمّتهم الرساليّة الكبرى ولا يذهبّن بالقارئ إلى تصورات غير صحيحة ، من أنّ العالم الإسلامي كان يعيش أيضاً في ظلام الجهل في تلك الفترات ، فهذا صحيح في الجانب السياسي ، أمّا الجانب الفكري والعقائدي والاجتماعي ، فهو غير ذلك وعكس ما يتصوره البعض ؛ لأنّ الدين الإسلامي عالم كامل في كافّة مجالاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها ، فهو لا يحتاج إلاّ للتطبيق العملي ، وقد أشبعه وأغناه الفقهاء بالتفاصيل والمباحث ، حيث لا تجد نقصا في أمر ما إذن ؛ الحالة المسيحية في أوربّا انتخبت تلك النظريّات الفكرية والانحرافات عن العقائد السماويّة بفعل تلك العوامل التي كانت موجودة في ذلك العصر ، وما يهمّنا هنا من النظريات الاجتماعية التي سنتطرق إلى بعضها سريعاً هو التعرّف على مضامينها وأهدافها ونقاط القوّة والضعف فيها ، ثُمّ نوضّح حجم الاستقاء الكبير من المفاهيم الإنسانيّة الموجودة في الفكر الإسلامي ، ومطابقة ذلك مع أصل موضوعنا وهو الفكر الاجتماعي عند(فيلسوف العصر) ،
 فنبدأ أولاً بذكر بعض التعاريف لعلم الاجتماع وماهيته: ثُمّ نظريات بعض العُلماء البارزين في هذا الحقل . لقد وُضعت تعاريف متعدّدة لعلم الاجتماع ، ولا نستطيع القول أنّه لم يتفق للآن على تعريف واحد لهذا العلم عند الجميع ، فكلّ تلك التعاريف لا تخلو من التقارب في المعاني والأهداف ، وعليه فإنّه ( يمكن القول أنّ علم الاجتماع : هو ذلك العلم الذي يدرس طبيعة العلاقات الاجتماعية وأسباب هذه العلاقات ونتائجها ، والعلاقة الاجتماعية حسب قول البروفسور مورس كنز برك : هي أيُّ اتصال أو تفاعل أو تجارب بين شخصين أو أكثر بغية سدّ إشباع حاجيات الأفراد الذين يُكوّنون هذه أو تلك العلاقة الاجتماعية )
أمّا دوركايم ، فيقول : ( ... علم الاجتماع هو الموضوع الذي يَدرس المجتمعات الإنسانيّة من ناحية نظمها ووظائفها ومستقبلها ، أو هو العلم الذي يدرس أصل وتطور المؤسسات الاجتماعية التي يُبنى منها التركيب الاجتماعي ) .ويقول البروفسور هوب هوس الذي يتّفق مع دوركايم في دراسة مروفولوجية وفسيولوجية المجتمعات : ( هي دراسة المجتمعات البشريّة من ناحية نموّها وتركيبها واضمحلالها وضعفها ، مع التطرّق إلى دراسة تأريخها وعلاقاتها المشتركة )
 أمّا ادووستر مارك : فيُعرّف علم الاجتماع ( بأنّه : الموضوع الذي يدرس المؤسسات الاجتماعيّة دراسة مُقارنة ) ، إلاّ أنّه يختلف عن زميله هوب هوس في عدم اهتمامه بمشاكل موضوع التقدّم الاجتماعي إلاّ ( أنّ اصطلاح ( علم الاجتماع ) قد ابتكره الفيلسوف ( أوجيست كُنت 1798 ـ 1857 م ) ( August Conte ) ، وهو يستعمل في معانٍ مُختلفة جداً ، بحيث يتعسّر معه تقديم تعريف له ، وكما يقول عالم الاجتماع الفرنسي المعاصر ( ريمون بودن Ragmons Boudon ) : ( عندما نُحاول تعريف عِلم الاجتماع ، فإنّنا نتذكّر فوراً حديث ريمون آرون الطريف ، حيث يقول : إنّ علماء الاجتماع لا يختلفون إلاّ على نقطة واحدة ، وهي صعوبة تعريف علم الاجتماع ) ، وأحياناً يُطلق ( علم الاجتماع ) على ( جميع العلوم الاجتماعية التوصيفيّة المهتمّة بالشؤون الاجتماعيّة للإنسان ) ، ومن هُنا فهو يصبح مُرادفاً ( للعلوم الاجتماعيّة ) ، ويكون ( علم الاجتماع ) بهذا المعنى شاملاً لكثير من العلوم ، ومن جُملتها : الجغرافية الإنسانيّة ، والجغرافية البشريّة ، وعلم الإحصاء ، وعلم الاقتصاد ، والسياسة ، ومعرفة الإنسان ، والتاريخ ، وعلم اللغة . فعندما يقول جورج گورفيج ، الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي ( 1894 ـ 1965 ) : على أيّ حال ، فنحن نعد الاثنولوجيا جزءاً من علم الاجتماع ؛ لأنّ متعلّق البحث فيها هو معرفة الصور النوعيّة للمُجتمعات التي تُسمّى بالقديمة ، وحينما يقول عالم الاجتماع الفرنسي الأستاذ هنري مندراس : إنّ علم الاجتماع في رأينا يشمل على الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي ودراسة الشعوب معاً ، فإنهما يقصدان هذا المعنى العام ( علم الاجتماع ) وهناك مَن اعتبر أنّ ( المهمّة التاريخية للعلوم الاجتماعية هي مساعدة الإنسان في السيطرة على المجتمع ) . ويمكن أن نقول : إنّ علم الاجتماع بصورة إجمالية يبحث في السبل الصحيحة لبناء المجتمعات باتّباع المناهج العلميّة والدراسات التطبيقيّة بالترابط مع بقيّة العلوم الأُخرى الاجتماعية منها بالذات . إلاّ أنّ هناك من يهتم بالعلاقات الاجتماعية ويعتبرها الحلقة المهمّة في مفهوم هذا العلم ، فيرى ( أنّ دراسة العلاقات الاجتماعية التي يهتمّ بها علم الاجتماع المعاصر : هي دراسة تتطلب فحص المجتمع برمّته بغية التطلّع إلى أنماط علاقاته الاجتماعية التي لها أسباب مختلفة كالعلاقات التي تسبّبها العوامل والظروف الاقتصادية والتصوّف والتديّن ، والعلاقات المتنوعة الأهداف والمقاصد تشكّل حقل علم الاجتماع الواسع الذي يهتم بدراسة حياة الإنسان بأكملها ، هذه الحياة التي تتشعّب إلى نشاطات الإنسان المبذولة في سبيل المحافظة على كيانه ووجوده من الفقدان والضياع ، وحقل عِلم الاجتماع يمتد إلى القوانين والأحكام التي تُنظّم السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية بين أعضاء المجتمع ، ويدخل في دراسة نُظم المعرفة والمعتقدات والفنون الجميلة والأخلاق والأديان والفلسفة دراسةً وصفية تحليليّة تعتمد على ما يمكن في هذه المواضع مع التطرّق إلى القوى والعوامل التي تعمل على سكونها أو حركتها ) ( وترتيباً على ذلك ، فإنّ موضوع علم الاجتماع هو ( بنو الإنسان في وجودهم الذي يقوم على الاعتماد المُتبادل ) ، وليس معنى ذلك أنّ موضوعه هو جسم الإنسان وما تقوم به أعضاء هذا الجسم من وظائف ، وإنّما يقوم موضوعه على الاهتمام بما يحدث عندما يقابل إنسان إنساناً آخر ، أو عندما يشكّل الناس جموعاً أو جماعات ، أو عندما يتعاونون ويقتتلون ، أو يتحكّم بعضهم في بعض ، أو يُحاكي بعضهم البعض الآخر ، أو يطوّرون الثقافة أو يقوّضونها ، إنّ وحدة موضوع علم الاجتماع ليست على الإطلاق فرداً واحد ، ولكنّها تتمثّل ـ على الأقل في فردين يكونان معاً ـ على علاقة بشكل ما )  الجزء الثاني من أبحرت في كتاب... يتبع ..... خطي عربي.

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013